۲٠۲٤/٠۵/۱٣ ۱۵:٤٣:۲۹
عالم البرزخ (1)


من الشبهات التي تطرح اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل غير المطلعين على القرآن والسنّة أو بعض المغرضين الساعين إلى تشكيك الناس بثوابت الدين الشبهات المتعلقة بعالم البرزخ، حيث يحاول هؤلاء أن ينكروا الأدلة القرآنية والروائية أو يفسروا بعضها بما يتناسب مع مرادهم، أو يشطحوا نحو تفسيرات مزاجية لعالم ما بعد الموت. فما حقيقة عالم البرزخ؟ وما حال الإنسان فيه تبعاً لأعماله؟


عالم البرزخ (1)
من الشبهات التي تطرح اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل غير المطلعين على القرآن والسنّة أو بعض المغرضين الساعين إلى تشكيك الناس بثوابت الدين الشبهات المتعلقة بعالم البرزخ، حيث يحاول هؤلاء أن ينكروا الأدلة القرآنية والروائية أو يفسروا بعضها بما يتناسب مع مرادهم، أو يشطحوا نحو تفسيرات مزاجية لعالم ما بعد الموت. فما حقيقة عالم البرزخ؟  وما حال الإنسان فيه تبعاً لأعماله؟
أمّا ما يرتبطُ بعذابِ القبر، فنعقدُ البحثَ في نُقطتين:
النقطةُ الأولى: لا شكَّ في ثبوتِ الحياةِ البرزخيّة، وذلكَ للأدلّةِ الكثيرةِ، وسنتعرضُ إلى بعضِها:
1- قولهُ تعالى: (وَلاَ تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَموَاتًا بَل أَحيَاء عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ) (ال عمران/ 170).
وهذهِ الآيةُ صريحةٌ في إثباتِ حياةٍ للشهداءِ قبلَ يومِ القيامةِ وهيَ لا وجودَ لها إلّا في القبرِ كما هوَ واضح.
قالَ الشيخُ ناصِر مكارِم: (والمقصودُ منَ الحياةِ في الآيةِ هيَ «الحياةُ البرزخيّة» في عالمِ ما بعدَ الموتِ، لا الحياةَ الجسمانيّةَ والمادّيّةَ، وإن لم تختصَّ الحياةُ البرزخيّةُ بالشهداءِ فللكثيرِ منَ الناسِ حياةٌ برزخيّةٌ أيضاً ) تفسيرُ الأمثل - مكارِم الشيرازي (ج2/ص779)
2- قولهُ تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ المَوتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرزَخٌ إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ) (المؤمنونَ، 99-100).
وهذهِ الآيةُ تتحدّثُ عن وجودِ عالمِ البرزخِ قالَ الشيخُ الطوسي رحمَه الله وغيرُه: (هوَ الحاجزُ بينَ الموتِ والبعث). التبيانُ في تفسيرِ القُرآن - الشيخُ الطوسي (ج7/ص387)، تفسيرُ الأمثلِ - مكارِم الشيرازي (ج10/ص507)
وقالَ عليٌّ بنُ إبراهيم أيضاً: (ومِن ورائِهم برزخٌ إلى يومِ يُبعثون) قالَ البرزخُ هوَ أمرٌ بينَ أمرين وهوَ الثوابُ والعِقاب بينَ الدّنيا والآخرة وهوَ ردٌّ على مَن أنكرَ عذابَ القبرِ والثوابَ والعقابَ قبلَ القيامةِ وهوَ قولُ الصّادقِ . ( تفسيرُ القُمّي: 2 / 6)
وأمّا الرواياتُ الدالّةُ على الحياةِ البرزخيّةِ فهيَ كثيرةٌ مُتواترة، لا داعي لنقلِها، قالَ العلّامةُ الطباطبائي: (أقولُ: أخبارُ البرزخِ و تفاصيلُ ما يجري على المؤمنينَ و غيرهم فيهِ كثيرةٌ متواترة) تفسيرُ الميزان - العلّامةُ الطباطبائي (ج15/ص37)
نعيمُ وعذابُ القبرِ ثابتان بالقرآنِ والسنّة:
أمّا الدليلُ منَ القرآنِ الكريم:  
قولهُ تعالى: (النَّارُ يُعرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدخِلُوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذَابِ). (غافر/47)
ولا شُبهةَ في دلالةِ هذهِ الآيةِ على عذابِ البرزخ، لأنَّ العرضَ على النارِ الذي ذُكرَ في قولِه تعالى (النَّارُ يُعرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) إنّما يكونُ قبلَ يومِ القيامةِ والحسابِ كما هوَ صريحُ الآية، ولا مكانَ له إلّا في عالمِ البرزخ، لأنَّ عذابَ يومِ القيامةِ قد ذكرَته الآيةُ بقولِه تعالى (وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدخِلُوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذَابِ).
