۲٠۲٣/۱۱/۱۹ ۱۲:۱۸:۵۵
مفهوم ومعاني الصبر (الصبر الزينبي نموذجا )


  مفهوم ومعاني الصبر
(الصبر الزينبي نموذجا )

الصبر، هو ثبات النفس وعدم اضطرابها في الشدائد والمصائب, وقد أكّد عليه الإسلام لما له من أهمية في سلوك الفرد المؤمن نحو الكمال، وله مراتب وأقسام وأسماء بحسب الموقع الذي يأتي فيه, وكذلك هناك نوعان من الصبر صبر محمود وصبر مذموم. وقد جاء ذكر الصبر والصابرين في مواضع مختلفة من القرآن الكريم، وكذلك جاءت الكثير من الروايات عن أهل بيت النبوة تشيد بالصبر وتؤكّد عليه.
 
 

المطلب الأول : الصبر لغة واصطلاحا  .
الصبر في اللغة هو نقيض الجزع، وهو التجلّد والاحتمال وضبط النفس وحبسها، (1) وهو الإمساك في ضيق (2).
وفي الاصطلاح الصبر هو احتمال المكاره من غير جزع ، (3) أو هو ثبات النفس وعدم اضطرابها في الشدائد والمصائب (4) .

المطلب الثاني : أسماء الصبر .
للصبر أسماء مختلفة باختلاف الموقع الذي يأتي فيه، منها :
إن كان في حبس النفس لمصيبة سميّ صبرا لا غير. وإن كان في الحرب سميّ شجاعة وضده الجبن. وإن كان في كظم الغيظ والغضب سمّي حلما وضدّه التذمّر لغضب. وإن كان في نائبة مضجرة سمّي رحب الصدر وضده الضجر. وإن كان في إمساك الكلام سمّي كتمانا وضده الإذاعة. وإن كان في فعل المعصية تعمدا سمّي جرأة، ومنها قوله تعالى: ﴿ما أصبرهم على النار﴾ (5). وإن كان رضا بقدر يسير من الحظ سمّي قناعة وضده الشَرَه. وإن كان ترفعا عن فضول العيش سمي زهدا، وضده الحرص (6) .

المطلب الثالث : أقسام الصبر .
ينقسم الصبر إلى:
الصبر على ما تحبه النفس : وهو جامع لملذات الدنيا من ( مال وجاه وسلامة وأولاد وزوجة ... ) وهذا الصبر هو الأصعب لأنّ النفس بتركيبتها تميل إلى التعلق بهذه الأمور، فإذا لم يضبط المرء نفسه بها بطر وطغى ويصبح مصداقا لقوله تعالى « كلا إنّ الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى » (7)
الصبر على ما تكره النفس :
وفيه عدّة أقسام:
ما يرتبط باختيار العبد :
الصبر على الطاعة: والطاعة في الأمور التي أوجبها المولى تعالى من عبادات (كالصلاة والزكاة والحج و...) تحتاج صبرا من العبد عليها لأنّ النفس بطبيعتها تنفر من العبودية وتميل الى الربوبية.
الصبر على المعصية : والمعاصي مثل (الغيبة والكذب والرياء والعجب...) أيضا يحتاج المرء صبرا في الابتعاد عنها لأنّ النفس تغفل عنها.
مالا يرتبط باختيار العبد :
كالابتلاءات والمصائب من فقد عزيز أو خسارة مال ...وفيها قال الرسول الأكرم في حديث قدسي عن المولى تعالى: «إذا وجهت على عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا» (8) .
وكل هذه الأقسام من الصبر تعتبر من الصبر المحمود.

المطلب الرابع : مراتب الصبر .
الصبر درجات ومراتب ينالها المرء نتيجة لضبط نفسه عمّا تهوى وتكره تلبية منه لرضى المولى تعالى وهذه المراتب هي :
الصبر الحقيقي : عندما يصبر العبد على ما تكرهه نفسه من ترك الشهوات (المباحة أو المحرمّة أو المكروهة ) وتحمّل مشاق العبادة بحيث لا يكون لديه صراع أو تعب أثناء تأديته لهذه الأمور عندها يصل إلى مرتبة الصبر الحقيقي، أمّا إن كان تحمّله مع تكلف وتعب فهنا صبره مجازي .
مرتبة الرضا : وهي أعلى من مرتبة الصبر يصلها المرء عندما يصبح الصبر مَلَكة راسخة لديه ، قال النبي الأكرم :« اعبد الله على الرضا فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير».
مرتبة المحبة :وهي أعلى من مرتبة الرضا ينالها المرء عندما يداوم ويحافظ على مرتبة الرضا ، وقد ذكر صاحب السعادات في كتابه : قال بعض العارفين : أهل الصبر على ثلاثة مقامات :
الأول : ترك الشكوى، وهذه درجة التائبين.
والثاني الرضا بالمقدر، وهذه درجة الزاهدين.
الثالث :المحبة لما يصنع به مولاه، وهذه درجة الصّديقين(9) .

