تحمیل PDF هویة الکتاب الفهرست
«« الصفحة الأولی    « الصفحة السابقة    الجزء:    الصفحة التالیة »    الصفحة الأخیرة»»
اسم الکتاب: التقیة فی الاسلام    المؤلف: عبدالله نظام    الجزء: ۱    الصفحة: ٦٠   

الظُّلْمُ مِنْ شِیَمِ النُّفُوسِ فَإنْ تَجِدْ*** ذَا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا یَظْلُم: . والبیت من قصیدة لأبی الطیّب المتنبی, مطلعها: لهوى النُّفُوسِ سَریرَةٌ لا تُعْلَمُ. [البرقوقی, عبد الرحمن, شرح دیوان المتنبی: مکتبة نزار مصطفى الباز, المملکة العربیة السعودیة, 1422هـ, 2002م, ج2, قافیة المیم, ص1143].
وإذا أُلبست الأنا لبوس الدین, وارتدت ثوب القداسة فیما تقول وتعمل وترى, سوَّغت لنفسها کل ما تقترفه من خطایا بحق الآخرین, مع علمها وجهلها على حدٍ سواء, فإن کانت جاهلةً واقع حالها, مضت فی معرکتها معتبرة أنها تنصر ما هو حقّ وعدل, وإن کانت عالمةً بتجاوزها وخطئها, فالأمر سهل ویقبل التبریر, بادعاء أنها إنما ترید بذلک سدَّ ذرائع الفساد, وتسعى إلى اجتثاث الباطل, مما یغتفر معه الوقوع بشیء من الظلم, حتى لم یرَ بعضهم مشکلةً فی قتل الأبریاء, زعماً منه أنه یعجّل بهم إلى الجنة.
إن الحقیقة عند الکثیرین - ولاسیما فی الشرق - ملک شخصیّ, یدَّعیها کلٌّ لنفسه, دون أن یقدِّم دلیلاً کافیاً لإثبات مدَّعاه, ولو بقیت القضیة ادعاءً شخصیاً بحقانیة مقالة أو رأی, لسهل الأمر وحلّ على طریقة أعطه جَمَله, أو على أساس أن اختلاف الرأی لا یفسد فی الودّ قضیة, ولکن اختلاف الرأی فی مسألة کثیراً ما یتحوّل إلى خلاف عمیق بین الأفراد والجماعات, وإذا تمکَّن أحد من قهر الآخرین وإلزامهم بفکره ورأیه, فإنه لا یدَّخر وسعاً للقیام بذلک, لذا نرى فی الشرق میلاً عاماً نحو هیمنة الفرد بکل مظاهرها, السیاسیة, والاقتصادیة, والثقافیة, والعلمیة, والاجتماعیة:. والعجیب أنه کیف یجرؤ بعض المتقدِّسین, ومدَّعو العلم, برفع سیفه والإفتاء بقتل الناس, بدعوى أنهم من الضَّالین أو المبطلین, ویفعلون ذلک لمجرد اجتهادات ظنّیة, وأحکام شخصیّة, وخیال بامتلاک الحقیقة, ودون أن یسألوا أنفسهم ماذا لو کان هذا السیف بید الطرف الآخر, الذی قد یبادلهم أیضاً ذات النظرة ویراهم من الضَّالین والمفسدین والمارقین من الدین ؟!, أولیس هذا تشریعاً للاحتراب على مستوى الإنسانیة, وتشریعاً للقتل والعنف على مستوى أبناء الدین الواحد للاختلافات المذهبیة, وتأصیلاً لجعل العنف هو الأساس فی الحیاة الإنسانیة والدینیة ؟.لقد آن الأوان لمنع أصحاب البداوة الفکریة والاجتماعیة من إصدار أحکامهم اللاإنسانیة واللادینیة, وقد بیَّن الله تعالى حالهم عندما وصفهم فی کتابه الکریم: ﴿ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ کُفْراً وَ نِفَاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاَّ یَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ‌ (97) ﴾ [التوبة], والأعراب هم أهل البوادی من کل عرق وجنس, وهم محدودون فی تفکیرهم, تمتلکهم أهواؤهم وأعرافهم, وتؤثِّر علیهم خشونة طباعهم, وضیق حیاتهم, ولنا أن نسأل لماذا ترتبط الحدود الشرعیة فی الخمر والزنا والقصاص بولیّ أمر المسلمین دون سائر الناس مهما علت رتبتهم, ولماذا یکون التکفیر وحلیّة الدماء والأعراض والأموال بید کل أحد, یرمی به من یشاء ؟!..


«« الصفحة الأولی    « الصفحة السابقة    الجزء:    الصفحة التالیة »    الصفحة الأخیرة»»
 تحمیل PDF هویة الکتاب الفهرست