۲٠۲٣/٠٦/٠۱ ۲۱:٤۸:۱۷
قصة النبي موسى (ع) (2)


موسى (ع) وحكاية المظلومين

وهنا نواجه مرحلة أخرى من قصة موسى (ع) وما جرى له مع فرعون، وفيها مسائل تتعلق ببلوغه، وبعض الأحداث التي شاهدها وهو في مصر قبل أن يتوجه إلى "مدين" ثم سبب هجرته إلى مدين.

 إن موسى ﴿دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا﴾(11).

 فما هي المدينة؟ لا نعرفها على وجه التحقيق .. لكن الإحتمال القوي أنها عاصمة مصر .. وكما يقول البعض فإن موسى (ع) على أثر المشاجرات بينه وبين فرعون، ومخالفاته له ولسلطته التي كانت تشتد يوما بعد يوم حتى بلغت أوجها، حكم عليه بالتبعيد عن العاصمة .. لكنه برغم ذلك فقد سنحت له فرصة خاصة والناس غافلون عنه أن يعود إلى المدينة ويدخلها.

 والمقصود من جملة ﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ هو الزمن الذي يستريح الناس فيه من أعمالهم، ولا تراقب المدينة في ذلك الحين بدقة، ولكن أي حين وأي زمن هو؟!

 قال بعضهم: هو أول الليل، لأن الناس يتركون أعمالهم ويعطلون دكاكينهم ومحلاتهم إبتغاء الراحة والنوم، وجماعة يذهبون للتنزه، وآخرون لأماكن أخرى.

وعلى كل حال، موسى دخل المدينة، وهنالك واجه مشادة ونزاعا، فاقترب من منطقة النزاع ﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾.

 والتعبير بـ "شيعته" يدل على أن موسى قبل أن يبعث كان له أتباع وأنصار وشيعة من بني إسرائيل، وربما كان قد إختارهم لمواجهة فرعون وحكومته كنواة أساسية.

 فلما بصر الإسرائيلي بموسى استصرخه ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾.

 فجاءه موسى (ع) لاستنصاره وتخليصه من عدوه الظالم .. الذي يقال عنه أنه كان طباخا في قصر فرعون، وكان يريد من الإسرائيلي أن يحمل معه الحطب إلى القصر، فضرب موسى هذا العدو بقبضة يده القوية على صدره، فهو إلى الأرض ميتا في الحال: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾.

 ومما لاشك فيه، فأن موسى لم يقصد أن يقتل الفرعوني، ويتضح ذلك من خلال الايات التالية أيضا .. ولا يعني ذلك أن الفراعنة لم يكونوا يستحقون القتل، ولكن لاحتمال وقوع المشاكل والتبعات المستقبلية على موسى وجماعته.

 لذلك فإن موسى (ع) أسف على هذا الأمر ﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ﴾.

 وبتعبير آخر: فإن موسى (ع) كان يريد أن يبعد الفرعوني عن الرجل الإسرائيلي، وإن كان الفرعونيون يستحقون أكثر من ذلك. لكن ظروف ذلك الوقت لم تكن تساعد على مثل هذا العمل، وكما سنرى فإن ذلك الأمر دعى موسى (ع) إلى أن يخرج من مصر إلى أرض مدين وحرمه من البقاء في مصر.

 ثم يتحدث القرآن عن موسى (ع) فيقول: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(12).

 ومن المسلم به أن موسى (ع) لم يصدر منه ذنب هنا، بل ترك الأولى، فكان ينبغي عليه أن يحتاط لئلا يقع في مشكلة، ولذلك فإنه استغفر ربه وطلب منه العون، فشمله اللطيف الخبير بلطفه.

 لذلك فإن موسى (ع) حين نجا بلطف الله من هذا المأزق ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾(13) من عفوك عني وانقاذي من يد الأعداء وجميع ما أنعمت علي منذ بداية حياتي لحد الآن ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ﴾. ومعينا للظالمين.

 بل سأنصر المؤمنين المظلومين، ويريد موسى (ع) أن يقول: إنه لا يكون بعد هذا مع فرعون وجماعته أبدا .. بل سيكون إلى جانب الإسرائيليين المضطهدين .."(14).

