۲٠۲٣/۱۱/۱۹ ۱۲:۱۱:۵٠
السيدة زينب علیهاالسلام القدوة في مواجهة الإعلام التضليلي


السيدة زينب القدوة في مواجهة الإعلام التضليلي

اتسع نطاق المعركة المكاني فلم يعد مقتصرا على ساحة الحرب ولا الطعن ولا الضرب، بل بات يشمل جميع المسلمين حتى في عقر دارهم، ولم يعد التصدي مرهونا بالرجال الأشداء، بل بات واجبا على كل حر كلٌّ في موقعه وضمن قدرته، وبما أعطاه الله من إمكانيات، وليس الواجب يشمل الرجال فقط ويستثني النساء بل يكاد أن يكون لهن دورا يفوق دور الرجال.

وهذا ما جاء على لسان الإمام الخميني قدس: "للنساء في هذه النهضة سهم يفوق سهم الرجال، حيث النساء هن اللاتي ربين في أحضانهن الرجال الشجعان، وكما أن القرآن يربي الإنسان ويعده؛ فإن المرأة أيضا تربي الإنسان وتعده، ولو سلبت المرأة الشجاعة من الشعوب، فإن الشعوب تلك ستواجه الهزيمة والانحطاط". (ترجمة موسى الأسدي، رسالة السيدة زينب ع، ص7)
 


والتاريخ يزخر بشواهد عظيمة تشير إلى الدور الذي قامت به النساء فكن قدوة لنساء عصرهن وباقي العصور ومثالا يحتذى به بقيت ما بقيت الدهور، نساء حملن همّ أمتهن وتصدين في مختلف المجالات، وإذا أردنا تسليط الضوء على دور النساء في الجانب الإعلامي يشرق اسم "زينب سلام الله عليها"

فكيف مارست جهادها وتصدت للإعلام المضلل؟

وكيف استطاعت أن تؤدي هذا الدور؟

هذا ما سيتم تبيانه فيما يلي:

إن العدو صاح فوق مانتصور، يعد علينا أنفاسنا ونحن الأولى بالعد، ويقض مضاجعنا ومن المفترض أن نقض نحن مضجعه، وهذا ما تميزت به سلام الله عليها بعد واقعة كربلاء.

كان الحسين سلام الله عليه يعلم أن ثورته لا تكتمل إلا بأمرين اثنين؛ استشهاده أولا وبيان أسرار نهضته ثانيا، فجند نفسه للأول وجند زينب ع للثاني.

يبدأ المشهد حين انتهت حرب الأعلام بدأت حرب الإعلام، وبعد أن أُخمد سيف الحسين بنحره شهرت زينب سيوفا ببيانها وذلك في عدة مواقف.

الموقف الأول:

في الكوفة:


سبيت سلام الله عليها وأنزلوها في الكوفة وهي التي فقدت كواكبا وأقمارا يعجز رحم الأرض عن إنجاب أمثالهم، لا لمكانتهم من قلبها ولا لصلتها بهم فحسب بل لأنهم خير خلق الله، فلا فاجعة تداني فاجعة فقدها لإمام زمانها وأخيها مذبوحا عطشانا مسلوبا من قبل أمته التي عاشت نور الهداية بفضل جدها، فالمصيبة مضروبة بألف والخطب لا يدانيه خطب.

امرأة مقطوعة الفرع مجثوثة الجذع سبيت بطريقة مخزية وضربت وبقيت أياما بلا طعام ولا شراب تصل الكوفة فتجد أهلها يندبون ونساءها يبكون قتل الحسين ع وهم قاتليه، فلا تلقي بالا لتعبها ونصبها وجوعها وعطشها وعظيم مصيبتها، كل مايشغلها أن تكمل دور الحسين ع وتقوم بواجبها تجاه ثورته وتوضح لهؤلاء شنيع ما اقترفت أيديهم،لأن هذا الوقت يتطلب منها تأدية الواجب فخطبت بأهل الكوفة خطبة جعلتهم يعضون على أناملهم بالنواجذ.

