۲٠۲٣/۱۱/۲٦ ۲٠:٤۷:٠٦
عداوة اليهود ضد الإسلام فی القرآن الکریم


عصى اليهود النبي الأكرم صلی الله علیه و آله بعد بعثته الشريفة مراراً وتكراراً


 

عداوة اليهود ضد الإسلام فی القرآن الکریم

الديانة اليهودية هي إحدى الديانات الكبيرة الثلاث ذات الكتب السماوية. لقد بعث الله الكثير من الأنبياء على مر العصور لهداية الناس، وقد تحملّوا جميعاً الكثير من المتاعب طيلة حياتهم خاصة خلال فترة نبوّتهم وذلك كي يوقظوا الناس من غفلتهم وايضاح السبب وراء نشأة الكون لهم واليوم الآخر وطريق الوصول الى السعادة عبر الالتزام بالأحكام الإلهية. 

أظهر اليهود منذ أولى أيام نشأة قومهم الكثير من التصرفات غير اللائقة ولطالما امتنعوا بشكل وبآخر من طاعة مختلف الأنبياء والرسل على مر السنين تشهد على ذلك صفحات التاريخ بشكل جلي كشاهد حيادي، واستمر حالهم ذاك الى أن مارس أحفادهم في بداية بعثة النبي الأكرم(ص) العداوة والضغينة ضده لدرجة أن عبّر القرآن عن شدة عداوتهم بالآية: "لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين أمنوا اليهود ..."1

سنتطرق في مقالتنا هذه لنظرة القرآن حيال هذا الموضوع بشكل تفصيلي:

صفات اليهود في القرآن وسماتهم:

إحدى طرق التعرف على الأقوام والشعوب هي معرفة صفاتهم وسماتهم الخاصة بهم. تطرق القرآن الكريم في الكثير من آياته لصفات اليهود وخصائلهم لتعريف المسلمين عموماً بهوية هؤلاء الحقيقية.

قساوة القلب:

قساوة القلب من الأمراض النفسية والأضرار التي تصيب القلب إثر ارتكاب الذنوب والمعاصي، ومن الضروري علاجها من المنظور العقلي والشرعي، فهي علاوة على أنها من أعراض القلب غير السليم للانسان، إلّا أنها سبب للكثير من الأمراض الأخرى أيضاً كانحراف المرء عن جادة العبودية المستقيم في القول والعمل.2 يعبّر القرآن الكريم عن تبعات هذه الآفة قائلاً: "اَفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلاِسْلام فَهُوَ عَلى‏ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَیْلٌ لِلْقاسِیَةِ قُلْوبُهُمْ مِنْ ذِکْرِ اللَّهِ أَوْلئِکَ فى‏ ضَلالٍ مُبینٍ"3

كما يعبر عن قساوة قلب اليهود بشكل خاص قائلاً: "ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُکُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِکَ فَهِیَ کَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما یَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما یَشَّقَّقُ فَیَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما یَهْبِطُ مِنْ خَشْیَةِ اللَّهِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"4

بناءً على القضايا والأحداث التاريخية، كان اليهود أقسى الشعوب قلباً على مر العصور إذ أنه كلما احتلوا منطقة ما، أقدموا على القتل وارتكاب المجازر بكل وحشية. من الممكن أن يكون هؤلاء قد اكتسبوا هذه البربرية والدموية من التوراة المحرفة إذ نجد في مختلف الأسفار ما يلي: "... لا تبقوا أحداً على قيد الحياة ولا ترحموا أحد. اقتلوا الجميع من العجزة الى اليافعين الى النسوة والفتيات وغيرهم."5 كما نجد في أسفار أشعيا النبي: "كل من يقع سيقتل بالسيف أو الرماح. سيرمى الأطفال الصغار أرضاً أمام ناظري أبويهم، ستغتصب البيوت وتهتك حرمات النساء."6 ينقد رب العالمين هذه المعتقدات في قرآنه الكريم قائلاً: "وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون. ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرمّ عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُردّون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون"7

