تحمیل PDF هویة الکتاب الفهرست
«« الصفحة الأولی    « الصفحة السابقة    الجزء:    الصفحة التالیة »    الصفحة الأخیرة»»
اسم الکتاب: مجمع البيان في تفسير القرآن - المجلد ۱    المؤلف: الشيخ الطبرسي    الجزء: ۱    الصفحة: ۱۱٠   

(1) -

النظم‌

و أما نظم هذه السورة فأقول فیه أن العاقل الممیز إذ عرف نعم الله سبحانه بالمشاهدة و کان له من نفسه بذلک أعدل شاهد و أصدق رائد ابتدأ بآیة التسمیة استفتاحا باسم المنعم و اعترافا بإلهیته و استرواحا إلى ذکر فضله و رحمته و لما اعترف بالمنعم الفرد اشتغل بالشکر له و الحمد فقال اَلْحَمْدُ لِلََّهِ و لما رأى نعم الله تعالى على غیره واضحة کما شاهد آثارها على نفسه لائحة عرف أنه رب الخلائق أجمعین فقال رَبِّ اَلْعََالَمِینَ و لما رأى شمول فضله للمربوبین و عموم رزقه للمرزوقین قال اَلرَّحْمََنِ و لما رأى تقصیرهم فی واجب شکره و تعذیرهم فی الانزجار عند زجره و اجتناب نهیه و امتثال أمره و أنه تعالى یتجاوز عنهم بالغفران و لا یؤاخذهم عاجلا بالعصیان و لا یسلبهم نعمه بالکفران قال اَلرَّحِیمِ و لما رأى ما بین العباد من التباغی و التظالم و التکالم و التلاکم و أن لیس بعضهم من شر بعض بسالم على أن وراءهم یوما ینتصف فیه للمظلوم من الظالم فقال مََالِکِ یَوْمِ اَلدِّینِ و إذا عرف هذه الجملة فقد علم أن له خالقا رازقارحیما یحیی و یمیت و یبدئ و یعید و هو الحی لا یشبهه شی‌ء و الإله الذی لا یستحق العبادة سواه و لما صار الموصوف بهذا الوصف کالمدرک له بالعیان المشاهد بالبرهان تحول عن لفظ الغیبة إلى لفظ الخطاب فقال إِیََّاکَ نَعْبُدُ و هذا کما أن الإنسان یصف الملک بصفاته فإذا رآه عدل عن الوصف إلى الخطاب و لما رأى اعتراض الأهواء و الشبهات و تعاور الآراء المختلفات و لم یجد معینا غیر الله تعالى سأله الإعانة على الطاعات بجمیع الأسباب لها و الوصلات فقال وَ إِیََّاکَ نَسْتَعِینُ و لما عرف هذه الجملة و تبین له أنه بلغ من معرفة الحق المدى و استقام على منهج الهدى و لم یأمن العثرة لارتفاع العصمة سأل الله تعالى التوفیق للدوام علیه و الثبات و العصمة من الزلات فقال اِهْدِنَا اَلصِّرََاطَ اَلْمُسْتَقِیمَ و هذا لفظ جامع یشتمل على مسألة معرفة الأحکام و التوفیق لإقامة شرائع الإسلام و الاقتداء بمن أوجب الله طاعته من أئمة الأنام و اجتناب المحارم و الآثام و إذا علم ذلک علم أن لله سبحانه عبادا خصهم بنعمته و اصطفاهم على بریته و جعلهم حججا على خلیقته فسأله أن یلحقه بهم و یسلک به سبیلهم و أن یعصمه عن مثل أحوال الزالین المزلین و الضالین المضلین ممن عاند الحق و عمی عن طریق الرشد و خالف سبیل القصد فغضب الله علیه و لعنه و أعد له الخزی المقیم و العذاب الألیم أو شک فی واضح الدلیل فضل عن سواء السبیل فقال صِرََاطَ اَلَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ غَیْرِ اَلْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَ لاَ اَلضََّالِّینَ .


«« الصفحة الأولی    « الصفحة السابقة    الجزء:    الصفحة التالیة »    الصفحة الأخیرة»»
 تحمیل PDF هویة الکتاب الفهرست