۲٠۲٣/٠۲/۲۷ ۱۹:٤۸:۲۱
خطبة صلاة الجمعة 3 شعبان 1444هـ لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 3 شعبان 1444ه.

الخطبة الأولى:

في موضوع الأموات وتكليفنا تجاههم وصلنا إلى مرحلة ما بعد دفن الميت، واليوم سنتحدث عن تكليفنا تجاه المفجوعين،  الذين ابتلاهم الله بفقد أحبتهم، فإن الله تعالى يأمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) - ومن خلال نبيه يأمر المكلفين الآخرين من المؤمنين - بأن يبشر الصابرين، فيقول الله تعالى Pوَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَO (سورة البقرة، 155 – 157) هذا أمرٌ من الله تعالى بأن يبشر النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الصابرين على نقصان المال أو النفس أو الخوف، الذين أصيبوا بمصيبة فيها إخافة الناس، كالحرب وما شابه ذلك، وهذا ابتلاء وامتحان إلهي، فيفجع الإنسان بمثل هذه الأمور، فيأمر الله تعالى نبيه بأن يبشر الصابرين منهم - خلافاً للجازعين - فعلينا أن نصبر على ما أصابنا من المصيبة ونقول إنا لله وإنا إليه راجعون؛ والله تعالى هو المبدأ وهو المعاد وإليه مصيرنا، وكلٌّ له هذا المصير المحتوم، فلماذا يجزع الإنسان؟

وفي موضوع التعزية توجد روايات تدل على وجوب التعزية، كما في رواية عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) إذ يقول: "التعزية الواجبة بعد الدفن" (الكافي، ج3، ص240)، ويبدو أن هذه الرواية لا تدل على الوجوب المصطلح الفقهي؛ بل إن الذي تؤكد عليه هو من المستحبات المؤكدة؛ أن تعزي المؤمن المفجوع بفقد أحبته فور وقوع المصيبة، ويمكن أن تعزيه قبل الدفن أو بعده، والإمام (عليه السلام) يقول إن التعزية الواجبة بعد الدفن، أي إن عليكم بعد الدفن أن تعزوا حتماً، لأن هناك روايات تدل على أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يعزون قبل الدفن وبعد الدفن، فليس معنى الحديث أن التعزية قبل الدفن لا تجوز ولكن الأفضل منه التعزية بعد الدفن.

وأما بالنسبة لمن أصيب بالمصيبة فيجب أن يكون بائناً في وجهه وفي ظاهره وفي لباسه أنه هو المصاب، كما أن الفَرِحَ بمجلس عرسه يجب أن يتبين أنه هو العريس مثلاً، هذا ما عليه عرف الناس، والإسلام يؤيد هذه الأعراف، وقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: " يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْمُصِيبَةِ أَنْ لَا يَلْبَسَ الرِّدَاءَ وَأَنْ يَكُونَ فِي قَمِيصٍ حَتَّى يُعْرَفَ" (علل الشرائع، ج1، ص307)، وروي عن بعض أصحاب الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عندما توفي اسماعيل ابن الإمام (عليه الصلاة والسلام) خرج الإمام ظهر حافياً بدون رداء، فإذاً يتوقع من صاحب العزاء أن يكون ظاهره يدل على أنه مصاب.

ومن أهمّ آداب التعزية أن تحضر عند أهل المصاب، فقد قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): " كَفَاكَ مِنَ اَلتَّعْزِيَةِ بِأَنْ يَرَاكَ صَاحِبُ اَلْمُصِيبَةِ" (من لا يحضره الفقيه، ج1، ص174)، ونحن عادة عندما نأتي لنعزي نحاول أن يرانا صاحب المصيبة حتى يعرف أننا نهتم به، فعندما يرى أصحابه وإخوانه وأهله حوله يعزونه يعلم أنهم يشاركونه في المصيبة معه، فيعزونه بهذا العزاء وهم يتعزون أيضا، فهذا يؤثر كثيراً من الناحية النفسية، والشريعة الإسلامية المقدسة تصوّب هذا العمل وتمضيه.