عبيد المال والجشع:

لم يسبق لتاريخ البشرية أن رأت أمة كاليهود شرهة للمال واكتناز الثروات إذ أنهم فعلوا ويفعلون أي شيء لتحصيله مهما كان وإن كان مخالفاً للشرف والكرامة الانسانية.8 شبّه القرآن الكريم هؤلاء الحريصين على جمع الثروات دون أي اكتراث للمعنويات وطريق الرشاد، بالأنعام قائلاً: "وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ کَثِیراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا یَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْیُنٌ لا یُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا یَسْمَعُونَ بِها أُولئِکَ کَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِکَ هُمُ الْغافِلُونَ"9 اليهود ومع أنهم قد حظوا بالكثير من الأنبياء والرسل وأتيحت لهم فرصة الاستفادة من ارشاداتهم للخلاص والابتعاد عن طريق الضلالة إلّا أنهم بقوا قابعين في غفلتهم ولم يكترثوا الا لجمع المال بل وصلوا مرحلة عبادته الى أن قال لهم نبي الله عيسى بن مريم(س): "لا تَعبُدُوا رَبَّیْنِ اللَّهَ وَ المال"10

من جهة أخرى يصف القرآن الكريم حبّ اليهود لاكتناز الثروات وجمع المال كما يلي: "وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى‏ حَیاةٍ وَ مِنَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا یَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ یُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَ ما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ یُعَمَّرَ وَ اللَّهُ بَصِیرٌ بِما یَعْمَلُونَ"11

بناءً على ما سبق، اليهود أحرص الناس على حياة الدنيا وأملوا بها ظانين أن العمر الطويل يمنع العذاب الإلهي. قد يعزى أحد أسباب حرصهم وجشعهم ذاك الى عدم اعتقادهم الفعلي بحياة الآخرة، إذ يشير القرآن لهذا الأمر قائلاً: "یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ قَدْ یَئِسُوا مِنَ الاخِرَةِ کَما یَئِسَ الْکُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ"12

ينقل على لسان ويل دورانت أنه قال: "لا يؤمن اليهود بالحياة ما بعد الموت بل يعتقدون أن الإثابة والعقاب محدودتان بهذه الدنيا."13

أكل الربا:

الربا أحد المحرّمات الإلهية التي تمارس من قبل الحريصون على حياة الدنيا، وعمل به اليهود كثيراً رغم أنه كان محرّماً حتى في شريعة الأنبياء موسى وعيسى عليهم السلام فلوثوا أموالهم بهذه الطريقة. اعتبر القرآن الكريم أن عقاب هذا الفعل المحرّم سيكون في الدنيا والآخرة قائلاً: "فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِینَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَیْهِمْ طَیِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ کَثِیراً وَ أَخْذِهِمِ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَکْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَ أَعْتَدْنا لِلْکافِرِینَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِیماً"14   

تبين لنا هذه الآية الشريفة مقدار تعلقهم المادي وخوضهم في أكل الربا المحرّم، كما تبين لنا الأحداث التاريخية أن أمة اليهود قد بنت نظامها المالي على أسس الربا إذ يقول روتشيلد: "بنى اليهود النظام الاقتصادي العالمي على قاعدة الربا، وكلما دخلوا منطقة ما أقدموا على اقراض حكامها مبالغ طائلة بغية التحكم بسياساتهم وقراراتهم وفق مصالحهم."

عناد اليهود:

عناد بنوا اسرائيل ولجاجتهم بلغ درجة أنهم حتى امتنعوا عن قول جملة " قُولُوا حِطَّةٌ..."15 (أي فليحطّ الله ذنوبنا)، واستخدموا عبارة غير لائقة عوضاً عنها مستهزئين بالأمر،16 ومن هنا قال القرآن الكريم: "فَبَدَّلَ الذَّینَ ظَلَمُوا قُولاً غَیْرَ الَّذى‏ قیلَ لَهُمْ"17

ورد في تفسير مجمع البيان عن هذه الآية أن ثلة من اليهود قد استخدموا عبارة حنطة19 عوضاً عن حطّه18 مستهزئين بالأمر، فابتلاهم الله بعذاب أليم بسبب عنادهم ذاك، وطبعاً حالات عنادهم وتحججهم كثيرة للغاية نجد بعضها في سورة البقرة.