"لم تطق أن ترى أهل الكوفة يبكون الحسين وآله وهم ضحاياهم ويرثون للأسيرات من بنات الرسول وما انتهك حرمتهن سواهن [فخطبت قائلة]

أما بعد يا أهل الكوفة، أتبكون فلا سكنت العبرة ولاهدأت الرنة إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، إلى قولها أتدرون أي كبد فريتم وأي دم سفكتم وأي كريمة أبرزتم، لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا"  (عائشة، عبد الرحمن، السيدة زينب، ص133)

على نساء اليوم الاقتداء بزينب ع ليس فقط في لبس العباءة الزينبية بل في احتذاء مواقفها، فلا تشغلنهم دماء شهدائهم عن صونهاولا ييرقنها بالانشغال بالبكاء العاطفي فقط.

ذلك أن عظمة السيدة لا تكمن فقط في تحملها وصبرها فكل النساء في كربلاء صبرن، لكن عظمتها تكمن في وعيها للمرحلة ولدورها ولقيمة هذا الصبر ولأجل ماذا.

 
 الموقف الثاني:

في مجلس ابن زياد:


أُدخلت سلام الله عليها وهي الحرة مجلس الطاغية فابتدأها بالكلام حتى يشفي غله ويثبت نصره قائلا:

هل رأيت صنع الله بأخيك؟

 يعني اسمعوا أيها المسلمون؛ لست أنا ولا يزيد الذي فعل ما فعل إنما الله العظيم ربكم ومعبودكم هو فعل وأراد القتل للحسين، وهذا إن دل فسيدل على غضبه سبحانه على الحسين وأتباعه، ويدل على أنهم قد خرجوا عن دين الله فعاقبهم الله وقتلهم شر قتلة.

كان يريد أن يرى اللوعة في عيون بنات النبي فينال مراده ويشفى صدره الحاقد لكن السيدة عرفت أن إبداء اللوعة هنا انتصار للأعادي وقد يستغل العدو بكاءها فيروج أنه انكسار وهزيمة، عرفت أن حفظ دماء الثورة الحسينية أمانة الآن في يد الإعلام الزينبي فإما أن تستسلم لآلامها أو أن تنتصب في وجه شاربي دماء أهليها وتدحض ادعاءاتهم.

فجاء ردها وهي مقطعة الفؤاد مثلجا للقلوب الحرى ورادا كيد العدو إلى نحره وموضحا ما ضلله ومبينا ما كذبه.

"ما رأيت إلا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج ثكلتك أمك يا ابن مرجانة"

هذه الكلمة زلزلت الجبان يعني هؤلاء الذين قتلتهم لتخلو الساحة لك وليزيد لك لقاء ثان معهم، وما أعظم اللقاء الثاني وأهيبه وأشده عليك فالمعركة لما تنته بعد.سددت إلى كبده سهما قاتلا كسهام أخيها وذويها حين أكدت أن صنع الله جميل إذ تكرم عليهم بالشهادة.

وهذه نقطة هامة لا بد من الاقتداء بها فحين يظهر العدو بحنكته المذمومة قوته وانتصاره بالقتل يحرم علينا الانكسار وإبداء الأسى، فهنا نمكنه من مراده ونقتل شهداءنا مرتين.

الموقف الثالث:

في مجلس يزيد:

هنا صار حفظ كربلاء على المحك فها هي عقيلة بني هاشم تدخل قصر طاغي العصر وتواجه واترها وجها لوجه وهنا يكتمل المشهد ويتألق دورها.

لم يدر بخلد يزيد أن هذه المرأة التي قتل كهلها وأباد أهلها وقطع فرعها واجتث أصلها ستدخل عليه دخول الأميرات المبجلات، إذ كان يظن أنها ستدخل مكسورة ومولولة.

وهذه كانت أول ضربة له، لم يعطوها وقتا لتبكي أقمارها فلم تعطهم وقتا للابتهاج بنصرهم الكذاب، أرقت مضجعهم وبطشت بهم، وأحالت عروشهم المصطنعة حضيضا وقلبت الطاولة على رؤوسهم، فبعد أن كان الناس قد مالوا إلى يزيد وغرهم رأسه السليم فوق العرش وزعزعهم رؤية رأس الحسين المقطوع، أثارت الرأي العام ضدهم بكلمات لو كان لها أن تصير سيوفا لقطعنهم أشلاء، ومن أبلغ من بنت علي في الإخبار والإنباء، فبعد أن أعملوا في أصولها وفروعها طعنات السنان

توجهوا إليها ليعملوا فيها طعنات الكلام، فما كان منها إلا أن تصدت وسبل التشفي أغلقت وسدت وعرشهم فوق رؤوسهم هدت ممارسة بذلك جهاد التبيين.

