۲٠۲٣/٠۵/٠۲ ۱٤:٠٤:۲۷
خطبة الجمعة لسماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ حميد صفار الهرندي (أعزه المولى) بتاريخ 7 شوال 1444هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 7 شوّال 1444ه.

الخطبة الأولى:

اليوم نتحدث عن علاقتنا بالأطفال، وقد تحدثنا قليلاً عنها في البحث عن صلة الرحم، وذكرنا هناك علاقة الأب والأم مع أولادهما، واليوم نتحدث بشكل عام ونربط هذا البحث مع البحث السابق حول صلة الرحم بصورة أوسع.

للطفل بشكل عام حق على المؤمن الكبير، كما نقرأ في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين علي بن الحسين (سلام الله عليهما) حيث يقول: "وحَقُّ الصّغيرِ رحمتُهُ في تَعليمِهِ والعفوُ عنهُ والسَّترُ عليهِ والرِّفقُ بهِ والمعونةُ لَه"ُ هذا الكلام موجه إلى المعلمين، وأول معلم للأولاد هما الأبوان، ثم يأتي دور المعلمين في المدارس، فيجب على المعلم أن يرى الطفل منه الرحمة في أمر التعليم، بحيث يرى الطفلُ إنساناً حنوناً يعلمه، لا مثل ما كان قديماً؛ حيث يتعامل المعلم بالعصا وبالضرب ويطلب من الطالب أن يتعلم، هذا طبعاً خطأ، ولا أريد أن أقول إن الضرب للتأديب لا يوجد في الإسلام، بلى يوجد ولكن ليس بأن يتكرر الضرب دائماً، فهذا إهانة لكرامة الطفل الذي سيكون في المستقبل إنساناً كاملاً، والآن أيضاً هو إنسان له حق وكرامة، عليك ألا تهينه بضربه كل حين وآخر.

وبما أن الطفل يجهل كثيراً من الأشياء لأنه حديث السن وليس عنده تجربة فيخطئ كثيراً، فلا تتوقع منه أن يكون مثل رجل كبير أو امرأة كبيرة، فعليك بالعفو عنه والستر عليه دائماً، والتغاضي عما ترى منه من الأخطاء كأنك لا تراه، ولكن تكون مراقباً وتستر عليه هذه الأخطاء وتعالج بشكل ما. طبعاً التربية والتعليم شغلان مهمة صعبة ويجب أن نشق على أنفسنا لنربي أولادنا تربية صحيحة.

عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أحبوا الصبيان وارحموهم وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم فإنهم لا يرون إلا أنكم ترزقونهم " (الكافي، ج6، ص49)، إذا وعدته عليك أن تفي بوعدك لأنه يبقى في ذاكرته أنك وعدته، وهو يراك أنك أنت ترزقه، فعليك أن تفي حتى تبقى هذه العلاقة بينكم، وطبعاً المخاطب هو أولاً الوالد والوالدة، ولكن في الدرجة الثانية المعلم أيضاً.

في الخطبة التي ألقاها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجمعة الأخيرة من شهر شعبان وتحدث عن فضائل شهر رمضان – وقد قرأناها سابقاً – يقول: "ووقروا كباركم وارحموا صغاركم" هذه الرحمة هنا أيضا يؤكد عليها.

وفي حديث مشهور عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أقرأ منه موضع الحاجة يقول: "لولا مشايخ ركّع وفتيان خشّع وصبيان رضّع لصبّ عليكم العذاب صباً" (إرشاد القلوب، ص193)، فالله تعالى لأجل هؤلاء يرحم الناس؛ لأجل هذا الشيخ الذي قضى عمره في ركوعه وسجوده وفي عبادته الله تعالى، وكذلك الفتى المؤمن الشاب الخاشع يكون سبباً للرحمة في المجتمع، وكذلك الطفل الرضيع البريء، لأجل هؤلاء يرحمنا الله تعالى، فإذا كان الصبيان مصدر رحمة فعليكم أن ترحموهم بما أن الله يرحمكم بسببهم.

وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا بعث سرية دعا بأميرها فأجلسه إلى جنبه وأجلس أصحابه بين يديه ثم قال: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقطعوا شجرة إلا أن تضطروا إليها كما في بعض الحروب ضد اليهود النبي أجبر على أن يقطع بعض النخيل الممتاز في المدينة المنورة حيث يعبر عن هذه النخيل باللينة في سورة الحشر "ما قطعتم من لينة" يعني إذا قطعتم ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة" (الكافي، ج5، ص30).

لقد رأيتم هؤلاء المسلحين الذين كانوا يتظاهرون بشعار "الله أكبر" مع أنهم ما كانوا يفهمون الله أكبر ولا الإسلام ولا يستشمون شيئاً من الإسلام، كانوا يذبحون الأطفال، وما قرؤوا هذه الروايات الواردة في المجاميع الروائية من السنة والشيعة لو كانوا يحسبون أنفسهم من السنة، نحن لا نحسبهم من السنة لأنهم قتلوا من أبناء السنة في هذا البلد وفي العراق، لقد قام هؤلاء بذبح الصبيان مع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول حتى صبيان المشركين دمهم حرام عليكم في الحرب.