كسر العهود:

اشتهر اليهود بكسرهم للمواثيق والعهود وعدم التزامهم بها، وبالفعل أشار القرآن الكريم لسمتهم هذه في عدة آيات لا يسعنا التطرق لها جميعاً بل سنكتفي بذكر إحداها وهو نقضهم للعهد الثاني عشر من الأوامر الإلهية كما ورد في آيتين في القرآن الكريم: "وَ إِذْ أَخَذْنا مِیثاقَ بَنِی إِسْرائِیلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَ بِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً وَ ذِی الْقُرْبى‏ وَ الْیَتامى‏ وَ الْمَساکِینِ وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّکاةَ ثُمَّ تَوَلَّیْتُمْ إِلاَّ قَلِیلاً مِنْکُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ وَ إِذْ أَخَذْنا مِیثاقَکُمْ لا تَسْفِکُونَ دِماءَکُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ"20 كما تلاحظون شملت هذه الآيتين على عشرة مواثيق من الأوامر الإلهية ومع أنه سبق لليهود أن أقرّوا بها جميعاً إلّا أنهم نقضوها كلها. علاوة على ذلك ذكر القرآن في سورة المائدة نقضهم لعهدين اثنين آخرين أيضاً فقال: "وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِیثاقَ بَنِی إِسْرائِیلَ وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَیْ عَشَرَ نَقِیباً وَ قالَ اللَّهُ إِنِّی مَعَکُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَ آتَیْتُمُ الزَّکاةَ وَ آمَنْتُمْ بِرُسُلِی وَ عَزَّرْتُمُوهُمْ وَ أَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً"21 "فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرّفون الكلم عن مواضعه ونسوا خظّا مما ذكّروا به ولا تزال تطّلع على خائنة منهم إلّا قليلاً منهم فاعف وافصح إنّ الله يحبّ المحسنين"22

 

الظلم والإجرام:

لا يمكن لأحد أن ينسى الجرائم التي ارتكبها اليهود على مر العصور، وكما أسلفنا بالذكر قد يكونوا اكتسبوا طابعهم الإجرامي هذا من توراتهم المحرّف، أي أن علمائهم وعند كتابتهم للتوراة قاموا بتدوينه على نحو يحثّ قومهم على الإجرام والتمادي والظلم وذلك بغية تبرير أفعالهم الشنيعة.

يقول عبد الفتاح طبارة عن هذا الموضوع: "إجرام اليهود في الأراضي العربية كان لدرجة تقشعر لها الأبدان والجيل الحديث من هؤلاء القتلة يمارسون الآن الإجرام والقتل والتوحش تأسّياً بأسلافهم."

كما يعقب غوستاولبون قائلاً: "لم يبتعد الشعب اليهودي قط عن ارتكاب الجرائم إذ كانوا يأسرون الكثير من الأسرى فيقدمون على تقطيعهم إرباً إرباً بالمناشير وإطعامهم للكلاب كما كانوا يقطعون رؤوس سكان المدن جميعاً من كبيرهم لصغيرهم وعجزتهم وشبابهم."23

يصف القرآن الكريم هؤلاء بالقتلة وسفكة دماء الأنبياء قائلاً: "اِنَّ الَذَّین یَکْفُرُونَ بِآیاتِ اللّهِ وَ یَقْتُلُونَ النَّبییّنَ بِغَیْرِ حَقِّ وَ یَقْتُلُونَ الذَّین یَأمُرُونَ بِالقِسْطِ مِنْ النّْاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ اَلیمٍ"24

