۲٠۲٣/٠۱/٣٠ ۱۵:٤۷:٠۹
خطبة صلاة الجمعة 5 رجب 1444هـ لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 5 رجب 1444ه.

الخطبة الأولى:

جرت سيرتنا في الأسابيع الماضية أن نتحدث في الخطبة الأولى عن نمط الحياة وفقاً للرؤية الإسلامية، ويعبر الغربيون عن هذا الأمر بعبارة "لايف ستايل" حيث يرسمون للأمم كيف تعيش وفق مرتكزات الأسس المادية، بينما يجب على كل مسلم أن يعرف أن لكل شأنٍ في حياته برنامجاً مخططاً من الله تعالى، وعلى لسان رسوله والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، ونحن نسير في سياق ذكر هذا البرنامج للحياة، ونسميه نمط الحياة على أساس الرؤية الإسلامية. وفيما يتعلق بوظائفنا تجاه الأموات بدأنا بذكر مسألة الاحتضار والآن نتحدث عما بعد الموت. فإذا مات مؤمن فما هو تكليفنا تجاهه؟ إن لميتة المؤمن حرمة كما أنه كان محترماً في حياته، وللإنسان عموماً قيمةٌ عند الله تعالى؛ سواءٌ أكان حياً أو ميتاً.

الأدب الأول: الذي ينبغي فعله بعد ممات المؤمن هو إعلان موته؛ ليستفيد الميت من ثواب استغفار الآخرين له وليعتبرَ الأحياء من حادثة الموت، لأن هذا مصير الجميع.

 عن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "ينبغي لأولياء الميت أن يؤذنوا إخوان الميت بموته، فيشهدون جنازته، ويصلون عليه ويستغفرون له، فيكتب لهم الأجر وللميت الاستغفار، ويكتسب هو الأجر فيهم وفيما كتب له من الاستغفار" (وسائل الشيعة، ج3، ص59) وهذه السنة بحمد الله تعالى جارية في أوساط المؤمنين في هذه المدينة، إذ نسمعهم بين حين وآخر ينادون إن فلاناً انتقل إلى رحمة الله، فهذه سُنّةٌ إسلامية وجذورها في الروايات الواردة عن المعصومين عليهم الصلاة والسلام.

والأدب الثاني: ما نقوله عندما نرى الجنازة، فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من استقبلَ جنازةً أو رآها فقال: "الله أكبر، هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيماناً وتسليماً، الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت" لم يبق في السماء ملك إلا بكى رحمة لصوته" (تهذيب الأحكام، ج1، ص452)، هذا درس من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يلقيه لأتباعه ولمن يستن بسنته.

والأدب الثالث: ما نفعله من تجهيز الميت، فتجهيز الميت واجب كفائي على كل مكلف، إذا قام به أحد المكلفين يسقط عن الآخرين، أي إذا قام به من يكتفى به يسقط وجوبه عن الباقين، ولكن المبادرة إلى هذا التجهيز فيها فضل.

وأول هذه الواجبات هو تغسيل الميت؛ حيث يجب أن يغسل ثلاثة أغسال؛ أولها بالماء والسدر والثاني بالماء والكافور (أي خليط من الماء والسدر والماء والكافور) والثالث بالماء القراح أي الماء الخالص.

ومما اعتيد عليه في عصرنا الحالي أن من يقوم بهذا الأمر قد يأخذ الأجر، وهذا لا يضر، مع أن هذا العمل واجب، وهناك خلاف بين الفقهاء: هل يجوز أخذ الأجرة على الواجب أم لا؟ ولكن أخيراً هنالك ما يمكن أن يكون مبرراً لأخذ الأجر، كما أن في بعض البلاد - مثلاً في إيران - هناك من يقوم بهذا العمل ولهم راتب شهري في هذا المجال، ولكن تغسيل الميت كما قلنا أمر واجب على كل واحد من الأمة، ويسقط وجوبه عن الجميع بقيام واحدٍ أو من يكتفى به، قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): "كان فيما ناجى به موسى بن عمران عليه السلام ربه: يا ربّ، ما لمنْ غسلَ الموتى؟ فقال: أغسلُهُ من ذنوبهِ كما ولدتْهُ أمُّهُ" (الكافي، ج3، ص164).

 وقال الإمام الصادق (عليه السلام): "من غسلَ ميتاً فسَتَرَ وكتمَ خرجَ من الذنوب كيوم ولدته أمه" (من لا يحضره الفقيه، ج1، ص141)، وكما قلنا إن أهم شيء هو تغسيل الميت ولكن إعلان موت الميت وما ذكرناه من الدعاء عند رؤية الجنازة هو من السنن والمستحبات.

الخطبة الثانية:

كما تعرفون إن هذه الجمعة هي أول جمعة لشهر رجب الأصب المبارك المرجب، ومن الروايات في فضل هذا الشهر اخترت حديثين عن الأئمة المعصومين (عليهم الصلاة والسلام).

