۲٠۲٣/٠۵/۲۹ ۱۵:۵٤:٤۵
خطبة الجمعة لسماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ حميد صفار الهرندي (أعزه المولى) بتاريخ 6ذي القعدة 1444هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 6 ذي القعدة 1444ه.

الخطبة الأولى

وعدتكم أن أتحدث اليوم عن شأنٍ مهم يخص للشباب، وهو واجب على عاتق الآباء والأمهات أولاً، وثانياً على عاتق المؤمنين وولاة الأمة الذين يديرون المجتمع، هذا من واجبهم بالنسبة للشباب، وهو الاهتمام بتزويج الشباب.

من الطبيعي أن الصبي إذا وصل إلى مرحلة معينة يحتاج أن يطفئ نائرة شهوته الجنسية التي جعلها الله تعالى وعبّأ بها الإنسان ليكون راغباً في التناسل وإلا انقرضَ نسل البشر من على الأرض، وهذه نعمة من الله تعالى، فمن أهم أسرار النكاح التناسل، كما أن من أسراره سكون المرأة إلى زوجها وسكون الرجل إلى زوجته، كما يقول القرآن Pلِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًO (سورة الروم، 21)، وقد أودع الله تعالى هذه الغريزة في كل إنسان كما أودعها في الحيوانات أيضاً، ولكن الإنسان بصفته إنساناً عليه مسؤولية تجاه هذه القوة؛ فلا يجوز له أن يطفئ نائرة شهوته بأي شكل كان، بل هناك قانون إلهي إسلامي يحدد له حدوداً، فمن تجاوز هذه الحدود كان عاصياً، ومن يزني بدلاً من أن يتزوج فهو عاصٍ مستوجب لعقاب الله في الدنيا وفي الآخرة.

على الشاب أن يعيش في طهارة وأن يبعد نفسه عن دنس الحرام، وفي حديث مرويٍّ عن الفريقين، في صحاح وسنن إخواننا السنة وفي مجاميعنا الروائية الشيعية، يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطعه فليصُمْ فإنه له وِجاءٌ" (صحيح البخاري، 5055)، "وِجاء" أي تخفيف للشهوة، فالشاب مأمور أن يبقى طاهراً بعيداً عن الحرام، ولكن الله جعل له على عاتق والده ووالدته حقاً وهو تزويجه، إذا شَعَرَا أنه ربما يتورط في الحرام.

عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: "أتى رسولَ الله صلى الله عليه وآله شاب من الأنصار فشكى إليه الحاجة، فقال له تزوج فقال الشاب إني لأستحي أن أعود لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلحقه رجل من الأنصار فقال: إن لي بنتاً وسيمة، فزوجها إياه، فوسع الله عليه، قال: فأتى الشاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا معشر الشباب، عليكم بالباه" (الكافي، ج5، ص330).

نحن وفق حساباتنا الدنيوية نقول: إذا تزوج الشاب سيكلف نفسه مزيداً من تكاليف الحياة فكيف يوصي النبي (صلى الله عليه وآله) الشاب الفقير بالزواج؟ يوصيه تبعاً لما قاله الله تعالى Pإنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضلِهِO (سورة النور، 32)، هذا أمر الله الحكيم، وهو سبحانه لا يعِدُ شيئاً إلا تحقّقَ، فإذا قال: "يغنهم الله من فضله" فهكذا يكون الأمر.

نحن جميعاً جربنا ذلك في شبابنا، حيث لم نكن نتوقع أن نستطيع أن ندير عائلة وننفق على أولادٍ وامرأة، والله تعالى سهل لنا هذا الأمر،  وأنا أقول: عندما يقول النبي إن الله تعالى يغنيكم، فمن المعلوم أن ذلك يعتمد على الأسباب المادية، فلا نتوقع أن يكون هذا بالمعجزة، فليتوقع الشاب من والده إذا كان مستطيعاً أن يجعل ولو غرفة واحدة لابنه ليسكنها، كما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أزواجه؛ حيث جعل لكل زوجة حجرة، ولم تكن الحجرة تتضمن مطبخاً أو مرافق مختلفة حسب عاداتنا في هذه الأيام، ووفق نمط الحياة المستورد من البلاد الغربية، بل يمكن أن يقتنع بشيء بسيط.

 أنا أستغرب مما أراه بعض الأحيان من أن الوالد بدلاً من أن يهتم بتزويج الشاب يهتم بتجديد فِراش نفسه! المال الذي عندك ويمكن أن تتزوج به ثانية لو كان ابنك بحاجته ليتزوج فإن صرفك للمال في ذاك الشيء حرامٌ عليك، وأنت شريك في ذنب ابنك إذا تورّطَ في الحرام؛ لأنك كنت تستطيع أن تزوجه ولكن اهتممت بإغراق نفسك في مشتهياتك، وإياك والتوغل في المشتهيات لأن التوغل فيها – كما يقول علماء الأخلاق - لا نهاية له، وإذا تزوجت الثانية تريد الثالثة ثم تريد الرابعة، والذي يخدع نفسه يقول: من حرم ذلك؟ القرآن يقول مثنى وثلاث ورباع، ولكنه لا يرى بجانبه شاباً احترق بنار الشهوة وربما يتورط في الحرام، بينما الوالد يقنع نفسه بأنه يفعل حلالاً بأن يتزوج من جديد! هذا لا يجوز، وأنا أقول بصراحة - وعلى عنقي- أن هذا ليس حلالاً؛ لأن هذا ابنك، وله حق عليك إذا كانت عندك إمكانيات فعليك أن تزوجه.