أنانية اليهود:

لطالما اعتبر اليهود أنفسهم الشعب المختار دون غيرهم عبر التاريخ وحتى وصل بهم الأمر أن ادّعوا أنهم أبناء الله (وإن كان تعبيرهم مجازياً) أو أصدقائه الخواص، كما ينقل القرآن الكريم هذا على لسانهم: "وَ قالَتِ الیُهُودُ وَ النَصارَى نَحْنُ اَبْناءُ اللّهِ وَ اَحْبَّاءُهُ "25 كما ورد في التلمود: "هؤلاء (اليهود) يؤمنون بأن اسرائيل هي الأمة الإلهية المختارة وبالطبع جاء هذا المعتقد من الكتاب المقدس لكن قام علمائهم بتضخيمه كثيراً في الأدب والتفاسير فنرى أن التلمود يؤكد مراراً وتكراراً على صداقة الله وعلاقته المتينة مع اليهود"26

لهذا السبب نجد بين اليهود حالة من الأنانية والعُجب بالنفس وكلاهما من الصفات السيئة الرائجة بينهم.27

لكن ما رأي القرآن حيال الشعب اليهودي المختار؟ في الوهلة الأولى قد نجد أن القرآن أيضاً قد وصف أمتهم بالشعب المختار لكن بالإمعان ملياً يتبين لنا أن القرآن قد وصفهم بهذا الوصف لفترة زمنية محدودة فقط. ينقل ابن عباس حول الآية "..اَنّى فَضَّلْتُکُمْ عَلى‏ العالَمینَ "28 أنه يقصد بالعالمين، الناس في زمن بني اسرائيل إذ أن أمة النبي الأكرم محمد(ص) هي أفضل الأمم بإجماع الجميع كما يؤكد القرآن الكريم29 على هذا قائلاً: "کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْکِتابِ لَکانَ خَیْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَکْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ"30

العنصرية وتعصّب اليهود العرقي:

تعصّب اليهود العرقي ناجم عن مخيّلتهم الباطلة القاضية بأفضليتهم على العالمين والتي ولّدت لديهم الكثير من الانحرافات والمعتقدات الخاطئة الى أن قالوا: "لن تطالنا نيران الجحيم الا عدة أيام."31

هذا المعتقد العنصري لا يتوافق بتاتاً مع منطق البشر لأنه لا يوجد أي فرق بين البشر لدى رب العالمين. علاوة على ذلك فمعيار الأفضلية لدى الله حسب القرآن الكريم هو: "اِنَ اَکْرَمَکُمْ عِنْدَاللّهِ اَتْقاَکُمْ"32

عداء اليهود مع سائر الشعوب:

كما أسلفنا بالذكر، سمة الظلم والتمادي مستشرية ومتجذرة لدى اليهود الأمر الذي نجم عنه عدم توافقهم مع الشعوب الأخرى وانعدام السلام بينهم وبين الآخرين على مر العصور بل لطالما كانوا في حالة حرب مستمرة معهم، ولم تستثنى علاقتهم من الأنبياء المعاصرين لهم من هذه القاعدة فقد عصوا تعاليم هؤلاء جميعاً بأشد العناد. يخبرنا القرآن الكريم كيف أن اليهود والمسيحيين لم يقبلوا ببعضهم البعض آنذاك قائلاً: "وَ قالَتِ الیَهُودُ لَیْسَتِ النَصارى‏ عَلى شَى‏ءٍ و قالَتِ النَصارى‏ لَیْسَتِ الیَهُودُ عَلى‏ شَى‏ء"33

عداء اليهود مع الاسلام:

أقدم اليهود على معاداة النبي الأكرم(ص) والمسلمين منذ بداية الاسلام، ويصف الله شدة عدائهم في القرآن الكريم قائلاً: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِینَ آمَنُوا الْیَهُودَ وَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ قالُوا إِنَّا نَصارى‏ ذلِکَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّیسِینَ وَ رُهْباناً وَ أَنَّهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ"34