والتعزية قد تكون بالكلام كما تجري عادتكم وسيرتكم على هذا إذ تقولون مثلاً: "عظم الله أجرك، آجرك الله" وما شابه ذلك، وروي: " وَأَتَى أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَوْماً قَدْ أُصِيبُوا بِمُصِيبَةٍ فَقَالَ «جَبَرَ اَللَّهُ وَهْنَكُمْ وَأَحْسَنَ عَزَاكُمْ وَرَحِمَ مُتَوَفَّاكُمْ» ثُمَّ اِنْصَرَفَ " الوهن بمعنى الضعف في الإنسان، ومعناه هنا أنه يصبح ضعيفاً بسبب المصيبة، فيدعو الإمام عليه السلام فيقول: جبر الله وهنكم، فالله تعالى هو الجابر لهذا الوهن، والعزاء الحسن هو الذي يكون مصحوباً بالصبر لا بالجزع.

وهناك أمر مهم أشير إليه؛ وهو أن تقديم أهل العزاء الطعام لمن يأتي للتعزية، هل هذا سُنّة؟ في بعض الروايات أن أهل الجاهلية كانوا هكذا يفعلون، وقد ألغى النبيُّ هذه العادة، ولكن على كل حال فهذه السنة جارية الآن فينا، وعلى الأقل ففي إيران يلتزم الناس بهذا، وفي بعض الأحيان يشعر الإنسان بأن أهل المصيبة إذا كانوا فقراء فمصيبتهم تكون مضاعفة؛ مصيبةٌ لفقد فقيدهم، ومصيبة أخرى حيث لا يعلمون كيف يستقبلون الناس ويطعمونهم وجيوبهم فارغة، ويجب أن يقترضوا المال لحفظ ماء وجوههم، وهذا لا يجوز، فبماذا يوصينا الشرع المقدس؟ عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): "لما قتل جعفر بن أبي طالب أمر رسول الله أن تأتي فاطمة أسماء بنت عميس هي ونساؤها وتقيم عندها ثلاثاً وتصنع لها طعاماً ثلاثة أيام" (بحار الانوار، ج82، ص83) فالمفجوع يجب أن تهيئوا له أطعمة لا أن تأكلوا عنده، بل تخففوا من مصيبته بأن تأتوا له الطعام.

وفي رواية أخرى عن الصادق (عليه السلام) يقول: "ينبغي لجيران صاحب المصيبة أن يطعموا الطعام عنه ثلاثة أيام" (الكافي، ج3، ص217)، أن يأتي الجيران بالطعام إلى بيت أهل المصيبة، لا أن يأتوا ويأكلوا عندهم. وفي بعض الروايات قالوا أنّ ما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنسبة لجعفر الطيار (رضوان الله تعالى عليه) أصبح سنة في الإسلام.

وأما بالنسبة لثواب التعزية فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "مَنْ عَزّى مُصَاباً، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أَجْرِ الْمُصَابِ شَيْئاً" (الكافي، ج5، ص525)، فللمعزي وللمعزّى ثوابٌ.

وروي أن النبي وروي أن إبراهيم عليه السلام سأل ربه فقال: "أي ربِّ، ما جزاء من بلَّ الدمع وجهه من خشيتك؟ قال: صلواتي ورضواني، قال: فما جزاء من يصبّرُ الحزين ابتغاء وجهك؟ قال أكسوه ثياباً من الإيمان يتبوأ بها الجنة ويتقى بها النار، قال: فما جزاء من سدد الأرملة ابتغاء وجهك؟ قال: أقيمه في ظلي وأدخله جنتي، قال: فما جزاء من شيع الجنازة ابتغاء وجهك؟ قال: تصلي ملائكتي على جسده وتشيع روحه" (بحار الأنوار، ج79، ص95).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من عزّى حزيناً كُسِيَ في الموقف حلة يُحبَرُ بها" (بحار الأنوار، ج79، ص94)، وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: " كان فيما ناجى به موسى (عليه السلام) ربه قال: ... فما لمن عز الثكلى؟ قال: أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" (بحار الأنوار، ج13، ص354).

