۲٠۲٣/٠٤/٠٣ ۱٤:٤۷:٠۹
خطبة الجمعة لسماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ حميد صفار الهرندي (أعزه المولى) بتاريخ 9 رمضان 1444هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 9 من شهر رمضان 1444ه.

الخطبة الأولى:

كنا نتحدث في الخطبة الأولى عن نمط الحياة على أساس الرؤية الإسلامية ونتابع هذا البحث، وربما يقول بعضٌ أن هذه الكلمات ليست لها أهمية بالغة وربما هناك أولوية لأبحاث أخرى، فأقول إن هذا الصرح العظيم صرح الحضارة الإسلامية كبنيان يقوم على أركان مختلفة، وقد شيّد النبي (صلى الله عليه وآله) خلال بعثته المباركة هذا الصرح، وعلم الناس في ظروف مختلفة هذه التعليمات، والبيت بحاجة إلى المطبخ كما أنه بحاجة إلى قاعة استقبال الضيوف والباحة... كذلك هذه الحضارة الإسلامية بحاجة إلى أشياء مختلفة؛ منها تنظيم علاقاتنا وفقا للمبادئ، وإذا لم نتعلم من أهل البيت ومن كتاب الله ومن سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيعلمنا أعداء الله وسيعلمون أولادنا وأجيالنا وفق رؤيتهم الكونية ووفق المبادئ المادية والشيطانية، فإذا علينا أن نتعلم في مدرسة أهل البيت كيف نتعامل بعضنا مع بعض.

أقرأ لكم اليوم بعض الروايات والأحاديث الواردة عن المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) في أدب الضيافة، وأنتم تعرفون وتربيتم على هذه الثقافة ولكن هذا تأكيد على ما تعرفونه.

عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه الصلاة والسلام) عن أبيه عن جده عن محمد بن علي عن أبيه ومحمد بن الحنفية عن علي بن ابي طالب (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "مِنْ حقِّ الضيفِ أنْ تَمشيَ مَعَهُ فَتُخرِجَهُ مِنْ حَريمكَ إلى الباب" (عيون أخبار لرضا، ج2، ص75)، كما تعودتم على هذه السنة حيث تشايعون الضيف إلى الباب، وهذه سنة من سنن الرسول (صلى الله عليه وآله) وهذا إكمال لإكرام الضيف.

هناك أدب آخر يذكره الإمام أبو جعفر محمد الباقر (عليه الصلاة والسلام) فيقول: " وَمِنَ الْجَفَاءِ اسْتِخْدَامَ الضَّيْفِ فَإِذَا نَزَلَ بِكُمُ الضَّيْفُ فَأَعِينُوهُ وَإِذَا ارْتَحَلَ فَلا تُعِينُوهُ فَإِنَّهُ مِنَ النَّذَالَةِ وَزَوِّدُوهُ وَطَيِّبُوا زَادَهُ فَإِنَّهُ مِنَ السَّخَاء" (وسائل الشيعة، ج24، ص316) فإذا نزل الضيف في بيتك وقام بالعمل وكأنه هو الذي يستضيف فهذا من الجفاء،  ويجب أن تتولى عنه العمل، وربما لا يقدر ضيفك أن يصعد الدرج مثلاً فتأخذ بيده وتعينه، أو تحمل عنه متاعه وتساعده حتى يدخل، وهذا معناه أنك تحب أن يدخل بيتك ويكون ضيفك وإذا ارتحل فلا تعينوه فإنه من النذالة هذا أمر يراه الله تعالى غير حسنٍ، وفاعلهُ نذل، لأنه بهذا التصرف كأنه يرغب في ارتحال الضيف بسرعة، لذلك لا تفتح الباب للضيف الذي يريد أن يرتحل، إلا إذا طلب منك المساعدة لفتح الباب، ولكن إذا كان معنى فتح الباب أنك تريد أن تخرجه من بيتك وتسرع في رحيله فهذا من سوء الأدب ومن الجفاء، وزودوه وَطَيِّبُوا زَادَهُ فَإِنَّهُ مِنَ السَّخَاء عندما يريد الضيف المغادرة يمكن أن تعطيه شيئاً يحمله معه هديةً، وهذا طبعاً للمستطيع.

