زينب علیهاالسلام القدوة في مواجهة الحرب الفكرية والأخلاقية على الأسرة والحجاب
زينب علیهاالسلام القدوة في مواجهة الحرب الفكرية والأخلاقية على الأسرة والحجاب
تمهيد
إنّ الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الله تعالى، بدأ منذ أن خلق الله عز وجل آدم وابناه قابيل وهابيل، وهو دائم مادامت السماوات والأرضون، وإلى هذا أشار الله عز وجل في كتابه المجيد بقوله:
(( وَ لا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا ))(١)
فهناك أبدية للصراع بين الحق والباطل، والخير والشر إلى قيام الساعة، وهناك تطور للصراع بأساليبه ووسائله عبر العصور ، والهدف من هذا الصراع هو إخراج المسلمين عن دينهم الذي هو مصدر عزهم وسيادتهم، لكن رحمة الله بعباده المؤمنين لا تنتهي إذ أرسل إليهم الأنبياء مبشرين وهادين، ومن بعد الأنبياء جاء خط الإمامة وأهل بيت النبي ص لينصروا تيار الحق ضد الباطل.
ومن مصاديق الباطل: الحرب الفكرية والأخلاقية من قبل أعداء الاسلام على الأسرة والحجاب، ومن مصاديق الحق: قدوتنا ومولاتنا السيدة زينب ع، حفيدة سيد المرسلين وابنة سيد الوصيين وسيدة نساء العالمين، وأخت الحسن الحسين ع، سليلة بيت النبوة، وعقيلة الطالبيين، لهذا السبب اخترت مقالي هذا لأوضح من خلاله دور السيدة زينب ع في مواجهة الحرب الفكرية والاخلاقية على الأسرة والحجاب.
تعريف الحرب الفكرية
بالنسبة للحرب الفكرية أو الغزو الفكري عرف بتعاريف عدة نذكر منها تعريف الشيخ محمد قطب:
(يقصد بالغزو الفكري الوسائل غير العسكرية التي اتخذها الغزو الصليبي لإزالة مظاهر الحياة الإسلامية، وصرف المسلمين عن التمسك بالإسلام مما يتعلق بالعقيدة ويتصل بها من أخطار وتقاليد وأنماط سلوك) (٢)
تاريخ الغزو الفكري والأخلاقي
إن تاريخ الغزو الفكري والأخلاقي وبداياته إنما هو قديم جدا، يرجع إلى عهد آدم وحواءع حيث اعتبر إبليس لعنه الله أول من استخدمه ضد آدم وزوجته حواء فوسوس لهما وتقنع بقناع النصح والإرشاد، ورداء الصداقة وتسلل إلى عقلهما وقلبهما فكانت النتيجة:
((فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ)) (٣)
فالأسرة الأولى تعرضت للحرب الفكرية والثقافية، واستمر هذا الصراع مع استمرار الأنبياء وفي كل أزمنتهم وعهودهم إلى عهد نبينا محمد ص، الذي جاء ليصلح ما أفسدته الجاهلية وليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن بعده أهل بيته ع ليتابعوا رسالته ومهمته السماوية.
أسباب الحرب الفكرية والأخلاقية على الأسرة والحجاب
أهم تلك الأسباب يكمن في:
ضعف الوازع الديني
ضعف التربية
عدم وجود القدوة
ونريد هنا أن نسلط الضوء على النقطة الثالثة وهي الأهم، حيث أن المجتمع والأسرة والفرد حين يتبعون القدوة الصالحة والأسوة الحسنة يستطيعون من خلالها مواجهة تلك الحرب والانتصار عليها.
السيدة زينب ع قدوة في مواجهة الحرب الفكرية والأخلاقية على الأسرة
لقد جاء الإسلام لتوثيق الروابط بين الأسر المسلمة وتعزيزها ، ذلك لأن الأسرة تعتبر هي الخلية الأولى في بناء المجتمع المتماسك القوي
وهذا ما أكده الباري عز وجل بقوله:
((وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً )) (٤)
وفي صدر الإسلام ازدهرت الأسرة النبوية بالسبطين الكريمين، الحسن والحسين ع، فكانا كالقمرين في ذلك البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه، وقد استوعبا قلب جدهما رسول الله ص مودة ورحمة وحنانا، فكان يرعاهما برعايته ويغدق عليهما بإحسانه، ثم وضعت الزهراء ع وليدتها المباركة زينب ع التي لم تولد مثلها امرأة في الإسلام إيمانا وشرفا وطهارة وعفة، وأجرى أمير المؤمنين ع على وليدته المراسيم الشرعية، فأذن في أذنها اليمنى وأقام في اليسرى، فكان أول صوت قرع سمعها هو : الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم شاءت الأقدار أن يفارق نبي الرحمة الحياة ويرتحل إلى الرفيق الأعلى، وبعده بمدة وجيزة ابنته سيدة النساء، فبقيت زينب ع لتتحمل مسؤولية هذه الأسرة، ولترعى أخويها الحسن والحسين ع، ولتواسي قلب أبيها علي ع وهي لازالت طفلة صغيرة.