وفي وقفتها أمام يزيد هل كانت تطلب ثأرا لنفسها أو حكما لذويها؟ كانت تقف فقط في وجه الظلم لكي يبقى اسم الحسين ولا تشوه كربلاء، وهذا ماحدث فعلا فالركب الحسيني مُنح عمرا سرمديا ببركة الركب الزينبي.

فحين راح الطاغية يترنم بأبيات ابن الزبعرى متفاخرا بقتل نسل رسول الله، تصدت له زينب ع فجاءت بخطبة موضحة ما ضلله العدو ومبينة ما كذبه، وأسقطت حكمهم بهذه الخطبةالتي هي ليست كلام مكلومة وثكلى فحسب،  بل وثيقة سياسية شرحت ما حل ببيت النبوة وفضحت جرائم العتاة المردة دون لفظ نابي ولا فعل مستهجن ولا كلمة لا أخلاقية، رغم أنها تخاطب قتلتها ولم تقتصر على ذلك فحسب بل شرحت سننا إلهية تجري مجرى الليل والنهار لا تتخلف.

فلولا زينب لم تبق كربلاء لقد خاطبت خطاب المرحلة والموقف والزمان في كل مواقفها. حيث قالت:

 "فوالله ما فريت إلا جلدك ولا حززت إلا لحمك ولتردن على رسول ص بما تحملت من سفك دماء ذريته مرورا بقولها ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك إلى قولها فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا"

يقول "المرحوم الفكيكي"تعليقا على هذه الخطبة: "تأمل معي في هذه الخطبة النارية كيف جمعت بين فنون البلاغة، وأساليب الفصاحة، وبراعة البيان، وبين معاني الحماسة، وقوة الاحتجاج، وحجة المعارضة والدفاع في سبيل الحرية والحق والعقيدة"  (باقر، القرشي، السيدة زينب ع،ص287)

لقد قالت زينب ع قولها بثقة ولما تجف دماء قتلاها والطبول تقرع فرحة بنصرهم الكاذب أكدت لهم أن هذا نصر زائف فلم تعط الغريم فرصة التلذذ.

ولم تقف سلام الله عليها هنا بل تابعت دورها في المدينة، ظلت تفضح الطواغيت و لم تسمح لنقطة دم أن تذهب هدرا وهذا ما دفع يزيد إلى تهجيرها إلى الشام.

هذه المرأة ذاقت لظى المعركة والسبي والتهجير فما استكانت ولا نقص من أنفتها شيئا.

 ويأت سؤال كيف استطاعت زينب أن تقف هذه المواقف؟

 وهل هذه المواقف وليدة اللحظة أو قرار بيد صاحبها ؟


يأتي الجواب لا، فهذه الوقفة سبقها تهيئة وتحضير، فحتى تصنع القدوة تحتاج أدوات فإذا ما توفرت نبعت المعجزات،وفتح الله على مهيء الأسباب فتوحا لا توصف.

هذا الدور قامت به زينب ليس فجأة بل وليد تربية عظيمة وإعداد، فدورها في الطف خلاصة أدوار سابقة وتجارب نجحت فيها بامتياز فكانت زينب

واجبنا تجاه زينب أن نعمل على تحقيق تحديها، فعندما قالت لن تمحو ذكرنا خلال زمانها وزماننا فلنجهد جهاد زينب ع فلا يُمحى ذكر معدن الرسالة.

لم تكن وقفة زينب في مجلس الطاغية بالأمر الهين ولا السهل فحفيدة سيد الأطهار تخاطب الفجار،ولكن ماهونه المراد وعظيم الرسالة وحتى تحقق دورها الإعلامي فلو جلست حبيسة بيتها من سيبين فلا بد من الاقتداء بهذه الخطوة والعمل الجاد على مكافحة التضليل.

 
المصادر:

1-ترجمة موسى الأسدي، رسالة السيدة زينب ع،ط1،دار الهادي،بيروت-لبنان،1415ه-1994م.

2-عبد الرحمن، عائشة، السيدة زينب، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، 1406ه 1985

3-القرشي، باقر، السيدة زينب ع،ط1، دار التعارف للمطبوعات، بيروت-لبنان،1419ه-1998م.

 الکاتب: إخلاص جمال عبدالله