۲٠۲٣/٠۵/۲۲ ۲٠:٣۵:٤۲
خطبة الجمعة لسماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ حميد صفار الهرندي (أعزه المولى) بتاريخ 28شوال 1444هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 28شؤّال 1444ه.

الخطبة الأولى:

تحدثنا في الخطبة الأولى في الجمعة الماضية عن تكاليفنا بالنسبة لشبابنا، ومن الأشياء التي يجب أن نعرفها في هذا السياق أن هناك شبهات مثارة حول الدين في هذا العصر، واليوم لا تطرح شبهة حول أصل المذهب والعقيدة من المسلمين، بل الشبهات مثارة في قنوات التواصل الاجتماعي، في الصحف في المجلات على صعيد العالم الإسلامي والعالم بأجمعه.

هذه شبهات يجب أن ندفعها ونرد عليها، وهذا على عاتق جميعنا وفي مقدمتهم العلماء، وأنا أعاتب على نفسي أولاً، وثانياً - مع احترامي لجميع العلماء - أخاطب علماءنا في الحوزة العلمية في منطقة السيدة زينب (عليها السلام): هل هي مهتمة برد هذه الشبهات حتى لا تعبث بعقول شبابنا فتغير عقليتهم وتجعلهم أجانب أمام مفاهيمنا الدينية؟ هذا على عاتقنا أيها العلماء أيها الطلاب في الحوزات العلمية، عليكم أن تكونوا مهتمين بهذا الشأن، عليكم أن تعرفوا هذه الشبهات والأجوبة التي ترد بها.

إن الغزو الثقافي يمارسه الاستكبار العالمي، الذي لا دين له؛ ولا علاقة له بالمسيحية ولا بالإسلام ولا باليهودية ولا بأي دين من الأديان، هؤلاء يعملون على نفي الدين من هذا العالم، وسيرتهم الدؤوبة في هذا المجال هي أن يضربوا الدين بصفة عامة، لذلك ترى أنهم يهينون نبي الله عيسى (عليه السلام) كما يتهمون نبيّنا (صلى الله عليه وآله) بما لا يليق به، فلا فرق عندهم بين نبينا والنبي عيسى والنبي موسى والأنبياء بأجمعهم (عليهم صلوات الله).

إن هذه الحضارة المشؤومة الشيطانية التي ترتكز دعائمها على المادة تخالف الدين وتخالف الله وتصرح في بعض الأحيان بأنها تريد أن تميت الله في المجتمع! فعلينا أن نعرف هذا الخطر العظيم.

يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في وصيته لابنه الإمام الحسن (عليه السلام): "وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيء قَبِلَتهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالأدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الاْمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ التَّجْرِبَةِ" (نهج البلاغة، الخطبة 31).

يشبه الإمام (عليه السلام) قلبَ الحدث بالأرض التي إذا ألقيت فيها بذور فاسدة أنبتت النباتَ الفاسد، فالمهم أن نبادر نحن قبل أن يبادر الأعداء بهذا الزرع في قلوب شبابنا لذا يقول الإمام (عليه السلام) لابنه الإمام المجتبى (عليه السلام) فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك أي اهتممت بتربيتك في أيام صباك حيث تنطبع على قلبك المفاهيم العالية لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته فتكون قد كفيت معونة الطلب وعوفيت من علاج التجربة  فلا حاجة بأن تجرب أنت، فقد وفرت لك حصيلة تجربتي في شبابك، وهذا تعليم لنا جميعاً، بأن علينا أن نربي شبابنا في أيام شبابهم، فنملأ هذه الأرض الخالية ونزرع فيها الأشياء المفيدة حتى لا يبادر بهذا الأمر المهم أعداؤنا.

وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): " بَادِرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالْحَدِيثِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَكُمْ إِلَيْهِمُ اَلْمُرْجِئَةُ" (الكافي، ج6، ص47)، الخطر الفكري الكبير الذي كان في عصر الإمام هم المرجئة، وربما تقول إن المرجئة الآن ليس لهم خطر ولا وجود، ولكن أقول إن هؤلاء الإباحيين لهم شبهٌ بالمرجئة، فهؤلاء يقولون: يكفي أن يكون قلبك صافياً ولو لم تعمل شيئاً من صلاة أو صيام أو عمل خير، وقد كان المرجئة يقولون شيئاً يشبه هذا.