 موسى يتوجه إلى مدين خفية

حيث أن خبر مقتل الفرعوني في مصر انتشر بسرعة، والقرائن المتعددة تدل على أن القاتل من بني إسرائيل، ولعل اسم موسى (ع) كان مذكورا من بين بني إسرائيل المشتبه فيهم.

 وبالطبع فإن هذا القتل لم يكن قتلا عاديا، بل كان يعد شرارة لانفجار ثورة مقدمة للثورة .. ولا شك أن جهاز الحكومة لا يستطيع تجاوز هذه الحالة ببساطة ليعرض أرواح الفرعونيين للقتل على أيدي عبيدهم من بني إسرائيل.

 لذلك يقول القرآن في بداية هذا المقطع ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾(15).

 وهو على كل حال من الترقب والحذر، فوجئ في اليوم التالي بالرجل الإسرائيلي الذي آزره موسى بالأمس يتنازع مع قبطي آخر وطلب من موسى أن ينصره ﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾.

 ولكن موسى تعجب منه واستنكر فعله و﴿قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ﴾ إذ تحدث كل يوم نزاعا ومشادة مع الآخرين، وتخلق مشاكل ليس أوانها الآن، إذ نحن نتوقع أن تصيبنا تبعات ما جرى بالأمس، وأنت اليوم في صراع جديد أيضا!!

 ولكنه كان على كل حال مظلوما في قبضة الظالمين (وسواء كان مقصرا في المقدمات أم لا) فعلى موسى (ع) أن يعينه وينصره ولا يتركه وحيدا في الميدان، ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا﴾(16) صاح ذلك القبطي: ﴿يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ ويبدو من عملك هذا أنك لست إنسانا منصفا ﴿إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾.

 وهذه العبارة تدل بوضوح على أن موسى (ع) كان في نيته الإصلاح من قبل، سواء في قصر فرعون أو خارجه، ونقرأ في بعض الروايات أن موسى (ع) كانت له مشادات كلامية مع فرعون في هذا الصدد، لذا فإن القبطي يقول لموسى: أنت كل يومتريد أن تقتل إنسانا، فأي إصلاح هذا الذي تريده أنت؟! في حين أن موسى (ع) لو كان يقتل هذا الجبار، لكان يخطو خطوة أخرى في طريق الإصلاح..

 وعلى كل حال فإن موسى إلتفت إلى أن ما حدث بالأمس قد إنتشر خبره، ومن أجل أن لا تتسع دائرة المشاكل لموسى فإنه أمسك عن قتل الفرعوني في هذا اليوم.

 قرار قتل موسى

ومن جهة أخرى فإن الأخبار وصلت إلى قصر فرعون فأحس فرعون ومن معه في القصر أن تكرار مثل هذه الحوادث ينذره بالخطر، فعقد جلسة شورى مع وزرائه وانتهى "مؤتمرهم" إلى أن يقتلوا موسى، وكان في القصر رجل له علاقة بموسى فمضى إليه وأخبره بالمؤامرة .. وكما يقول القرآن الكريم: ﴿وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾(17).

 ويبدو أن هذا الرجل هو "مؤمن آل فرعون" الذي كان يكتم إيمانه ويدعى "حزقيل" وكان من أسرة فرعون، وكانت علاقته بفرعون وثيقة بحيث يشترك معه في مثل هذه الجلسات.

 وكان هذا الرجل متألما من جرائم فرعون، وينتظر أ، تقوم ثورة "إلهية" ضده فيشترك معها.

 ويبدو أنه كان له أمل كبير بموسى (ع) إذ كان يتوسم في وجهه رجلا ربانيا صالحا ثوريا، ولذلك فحين أحس بأن الخطر محدق بموسى أوصل نفسه بسرعه إليه وأنقذه من مخالب الخطر، وسنرى بعدئذ أن هذا الرجل لم يكن في هذا الموقف فحسب سندا وظهيرا لموسى، بل كان يعد عينا لبني إسرائيل في قصر فرعون في كثير من المواقف والأحداث.

 أما موسى (ع) فقد تلقى هذا الخبر من هذا الرجل بجدية وقبل نصحه ووصيته في مغادرة المدينة ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾(18).

 وتضرع إلى الله بإخلاص وصفاء قلب ليدفع عنه شر القوم و﴿قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.

