۲٠۲٤/٠۲/۱۹ ۲٠:٣٣:۵۵
خطبة الجمعة لسماحة الشيخ الدكتور نبيل حلباوي بتاريخ 6 شعبان المعظم 1445


                                             بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ الدكتور نبيل حلباوي (زيد عزه) بتاريخ 6 شعبان المعظم  1445 ه.

 

 

الخطبة الأولى:

 

و أما بعد، فإن موضوع خطبتينا لهذا اليوم إنما هو ما يمكن أن نعيشه في ظلال الأنوار التي تألقت في مطلع شعبان، تلك الأقمار الثلاثة: القمر الأول الحسين عليه السلام، والقمر الثاني أخوه العباس، والقمر الثالث إبنه الإمام زين العابدين عليه السلام، وسأجعل حديثي في مداخل إلى الاقتباس من الأنوار والاستظلال بتلك الأقمار.

 المدخل الأول: هو مدخل نسبي اصطفائي نسأل أنفسنا إلى من ينتمي هؤلاء الأقمار الثلاثة؟ ولا شك أننا نعرف ونفهم وندرك عظمة انتمائهم نسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ذروة عالم التكوين والذي نزل عليه ذروة عالم التدوين، وهو القرآن الكريم، ثم إلى أهل بيته عليهم السلام وعلى رأسهم علي سلام الله عليه سيد الوصيين وإمام المتقين ومولى الموحدين وزوجته سيدة نساء العالمين السيدة الزهراء عليها السلام.

فهو نسب لا نظير له في السطوع والتألق في هذا العالم.  هي أقمار حقيقة وأقمار واقعا أقمار عالم التكوين

المدخل الثاني: فهو مدخل زماني  يعني هذه المناسبات مواليد هؤلاء الأقمار الثلاثة إنما تتألق وتشع في مطلع شهر شعبان وهو شهر النبي صلوات وسلامه عليه وآله وحين ينسب شهر إلى رسول الله فهذا في الواقع هو من باب الإضافة التشريفية، يعني شرف عظيم أن يضاف الزمان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم   وشهر شعبان هو أحد الأشهر الثلاثة التي يعيش الإنسان فيها أو ينبغي أن يعيش دورة سنوية يعرج فيها إلى مقامات القرب الإلهي من خلال انفتاحه على العبادة والصلاة والصيام وقراءة القرآن والذكر والشكر والصبر وأداء الحقوق لأصحابها والقيام بالدور على مستوى الأمة وعلى مستوى العالم، ولا سيما أنه هذا الشهر وفي منتصفه تكون مناسبة مولد صاحب الزمان عجل الله فرجه وسهل مخرجه وجعلنا من جنده وأعوانه وأنصاره والمستشهدين بين يديه.

 المدخل الثالث: هو مدخل عقدي يعني نحن من خلال هذه المناسبات نتفهم مدى البركات التي أفيضت على العالم من خلال عناق النبوة والإمامة  أعظم هدية إلهية إلى البشرية كانت هذا العناق يعني أن النبوة فتّقت لنا إمامة ويجمعها معها أن تستظل كلتاهما بظلال ولاية الله عز وجل يعني خط الولاية ينطلق من الله إلى النبوة إلى خاتمها وسيدها وأفضلها محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإمامة وأولها وأوجهها عليّ عليه السلام ثم هؤلاء الأقمار الثلاثة وكل تلك النجوم التي سطعت في سماء الإمامة "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون".

 المدخل الرابع: هو مدخل قيمي يعني من خلال القيم فهؤلاء سلالة من قال عنه ربه وإنك لعلى خلق عظيم قال وإنك لعلى يعني أنت تتسنم ذروة الخلق العظيم في هذا الكون أعظم خلق في عالم الكائنات كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهؤلاء الأقمار إنما سطوعهم وبزوغهم وتألقهم لأنهم تجليات ذلك الخلق العظيم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 المدخل الخامس: مدخل عبادي فإن رسول الله كان أعبد خلق الله لله ومع ذلك فإنه قال وفي ذلك ما فيه من الآفاق قال ما عرفناك حق معرفتك وما عبدناك حق عبادتك فإذا كان رسول الله وهو أعبد الخلق وأعرف الخلق بالله يقول مثل ذلك فماذا يقول أمثالنا من الضعفاء والفقراء كان رسول الله وكان أهل بيته نجوم العبودية والعبادة، ولم نسمع في قول القائلين بعد رسول الله أعظم من قول عليّ عليه السلام إلهي كفى بي فخرا أن تكون لي ربا وكفى بي عزا أن أكون لك عبدا أنت كما أحب فاجعلني كما تحب.

 المدخل السادس: مدخل وجداني عاطفي، إن هؤلاء هم الذين قال الله عز وجل في سيدهم وقائدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قرآنه المجيد قل يعني قل يا رسول الله يا حبيب الله يا مصطفى الله وأقرب الخلق إليه قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله جعل اتباعه طريقا إلى أن يحبنا الله حبا خاصا غير الحب العام كلنا يحب الله كل من له ذرة من عقل لا يمكن إلا أن يحب الله الذي خلقه وأبدعه وأوجده وغمره بالآلاء والنعم وإلينا وإليه مرجعه. لكن الكلام عن الحب من الله لنا حبا إضافيا خاصا هذا ما الطريق إليه أن تحب رسول الله وأن تتبعه لا يكفي أن تحبه قل إن كنتم تحبون الله فاتبع يحببكم الله إذا هؤلاء ينطلقون من رسول الله حبيب الله سيد خلق الله وقد أمر الخلق ولا سيما المسلمون المؤمنون بمودتهم قل لا أسألكم عليه اجرا إلا المودة في القربى وقلنا المودة أولها معرفة ثم قراءة ثم اطلاع ثم نهل من ينبوع ثم حب وعشق لهم ثم اتباع لهم ثم عدم حب لأعدائهم وخصومهم هذا كله يدخل في معنى المودة. فإذا هؤلاء هم من هذا المختار من قبل الله لنخصه بالمودة بهذه الآفاق وهذه الأبعاد.