هناك أدب آخر مهم وجميل، رواه محمد بن عبد الله الكوفي عن رجل ذكره قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يروي عن أبيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " وَلَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ أَنْ يَصُومَ إِلَا بِإِذْنِهِمْ لِئَلَا يَعْمَلُوا الشَّيْءَ فَيَفْسُدَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَصُومُوا إِلَا بِإِذْنِ الضَّيْفِ لِئَلَا يَحْتَشِمَهُمْ، فَيَشْتَهِيَ الطَّعَامَ فَيَتْرُكَهُ لَهُمْ" (الكافي، ج7، ص607)، وطبعاً هذا الصيام التطوعي وليس الصيام الواجب إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم يعني إلا بإذن المضيف؛ إذ لعل المضيف أعدّ طبخاً وأنت تقول أنا صائم، ليس من المروءة أن تفعل هذا بعد أن كلف نفسه لاستضافتك، ولا ينبغي لهم يعني للمضيفين أن يصوموا إلا بإذنه أي الضيف، فهذا أمر متبادل بين الضيف والمضيف، أنت أيضاً دعوت الضيف وتقول تفضلوا على المائدة ولكن أنا صائم، لا يجوز هذا لئلا يستحي الضيف فيشتهي الطعام، ولكن بما أن صاحب البيت صائم يستحي أن يأكل. وأؤكد مرة أخرى أن هذا الصيام التطوعي وليس الصيام الواجب.

عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: "إذا أتاك أخوك فأتِهِ بما عندك، وإذا دعوتَه فتكلَّف له" (الكافي، ج6، ص276) أخوك يأتي ولم تكن دعوته ولم تكن مستعداً لاستقباله فتُكرم هذا الضيف ولكن لا تكلف نفسك لأنه لم يخبرك بقدومه، ولكن إذا دعوته يجب إكرامه بأن تشتري شيئاً من اللحم مثلاً وتطبخ طعاماً تحبه.

وعن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "لا تَقُل لِأَخيكَ إذا دَخَلَ عَلَيكَ: أكَلتَ اليَومَ شَيئاً؟ ولكِن قَرِّب إلَيهِ ما عِندَكَ؛ فَإِنَّ الجَوادَ كُلَّ الجَوادِ مَن بَذَلَ ما عِندَهُ" (بحار الأنوار، ج75، ص455) فقد يستحي أن يجيب بجواب، فيقول الإمام: ولكن قرب إليه ما عندك، فإذا كان قد أكل ربما لا يأكل جيداً وإذا لم يأكل لا يستحي أن يقول لك لم أأكل، فإن القمة في الجود أن يبذل المرء ما عنده في البيت.

وعن علي بن جعفر - أخي الإمام موسى بن جعفر - عن أخيه موسى (عليه السلام): "أنّ رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا أتاه الضيف أكل معه، ولم يرفع يده من الخوان (المائدة) حتى يرفع الضيف" (الكافي، ج6، ص286) حتى لا يستحي الضيف، فإذا كنت أنت صاحب البيت تأكل شيئاً وتقول الحمد لله شبعت، وهذا الضيف ما زال جائعاً ويريد أن يأكل يستحي أن يأكل لأن صاحب البيت لا يأكل، فإذاً يجب أن يكون الذي يختم هو المضيف صاحب البيت لا الضيف؛ حتى لا يستحي الضيف.

الخطبة الثانية:

تصادف هذه الأيام ذكرى وفاة سيدتنا أم المؤمنين خديجة الكبرى (عليها السلام) حبيبة رسول الله صلى الله عليه وآله، التي توفيت في العاشر من شهر رمضان المبارك في السنة العاشرة من البعثة النبوية.