أريد أن أذكر شيئاً؛ أني للأسف الشديد بعض الأحيان أرى حتى في صحن هذا الحرم تصرفات بعض الآباء والأمهات غير صحيحة بالنسبة لأولادهم، كأن يضربه ضرباً مبرحاً مع أن هذا الفعل عليه عقاب يوم القيامة وسيقتص منه.

هذا ابنك أو بنتك ولكنك لست مالكاً له حين تتصرف، هذا إنسان، أمانة جعلها الله تعالى بين يديك حتى تربيه، وهو رزق من الله تعالى، فيجب أن تشكر هذا الرزق لا أن تضربه.

طبعاً هناك موضع للضرب ولكن ليس ضرباً مبرحاً، وقد ورد في بعض الروايات أن الضرب أكثر من ثلاثة مرات فيه عقوبة، ولا يكون ضرباً مبرحاً بل المطلوب أن يردع هذا الطفل، ففي بعض الأحيان ترى أن هذا الطفل - الذي لا يفهم شيئاً - قد أخذ مسماراً يريد أن يدخله مثلاً في قابس كهربائي، وأنت تعرف أن هذا يميته، وخوفاً على حياته يمكن أن تضربه بقوة وتسحبه، أو تراه على وشك السقوط في بئر وما شابه ذلك، وبالطبع فالوالد والوالدة يحبان ولدهما ويمكن أن يضرباه لردعه عن هذا الخطر، هذا شيء طبيعي ولا نتحدث عن هذا، ولكن إذا كنت تريد أن تتحدث معه عندما تنزعج فتفعل شيئاً لا يرضى به الله تعالى وتضربه! هذا ليس بصحيح، أو إذا رأيته بسبب تصرفاته الصبيانية يخل بنظم مجتمع تشارك فيه كما في المسجد، ماذا تفعل في هذه الحالة؟ يجب أن تشق على نفسك بأن تأخذه وتشغله بشغل آخر، وعلى أكثر تقدير تخرجه من المسجد وتبعده عن هذا المجلس حتى لا يفسد، لا بأن تضربه، فليس الضرب هو ما يرضى به الله تعالى.

 وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: "قال موسى بن عمران (عليه السلام): يا رب، أي الأعمال أفضل عندك؟ فقال: حب الأطفال؛ فإني فطرتهم على توحيدي، فإن أمتُّهُم أدخلتهم برحمتي جنتي" (بحار الانوار، ج104، ص105)

تعرفون هذه الأحاديث وقد سمعتم كثيراً أن هذا الطفل البريء عندما يموت ينزل على رحمة الله تعالى، لأنه قريب العهد من الله ومن الملائكة، جاء من عند الله إلينا، بريء لم يتلوث بدنس الذنوب، فلذلك يقال في صلاة الاستسقاء عليكم أن تأتوا بالأطفال إلى الصلاة وتفرقوا بين الأطفال وأمهاتهم حتى يبكوا، بهذا تتحنن الملائكة، والله تعالى يرحم ببكاء الأطفال الأبرياء.

هذا هو شأن الأطفال، فإذاً حب الأطفال علامة لنظر الله إليك نظر رحمة، وهذا ليس شيئاً باطلاً بل أمر ممدوح لا يذم عليه بل يمدح عليه، وأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا أرحم الناس بالأطفال. "عن كليب الصيداوي أحد أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): إذا وعدتم الصبيان ففوا لهم؛ فإنهم يرون أنكم الذين ترزقونهم، إن الله عز وجل ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان" (الكافي، ج6، ص50) بما أن المرأة أضعف من الرجل فالله تعالى يغضب إذا ظلمتها، وكذلك الصبيان أيضاً بما أنهم ضعاف فالله تعالى يغضب إذا ظلمتهم لا سمح الله.

الخطبة الثانية:

في هذا الأسبوع الذي قد مضى هناك أيام لله، وقد أمرنا الله تعالى بأن نذكر بأيام الله، Pوذكرهم بأيام اللهO (سورة إبراهيم، 5)، وهذا أمر موجه إلى النبي وإلى جميع المكلفين أن يذكروا بأيام الله المصيرية، ففيها تُرى قدرة الله تعالى وآياته.

في مثل أيام في الأسبوع الماضي - قبل أكثر من أربعين سنة - حدث حادث في الجمهورية الإسلامية نحسبه من أيام الله وهذا مصداق لهذه الآية الشريفة Pيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًاO (سورة الأحزاب، 9) تعرفون ما حدث بالنسبة للسفارة الأمريكية وما يدعى "وكر التجسس الأمريكي" وهذا هو الاسم الصحيح لهذا المكان الذي كان في قلب طهران وكانوا فيه يتجسسون على الجمهورية الإسلامية كما كانوا يتجسسون على إيران قبل الثورة الإسلامية، وكانوا يديرون البلد والشاه المقبور الإيراني عميل الأمريكان.