أسباب العداء:

بنظرة شاملة على الأديان التي سبقت الاسلام نلاحظ أن تعاليم تلك الأديان التي لم تتأثر بالتحريف والتغيير هي أقرب ما يمكن الى تعاليم الدين الاسلامي إذ أنه في الحقيقة يُعتبر مكملاً ومتمماً لتلك الأديان. لكن حيث أن الديانة اليهودية قد خضعت للتحريف الشديد، علم قادتها أن مصالحهم الدنيوية ستتعرض لخطر الزوال في حال انتشار الاسلام بين الناس ولهذا مارسوا أشد العداء ضد المسلمين وشخص النبي الأكرم(ص). اضافة على ذلك كان هناك بعض العوامل الأخرى التي أثرت في عدائهم للإسلام أولاهم حسدهم للنبي الأكرم(ص)35: " وَدَّ کَثِیرٌ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ لَوْ یَرُدُّونَکُمْ مِنْ بَعْدِ إِیمانِکُمْ کُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ " 36.

يُنقل عن المرحوم الطبرسي أن هذه الآية قد نزلت بحق اليهود.37

تسببت مؤامرات اليهود وحيلهم الكثير من المشقة للرسول(ص)، فخاطبه الله لتسكينه بالقول38: "یا أَیُّهَا الرَّسُولُ لا یَحْزُنْکَ الَّذِینَ یُسارِعُونَ فِی الْکُفْرِ مِنَ الَّذِینَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِینَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْکَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِینَ لَمْ یَأْتُوکَ یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ"39

ثانياً: أقدم اليهود على معاداة جميع الأنبياء التي تلت نبي الله موسى(ع) وأممهم وذلك بناءً على تعاليمهم المحرفة المبنية على تكذيب جميع الأنبياء من بعدهم، بل وحتى سعوا لإبادة شعوبهم تلك، ذلك لأن قبولهم بالأنبياء اللاحقة يعني تخليهم عن تعاليم أسلافهم الباطلة، وقد عاملوا بالفعل نبي الله عيسى(ع) والمسيحيين قبل المسلمين بنفس الشكل ثم اتبعوا ذات التعامل مع النبي الأكرم(ص) والمسلمين.

ردة فعل اليهود على ظهور الاسلام:

نجد في القرآن الكريم أنه سبق لنبي الله عيسى(ع) أن بشّر الناس بقدوم النبي الأكرم(ص) من بعده: "وَ إِذْ قالَ عِیسَى ابْنُ مَرْیَمَ یا بَنِی إِسْرائِیلَ إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ یَأْتِی مِنْ بَعْدِی اسْمُهُ أَحْمَدُ..."40 وعليه فكان اليهود على علم ودراية أنه سيظهر خاتم الأنبياء في أرض الحجاز وألمّوا بمواصفاته وعلاماته كما عرفوا أولادهم: "اَلَّذینَ آتَیَناهَمُ الْکِتابَ یَعْرِفُونَهُ کَما یَعْرِفُونَ اَبْناءَهُمْ"41

نجد في الروايات التاريخية أن تبّع الذي كان يعرف قبائل أوس وخزرج، نزل يوماً ما في المدينة، وكلما كان يزداد عدد هؤلاء وجمعهم كانوا يأخذون أموال اليهود فيقول لهم اليهود: إذا ما بُعث نبينا محمد سنخرجكم من هذه المدينة. لكن وبعد مجيء النبي الأكرم(ص)، آمنت به قبائل أوس وخزرج في حين أن اليهود كفروا به ولم يؤمنوا بنبوّته.42 يعبر القرآن الكريم عن هذه الواقعة بالقول: "وَ لَمَّا جاءَهُمْ کِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَ کانُوا مِنْ قَبْلُ یَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِینَ کَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا کَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْکافِرِینَ"43