ترون الآن كيف أن أعداء الدين بصفة عامة عندما يحين وقت الحج يقولون: بدلاً من أن تحج أعطِ هذا المال للفقراء، وإذا سألته: أنت تعطي للفقراء أم تصرف في الملاهي؟ ستجد أن هؤلاء الذين يتكلمون بهذه الشعارات يقضون أيامهم ولياليهم في الحرام وفي اللهو ويصرفون الأموال في الأشياء الباطلة، وعندما يحين وقت فريضة من فرائض الله تعالى ينصحوننا بأننا إن نصرفْ هذا المال للفقراء فهو خيرٌ لنا!

علينا أن نحث الشاب على العبادة لأن هذه الأرض الخالية – أي القلب - يجب أن تتعود على ذكر الله في الشباب وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): " فَضْلُ الشابِّ العابِدِ الذي تَعَبَّدَ في صِبَاهُ، على الشيخِ الذي تَعَبَّدَ بَعْدَمَا كَبُرَتْ سِنُّهُ، كفَضْلِ المُرْسَلِينَ على سائِرِ الناسِ" (كنز العمال، 10185)، وقال صلى الله عليه وآله: "إنَّ اللّه َ تَعالى يُحِبُّ الشّابَّ الَّذي يُفني شَبابَهُ في طاعَةِ اللّه" (كنز العمال، 43060).

علينا أن نوفر للشباب الظروف المشجعة على العبادة، فالشاب عندما يقف في محراب العبادة نراه نحن الشيوخ الكبار فنغتبط به ونقول: ليتنا كنا مثله وهو يعانق العبادة ويعشق ربه، فلا نسمح أن يصرف أوقاته في اللهو، وهذا على عاتق الآباء الأمهات وكذلك العلماء المعلمين المدرسين، وعلى المسؤولين عن الشؤون الثقافية للشاب، حتى يوفروا برامج فيها جاذبية، والشاب يحلو له عندما يدخل المسجد أن يرى الناس يستقبلونه بحفاوة فيشعر بارتياح في المسجد.

أتذكر أن بعض علمائنا كان يقول: من المشاكل هذا المؤذن الذي يؤذن في المسجد الفلاني؛ ينفر الإنسان من صوته مع أنه يدعو إلى الله، فكيف يمكن له أن يشجع الناس للإقبال على الله تعالى؟ إن الله جميل وكل شيء يصدر منه جميل فيجب أن يكون النداء نداءً جميلاً، علينا أن نختار أصحاب الأصوات الجميلة ليكونوا مؤذنين، هذه شؤون عادية ونحن لسنا منتبهين لأهميتها. في بعض الأماكن الدينية إذا أردت أن تشجع الشاب يجب أن يتشجع منذ البدايات، عندما يريد أن يدخل يشعر بأنه أذنه تلتذ بالأصوات الجميلة المعنوية الروحانية.

وفي حديث آخر من وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر الغفاري (رضوان الله تعالى عليه): "يا أبا ذر، ما من شابٍّ يدع لله الدنيا ولهوها وأهرم شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صدّيقاً" (أمالي الطوسي، ص535)، كما قال صلى الله عليه وآله "إن الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة يقول انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي" (كنز العمال، 10185).  فإذاً حثُّ الشاب على العبادة من الأمور المهمة وهذا لا يتم إلا من خلال القول والمبادرات العملية، كما ذكرت من بعض النماذج.

ومن المفيد في هذا المجال أيضاً تعليم الشباب فن الجدال والمناظرة، بما أن للشاب حماساً لا يتوفر لدى الشيخ والكهل، فيقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "مروا الأحداث بالمراء والجدال، والكهول بالفكر والشيوخ بالصمت" (شرح نهج البلاغة، ج20، ص285). والمراء هنا هو في سبيل الحق، لا المراء الباطل، وهذا الجدال المقصود هو نوع من الاستدلال الذي تستفيد منه من المقبولات عند الخصم، فتأخذ مقبولاته وتحاججه بها، وأذكر مثالاً لذلك في الساحة السياسية في العالم؛ فنخاطب الغربيين الذين يتشدقون بشعارات حقوق الإنسان ونقول: إنكم تعترفون بحق الإنسان، فكيف تضطهدون الشعب السوري؟ أليس السوريون من بني الإنسان؟ هذا النوع من الاستدلال يسمى بالجدال.