وحين تقدمت في سن الشباب انبرى لخطبتها الأشراف ووجوه القوم ليتشرفوا بالاقتران بها، فامتنع أمير المؤمنين ع من إجابتهم ثم تقدم لخطبتها ابن أخيه عبدالله بن جعفر، وكان من أعلام العرب وكرمائهم، فأجابه الامام عليه السلام، وتقول الرواية :
( أنه كان أشبه الناس خلقا وخلقا بالنبي ص، ولم يكن في الإسلام أسخى منه) (٥)
وانتقلت زينب ع إلى بيت الزوجية لتكون الزوجة القدوة والأم القدوة لأولادها: عون ومحمد وعلي وعباس وأم كلثوم، وكان شرطها وشرط أبيها علي قبل الزواج ألا تفارق أخاها الحسين طوال حياتها لتبقى هي عمود الأسرة المحمدية، وبالفعل رافقته إلى كربلاء وقدمت هناك ابنيها عون ومحمد قرابين لله، وكان لها الدور العظيم في المحافظة على العائلة والأطفال من التشتت والضياع نتيجة تلك الهجمات التي تعرضت لها الخيام، وهي التي رمت بنفسها على جسد الامام زين العابدين ع حين أراد الأعداء قتله، والقضاء على كل من بقي من سلالة النبي ص، فحفظت بذلك خط الرسالة والإمامة واستمراريته ضد أعداء الإسلام الذين أرادوا القضاء عليه، إضافة إلى دورها الكبير في رعاية الأطفال والأيتام والثكالى والأرامل، وأسر أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة.
زينب ع القدوة في مواجهة الحرب الفكرية والأخلاقية على الحجاب
لا شك ولا ريب أن الكثير من الروايات أشارت إلى أن العفة من الأمور الفطرية، ومن لوازم الفطرة البشرية، وهي من جنود العقل أيضا، والحرب على الحجاب قديمة جدا، وأشدها كانت في عصر الجاهلية، عصر التبرج والسفور، فجاء الإسلام وكانت العفة الزينبية نموذجا يقتدى به منذ تلك الأيام إلى يومنا هذا.
يقول أمير المؤمنين ع : ( لا إيمان لمن لا حياء له ) (٦)
ويروي يحيى المازني يقول: ( يحيى المازني قال: كنت في جوار أمير المؤمنين (عليه السلام) في المدينة مدة مديدة،
وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب (عليها السلام) ابنته،
فلا والله ما رأيت لها شخصا، ولا سمعت لها صوتا,
وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تخرج ليلا،
والحسن (عليه السلام) عن يمينها،
والحسين(عليه السلام) عن شمالها،
وأمير المؤمنين(عليه السلام) أمامها،
فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين(عليه السلام) فأخمد ضوء القناديل،
فسأله الحسن (عليه السلام) مرة عن ذلك؟
فقال: أخشى أن ينظر أحد إلى شخص اختك زينب.(٧)
فهذه العفة الإلهية والأخلاق النبوية لم تكن وليدة يوم وليلة، لقد ورثتها زينب ع من أمها وأبيها وجدها رسول الله، وتربت ونشأت في ظلها منذ نعومة أظفارها، وهناك التربية إلى جانب الوراثة، وهذان العاملان متواجدان في أعلى مراتبهما في شخص زينب ع سيدة الحياء والعفة، وفي كربلاء وفي أصعب المواقف وأشدها حيث بقيت النساء والأطفال فقط في مواجهة الأعداء دون ناصر أو معين، ودون أية مراعاة لحرمة آل بيت النبي ص سطرت السيدة زينب ع أروع ملاحم البطولة في الحفاظ على الحجاب والحياء والعفة
الزينة فداءً للحياء والعفة
هجم جيش الكوفة والشام على خيم الإمام الحسين عليه السلام بعد أن أخذوا منه لباسه. كانت تلك اللحظات أكثرها مرارة وألماً. يمكن القول إنّ زينب الكبرى كانت تشعر بذاك الألم أكثر من غيرها، لأنها من جهة كانت تتولى الحفاظ والدفاع عن خيم الحياء والعفة، ومن جهة أخرى كان عليها الحفاظ على روح إمام زمانها. كانت ابنة علي تعرف أخلاق أهل الكوفة وتصرفاتهم، لذلك فكرت بالحفاظ على عفة وحياء النساء، فجمعت كل ما يمتلكن من زينة ونادت عمر بن سعد مانعة إياه من تحريك عسكره نحو الخيم فهي تقدم له كل ما يطلبه من زينة، كانت تفكر بعدم السماح للأعداء بالوصول إلى آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