 وأمّا الدليلُ منَ السنّةِ المعصوميّةِ الشريفة: فقد دلّت الرواياتُ المتواترةُ عن النبيّ وأهلِ البيتِ صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين، قالَ نصيرُ الدينِ الطوسي: وعذابُ القبرِ واقعٌ للإمكانِ وتواترِ السّمعِ بوقوعِه. قالَ العلّامةُ الحلّي: نُقلَ عن ضرارٍ أنّهُ أنكرَ عذابَ القبرِ والإجماعُ على خلافِه. (كشفُ المُرادِ في شرحِ تجريدِ الاعتقاد، ص452).
وإليكَ بعضَ الرّوايات:
1ـ روى الكُلينيّ بسندِه عن بشيرٍ الدهّان، عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: إنَّ للقبرِ كلاماً في كلِّ يومٍ يقولُ: أنا بيتُ الغُربة، أنا بيتُ الوحشة، أنا بيتُ الدود، أنا القبرُ، أنا روضةٌ مِن رياضِ الجنّةِ أو حُفرةٌ مِن حُفرِ النار. (الكافي للكُليني: 3 / 242).
2- قالَ عليٌّ بنُ إبراهيم: قالَ الصّادقُ عليهِ السلام البرزخُ القبرُ وفيهِ الثوابُ والعقابُ بينَ الدّنيا والآخرة. (تفسيرُ القُمّي: 1 / 19)
3ـ وروى الكُليني بسندِه عن سالمٍ ، عن أبي عبدِ الله ( عليهِ السلام ) قالَ : ما مِن موضعِ قبرٍ إلّا وهوَ ينطقُ كلَّ يومٍ ثلاثَ مرّات : أنا بيتُ الترابِ ، أنا بيتُ البلاء ، أنا بيتُ الدود ، قالَ : فإذا دخلَه عبدٌ مؤمنٌ قالَ : مرحباً وأهلاً أما واللهِ لقد كنتُ أحبُّك وأنتَ تمشي على ظهرِي فكيفَ إذا دخلتَ بطني فسترى ذلكَ قال : فيفسحُ له مدُّ البصرِ ويُفتحُ له بابٌ يرى مقعدَه منَ الجنّة قالَ : ويخرجُ مِن ذلكَ رجلٌ لم ترَ عيناهُ شيئاً قطُّ أحسنَ منه فيقولُ : يا عبدَ الله ما رأيتُ شيئاً قطُّ أحسنَ مِنك فيقولُ : أنا رأيُكَ الحسنُ الذي كنتَ عليهِ وعملُك الصالحُ الذي كنتَ تعملهُ قالَ : ثمَّ تؤخَذُ روحُه فتوضعُ في الجنّةِ حيثُ رأى منزلَه ثمَّ يقالُ له : نَم قريرَ العينِ فلا يزالُ نفحةٌ منَ الجنّةِ تصيبُ جسدَه يجدُ لذّتَها وطيبَها حتّى يُبعَث ، قالَ : و إذا دخلَ الكافرُ قالَ : لا مرحباً بكَ ولا أهلاً أما واللهِ لقد كنتُ أبغضُك وأنتَ تمشي على ظهري فكيفَ إذا دخلتَ بطني سترى ذلك ، قالَ : فتضمُّ عليهِ فتجعلُه رميماً ويعادُ كما كانَ ويُفتَحُ لهُ بابٌ إلى النارِ فيرى مقعدَه منَ النار ، ثمَّ قالَ : ثمَّ إنّهُ يخرجُ منهُ رجلٌ أقبحُ مَن رأى قطُّ قالَ : فيقولُ : يا عبدَ اللهِ مَن أنت ؟ ما رأيتُ شيئاً أقبحَ مِنك ، قالَ : فيقولُ : أنا عملُك السيّءُ ، الذي كُنتَ تعملُه ورأيُكَ الخبيثُ قالَ : ثمَّ تؤخذُ روحُه فتوضَعُ حيثُ رأى مقعدَه منَ النار ، ثمَّ لم تزَل نفخةٌ منَ النارِ تصيبُ جسدَه فيجدُ ألمَها وحرّها في جسدِه إلى يومِ يُبعَثُ ويُسلّطُ اللهُ على روحِه تسعةً وتسعينَ تنّيناً تنهشُه ليسَ فيها تنّينٌ ينفُخ على ظهرِ الأرضِ فتنبتُ شيئاً . (الكافي للكُليني: 3 / 241).
4ـ وروى الكُليني بسندِه عن عمرو بنِ يزيد قالَ : قلتُ لأبي عبدِ الله ( عليهِ السلام ) : إنّي سمعتُك وأنتَ تقول : كلُّ شيعتِنا في الجنّةِ على ما كانَ فيهم ؟ قاَل : صدقتُك كلُّهم واللهِ في الجنّة ، قالَ : قلتُ : جُعلتُ فداكَ إنَّ الذنوبَ كثيرةٌ كبارٌ ؟ فقالَ : أمّا في القيامةِ فكلُّكم في الجنّةِ بشفاعةِ النبيّ المُطاعِ أو وصيّ النبيّ ولكنّي واللهِ أتخوّفُ عليكم في البرزخ . قلتُ : وما البرزخُ ؟ قالَ : القبرُ منذُ حينِ موتِه إلى يومِ القيامة . (الكافي للكُليني: 3 / 242).