أقرأ لكم حديثا ًفي فضل سيدة خديجة ومكانتها عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عائشة قالت "كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا ذكَرَ خَديجةَ أَثْنى عليها، فأحسَنَ الثناءَ، قالت: فغِرْتُ يومًا، فقُلْتُ: ما أكثرَ ما تذكُرُها حَمراءَ الشِّدْقِ، قد أبدَلَكَ اللهُ عزَّ وجلَّ بها خَيرًا منها، قال: ما أبدَلَني اللهُ عزَّ وجلَّ خَيرًا منها، قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ، ورزَقَني اللهُ عزَّ وجلَّ ولَدَها إذ حرَمَني أولادَ النِّساءِ" (صحيح البخاري، 3821)

وقولها "حمراء الشدق" يعني المرأة العجوز التي ليست لها أسنان فتبين لثتها بلون أحمر، ويقال أنّ عائشة قالت: لن أذكر خديجة بسوء أبداً.

وأما عن دور خديجة الكبرى في نجاح الدعوة الإسلامية فقد مزجت السيدة خديجة (عليها السلام) بين الإيمان والعمل، فكانت المصداق البارز للحديث الشريف "الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان" (عيون أخبار الرضا، ج2، ص205)، ومن هنا تراها قد امتثلت الأمر الإلهي في آيات الذكر الحكيم بكل رحابة صدر، باذلة الغالي والنفيس في طريق الرسالة، فلم يبقَ من مالها شيء إلا وقد وضعته تحت تصرف الرسول (صلى الله عليه وآله) وما كانت تشعر بأنها بذلت للنبي بل كانت تشعر بربحها كنزاً وفيراً لا يدانيه كنز من كنوز الدنيا؛ والمتمثل بكنز الهداية المحمدية، وكانت تشعر بأنها تهدي حباً وحناناً لمحمد (صلى الله عليه وآله) في مقابل السعادة العظمى التي تغمرها وهي في طريق البذل والعطاء.

وكان لدعمها المادي الدور الكبير في غنى الرسول (صلى الله عليه وآله) والرسالة عما في أيدي الآخرين، حتى عُدّ ذلك من النعم التي أنعمها الله تعالى عليه (صلى الله عليه وآله) Pووجدك عائلا فأغنىO، وكان النبي يثمن ذلك العطاء الوفير ويشيد بصاحبته قائلاً: "مَا نَفَعَنِي مَالُ قَطُّ مِثْلَ مَا نَفَعَنِي مَالُ خَدِيجَةَ" (أمالي الطوسي، ج1، ص468)، وكان صلى الله عليه وآله يعتق بمالها الرقيق ويؤدي الديون عن الغارمين ويساعد الفقراء ويمد يد العون للمحتاجين، وكان مصدر إنفاقه في شح أبي طالب وعند المحاصرة مالُ خديجة (عليها السلام) ومالُ أبو طالب، حتى سجلت ذلك لنا المصادر التاريخية قائلة: فأنفق أبو طالب وخديجة جميع مالهما.

لقد امتازت سيدة الحجاز بالعطاء والسخاء وسائر الأخلاق الحميدة، فقد وضعت ثروتها الطائلة تحت متناول الرسول ليبذلها في سبيل إنقاذ البشرية والمحرومين من الظلم والتعسف فشمل عطاؤها اليتامى والجياع، وكان الرسول لا يفتأ يذكر ذلك السخاء والبذل بإجلال كبير.

لقد عاضدت السيدة خديجة (عليها السلام) النبي في حركته منذ الساعات الأولى للبعثة وحتى رحيلها عن هذه الدنيا، وكان لمساندتها الدور البارز في تقوية واستحكام الجبهة الداخلية للجماعة المؤمنة، فكانت المثل الأعلى للمؤمن الرسالي ثابت القدم راسخ العقيدة، ومنه نالت وبجدارة كبيرة لقب الطاهرة والصديقة وسيدة نساء قريش وخير النساء وأم المؤمنين وغير ذلك من الألقاب الكبيرة (سلام الله عليها).

نتمسك بهذه المرأة الصالحة التي هي من خير نساء العالمين على وجه الأرض حسب الروايات الواردة عن المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) ونتوسل بها ولها كرامة، وعلينا أن نعزي رسولنا الأكرم وأولاده المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) وسيدتنا زينب الكبرى بوفاة جدتها خديجة الكبرى (سلام الله تعالى عليهما).