 فأنا أعلم يارب أنهم ظلمة ولا يرحمون، وقد نهضت -دفاعا عن المحرومين- بوجه الظالمين، ولم آل جهدا ووسعا في ردع الأشرار عن الإضرار بالطيبين، فأسألك -يا ربي العظيم- أن تدفع عني أذاهم وشرهم.

 ثم قرر موسى (ع) أن يتوجه إلى مدينة "مدين" التي كانت تقع جنوب الشام وشمال الحجاز، وكانت بعيدة عن سيطرة مصر والفراعنة.

 أين كانت مدن؟!

"مدين": اسم مدينة كان يقطنها "شعيب" وقبيلته، هذه المدينة كانت تقع في شرق خليج العقبة (وشمال الحجاز وجنوب الشامات) وأهلها من أبناء إسماعيل "الذبيح" ابن إبراهيم الخليل (ع)، وكانت لهم تجارة مع مصر وفلسطين ولبنان.

 أما اليوم فيطلق على "مدين" اسم "معان"(19). وفي الوقت الحاضر يبدو في الخرائط الجغرافية للأردن أن إحدى مدنها في الجنوب الغربي منها، واسمها "معان" تحمل الأوصاف ذاتها التي كانت في مدين .. وتنطبق عليها تماما.

 لكن موسى شاب تربى في نعمة ورفاه ويتجه إلى سفر لم يسبق له في عمره ان يسافر إليه، فلا زاد ولا متاع ولا صديق ولا راحلة ولا دليل، وكان قلقا خائفا على نفسه، فلعل أصحاب فرعون سيدركونه قبل أن يصل إلى هدفه "مدين" ويأسرونه ثم يقتلونه .. فلا عجب أن يظل مضطرب البال!

 أجل، إن على موسى (ع) أن يجتاز مرحلة صعبة جدا، وأن يتخلص من الفخ الذي ضربه فرعون وجماعته حوله ليصطادوه، ليستقر أخيرا إلى جانب المسضعفين ويشاطرهم آلامهم بأحاسيسه وعواطفه، وأن يتهيأ لنهضة إلهية لصالحهم وضد المستكبرين.

 إلا أنه كان لديه في هذا الطريق وعواطفه رأس مال كبير وكثير لا ينفذ أبدا، وهو الإيمان بالله والتوكل عليه، لذا لم يكترث بأي شيء وواصل السير.. ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ﴾(20).

 عمل صالح يفتح لموسى أبواب الخير

نواجه هنا مقطعا آخر من هذه القصة، وهي قضية ورود موسى (ع) إلى مدينة مدين.

 هذا الشاب الطاهر الذي لا يغش أحدا أمضى عدة أيام في الطريق، الطريق التي لم يتعود المسير فيها من قبل أبدا، ولم يكن له بها معرفة، وكما يقول بعضهم: اضطر موسى إلى أن يمشي في هذا الطريق حافيا، وقيل: إنه قطع الطريق في ثمانية أيام، حتى لقي ما لقي من النصب والتعب، ورمت قدماه من كثرة المشي.

 وكان يقتات من نبات الأرض وأوراق الشجر دفعا لجوعه، وليس له أمام مشاكل الطريق وأتعابه إلا قلبه المطمئن بلطف الله الذي خلصه من مخالب الفراعنة.

 وبدأت معالم "مدين" تلوح له من بعيد شيئا فشيئا، وأخذ قلبه يهدأ ويأنس لاقترابه من المدينة، ولما اقترب ثم عرف بسرعة أنهم أصحاب أغنام وأنعام يجتمعون حول الآبار ليسقوا أنعامهم وأغنامهم.

 يقول القرآن في هذا الصدد: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ﴾(21).

 فحركه هذا المشهد .. حفنة من الشبان الغلاظ يملأون الماء ويسقون الأغنام، ولا يفسحون المجال لأحد حتى يفرغوا من أمرهم .. بينما هناك امرأتان تجلسان في زاوية بعيدة عنهم، وعليهم آثار العفة والشرف، جاء إليهما موسى (ع) ليسألهما عن سبب جلوسهما هناك و﴿قَالَ مَا خَطْبُكُمَا﴾.

 ولم لا تتقدمان وتسقيان الأغنام؟!

