۲٠۲٣/٠۵/٠۸ ۱٣:٤۱:۲٣
خطبة الجمعة لسماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ حميد صفار الهرندي (أعزه المولى) بتاريخ 14شوال 1444هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه)، ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 14 شوّال 1444ه.

 الخطبة الأولى:

 كعادتنا في الخطبة الأولى من كل جمعة نتناول نمط الحياة على أساس الرؤية الإسلامية، لأن الإسلام قد رسم لنا في جميع النواحي برنامجاً للحياة، حتى في الشؤون البسيطة العادية في حياتنا اليومية.

تحدثنا عن مكانة الأطفال عند الله تعالى حيث يوصينا بهم، وذكرنا سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأولاده المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) التي تدل على أنهم كانوا يهتمون بالأطفال ويعطونهم قيمة. 

من الأشياء التي تعرفونها - وقد وردت في الروايات وفي التاريخ الإسلامي - أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) كان يحبون الأطفال ويعطفون عليهم، وكذلك من عادتهم أنهم كانوا يسلمون على الأطفال، وكان بعض الأطفال يحبون أن يسبقوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في السلام، ولكن لم يكونوا يستطيعون أن يبادروا بالسلام قبله، ما معنى هذا العمل؟ لماذا كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يسلم على الأطفال؟ حتى يجعلهم يثقون بأنفسهم ويفهمون أن الكبار من الناس يمكن إنشاء علاقة معهم، فيمكن للطفل أن يتصل بوالده ويتحدث معه، ولا يهاب أن يرتبط معه.

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله)‏: خَمْسٌ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى الْمَمَاتِ: ... وَالتَّسْلِيمُ‏ عَلَى‏ الصِّبْيَانِ‏ لِتَكُونَ سُنَّةً مِنْ بَعْدِي. (الخصال ؛ ج‏1 ؛ ص271) قال النبي لا أدع حتى الممات التسليم على الصبيان، لماذا؟ لتكون سنّة من بعده، فهكذا أصبح التسليم على الأطفال سنة ورثها أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) حيث كانوا لا يستحون أن يسلموا على الأطفال، وهذا تعليم للطفل أيضاً أن يسلّم، لأن السلام يولد السلام والمودة والحب فيما بيننا، وقد أكد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمعصومون (عليهم الصلاة والسلام) على التحية الإسلامية وهي "السلام عليكم"، وسبحان الله هذا له أثر كلنا نشعر به، فعندما تسلم على أحد ليست بينك وبينه علاقة يصنع هذا السلامُ بينكما علاقة محبة متبادلة.

هذا تعليم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للأطفال من أيام صغرهم، يتعلمون خيرات التسليم ويسلم بعضهم على بعض.

ولقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يلاعب الصغار كأنه في مثل عمرهم، فلا تستحيِ أنك شيخٌ وتلعب مع حفيدك، فهذا يؤثر كثيراً في هذا الطفل من الحب ومن تعليمه بعض الأشياء من خلال اللعب.

وقد ورد في بعض الأحاديث عن سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان يلعب مع سبطيه الحسن والحسين (عليهما صلوات الله)، وطبعاً عندما تعيش مع الطفل وتريد أن تختلط معه وتلعب معه يجب أن تكون مثله، يجب أن تنزل وتفرض نفسك أنك صبي، لذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ صَبِيٌ‏ فَلْيَتَصَابَ‏ لَهُ‏" (من لا يحضره الفقيه ؛ ج‏3 ؛ ص483) أي فليجعل نفسه مثل الصبي فيقلد هذا الصبي ويحاكي حركاته حتى يقدر أن يرتبط به ويتحدث معه ويلعب معه ويعيش معه، وفي هذا ثواب أن تسعد هذا الصغير وتدخل السرور في قلبه، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): " إنّ في الجَنّةِ داراً يُقالُ له دارُ الفَرَحِ لا يَدخُلُها إلا مَنْ فَرَّحَ الصِّبيان" (الجامع الصغير للسيوطي، ج1، ص354).

