۲٠۲٣/٠۱/۲٣ ۱٤:۲۹:۵۲
خطبة صلاة الجمعة 27جمادى الآخرة 1444هـ لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 27 جمادى الآخرة 1444ه.

الخطبة الأولى:

في حديثنا في الخطبة الأولى حول نمط الحياة وفقاً للرؤية الإسلامية وصلنا إلى آداب التعامل في أمر الموت، وما هي تكاليف المؤمنين بالنسبة للموتى. ولكوننا نعتقد أن الحياة الأبدية هي بعد الموت، وأن الإنسان لا يفنى بل ينتقل من نشأة إلى أخرى؛ وهي النشأة التي فيها بقاؤنا إلى الأبد، فهذا أمر مهم بل هو أهم شيء في حياة الإنسان.

وأوصيكم بأن تقرؤوا الصفحة الأخيرة من سورة الزمر، حيث يذكر الله تعالى لنا - باختصار شديد - ما يحدث بعد الموت؛ من النفخة الأولى والثانية، وبعد ذلك انتقالنا إلى عالم القيامة والحساب والكتاب وما يكون من أمر المتقين وأمر الكافرين... إلى آخر السورة.

عندما ندقق في هذه الآيات نفهم أن الموت من أهم الأشياء في حياتنا، بما أننا ننتقل بالموت إلى الحياة الأبدية، ونزرع هنا لنحصد في الآخرة، فإذا زرعت شيئاً نافعاً ستحصد شيئاً نافعاً، فالدنيا مزرعة الآخرة.

إن أول شيء يجب أن نعرفه بالنسبة للميت هو أمر الاحتضار، فالإنسان الذي يحضره الموت أحوج ما يكون لعون الأقارب والأصدقاء عند احتضاره.

الأدب الأول من آداب هذه الفترة العصيبة هو توجيه المحتضر صوب القبلة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق (النزع) وقد وُجّهَ بغير (إلى غير) القبلة، فقال: وجهوه إلى القبلة؛ فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلتْ عليه الملائكة، وأقبلَ الله عز وجل عليه بوجهه، فلم يزل كذلك حتى يقبض" (وسائل الشيعة، ج2، ص662).

قد يقول بعض: ما هي فوائد هذه الكلمات؟ وما علاقتها بأسلوب الحياة؟ فأقول: إن الفرق بيننا وبين من لا يعتقد بالله وبهذه الشريعة المقدسة أنه لا يبالي كيف يفعل بهذا الميت، أو يرى أن هذا الميت لا يفهم شيئاً ولا يشعر بشيء ولا تعلق له بنا، فيجب أن نواريه تحت التراب فتنقطع صلتهُ بنا، ولكنْ في الرؤية الاسلامية يعلمنا الله سبحانه والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومون عليهم (الصلاة والسلام) بأن الحياة ليست هذه الحياة المادية فحسب؛ فالإنسان الذي يعيش بينكم عندما يموت تبقى له علاقة بكم، ولكم علاقة به، وهو ينتظر هداياكم؛ ينتظر الاستغفار له، ينتظركم أن تهدوه شيئاً  كما كان ينتظر منكم ذلك في حياته، ومن جملة هذه من الأمور أن الميت إذا لم يوجه إلى القبلة لا يقدر أن ينزع أي لا يتم نزع روحه براحة وسهولة.

هذه من الأمور التي أخبرنا بها الأئمة (عليهم السلام) ونحن نعترف بها كأمر حقيقي في هذا العالم، وثمة كثير من الأشياء التي لا نعرفها ولكننا نتعبد بها من خلال كلمات أهل البيت (عليهم السلام).

والأدب الثاني للمحتضر هو تلقينه الشهادة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "احضروا موتاكم ولقنوهم لا إله إلا الله وبشروهم بالجنة، فإنّ الحليمَ من الرجال والنساء يتحيّرُ عند ذلك المصرع، وإنّ الشيطانَ أقربُ ما يكونُ من ابنِ آدم عندَ ذلك المصرع، والذي نفسي بيده لَمعاينةُ ملكِ الموت أشدُّ من ألف ضربةٍ بالسيف، والذي نفسي بيده لا تخرجُ نفسُ عبدٍ من الدنيا حتى يتألم كل عِرقٍ منه على حِيالِهِ" (كنز العمال، ٤٢١٥٨).