الخطبة الثانية:

أتقدم بأسمى آيات التهاني بمناسبة حلول شهر شعبان المعظم وذكرى مولد سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وابنه المعظم الإمام سيد الساجدين زين العابدين علي بن الحسين (عليه أفضل صلوات المصلين) ومولد أخيه أبي الفضل العباس (عليه صلاة الله وسلامه).

وأقرأ في هذه الخطبة بعض الروايات في فضل هذا الشهر المعظم، فعن الصادق (عليه السلام) قال: "صِيَامُ شَعْبَانَ ذُخْرٌ لِلْعَبْدِ يَوْمَ‏ الْقِيَامَةِ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ يُكْثِرُ الصِّيَامَ فِي شَعْبَانَ إِلَّا أَصْلَحَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَ مَعِيشَتِهِ وَكَفَاهُ شَرَّ عَدُوِّهِ، وَإِنَّ أَدْنَى‏ مَا يَكُونُ لِمَنْ يَصُومُ يَوْماً مِنْ شَعْبَانَ أَنْ تَجِبَ لَهُ الْجَنَّةُ" (أمالي الصدوق، ص16)، طبعاً هذا يتضمن شرط أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى ومراعياً شروط الصيام ويكون حذراً بالنسبة لكل معصية حتى يكون أثر هذا الصيام وجوب الجنة له، وهذا أقل شيء وهو أن تكون الجنة واجبة له.

ولهذا الصيام أثر في حياته المادية أيضاً كما يقول الإمام (عليه السلام): "أصلح الله له أمر معيشته" هذا كلام إمام معصوم وليست مجازفة وليست مبالغة بل بيان حقيقة عن لسان إمام صادق هو الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام).

وهناك رواية أخرى علي بن الحسن بن علي بن علي بن فضال عن أبيه قال: "سمعتُ عليَّ بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: من استغفرَ اللهَ تباركَ وتعالى في شعبانَ سبعينَ مرةً غفرَ اللهُ لهُ ذنوبهُ ولو كانت مثلَ عددِ النجوم" (عيون أخبار الرضا، ج2، ص262)، على الإنسان أن يعرف أنه إذا استغفر الله فلا يستغفره بقلبٍ ساهٍ بل بقلب واع، ولا يكون استغفارهُ استهزاء بالله تعالى على حد قول الإمام علي الرضا (عليه السلام): "المستغفر من ذنبٍ ويفعلُهُ كالمستهزئِ بربِهِ" (الكافي، ج2، ص504) فأهم شيء أن تكون نادماً على ما فعلته، وهذا الاستغفار حتماً يؤثر.

وقال الإمام جعفر الصادق (عليه الصلاة والسلام): "حدثني أبي عن أبيه يعني حدثني الإمام الباقر عليه السلام عن أبيه يعني عن الإمام زين العابدين عليه السلام عن جده عليهم الصلاة والسلام يعني عن الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "شعبان شهري ورمضان شهر الله عز وجل، فمن صام يوما من شهري كنت شفيعه يوم القيامة، ومن صام يومين من شهري غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن صام ثلاثة أيام من شهري قيل له: استأنف العمل" (إقبال الأعمال، ج3، ص293)، أي ابدأ من جديد، أنت مغفور الذنوب الآن ويمكن أن تبدأ بعملك.