وإذا لم نقم نحن بإسعاد الأطفال ربما يأتي أجنبي من خارج العائلة لا تثق به ويسد هذا الفراغ، فإذاً علينا أن نقوم بهذا الأمر المهم، علينا أن نجعل فضاء الأسرة والجو السائد فيها جو الحب والمودة، ولا نسمح للآخرين ولا نسمح للأجهزة الجديدة أن تفسد باسم إدخال السرور في القلوب، حيث تزرع العادات السيئة في الطفل، فإذا تركت الطفل مع الجوال حتى ترتاح ربما يتعلم من هذا  الجوال الذي يرسله أعداؤنا تحت عنوان التسلية ويستغلون من خلاله الأطفال، فعليك أن تراقب طفلك بأن تحدد وقتاً لهذا الطفل لتربيته، فينشأ حقيقةً طفلاً لك لا طفلاً بيد الآخرين.

وفي ثواب تفقيه الصغير يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "مَن رَبّى صَغيراً حتى يقولَ: لا إلهَ إلا الله، لمْ يُحاسِبْهُ اللهُ عزّ وَجَلَّ" (المعجم الأوسط للطبراني، ج5، ص130)، علينا أن نعلم أطفالنا التوحيد منذ الطفولة، نعلمهم أن يسجدوا لربهم ويشكروا نعمه تعالى، وهذا على عاتق جميع الناس، إذ عندما يوصي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويعد وعداً جميلاً هكذا بأننا لا نحاسب إذا كنا من المعلمين لأولادنا التوحيد فهو يضع على عواتقنا مسؤولية التربية الدينية لأولادنا.

وكذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " إِنَّ الْمُعَلِّمَ إِذَا قَالَ لِلصَّبِيِّ بِسْمِ اللَّهِ، كَتَبَ‏ اللَّهُ‏ لَهُ‏ وَلِلصَّبِيِ‏ وَلِوَالِدَيْهِ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ" (مستدرك الوسائل؛ ج‏15 ؛ ص166).

وبالطبع فإنّ في معاشرة الأطفال الصغار مشاقُّ، فهذا الطفل يريد اللعب دائماً، ولكن سنَّ الوالد لا يطلب مثل هذه العادات كما يفعل الطفل، وكذلك مشاق أخرى بالنسبة للطفل الرضيع الصغير. 

وقد ورد عن طرق أهل السنة مما روته زوجُهُ عائشة: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانَ فَيَدْعُو لَهُمْ‌، وَإِنَّهُ أُتِيَ بِصَبِيٍّ‌، فَبَالَ عَلَيْهِ‌، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‌:" صُبُّوا عَلَيْهِ الْمَاءَ صَبًّا". (أي قال لوليه طهره دون أن يبدي انزعاجا لهذا الفعل)" (مسند أحمد بن حنبل، ج6، ص46) أشار النبي إلى ولي الطفل بأن يطهره دون أن يبدي انزعاجاً لهذا الفعل حتى لا يستحيي هذا الطفل فهو يفهم، وإن كنا قد نعتقد أنه لا يفهم، وكأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا مشكلة فيما حدث والمهم أن تطهر ولكن دون أن يستحيي هذا الطفل ويتأثر ويفهم أنك انزعجت من هذا العمل.

وقد حدث مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - كما روي في الكتب الروائية والتاريخ - أنه في حال انشغاله بالصلاة وفي حال سجوده كان الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام) يصعدان على ظهره (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان يطيل سجوده حتى يرتاحا، هكذا كان يهتم بأمر الأطفال. نعم ربما يقول بعضٌ إن هذا بسبب عظمة الحسن والحسين وأنهما سيصيران إمامين، ليس هذا فقط بل هذا تعليم تربوي لنا حول مشاق معاشرة الأطفال.

قد يحدث مثل هذا لك وأنت مشغول بصلاتك فيأخذ الطفل التربة من أمامك، فلا تغضب منه بل يمكنك من خلال هذا الحادث أيضاً أن تعلمه شيئاً.

وعلى كل حال علينا أن نتحمل هذه المشاق لأن هناك مصلحة كبيرة في معاشرة الأطفال، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) كانوا يؤكدون من خلال سيرتهم وكلماتهم على معاشرة الأطفال، ولأن هذه السيرة العملية من الوالدين ومن الكبار هي التي تؤثر من الناحية التربوية في الأطفال، إذ عندما يكبرون ينقلون ما حدث معهم، فلو دخل المسجد مثلاً فلا تطردوه، ليكون له في المستقبل انطباع جميل عن المسجد والمراسم الدينية، وعلى العكس من ذلك إذا طردته سيبقى هذا في ذاكرته ويؤثر أثراً سلبياً.