لقد أقسم الشيطان بعزة الله أن يغوي الناس ولا يتركهم حتى في هذه اللحظة الأخيرة المصيرية، فعليكم أن تلقنوا الميت حتى لا يلقنه الشيطان، فليلقن الإنسان هذه العقائد في أيام حياته، وهذا وارد في تعقيبات الصلاة ومتفق عليه بين السنة والشيعة: "رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن كتاباً..." هذه الكلمات هي التي تنفعنا في حياتنا إلى يوم القيامة، وفي ليلة القبر يأتي النكيران ويسألان: من ربك ومن نبيك ومن إمامك وما قبلتك وما كتابك؟ فيجب أن نكرر ونردد في أيام حياتنا خصوصاً عقب كل صلاة: رضيتُ بالله رباً بالإسلام ديناً وبالقرآن كتاباً ...إلى آخر ما قد كتب في كتب الأدعية ككتاب مفاتيح الجنان للمحدث القمي (رضوان الله تعالى عليه)، فإذا تعود لسان الإنسان على هذه الكلمات فبإذن الله تعالى حين الموت وحين مجيء النكيرين لا يُتعتع لسانُهُ ولا يتردد، وسيجيب على هذه الأسئلة حين موته.

وعن الصادق (عليه السلام) قال: "ما من أحدٍ يحضره الموتُ إلا وكل به إبليسُ من شياطينه من يأمرهُ بالكفر ويشككه في دينه حتى تخرج نفسه، فمن كان مؤمناً لم يقدر عليه، فإذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله حتى يموت" (بحار الأنوار، ج6، ص195).

وفي رواية أخرى عن الصادق (عليه السلام) قال: "كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا حضر أحداً من أهل بيته الموتُ قال له: قل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع (ورب) الأرضين السبع، وما بينهما (بينهن) ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين. فإذا قالها المريض قال (عليه السلام): اذهب فليس عليك بأسٌ" (وسائل الشيعة، ج2، ص666)، أي اذهبْ في أمان الله تعالى فإنه يتوفاك مؤمناً.

وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): "أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل على رجل من بني هاشم وهو يقضي (يحتضر) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) قل: لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع، وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين. فقالها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحمد لله الذي استنقذه من النار" (وسائل الشيعة، ج2، ص666).

الأدب الثالث هو تلقين المحتضر التوبة والاستغفار؛ قال الصادق (عليه السلام): اعْتُقِلَ لِسَانُ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَقَالَ لَهُ: "قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ امْرَأَةٌ. فَقَالَ لَهَا: هَلْ لِهَذَا الرَّجُلِ أُمٌّ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أُمُّهُ. فَقَالَ لَهَا: أَ فَرَاضِيَةٌ أَنْتِ عَنْهُ أَمْ لَا؟ فَقَالَتْ: لَا، بَلْ سَاخِطَةٌ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): "فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَرْضَيْ عَنْه، فَقَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ عَنْهُ لِرِضَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَقَالَ: قُلْ: يَا مَنْ يَقْبَلُ الْيَسِيرَ وَيَعْفُو عَنِ الْكَثِيرِ، اقْبَلْ مِنِّي الْيَسِيرَ وَاعْفُ عَنِّي الْكَثِيرَ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَفُوُّ الْغَفُورُ. فَقَالَهَا. فَقَالَ لَهُ: مَا ذَا تَرَى؟ فَقَالَ: أَرَى أَسْوَدَيْنِ قَدْ دَخَلَا عَلَيَّ. قَالَ: أَعِدْهَا. فَأَعَادَهَا. فَقَالَ: مَا ذَا تَرَى؟ فَقَالَ: قَدْ تَبَاعَدَا عَنِّي، وَدَخَلَ أَبْيَضَانِ، وَخَرَجَ الْأَسْوَدَانِ فَمَا أَرَاهُمَا، وَدَنَا الْأَبْيَضَانِ مِنِّي، الْآنَ يَأْخُذَانِ بِنَفْسِي، فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ" (من لا يحضره الفقيه، ج1، ص132).

والأدب الأخير متعلقٌ بمن اشتد نزعه، فبعض النزع يمكن أن يطول بالمرء ثلاثة أيام ويصعب عليه خروج الروح من جسده، قال الإمام الصادق (عليه السلام): "إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ النَّزْعُ، فَضَعْهُ فِي مُصَلَاهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ، أَوْ عليه" (الكافي، ج5، ص334)، عادةُ الإنسان أن يكون له مصلى في البيت فإما أن يخصص مكاناً يصلي فيه وإما يضع قطعة من القماش أو سجادة خاصة يصلي عليها، فإذا اشتد نزعه عليك أن تضعه على هذه السجادة أو تحمله إلى مكان صلاته، فيسهل عليه بذلك النزع.