لم يرق لموسى (ع) أن يرى هذا الظلم، وعدم العدالة وعدم رعاية المظلومين، وهو يريد أن يدخل مدينة مدين، فلم يتحمل ذلك كله، فهو المدافع عن المحرومين ومن أجلهم ضرب قصر فرعون ونعمته عرض الحائط وخرج من وطنه، فهو لا يستطيع أن يترك طريقته وسيرته وأن يسكت أمام الجائرين الذين لا ينصفون المظلوم!.

 فقالت البنتان: إنهما تنتظران تفرق الناس وأن يسقي هؤلاء الرعاة أغنامهم: ﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء﴾.

 ومن أجل أن لا يسأل موسى: أليس لكما أب؟ ولماذا رضي بإرسال بناته للسقي مكانه، أضافتا مكملتين كلامهما ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ فلا هو يستطيع أن يسقي الأغنام، وليس عندنا أخ يعينه على الأمر فلا حيلة لنا إلا أن نؤدي نحن هذا الدور.

 فتأثر موسى (ع) من سماعه حديثهما بشدة. فأي أناس هؤلاء لا ينصفون المظلوم، ولا هم لهم غير أنفسهم.

 فتقدم وأخذ الدلو وألقاها في البئر.. يقال: إن هذه الدلو كان يجتمع عليها عدة نفر ليخرجوها بعد إمتلائها من الماء، إلا أن موسى (ع) استخرجها بقوته وشكيمته وهمته بنفسه دون أن يعينه أحد ﴿فسقى لهما﴾ أغنامهما.

 ويقال: إن موسى (ع) حين اقترب من البئر لام الرعاء، قال: أي أناس أنتم لا هم لكم إلا أنفسكم! وهاتان البنتان جالستان؟! ففسحوا له المجال وقالوا له: هلم واملأ الدلو، وكانوا يعلمون أن هذه الدلو حين تمتلئ لا يستخرجها إلا عشرة أنفار من البئر.

 ولكن موسى (ع) بالرغم من تعب السير في الطريق والجوع ملأ الدلو وسحبها بنفسه وسقى أغنام المرأتان جميعها .. ﴿ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾(22).

 أجل .. إنه متعب وجائع، ولا أحد يعرفه في هذه المدينة، فهو غريب، وفي الوقت ذاته كان مؤدبا وإذا دعا الله فلا يقول: رب إني أريد كذا وكذا، بل يقول: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ أي إنه يكشف عن حاجته فحسب، ويترك الباقي إلى لطف الله سبحانه.

 لكن هلم إلى العمل الصالح، فكم له من أثر محمود! وكم له من بركات عجيبة! خطوة نحو الله ملء دلو من أجل إنصاف المظلومين، فتح لموسى فصلا جديدا، وهيأ له من عالم عجيب من البركات المادية والمعنوية.. ووجد ضالته التي ينبغي أن يبحث عنها سنين طوالا.

 وبداية هذا الفصل عندما جاءته احدى البنتين تخطو بخطوات ملؤها الحياء والعفة ويظهر منها أنها تستحي من الكلام مع شاب غريب، ﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء﴾(23) فلم تزد على أن ﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾.

 فلمع في قلبه إشراق من الأمل، وكأنه أحس بأن واقعة مهمة تنتظره وسيواجه رجلا كبيرا! .. رجلا عارفا بالحق وغير مستعد أن يترك أي عمل حتى لو كان ملء الدلو أن يجزيه عليه، هذا الرجل ينبغي أن يكون إنسانا نموذجيا ورجلا سماويا وإلهيا .. رباه .. ما أروعها من فرصة.

 أجل، لم يكن ذلك الشخص الكبير سوى "شعيب" النبي الذي كان يدعو الناس لسنين طوال نحو الله، كان مثلا لمن يعرف الأمر يقرر أن يؤدي ما عليه من الحق لهذا الشاب كائنا من كان.

 


1- سورة القصص / 7.

2- سورة القصص / 8.

3- سورة القصص / 9.

4- سورة القصص / 10.

5- سورة القصص / 11.

6- "المراضع" جمع "مرضع" على زنة "مخبر" ومعناها المرأة التي تسقي الطفل لبنها من ثديها.