ومن الأشياء التي يجب أن نشجع الشباب بها وعليها هو الزواج، وهذا أتركه - إن شاء الله تعالى وكنا على قيد الحياة - إلى الخطبة الأولى من الجمعة المقبلة.

الخطبة الثانية:

نحن على أعتاب مولد سيدتنا فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليهم الصلاة والسلام) الملقبة بالمعصومة (عليها الصلاة والسلام) ولدت في اليوم الأول من شهر ذي القعدة لعامِ ألفٍ وثلاث وسبعين من الهجرة، وتوفيت إثر مرض في مدينة قم المقدسة سنة مئتين وواحد، حين كانت متوجهة نحو أخيها الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في خراسان.

 كانت عالمة عفيفة مؤمنة صالحة محدثة فقيهة، بحيث إن الإمام موسى بن جعفر (عليه الصلاة والسلام) كما ورد في خبر عنه قال: "فداها أبوها"، وكان الناس يسألونها مسائلهم الشرعية وعقائدهم، ولم تكن مرجعاً للنساء فحسب، بل كان لها دور في الإجابة على أسئلة الرجال أيضاً.

 كذلك ورد عن الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) الحث على زيارة مرقدها وأن مثوبة ذلك هي الجنة، فيقول الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): "من زارها فله الجنة" (كامل الزيارات، ص536)، كذلك عن الإمام محمد الجواد (عليه الصلاة والسلام): "من زار قبر عمتي بقمٍّ فله الجنة" (وسائل الشيعة، ج14، ص576).

وقد وجدنا - نحن طلاب الحوزات العلمية - بركات هذه السيدة الفاضلة بنت موسى بن جعفر (عليهم صلوات الله) ومن بركاتها حوزة قم المقدسة حيث تربى كبار مثل الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) وكثير من مراجعنا العظام بجوارها، وكثيراً ما كنا نتوسل بها لحوائجنا عندما نضطر في حياتنا فنجد إجابة دعواتنا.

وفي هذه الأيام بحمد الله تعالى استقبلنا بعضاً من خدام العتبة المعصومية الذين حملوا معهم راية قبتها الشريفة بقم المقدسة، وبإذن الله تعالى بعد صلاة الجمعة نتبرك جميعاً بهذه الراية الشريفة، كما أن الأخوات المؤمنات المصليات بإذن الله تعالى يتبركن بها بعد صلاة العصر.

ونحن في الجمهورية الإسلامية نسمي هذا اليوم يومَ البنات، فإن بنت موسى بن جعفر (عليه السلام) هي أسوة وقدوة لبناتنا، فبهذه المناسبة أتقدم بالتبريكات إلى بنات هذه الأمة وبنات سورية بأجمعهن.

ولدينا مناسبة أخرى وهي عودة جامعة الدول العربية إلى سورية، هؤلاء الذين حرموا سورية من عضويتها يفتخرون بأنهم يحتضنون سورية من جديد، وهذا دليل على انتصار سورية على أعدائها.

كم حاولوا تدمير هذا البلد وجعله في عزلة من الجامعة ومن المجتمع الدولي، والآن كلهم يتنافسون على العلاقة مع هذه الدولة ومع هذا الشعب وكأنهم لم يغنَوا بالأمس، وكأن شيئاً لم يحدث، يريدون أن ينسوا كل شيء. نعم أنتم شرفاء وتنسون ما مضى ولكن الجميع يتوقعون بناء أيام جديدة وعلاقات صحيحة على ما يجب أن يكون عليه الأمر.

وبإذن الله تعالى نرى التقدم والازدهار لهذا البلد الطيب كما نرى تباشير النصر النهائي له، وستنظَّف الأراضي المحتلة إن شاء الله من دنس الصهاينة وعملائهم، ونرى أيام السرور واليسر، فإن مع العسر يُسراً.