ينقل المرحوم الطبرسي في تفسيره عن ابن عباس: "لطالما توعّد اليهود قبائل أوس وخزرج بمحاسبتهم عند مجيء رسول الله(ص)، لكن عندما رءوا أن خاتم الأنبياء لم يبعث من بين اليهود، كفروا به وأنكروا أقوالهم السابقة."44

تعامل اليهود مع النبي(ص) بعد بعثته:

عصى اليهود النبي الأكرم(ص) بعد بعثته الشريفة مراراً وتكراراً نورد فيما يلي بعضاً منها:

آ) خيانتهم بعد حرب أحد: واجه الرسول(ص) في بدايات حجرته للمدينة أياماً صعبة إذ أن جمع المسلمين كان قليلاً ومن ناحية أخرى ضغوط أعداء الاسلام كانت كبيرة للغاية، ولهذا قام الرسول بتوقيع معاهدة مع مختلف القبائل المتواجدة في المدينة مفادها عدم التعرض للمسلمين وذلك لائتمان جانب الداخل.45 لكن ومع ذلك توجّه بعض هؤلاء اليهود بعد حرب أحد الى مكّة للتحالف مع مشركيها ضد النبي الأكرم(ص) ونقضوا بذلك معاهدتهم معه.46 ويذكر القرآن هذه الواقعة كما يلي: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ أُوتُوا نَصِیباً مِنَ الْکِتابِ یُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ وَ یَقُولُونَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى‏ مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا سَبِیلاً"47  

ب) عملهم ضد وحدة المسلمين: ببركة هجرة النبي الأكرم(ص) للمدينة تخلّت قبيلتي أوس وخزرج عن الاقتتال فيما بينها وتعايشوا سوياً كالإخوة بكل سلام وهدوء في ظل تعاليم الاسلام. لم ترق هذه الوحدة والتعاضد بين المسلمين لليهود. ذات يوم وجد أحدهم وكان يدعى "شامس" الفرصة مواتية لتنفيذ مؤامرة مشؤومة لدسّ الفتنة بين القبيلتين فأمر أحد الشباب بالعمل على تخريب وحدتهم، فقام بدوره بإعادة تذكير الناس بذكريات سفك الدماء والاقتتال بين القبيلتين، فأوقد المشاحنات بينهم مجدداً، الى أن أوشك بدء القتال بينهم مرة أخرى، ففضح الرسول مؤامرة اليهود تلك وخاطب المسلمين بعدم الانجرار وراء الفتن48، كما تطرق القرآن الكريم في سورة آل عمران لأجزاء من هذه الحادثة قائلاً: "قُلْ یا أَهْلَ الْکِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تُطِیعُوا فَرِیقاً مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ یَرُدُّوکُمْ بَعْدَ إِیمانِکُمْ کافِرِینَ"49

يبدوا أنه لطالما كان من بين أعداء الاسلام ثلة من المختصين في نشر الفتن والتفرقة بين المسلمين، وهذا ما يوضح لنا أهمية يقظة الأمة أمام مساعي هؤلاء وفتنهم.

ج) التجسس ضد المسلمين: أقدم ثلة من اليهود على التجسس ضد المسلمين بغية إيذاء النهج الاسلامي اليافع آنذاك، فتظاهر بعض أحبارهم باعتناق الإسلام لتحقيق أهدافهم الخاصة في حين أنهم لم يؤمنوا قط في باطنهم بالنبي الأكرم(ص)، بل كانوا يمارسون النفاق.50

استفاد اليهود من أولئك المنافقين للاطلاع على أسرار المسلمين وموافاة قادتهم وأحبارهم بها لاتخاذ التدابير والاجراءات المناسبة ضدهم.