المطلب الخامس : فضل الصبر .
ورد ذكر الصبر في مواضع مختلفة من القرآن الكريم بعضها لتبيان أجر الصابرين وأخرى لتبيّن مكانة الصابرين عند المولى تعالى: ﴿إنَّمَا يُوفّىَ الصَّابِرينَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب﴾ (10) حيث يبيّن المولى تعالى أنّ أجر الصابرين مفتوح ليس له حد معيّن وهذا دليل على عظم وأهمية ملكة الصبر ، ﴿واللَّه يُحِبُّ الصَّابِرين﴾ (11) وهنا تبيان لمكانة الصابرين بأنّهم ممن يحبِّهم الله تعالى  ، ﴿ولنَبَلوّنّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، أولئك عليهم صلواتٌ من ربِّهِم ورَحمَة، وأولئك هُمُ المُهْتَدون﴾  (12) ﴿وجَعَلْنَا مِنْهُم أَئِمَّةً يَهْدُون بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا﴾ (13) .
وأما في الروايات الشريفة عن الإمام جعفر الصادق (ع) قال : الصبر من الإيمان بمنزلة الصبر من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان (14) وورد أيضا عن الإمام الصادق (ع ) : من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصَبَرَ عليه، كان له مثل أجر ألف شهيد.(15)

المطلب السادس : الصبر عند السيدة زينب (ع) .
معروف أن المرأة تمتاز برقة المشاعر، وشفافية العواطف، مما يساعدها على القيام بدور الأمومة الحانية، لذلك يكون تأثيرها العاطفي أسرع وأعمق من الرجل غالباً ، واذا كانت تلك الحالة تمثل الاستعداد الأولي في نفس المرأة فلا يعني ذلك انها تأسر المرأة  وتقعد بها عن درجات الصمود والصبر العالية.
فبإمكان المرأة حينما تمتلك قوة الإرادة ونفاذ الوعي وسمو الهدف أن تضرب أروع الأمثلة في الصبر والشجاعة أمام المواقف الصعبة القاسية ، وهذا ما أثبتته السيدة زينب في مواجهتها للآلام والأحداث العنيفة التي صدمتها في باكر حياتها وكانت هي الختم لسنوات عمرها.
لقد ابدت السيدة زينب تجلداً وصبراً قياسياً في واقعة كربلاء وما أعقبها من مصائب وإلا فكيف استطاعت أن تنظر الى أخيها الحسين ممزق الأشلاء يسبح في بركة من الدماء، وحوله بقية رجالات وشباب أسرتها من أخوتها وأبناء اخوتها وأبناء عمومتها وأبنائها، ثم تحتفظ بكامل السيطرة على أعصابها وعواطفها، لتقول كلمة لا يقولها الأنسان الا في حالة التأني والثبات والاطمئنان، وهي قولها: " اللهم تقبل منا هذا القليل من القربان "
وأي مستوى من الصبر عند السيدة زينب حينما تصف ما رأته من مصائب بأنه شيء جميل: " والله ما رأيت إلا جميلاً " رداً على سؤال ابن زياد لها: كيف رأيت صنع الله بأخيك ؟ !.

الخاتمة
ونستنتج مما سبق :
1_ الصبر، هو ثبات النفس وعدم اضطرابها في الشدائد والمصائب .
2_ للصبر أسماء مختلفة باختلاف الموقع الذي يأتي فيه .
3_ الصبر درجات ومراتب ينالها المرء نتيجة لضبط نفسه عمّا تهوى وتكره تلبية منه لرضى المولى تعالى .
4_ ورد ذكر الصبر في مواضع مختلفة من القرآن الكريم بعضها لتبيان أجر الصابرين وأخرى لتبيّن مكانة الصابرين عند المولى تعالى .
5_ لقد ابدت السيدة زينب تجلداً وصبراً قياسياً في واقعة كربلاء وما أعقبها من مصائب وإلا فكيف استطاعت أن تنظر الى أخيها الحسين ممزق الأشلاء يسبح في بركة من الدماء، وحوله بقية رجالات وشباب أسرتها .
______________________________

الهوامش
1_ المعجم الوسيط، ص 505.
2_  الراغب، مفردات، ص 474.
 3_ محمد مهدي الصدر، أخلاق أهل البيت، ص 101.
 4_ النراقي، جامع السعادات ج 2، ص 438.
 5_ البقرة: 175.
6_  شبّر، الأخلاق، ص 260.
 7_ سورة العلق: 6-7.
8_  شبّر، الأخلاق، ص 261-262.
 9_ جامع السعادات، ج 2، ص 441.
 10_ الزمر: 10.
11_  آل عمران: 146.
 12_ البقرة: 155 - 157.
 13_ السجدة: 24.
 14_ الكليني، الكافي، ج 2، ص 117، ح 1687.
 15_ الكليني، الكافي، ج 2، ص 120، ح 1699.
_________________________________________
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
1_ النراقي، محمد، جامع السعادات، قم، اسماعيليان، ط7(1428هـ).
2_ شبر، عبدالله، الأخلاق، قم، ذوي القربة، ط1(1427هـ).
3_ الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي، طهران، دار الأسوة، ط4(1434هـ).
4_ الصدر، محمد مهدي، أخلاق أهل البيت، قم، دار الكتاب الإسلامي، ط4(1429ه-2008م).
5_ المعجم الوسيط، دار الدعوة، اسطنبول_تركيا.
6_ الراغب، مفردات ألفاظ القرآن، قم، ذوي القربى، ط6(1431هـ).
الکاتب:  إسراء محمود العداي