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ (عليه السلام) قَالَ: "إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَدْ رَزَقَهُ اللّهُ هذَا الرَّأْيَ، وَإنَّهُ قَدِ اشْتَدَّ نَزْعُهُ، فَقَالَ: احْمِلُونِي إِلى مُصَلَايَ، فَحَمَلُوهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ هَلَكَ" (الكافي، ج5، ص335).

الخطبة الثانية:

علمتم أن برلمان الاتحاد الأوروبي أدرج اسم الحرس الثوري في قائمة المنظمات الإرهابية، ومن المضحك أن أحفاد هتلر وموسوليني - الذين يزخر تاريخهم بقتل الأبرياء والدمار واضطهاد المستضعفين - يوجهون تهمة الإرهاب لمجموعة من المؤمنين المخلصين الذين لا يهتمون إلا بإنقاذ المظلومين.

وأنا أقول إن الإرهابي الحقيقي هي هذه الدول الأوروبية التي زودت حكومة صدام الطاغية بترسانة كيماوية، ودعمت المنظمة الإرهابية المدعوة "مجاهدي خلق" المنافقين التي تلطخت براثنها الخبيثة بدماء أكثر من سبعة عشر ألف بريء من المواطنين الإيرانيين العاديين، كالبقال والبائع والعامل الذي كان يعيش عيشة عادية ولمجرد كونه ملتحياً كانوا يرمونه بالرصاص، وتجدون أن العجوز الخبيثة ممثلة هذه المنظمة الإرهابية (مريم رجوي) تحضر في برلمانهم وتخطب فيهم ويصفقون لها ويشجعونها لهذه العمليات الإجرامية.

 كما أن الشعب العراقي يعرف هؤلاء الخبثاء الذين كان لهم دور في قمع المجاهدين المؤمنين العراقيين أثناء الانتفاضة الشعبانية، حيث لعب منافقو "خلق" دوراً في جريمة القصف الكيمياوي على "حلبجة" المدينة الكردية في شمال العراق بأمر من صدام، وما كانوا يتورعون عن ارتكاب أي جريمة، وحاضنتهم الحنون الآن هي الدول الأوروبية، ثم يأتي المجرمون الأوروبيون ويتهمون الحرس الثوري المؤمن البطل بالإرهاب، وهو أول من قاتل ضد الإرهاب في العالم.

ونموذج آخر من انحياز الأوروبيين للمنظمات الارهابية هو تأسيس ودعم منظمة "الخوذ البيضاء" التي تعرفونها، وقد مولوا ودعموا هؤلاء حتى يخدموا الفصائل المسلحة التكفيرية وبغطاء إنساني هو الدفاع المدني، واليوم يعرف كل محايد أنهم مرتبطون بأغلبية المنظمات المسلحة الإرهابية المتحالفة مع أمريكا في الغزو على سورية.

لقد كانت هذه المنظمة تحصل على استثمارات كبيرة من بريطانيا وألمانيا والدنمارك وهولندا، وقام أفرادها بغزو شرق حلب في عام 2012 حيث دخلوا المدينة وطردوا الأهالي من منازلهم وقتلوا بعضاً من رجال الدفاع المدني الحقيقيين وخطفوا آخرين، ومن لم يعمل معهم حرقوا بيته ووضعوا اسمه على حواجز النصرة وداعش وفتح الشام وغيرها من المنظمات الإرهابية لتصفيته.

وقد صرح سيناتور أمريكي أن الهجوم الكيميائي المزعوم في مدينة دوما مثلته منظمة الخوذ البيضاء المتصلة بالقاعدة والتي تمولها الاستخبارات البريطانية، كما أوضح أن الهجوم الكيميائي المزعوم عبارة عن مسرحية مفبركة من قبل ما يسمى منظمة الخوذ البيضاء، متسائلاً عن السبب الذي قد يدفع الجيش السوري لاستخدام غاز الكلور طالما أنه يحقق الانتصار تلو الآخر؟ وقبل يوم واحد من إخلاء "جيش الإسلام" الإرهابي المدينة، ما حاجة الجيش العربي السوري لارتكاب هذه الجريمة مع أنه مسيطر على البلدة؟

إن الحضارة الغربية قد شيدت أركانها على جماجم المستضعفين في إفريقيا ونهبت ثروات وخيرات الأمم المستضعفة وقتلت الأبرياء، وكان الأوروبيون يفتخرون بأنهم فتحوا متحفاً من جماجم المستضعفين، كيف لهؤلاء أن يدّعوا أنهم ضد الإرهاب؟! أفٍّ لهم ولحضارتهم المشؤومة التي بنيت على أساس التزوير والدمار ونهب ثروات الأمم المظلومة المستضعفة.