7- سورة القصص / 12.

8- سورة القصص / 12.

9- سورة القصص / 13.

10- سورة الشعراء / 18.

11-  سورة القصص / 15.

12-  سورة القصص / 16.

13- سورة القصص / 17.

14- ألم يكن عمل موسى هذا مخالفا للعصمة!

للمفسرين أبحاث مذيلة وطويلة في شأن المشاجرة التي حدثت بين القبطي والإسرائيلي وقتل موسى للقبطي.

وبالطبع فإن أصل هذا العمل ليس مسألة مهمة .. لأن الظلمة الأقباط والفراعنة المفسدين الذين قتلوا آلاف الأطفال من بني إسرائيل ولم يتأبوا يحجموا عن أية جريمة ضد بني إسرائيل، لم تكن لهم حرمة عند بني إسرائيل.

إنما المهم عند علماء التفسير هو تعبيرات موسى (ع) التي ولدت إشكالات عندهم.

فهو تارة يقول: ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾.

وفي مكان آخر يقول: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾.

فكيف تنسجم أمثال هذه التعابير مع عصمة الأنبياء حتى قبل بعثتهم ورسالتهم.

ولكن هذه الإشكالات تزول بالتوضيح المتقدم في تفسير الآية الآنفة، وهو أن ما صدر من موسى (ع) هو من قبيل "ترك الأولى" لا أكثر، إذ كان عليه أن يحتاط قبل أن يضرب القبطي، فلم يحتط، فأوقع نفسه في مشاكل جانبية، لأن قتل القبطي لم يكن أمرا هينا حتى يعفو عنه الفراعنة.

ونعرف أن ترك الأولى لا يعني أنه عمل حرام ذاتا، بل يؤدي إلى ترك عمل أهم وأفضل، دون أن يصدر منه عمل مخالف ةمناف لذلك العمل!.




11-  سورة القصص / 15.

12-  سورة القصص / 16.

13- سورة القصص / 17.

14- ألم يكن عمل موسى هذا مخالفا للعصمة!

للمفسرين أبحاث مذيلة وطويلة في شأن المشاجرة التي حدثت بين القبطي والإسرائيلي وقتل موسى للقبطي.

وبالطبع فإن أصل هذا العمل ليس مسألة مهمة .. لأن الظلمة الأقباط والفراعنة المفسدين الذين قتلوا آلاف الأطفال من بني إسرائيل ولم يتأبوا يحجموا عن أية جريمة ضد بني إسرائيل، لم تكن لهم حرمة عند بني إسرائيل.

إنما المهم عند علماء التفسير هو تعبيرات موسى (ع) التي ولدت إشكالات عندهم.

فهو تارة يقول: ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾.

وفي مكان آخر يقول: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾.

فكيف تنسجم أمثال هذه التعابير مع عصمة الأنبياء حتى قبل بعثتهم ورسالتهم.

ولكن هذه الإشكالات تزول بالتوضيح المتقدم في تفسير الآية الآنفة، وهو أن ما صدر من موسى (ع) هو من قبيل "ترك الأولى" لا أكثر، إذ كان عليه أن يحتاط قبل أن يضرب القبطي، فلم يحتط، فأوقع نفسه في مشاكل جانبية، لأن قتل القبطي لم يكن أمرا هينا حتى يعفو عنه الفراعنة.

ونعرف أن ترك الأولى لا يعني أنه عمل حرام ذاتا، بل يؤدي إلى ترك عمل أهم وأفضل، دون أن يصدر منه عمل مخالف ةمناف لذلك العمل!.

15- سورة القصص / 18.

16- سورة القصص / 19.

17- سورة القصص / 20.

18- سورة القصص / 21.

19- كما أن بعضا من المفسرين يعتقدون أن مدين إسم لجماعة كانت تعيش ما بين خليج العقبة وجبل سينا المعروف بطور سيناء، وجاء اسمها في التوراة بـ "مديان" أيضا. كما يرى البعض: إن أساس تسمية هذه المدينة "بمدين" هو لأن أحد أبناء إبراهيم الخليل واسمه "مدين" كان يعيش في هذه المدينة.

20- سورة القصص / 22.

21- سورة القصص / 23.

22- سورة القصص / 24.

23- سورة القصص / 25.