الخطبة الثانية:

في الأسبوع الفائت مرّت ذكرى حادث مؤلم وهو هدم قبور الأئمة (عليهم السلام) في بقيع الغرقد في الثامن من شوّال، على يد الوهابية، وبعد مرور مئة عام على تلك الجريمة هذا جرح لم يندمل لحد الآن، ولا أقول نتمنى بل أقول نرجو أن يأتي يوم قريب نبني فيه هذه المراقد بشكل يليق بالأئمة (عليهم الصلاة والسلام)، وبإذن الله تعالى بأيدينا نحن محبّي أهل البيت عليهم الصلاة والسلام سنبني هذه القبور، قبر الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) والإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) والإمام محمد الباقر (عليه الصلاة والسلام) والإمام جعفر الصادق (عليه الصلاة).

وكذلك مرّت الذكرى الرابعة والأربعين لاستشهاد آية الله العالم الفقيه الفيلسوف المؤمن المجاهد الشيخ مرتضى مطهري، من رموز الشيعة في القرن الأخير، الذي قضى على أيدي المنافقين في ١٢ أيار عام في مدينة طهران، وأنا أوصي الجميع وخصوصاً الشباب بقراءة كتبه الزاخرة بالمعارف الدينية، والتي وصفها الإمام الخميني (رضوان الله تعالى) بأنها كلها مفيدة وقيمة، في العقيدة الإسلامية والفقه الإسلامي وغيرهما، وبقلمٍ سهلٍ عذبٍ يفهمه جميع أطياف الناس بجميع المستويات، فبإذن الله تعالى لا نترك قراءة كتب الشهيد مطهري، ونستفيد من هذا البحر العميق لعلوم آل البيت (عليهم الصلاة والسلام).

وأتناول أخيراً المناسبة المهمة المتمثلة في زيارة آية الله السيد إبراهيم رئيسي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية لهذا البلد الحبيب، بعد ثلاثة عشر عاماً من زيارة آخر رئيس إيراني إلى سورية.

أولاً أشكر الإخوة والأخوات في سورية وأخص بالذكر مدينة السيدة زينب (عليها السلام)، وأشكر جيران المقام أنتم أيها الأحبة المؤمنون من المجاهدين، وعوائل المجاهدين الجرحى والشهداء، وجميع من شارك من معالي وزير الأوقاف ومتولي المقام والعلماء العظام وطلاب الحوزات والجامعات وجميع أطياف المشاركين في استقبال سيادة الرئيس رئيسي (حفظه الله تعالى).

أيها الإخوة، أعرف أنكم تثقون بإخوانكم في إيران أنهم إذا قالوا نفذوا وإذا وعدوا وفوا، وهذه المرة أيضاً نرجو من الله تعالى أن يوفقنا ويوفق الشعب الإيراني والحكومة الإيرانية أن يقدروا أن يفوا بما وعدوا من خلال هذه الاتفاقات التي جرى إبرامها بين الحكومتين، بين سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد وسيادة الرئيس إبراهيم رئيسي، خصوصاً بالنسبة لمنطقة السيدة زينب (عليها السلام).

وبإذن الله تعالى سنرى ازدهاراً وسنبني سوياً كما قاومنا سوياً، وكما أريقت دماء رجال إيران بجانب الإخوة المجاهدين الشرفاء السوريين، إن شاء الله سنكون معكم وسيكون الشعب الإيراني معكم وسنبني البلد من جديد ونعمره أحسن من السابق حتى يكون نموذجاً في هذه المنطقة.

إن هذه الزيارة كما زرعت الحب في قلوب الناس والأمل بالمستقبل، كذلك كانت شوكاً في عيون الأعداء، وهم لم يخفوا هذا الحقد والكراهية، ولم ينفكوا يبدون قلقهم من هذه الزيارة، ويجب على العدو الصهيوني أن يخاف من هذا الاقتراب وهذه المودة، ولا أقول اقتراب بل هذه الوحدة.

وبإذن الله تعالى يجب أن يغتاظ هؤلاء ونقول لهم كما قال الله تعالى لنبيهِ Pقُلْ مُوتُوا بِغَيظِكُمْO (سورة آل عمران، 119) ونحن نقول: موتوا بغيظكم أيها الأعداء، وبإذن تعالى نحن في صف واحد سنبني سورية ونخرج من الأزمات ونرى في وقت قريب الازدهار لهذا البلد الطيب، والموتُ لإسرائيل.