وأما بالنسبة لما جرى في الأسبوع الماضي فكما تعرفون أن خدمات أهل الخير للمنكوبين والمتضررين جراء الزلازل واصلة الآن والحمد لله، ولكن أريد أن أشير إلى نقطة مهمة هي أن خدمات محور المقاومة خدمات مخلصة وهي أخلَصُ ما يوجد، ونرى في الساحة حماة محور المقاومة، وهؤلاء إخوتكم وإخوتنا أنصار الله في اليمن، مع أنهم محاصرون ولديهم مشاكل ومعاناة كثيرة مع ذلك قدموا بإخلاص بعض الخدمات للإغاثة،  كذلك أقدّر ما فعله الحشد الشعبي (حفظهم الله) بدعوة من المرجعية، وهؤلاء لحد الآن متدفقون نحو المناطق المنكوبة ومستعدون لخدمات الإغاثة في سورية من جراء الزلزال والحرب، ولعل بعضاً يتجاهلون خدمات محور المقاومة ويريدون ألا ترى مثل هذه الخدمات، ولكن الله تعالى يرى والمؤمنون يقدرون هذه الخدمات.

وأما بالنسبة للجريمة الجبانة النكراء التي ارتكبها تنظيم داعش الملعون في منطقة السخنة، وسقط فيها أكثر من خمسين شهيداً، ما هو ذنبهم؟  أن هؤلاء المساكين كانوا يجمعون الكمأة حتى يبيعوها حتى يقتاتوا؟ لماذا تقتلونهم؟ ومن هو الداعم لهذه المنظمة الإرهابية؟ من يسمح لهم أن يتجولوا حتى الآن في البادية؟ إنهم هؤلاء المجرمون الأمريكيون الذين هم موجودون على الساحة حتى يدعموا مثل هؤلاء بعد أن فبركوهم وصنعوهم، ويزوّرون ويقولون نحن نريد أن نقضي على داعش، في حين أن وجود داعش لصالحهم وهم دائماً يحاولون أن يجدوا فراغاً حتى يملؤوه بهؤلاء، لعنة الله على من صنعهم وعلى من يدعمهم، وهؤلاء أنفسهم الذين فرضوا الحصار على هذا البلد، هم صانعو هذه المنظمة المجرمة.

وأما اعتداء الصهاينة على المدنيين في دمشق فكما ترون أنه كان هجوماً أعمى، من قبل هذا النظام الذي يعاني من مشاكل مع مواطنيه، إذ يهتف الآن في شوارع تل أبيب عشرات الآلاف، وهذا يدل على انهيار هذا النظام - بإذن الله تعالى - من الداخل، وقد قدر الله تعالى هكذا؛ أن يشغلهم بأنفسهم، اللهمَّ اشغل الظالمين بالظالمين.

ورأيتم الشباب الذين خرجوا مؤمنين متحمسين بهتافاتهم بدمائهم بتضحياتهم يريدون طرد المحتلين من أراضيهم، شباب نابلس الذين لم يكونوا البارحة يهتفون إلا هذا الهتاف: "فليسقط غصن الزيتون ولتحيا البندقية". هذا هو شعور الشباب في داخل الأراضي المحتلة والرسالة للمطبعين أن ما ينصحنا المطبعون به تضليل، مثلما فُعِلَ بالمؤمنين في حرب صفين، عندما وصل مالك بن الحارث الأشتر النخعي (رضوان الله تعالى عليه) قرب مواقع قيادة الشام، فرفعوا المصاحف على الرماح حتى ينصرف مالك، وأجبَرَ السذجُ من الناس الإمامَ (عليه السلام) على الصلح تبعاً للخونة الذين كانوا يشجعونهم على هذا الأمر، حيث قالوا لا نحارب القرآن، وقال الإمام (عليه السلام): أنا القرآن الناطق...وهذا هو عينُ ما يدعو إليه هؤلاء المطبعون الأمةَ الإسلامية، يدعون إلى شيء فيه تجديد حياة هذا النظام الصهيوني المنهار، ومن يدعو إلى إحياء هذا النظام خائن، ومحور المقاومة لن يفعل هكذا ولن ينخدع بهذا.