ابن الوردي


زين الدين عمر بن مظفر بن عمر البكري الحلبي، المعري، المعروف بـ(ابن الوردي)، ولد سنة 691هـ في معرة النعمان، ونشأ في حلب، وتعلّم وتفقّه في حماة وفاق أقرانه، وأصبح قاضياً في شيزر، ثم في منبج، دخل الشام في مطلع حياته، فقيراً رث الهيئة، فحضر مجلس القاضي نجم الدين بن صصري من جملة الشهود، فاستخفّت به الشهود، وأجلسوه في طرف المجلس، فحضر في ذلك اليوم مبايعة مشتري ملك، فقال بعض الشهود: أعطوا المعري يكتب هذه المبايعة – على سبيل الاستهزاء به – فقال ابن الوردي: أكتبه لكم نظماً أو نثراً؟ فتزايد استهزاؤهم به، فقالوا له: بل اكتب لنا نظماً، فأخذ ورقةً وقلماً، وكتب فيها نظماً لطيفاً أوله:
 
باسم إله الخلق هذا ما اشترى
        محمد بن يونس بن شنفرى

من مالك بن أحمد بن الأزرق
        كلاهما قد عُرف من جلّق

فباعه قطعة أرضٍ واقعة
        بكورة الغوطة وهي جامعة
 

ونظم الشعر ارتجالاً فنال مقاماً لدى الحاضرين، واعتذروا منه، عُرف بثقافته الواسعة وتصانيفه الكثيرة في التاريخ والجغرافية والفقه واللغة والنحو، وعندما سأله بعض الناس عن مذهبه قال في ذلك شعراً:

فيا سائلي عن مذهبي إن مذهبي
        ولاءٌ به حب الصحابة يُمزج

فمن رام تقويمي فإني مقوّمٌ
        ومن رام تعويجي فإني معوج
(تاريخ ابن الوردي ج1 ص260، أدب الطف ج4 ص201. )

ويقول في مقامٍ آخر:

وما لي إلا حب آل محمدٍ
        فكم جمعوا فضلاً؟ وكم فُضلوا جمعا

محبتهم ترياق زلاتي التي
        تخيّل لي من سحرها أنها تسعى
(تاريخ ابن الوردي ج1 ص326. )
 

 أشهر قصائده لاميته المشهورة في سبعين بيتاً يقول فيها:
 
اعتزل ذكر الأغاني والغزل
        وقلِ الفصل وجانب من هزل

واهجر الخمرة إن كنت فتى
        كيف يسعى في جنونٍ من عقل

واتق الله فتقوى الله ما
        جاورت قلب امرئٍ إلا وصل

ليس من يقطع طُرقاً بطل
        إنما من يتق الله البطل

اطلب العلم ولا تكسل فما
        أبعد الخير على أهل الكسل

لا تقل أصلي وفصلي أبداً
        إنما أصل الفتى ما قد حصل

قيمة الإنسان ما يحسنه
        أكثر الإنسان منه أو أقل


وقد اقتبس الشاعر ابن الوردي قوله: (قيمة الإنسان ما يحسنه) من كلام الإمام علي بن أبي طالب (ع) حيث قال: قيمة كل امرئٍ ما يحسنه (نهج البلاغة الحكمة 78، أدب الطف ج4 ص203. ).

وقال عن الدنيا بصورة حوار مقتبساً من كلام أمير المؤمنين علي (ع):

قلت لدنياي لمَ ظلمتي بني
                         علي المرتضى أبي حسنِ

قالت أما تنصف لطائفةٍ
                        أبوهم بالثلاث طلقني
 

وقال في الإمام الحسين (ع) :

أَرَأسُ السبطِ يُنقل والسبايا
        يُطافُ بها وفوقَ الأرض رأس

وما لي غير هذا السبي ذخرٌ
        وما لي غير هذا الرأس رأس
(تاريخ ابن الوردي ج1 ص232)

وقال أيضاً:

لِمَ لا ترُقُّ لِدمعِ عينٍ مارَقَا
        وجوارحُ جرحيْ وبالٍ قد بُلي

موتي حسينيٌّ بها وملامكم
        فيها يزيد وقدرها عندي علي
( مجلة الموسم العددان 87-88 ص197 نقلاً عن أدب الطف ج4 ص201. )

وقال مخاطباً أهل بيت النبوة:

يا آل بيت النبي من بُذلت
        في حبكم روحه فما غبنا

من جاء عن بيته يُساءلكم
        قولوا: له البيت ولا حديث لما
(موسوعة المورد ج5 ص155، تاريخ ابن الوردي ج1 ص271. )

من آثاره:
1.    ألفية ابن مالك في تعبير المقامات وتسمى: (الألفية الوردية في تعبير الرؤيا)، وتسمى أيضاً: (ضوء درة الأحلام في تعبير المنام)، طبعت في القاهرة مرتين الطبعة الأولى بمطبعة بولاق سنة 1225هـ/1908م، والطبعة الثانية بمطبعة الشرق سنة 1303هـ بـ(64) صفحة.
2.    بهجة الحاوي وتسمى: (البهجة الوردية).
3.    تتمة المختصر في أخبار البشر: وهو ذيل لتاريخ أبي الفداء، ويُعرف بـ(تاريخ ابن الوردي)، طبع الكتاب في القاهرة في المطبعة الحسينية سنة 1325هـ/1907م، وطبع بالنجف الأشرف بالمطبعة الحيدرية سنة 1969م، وطبعة ثالثة بتحقيق أحمد رفعت البدرواي صدرت في بيروت سنة 1389هـ/1970م.
4.    التحفة، وتسمى: (النفحة الوردية)، وهي أرجوزة في النحو، عدد أبياتها (150) بيتاً، مطلعها:
لله شكراً أبداً وحمدي
        مصلياً على النبي العربي
طبعت في ألمانيا سنة 1891م بـ(44) صفحة.
5.    خريدة العجائب وفريدة الغرائب: مجلد أوله في ذكر الأقاليم والبلدان، والباقي في أحوال المعادن والنبات والحيوان، وقد طبع عدة مرات.
6.    مناظرتان بين السيف والقلم لابن نباتة وابن الوردي: تحقيق هلال ناجي، بحث في مجلة المورد مؤلف من (15) صفحة، العدد الرابع، مجموعة (12)، صدر في بغداد عام 1983م.
7.    نصيحة الإخوان، أو (لامية ابن الوردي): طبعت مع شرح عليها لمسعود القونوي في مصر سنة 1307هـ/1889م.
8.    الكواكب السارية في مائة جارية: مقطوعات شعرية، طبعت في القاهرة سنة 1936م.
9.    ديوان ابن الوردي: طبع في استنبول، نظارة المعارف، مطبعة الحوائب سنة 1300هـ/1882م بتحقيق الدكتور أحمد فوزي إلهيب.
إضافةً إلى كتبٍ أخرى في مختلف المواضيع لا زالت مخطوطةً حتى الآن.
توفي سنة 749هـ بسبب مرض الطاعون الذي أصاب حلب، بعد رحلةٍ مصحوبةٍ بالزهد والعلم والأدب، ودفن في تربة الصالحين ملاصقاً لأخيه جمال الدين (أعلام النبلاء ج5 ص13، شذرات الذهب ج6 ص161، البدر الطالع ج1 ص514-515، روضات الجنات ج5 ص317، الأعلام ج5 ص67، فوات الوفيات ج2 ص229. ).