عن علي بن سالم عن أبيه قال: " دخلتُ على الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) في رجب وقد بقيت منه أيام، فلما نظر إلي قال لي: يا سالم، هل صمت في هذا الشهر شيئاً؟ قلت: لا والله يا بن رسول الله، فقال لي: لقد فاتك من الثواب ما لا يعلم مبلغه إلا الله عز وجل، إنّ هذا شهر قد فضلَهُ الله وعظّمَ حُرمَتَهُ، وأوجبَ للصائم فيه كرامته، قال: فقلت: يا بن رسول الله، فإن صُمتُ مما بقي شيئاً، هل أنال فوزاً ببعض ثواب الصائمين فيه؟ فقال: يا سالم، من صام يوماً من آخر الشهر كان ذلك أماناً له من شدة سكرات الموت وأماناً له من هول المطلع وعذاب القبر، ومن صام يومين من آخر هذا الشهر كان له بذلك جواز على الصراط، ومن صام ثلاثة أيام من آخر هذا الشهر أَمِنَ يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده، وأُعطي براءة من النار" (وسائل الشيعة، ج10، ص475).

وعن سفيان الثوري قال: "حدثني جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه حسين بن علي عن أخيه الحسن عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال من صام يوماً من رجب في أوله أو في وسطه أو في آخره غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام ثلاثة أيام من رجب في أوله وثلاثة أيام في وسطه وثلاثة أيام في آخره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن أحيا ليلة من ليالي رجب أعتقه الله من النار وقبل شفاعته في سبعين ألف رجل من المذنبين، ومن تصدق بصدقة في رجب ابتغاء وجه الله أكرمه الله يوم القيامة في الجنة من الثواب بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" (بحار الأنوار، ج94، ص33).

علينا أن ننتهز هذه الفرصة الثمينة في هذا الشهر المبارك حيث جعل الله تعالى شهرين لاستقبال شهر رمضان لعظمة ذلك الشهر، فعلينا أن نهيئ أنفسنا لضيافة الله في شهر رمضان، رزقنا الله وإياكم أن ندرك فيوضاته، وندرك أيام وليالي شهر رجب وشهر شعبان المعظم إن شاء الله.

وفي هذا الأسبوع الذي مضى مرت بنا ذكرى استشهاد الإمام علي بن محمد الهادي النقي (سلام الله تعالى عليه) فأتقدم بأحر التعازي إلى مقام صاحب العصر والزمان وإلى مراجعنا العظام، وإلى نائب ولي الله الأعظم الإمام الخامنئي، وإلى العقيلة زينب (سلام الله تعالى عليها).

كما وقعت أيضاً حادثة موجعة بيد الكفار الغربيين الذين وجهوا إهانة إلى قرآننا، إلى الثقل الأكبر الذي أودعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمته مع عترته الطاهرة، وعلينا ألا نسكت على من ينال من هذه الرموز، ولو مِتنا من الألم فلا نُعابُ؛ لأن القرآن هو كل شيء لنا، فهو دستورنا. وقد أصدرت بياناً في شجب هذا العمل القبيح قلتُ فيه:  

بسم الله الرحمن الرحيم

"يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"، مرة أخرى تفضح ازدواجيةُ المعايير المتقمصين احترام حرية المعتقدات والمتمظهرين بتكريم المشاعر الإنسانية عندما يتجاهرون بإهانة عقيدة أكثر من مليار مسلم في العالم متشدقين بحرية البيان، ومثيرين للفتنة بين الأديان فكشروا عن أنيابهم التي لا تزال بين الفينة والأخرى تنهش لحوم الأبرياء وتمزق أوصال المجتمعات.

ومن هنا وجب على المسلمين وعقلاء العالم ومنظمات حفظ حقوق الإنسان ودعاة الحرية والسلام والأمان أن يكشفوا عمن يشعل نار الحروب ويذكي سعار الفتن ويصرّحوا بالبيانات ويجهروا بالهتافات نشراً للسلام وحفاظاً على الوئام، وليعلم الجناة والمجرمون، والساكتون الخانعون أن القرآن الكريم عصيّ على مثل هذه الهرطقات وأنه الكتاب الذي لا يمسّه إلا المطهرون.

هذا قرآننا ودستورنا، ومن ينال منه علينا أن نثور في وجهه، ومن يحرق هذا الكتاب فليحترق بنيران غضب الشعوب المسلمة، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وستقومون بذلك إن شاء الله بكل ما عندكم من الطاقة، ومن استطاع أن يصرخ في وجه هؤلاء الكفار المتجرئين فعليه أن تصرخ، ومن استطاع أن يكتب في قنوات التواصل الاجتماعي عليه أن يكتب.

علينا أن نقف في وجه مثل هذه التصرفات البشعة الشنيعة، فنحن مطمئنون بأن لهذه التصرفات تأثيراً سلبياً حتى في أوساط من لا يعتقدون بهذا الكتاب، هذا ينعكس عليهم كما يقول القرآن الكريم Pولا يحيق المكر السيء إلا بأهلهO.

وأما الهجوم الوحشي الصهيوني على مدينة جنين الفلسطينية فهذا ليس شيئاً جديداً من هذا الكيان، ولكن الجديد هو مما نبشر به؛ أن هؤلاء الشبّان الذين يتصدون لهذا الهجوم هم ممن لم يعايش أيام الاحتلال، بل كانوا يُربَّون لصالح هذه الغدة السرطانية، ولكنهم إلى الآن يرفعون علم المقاومة ضد الصهاينة.

كان الأعداء يظنون أن القضية الفلسطينية سوف تُنسى مع تَعَاقُبِ الأجيال، ولكنكم اليوم ترون هؤلاء الشبان الذين يعملون على إماتة إسرائيل، وبإذن الله سيقلعون هذه الغدة السرطانية من جذورها، والموت لإسرائيل.