د) اختلاق الأزمات الاقتصادية: اختلاق الأزمات الاقتصادية هو أحد إجراءات أعداء الاسلام التي لطالما عملوا بها ومازالوا مواظبين عليها، إذ أقدم قادة اليهود في المدينة على افتعال أشد الأزمات الاقتصادية بغية الضغط على المسلمين واضعاف معنوياتهم ومعتقداتهم خاصة المهاجرين منهم الذين واجهوا خطر الموت بسبب الفقر المدقع الذي عانوا منه، كما امتنع هؤلاء اليهود من تسليم الأمانات لأصحابها والتي كانوا قد أودعوها لديهم قبل الاسلام بذريعة أن وجوب ردّها كان قائماً قبل اسلام أصحابها لكن اعتناق هؤلاء الاسلام أنقض حقوقهم تلك!51 ويشير القرآن الكريم لهذه الواقعة بالقول: "وَ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ یُؤَدِّهِ إِلَیْکَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِینارٍ لا یُؤَدِّهِ إِلَیْکَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَیْهِ قائِماً ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَیْسَ عَلَیْنا فِی الْأُمِّیِّینَ سَبِیلٌ وَ یَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْکَذِبَ وَ هُمْ یَعْلَمُونَ"52، كما أنهم أجابوا مندوب النبي(ص) الذي قصدهم طلباً للاقتراض منهم: كيف أن الله محتاج وفقير في حين أننا الأغنياء!53

المراجع:

1) راجع سورة المائدة / 82.

2) سید عبدالحسین دستغیب شیرازى، قلب سلیم، الطبعة 12، طهران: دارالکتب الاسلامیه، 1374. ص 303.

3) سورة زمر، الآیة 22.

4) سورة البقرة / 74.

5) راجع الکتاب المقدس، ذات المصدر، سفر حزقبال، 9: 5 - 6.

6) راجع نفس المصدر. سفر اشعیا النبي، 13: 10 - 16.

7) سورة البقرة / 84 و 85.

8) عفیف عبدالفتاح طباره، ص 81.

9) سورة الأعراف/ 179.

10) راجع. عفیف عبدالفتاح طباره، ص 81.

11) سورة البقرة / 96.

12) سورة الممتحنة / 13.

13) راجع عفیف عبدالفتاح طباره، ص 83.

14) سورة النساء / 160- 161.

15) سورة البقرة / 58.

16) ناصر مکارم شیرازى وآخرون، تفسیر نمونه، ج 1، ط 25، طهران؛ دارالکتب الاسلامیه، 1369، ص 269.

17) سورة البقرة / 59.

18) راغب، ص 122.

19) الطبرسى، ج 1، ص 118.

20) سورة البقرة / 83 - 84.

21) سورة البقرة / 12.

22) سورة المائدة 13.

23) راجع طباره، ص 111.

24) سورة آل عمران / 21.

25) سورة المائدة / 18.

26) تلمود، ص 79.

27) راجع التلمود ص 79.

28) سورة البقرة / 47.

29) الطبرسي، ج 1، ص 102.

30) سورة آل عمران / 110.

31) سورة البقرة / 80.

32) سورة الحجرات /13.

33) سورة البقرة / 113.

34) سورة المائدة / 82.

35) الطبرسي، ج 3، ص 234.

36) سورة البقرة / 109.

37) الطبرسي، ج 1، ص 184.

38) الطبرسى، ج 3، ص 194.

39) سورة المائدة/41.

40) سورة الصف / 6.

41) سورة البقرة / 146.

42) ابى النضر محمد بن مسعود بن عیاش السلمي السمرقندى، تفسیر العیاشى، طهران: المکتبة العلمیه الاسلامیه، بى‏تا، ج 1، صص 49 - 50.

43) سورة البقرة / 89.

44) الطبرسي، ج 1، پیشین، ص 158.

45) راجع المجلسى، ج 19، ص 110 - 111.

46) راجع الطبرسى، ج 3، ص 92.

47) سورة النساء / 51.

48) راجع جعفر سبحانى، ج 1، صص‏468- 469.

49) سورة آل عمران، 99- 100.

50) راجع ابن هشام، ج 2، ص 175.

51) راجع عفیف طباره، ص 60.

52) سورة آل عمران / 75.

53) سورة آل عمران / 181.

 

جواد بختیاري‏