وأما بالنسبة لما حدث في هذه الأيام العدوان الصهيوني على مدينة دمشق فكما ترون أن هذا أهم دليل على وحشية هذا النظام هذا الجرثومة، فعلى كل مؤمن أن يبرز ويتبرأ من هذه الغدة السرطانية، هذه هي عقيدتنا؛ نحن متبرئون من أعداء الله ومن الطواغيت، هذا هو معنى البراءة؛ كيف يمكن أن نسكت عما يجري من هذا الكيان الغاشم الغاصب ونقنع أنفسنا بأنه لا يوجد جدوى أمام هذه التصرفات بأن نهتف ضد هذا الكيان الغاصب؟! فتعرفون أن لهذا الشعار والهتاف ضد الطاغوت أثراً إعلامياً، فليعرفوا أننا على الأقل نستنكر ما يجرمونه بحقنا وهذا أدنى شيء يمكن أن نفعله.

أريد أن أقول: لا شك أن الحضور والتواجد في إحياء يوم القدس العالمي بهتافاتنا لاستنكارنا لجرائم هذا الكيان الغاصب هذا من الأعمال القُربية التي نتقرب بها إلى الله تعالى، هذه براءة من أعداء الله تعالى وقد قال سبحانه Pأُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌO (سورة الحج، 39)، نحن قد ظُلمنا فكيف لا نفعل شيئاً ولا نقول شيئاً؟

 القضية الفلسطينية هي قضية الأمة الإسلامية وليست قضية الشعب الفلسطيني فقط، ونحن نعتز بأن رجلاً مؤمناً من أحفاد فاطمة ورسول الله والإمام موسى الكاظم (عليهم السلام) هو الذي قام برفع الراية المنكوسة المنسية لأمر القدس والقضية الفلسطينية، ألا وهو سيدنا ومولانا الإمام روح الله الموسوي الخميني (قدس سره)، حيث أعلن يوم القدس وأحيا هذا اليوم وأعطى للأمة الإسلامية حيوية من جديد، أعطاهم أمل حتى يتقدموا لإزالة هذه الغدة السرطانية.

ونحن نفتخر بأن أتباع أهل البيت (عليهم السلام) هم في مقدم هذا الصف ضد الصهاينة، فلا يظن أحد أن هذه القضية قضية الآخرين، هذه قضيتنا وقضية الجميع، وأول من قام بإعلان مظاهرة في إيران الإسلامية قبل انتصار الثورة وحينما احتلت الأراضي الفلسطينية كان آية الله السيد محمود الكاشاني، وقد كان علماؤنا دائماً يهتمون بالقضية الفلسطينية، وللعلامة كاشف الغطاء بصمات في هذا المجال، كما حرم المرجع الديني الأكبر المرحوم آية الله العظمى السيد محسن الحكيم بيع الأراضي الفلسطينية إلى اليهود.

هؤلاء علماؤنا علماء الشيعة الذين كانوا دائماً في مقدم هذا الصف، فإذاً هذه القضية قضيتنا، ونهتف بزوال هذه الغدة السرطانية التي هي على وشك الأفول والإزالة إن شاء الله تعالى بأيدي أنفسهم.

ونعتز بأن الإخوة في جنوب لبنان هم أول من دحر الصهاينة من الأراضي الإسلامية، فلنذكر سيد المقاومين سماحة الحجة السيد حسن نصر الله (حفظه الله تعالى) الذي استطاع أن يُخضِع هؤلاء اليهود المجرمين، فباتوا لا يتجرؤون على الاعتداء على جنوب لبنان لأنهم يعرفون أنهم سيتلقون درساً لن ينسوه أبداً، لأنهم رأوا أن هناك مؤمنين مخلصين اهتمامهم بأمر القدس، ولا يرضون بشيء إلا استئصال هذه الغدة السرطانية.

وبكل اطمئنان أقول، بنيّة صادقة أقول: الموت لإسرائيل؛ لأنها عمل قربي، هذا الهتاف عمل قربي نتقرب به إلى الله، فهذه براءة من أعداء الإسلام، من أعداء الأمة الإسلامية، وبراءة من أعداء محمد وآله الطيبين الطاهرين.