جمعت كل ما وجدت من الزينة حتى إنها قدمت لهم أقراط فاطمة بنت الحسين عليه السلام التي كانت ذكرى من والدها. ثم إنها جمعت النساء والأطفال في زاوية، ونادت على الجند بأن الزينة قد جمعت فمن يرغب فَلْيأتِ وليأخذ منها. وهذا ما حصل بالفعل (٨)
تجلِّي الحياء في دار الإمارة في الكوفة:
عندما وصلت زينب الكبرى عليها السلام أثناء الأسر إلى دار الإمارة، أمسكت غضبها، لأنها تعرف هذا المكان، حيث كان المكان بيتاً لزينب في يوم من الأيام عندما كان يذكر اسم أبيها علي عليه السلام مع تلك العظمة. اجتمعت الدموع في عينيها لكنها امتنعت عن البكاء. هناك ألقت نظرها فرأت عبيد الله ابن زياد يجلس في مكان كان يجلس فيه والدها يستقبل الضيوف. لم تعره اهتماماً بل أزاحت بواجهها عنه وانزوت في زاوية من المكان يجللها الحياء والنجابة والطهارة.
سأل ابن زياد: من هذه المرأة؟ (وكرر السؤال ثلاث مرات). أمّا زينب فلم تجب، فمن جهة كان حياؤها، ومن جهة أخرى علمها بما يريده ابن زياد من احتقارها يمنعها من الجواب. إلى أن غضب ابن زياد الملعون وألقى بعض السموم التي على لسانه وقال: "كيف رأيتِ صنع الله بأخيك وأهل بيتك"؟ أمّا زينب فقدمت جواباً مختصراً جميلاً يعود إلى حيائها ثم قالت: "ما رأيت إلا جميلاً" (٩)
الخاتمة
أخيرا نستنتج
- أن الحرب بين الحق والباطل قديمة ومستمرة طالما أن هناك أعداء يتربصون للإسلام
- على كل مسلم يغار على بيضة الإسلام أن يواجه كل التيارات الفكرية ضد الدين والأخلاق
- من أهم أسباب الحرب الفكرية على الإسلام عدم وجود القدوة
- النبي ص وأهل بيته ع رجالا ونساء هم الأسوة الحسنة في حفظ الإسلام والرسالة السماوية
- السيدة زينب ع نموذجاً أساسياّ وقدوة حسنة لمواجهة الحرب الفكرية ضد الأسرة والمجتمع، وضد الحجاب والعفة والحياء.
- هناك مواقف كثيرة ومشرفة في حياة السيدة زينب ع في أسرتها وفي مسيرة كربلاء.
وأخيرا أوصي جميع الباحثين والكتاب أن يبحثوا ويتعمقوا في هذه الشخصية العظيمة، ويوضحوا لكل طلاب الحقيقة دورها الكبير في حماية الإسلام وحفظه، والوقوف في وجه أعداء الإسلام، الذين أرادوا تشويه الحقائق وتزييفها، وأرادوا استئصال الأسرة النبوية والسلالة الشريفة، فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
السلام على جبل الصبر مولاتنا زينب ع يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية.
الهوامش
1- سورة البقرة، آية 217
2- واقعنا المعاصر، ص ١٩٥
3- سورة البقرة، آية 36
4- سورة آل عمران، آية 103
5- عز الدين الجزري، ابن الأثير،أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج٣، ص ١٣٤، ط١، دار الفكر بيروت سنة النشر ١٤١٥
6- محمدي ري شهري، ميزان الحكمة (بيروت، دار الحديث)، ط2، 1419، ج2، ص716، الرواية 4544.
7- عبدالله البحراني، العوالم ، الامام الحسين ع ، مدرسة الامام المهدي ، قم، ج 11 ص 955، ط١، ١٤٠٧ه
8- أحمد بن يحيى البلاذري، أنساب الأشراف، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1349هـ.ق.، ج3، ص204.
9- محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص179، دار إحياء التراث العربي، لبنان، بيروت، ١٩٨٣ه
الکاتب: سنا مصطفى زنوبة