في سنة ١٩٨٠ أو قبلها اقتحم جمع من الطلاب  الجامعين في إيران وكر التجسس الأمريكي على أمتنا الإسلامية، وقد كان الاقتحام تنديداً باستقبال الولايات المتحدة الشاهَ المقبور المجرم ورفضها أن تعيده إلى إيران حتى يحاكم ويعاقب بيد الشعب الإيراني، وفي الاقتحام أخذ الطلاب الجامعيون رهائن من الدبلوماسيين الذين كانوا في الحقيقة جواسيس للولايات المتحدة، فعمد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر إلى إرسال مجموعة من الطائرات والجنود، ونسق مع العملاء في طهران وفي أماكن أخرى في إيران حتى يرتبوا عملية تحرير الرهائن من أيدي الطلاب الجامعيين.

وأقلعت طائراتهم من مواقعها في بعض البلاد العربية، وصلوا إلى صحراء "طبس" وهبطوا ليتزودوا بالوقود، فأرسل الله تعالى ريحاً أدت إلى اصطدام الطائرات عند محاولتها الإقلاع، بحيث إن المروحيات اشتبكت بعضها مع بعض بسبب هذه الريح.

وقد قال الإمام الخميني رضوان الله عليه إن يد الله هي التي كبدتهم هذه الخسائر، وبعون الله تعالى وبتأييد إلهي استطعنا أن نقهر هؤلاء المستكبرين المتعجرفين الأمريكان.

وقعت هذه الحادثة في الخامس والعشرين من نيسان أبريل عام ألف وتسعمائة وثمانين، وأسفرت عن تحطم طائرتين ومقتل ثمانية جنود أمريكيين في صحراء طبس من دون أن نتدخل نحن، وجنود الله هم قاموا بهذا.

هذا هو واقع القضية وهذه ليست شعارات، اعلموا أنه يوم احتُلَّ وكر التجسس كانت سمعة الحكومة الأمريكية واعتبارها وهيمنتها أضعاف ما هي عليه الآن، لا تنظروا إلى أمريكا حالياً حيث سقطت من العيون والأنظار وصغرت وراحت الشعوب تسبها وتلعنها علانية، لم يكن الوضع هكذا في تلك الآونة، بل كان لأمريكا يومذاك هيمنة كبرى من الدرجة الأولى، وجاء طلابنا الجامعيون بشجاعة وشهامة وباعتبارهم الخط الأمامي لجبهة مقاومة الشعب الإيراني واحتلوا سفارة أمريكا وسجنوا الأشخاص الذين كانوا هناك، ويومها أبدى الإمام الخميني اللطف واللين وأمر بعد مدة أن يطلق سراح بعضهم، مثل النساء وبعض الموظفين من أصول إفريقية، لكن العناصر الأصليين في السفارة بقوا محتجزين فترة طويلة،  وكانت هذه الحادثة حركة عظيمة زلزلت القوة الأمريكية في العالم، فسقطت أمريكا بكل هيمنتها وعظمتها من أنظار العالم فجأة، ووصل الأمر إلى درجة أن رئيس جمهورية أمريكا بادر إلى الهجوم العسكري الخفي الليلي على إيران لإنقاذ هؤلاء الرهائن.

لقد عبأ الأمريكيون جواسيسهم هناك ومهدوا الأسباب والمقدمات ووظفوا أشخاصاً، وكان هذا التخطيط ممتازاً بحيث إن الخبير العسكري الذي يرى هذا التخطيط يجزم بانتصار خطتهم، ولكن الله تعالى قد أفشلها.

يقول الإمام القائد: لقد أراق الله تعالى ماء وجههم واحترقت طائراتهم ومروحياتهم، واضطروا للعودة من طبس. وقال سماحته: لقد رأينا في حادثة طبس فعل الله بالأمريكيين هذا يوم الله لأن الله هو الذي فعل هذا لا بأيدينا بل أرسل جنوداً لم نراها.

هذه القوة الشيطانية كيف أصبح مصيرها في العراق وفي أفغانستان؟ أجبروا أن يهربوا من أفغانستان بعد فترة طويلة من الاحتلال، وفي العراق كان رجالنا الأبطال في الحشد الشعبي يضربون حيث يريدون، وليست لهؤلاء المحتلين قوة، وربما يعرضون قوة مزعومة، وكلها كلمات تافهة، فهذه القوة الاستكبارية ليست كما كانت في السبعينات والثمانينات، فقد ولى ذاك الزمان، وبدأ انهيار هذا القوة وستصبح مثل بعض البلاد التي كانت مستعمِرةً سابقاً كالبرتغال وإسبانيا، الذين كانوا يحتلون البلاد سابقاً وكانت لهم مستعمرات والآن ليست لهم قوة وعادوا يفكرون بشأن قوت مواطنيهم

فيا أيها الشعب المقاوم السوري، عليكم بالاتكال على الله تعالى إذا أردتم العزة فإن العزة لله جميعاً، وأي شعب يعتمد على الله تعالى ويثق به فهو منتصرٌ حتماً، وهذا نصرٌ قد ضمنه الله تعالى حيث قال Pيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْO (سورة محمد، 7).