وعلى الشاب - كما قلت - أن يسعى ولا يكون كَلّاً على والده فيجعل نفقات حياته على عاتقه، بل يحاول أن يشتغل ولا يأبى أن يعمل بكدِّ بيمينه وعرق جبينه حتى ينفق على أهله، وعلينا حين ننصح في جانب الأهل أن ننصح في جانب الشاب أيضاً. وإذا نعد هذا نعد ذاك الآخر أيضاً، كلٌّ عليه حق وفي ذمته أمر من الله تعالى ويجب أن يلتزم بما أمره الله تعالى.

"جاء رجل إلى أبي عليه السلام فقال له: هل لك من زوجة؟  قال: لا، فقال أبي: ما أحِبُّ أن لي الدنيا وما فيها وأني بِتُّ ليلة وليست لي زوجة، ثم قال: الركعتان يصليهما رجلٌ متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره. ثم أعطاه أبي سبعة دنانير ثم قال: تزوج بهذه، ثم قال أبي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اتخذوا الأهل فإنه أرزَقُ لكم". (الكافي، ج5، ص329).

وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال: أمير المؤمنين (عليه السلام): "أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع الله بينهما" (الكافي، ج5، ص331)، إذا كنت تعرف فتاة مؤمنة تصلح لهذا الشاب عليك أن تدله إلى بيتها ففيه ثواب، ولعل بعضاً يخافون لما يكون للأمر فيما بعد من تبعاتٍ، كأن يقال: أنت عرّفتنا على هذا الشخص ولم يكن جيداً وأوقعتنا في هذه المشكلة. ولكن ربما لا يكون الحال دائماً هكذا؛ قد يحدث ذلك فنخطئ في مورد من ألف مورد، وعلى كل حال يشفع الوسيط بينهما، ولا يقول أنا أفرض عليك أن تتزوج بهذه الفتاة بل يقول: أنا أقترح عليك ويمكنك أن تستشير وتبحث عن حالها وعن عائلتها ثم تختار.

إذاً فقد أوصى أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) بالشفاعة في النكاح، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "من زوّج أعزباً كان ممن ينظر الله عز وجل اليه يوم القيامة" (الكافي، ج5، ص331).

الخطبة الثانية:

نتبرك في هذه الأيام العشرة - من بداية شهر ذي القعدة إلى الحادي عشر منه - باسم عشرة الكرامة، لأن بداية هذا الشهر تصادف ذكرى مولد السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليهم) والحادي عشر من هذا الشهر المبارك يصادف ذكرى مولد الإمام علي بن موسى الرضا المرتضى الإمام الرؤوف (عليه آلاف التحية والثناء)، فأتقدم بأحر التهاني إلى مقام صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وإلى أجداده الكرام وإلى السيدة صاحبة هذه القبة الشريفة العقيلة زينب (سلام الله تعالى عليها)، كما أبارك لكم أيها الإخوة والأخوات، أسعد الله أيامكم وكل عام وأنتم بخير.

وهناك مناسبة أخرى هي عيد المقاومة والتحرير، وهي مناسبة مهمة لتاريخ هذه المنطقة ولتاريخ المقاومة، وهو يوم من أيام الله، يوم تحرير جنوب لبنان الحبيب من دنس الصهاينة، الذين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم، وأنه لا يوجد من يردعهم وأن هذه الحصون الحصينة التي بنوها في هذا البلد تحميهم من بطش المؤمنين المقاومين أبناء الأمة الإسلامية وخاصة أتباع أهل البيت (عليهم السلام) من شبابنا، بقيادة الصادق الأمين سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله (حفظه الله تعالى) الذين استطاعوا أن يدحروهم وينظفوا الأراضي اللبنانية من دنسهم، ولأول مرة انهزم هذا الجيش الشيطاني الذي كان يحسب نفسه لا يهزم، فأثبتنا نحن بأن الهزيمة حليفة هذا الكيان، وإن شاء الله ستستمر هذه الهزائم.

عيد المقاومة ليس عيداً للبنانيين فقط ولا للسوريين ولا للشاميين ولا للفلسطينيين ولا لأهالي هذه المنطقة؛ بل لجميع الأحرار، فأبناء الشعب العراقي يعيدون هذا العيد، وأبطال المقاومة اليمنية استلهموا من مثل هذه المقاومة ومن مثل هذا اليوم فاستطاعوا أن يُخضِعوا الأعداء حتى يجلسوا إلى طاولة المفاوضات ويلتمسوا منهم الصلح.

هذه هي ثمار المقاومة، وهي الخيار الوحيد للأمة الإسلامية في وجه الاستكبار، والمقاومة بعض الأحيان تكون مقاومة مسلحة وبعض الأحيان تكون اقتصادية؛ كالذي تقومون به بعد أن فرضوا عليكم الحصار الجائر وفق قانون قيصر، الذي أرادوا به أن يجوعوكم حتى تموتوا، ولكنكم بقيتم رافعي الرأس في مواجهتهم، وتقولون: هيهات منا الذلة.