المدخل السابع: مدخل سلوكي أيضا نضيفه وهو أن هؤلاء كانوا خير السالكين إلى الله وكل من يدعي أنه يريد أن يسلك إلى الله فلا بد أن يسلك من خلالهم لأنهم قناة طاهرة مطهرة تؤدي إلى الله عز وجل إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا وهم الذين يشير إليهم ذلك المعنى في الحديث عن القرآن الكريم لا يمسه إلا المطهرون.  فإذا أردت فتاة طاهرة الله عز وجل فعليك برسول الله وعليك بأهل البيت عليهم السلام المدخل الثامن:  مدخل تربوي يعني هؤلاء من هذه المدرسة التي قال قائلها وسيدها وقائدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا وعلي أبوا هذه الأمة قلنا مرة لم يقل والدا هذه الأمة الرسول وعلي لم يلدا كل المسلمين فالأبوة غير الوالدية  والدية نسبية وأما الأبوة فهي تربوية  يعني من ولدك فهو والد ومن رباك فهو أب وقد يلتقي عنوانان في شخص واحد يعني إذا ولدك إنسان ورباك هو بنفسه فهو والد وهو أب وقد يفترقان وقلت رسول الله سيد خلق الله جميعا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان والده عبدالله ولكن عبدالله لم يره ومات وذهب إلى لقاء ربه قبل أن يولد رسول الله أبوه الحقيقي الذي رباه هو أبو طالب  وهكذا الأم الوالدة غير الأم فالوالدة هي من ولدك والأم هي من ربتك،  وأم رسول الله كانت في حياته هي فاطمة بنت أسد وكان يناديها أمي  نعم أيضا أسبغ هذا اللقب وهذا العنوان فيما بعد على السيدة الزهراء عليها السلام فقال فاطمة أم أبيها فإذا حين يقول رسول الله  أنا وعلي أبوا هذه الأمة يعني مربيا هذه الأمة  كل من أراد تربية إسلامية واقعية حقيقية بكل آفاقها بكل أبعادها بكل عمقها بكل قلقها بكل عبقها لابد أن ينطلق من أن يتربى في مدرسة من قال ونعم ما قال أدبني ربي فأحسن تأديبي  إذا من هذه المداخل نصل إلى تلك الأقمار وعند ذلك لكل المسلمين هدية بكل الحب وبكل الحرص على أن ينهلوا ويتنعموا بتلك النعم نقول لهم هدية شهر شعبان إليكم إخوتنا وأحبتنا من هي ذكرى هؤلاء الأقمار الثلاثة بكل تلك المداخل التي أشرنا إليها اقرؤوهم ، افهموهم، أحبوهم ، انهلوا من ينبوعهم ، سيروا على منهجهم، ما أريد أن أختم به وصية من وصايا الإمام زين العابدين عليه السلام التي أوصى بها الزهري والزهري هو التابعين محمد بن مسلم بن عبدالله بن شهاب الزهري وهو عند إخوتنا من أهل السنة إمام المحدثين وحافظ وفقيه ونقل عنه مالك والليث ابن سعد وسفيان ابن عيينة والأوزاعي ووثقوه وكذلك وثقه الحافظ الذهبي والحافظ ابن الحجر وروي عنه في الصحيح هذا كان يأتي إلى زين العابدين عليه السلام ويلتمس ويطلب منه بعشق وحب وشغف أن يفيض عليه من وصاياه هذه وصية أوصى بها زين العابدين وسيد الساجدين  صاحب الصحيفة السجادية  صاحب رسالة الحقوق أوصى بها الزبير يقول يا زهري التفتوا  إلى أدب العلاقة مع المسلمين وما أحوجنا إليه ولا سيما نحن أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام يجب أن نكون الذروة في علاقتنا بإخوتنا من المسلمين يا زهري من لم يكن عقله من أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر ما فيه  العقل العقل وأسوأ ما يمنى به الإنسان الجهل في مقابل العقل وليس في مقابل العلم فكلنا جاهل أكثر مما هو عالم أنا أجهل ملايين الموضوعات والعناوين  وكل واحد فينا كذلك  الجهل في مقابل العلم ليس مصيبة  طالما أنك في طريق العلم وأن كل يوم تقول لله عز وجل وتعمل بقوله وقل رب زدني علما وفوق كل ذي علم عليم  ويعلمكم الله لا بأس  أن تكون جاهلا في مقابل العلم فهذه حقيقة لا يخلو منها أحد اللهم إلا الأنبياء والمعصومون.  أما الإشكال هو الجهل في مقابل العقل ولذلك قال علي عليه السلام كم من عالم قد قتله جهله كيف يكون عالما ثم يقتله جهله كم من عالم قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه. نحن الآن نعاني من بعض العلماء في مكان ما في جهة ما لهم علم عظيم لكنهم يفتقدون العقل العقل العقل الذي قال عنه علي عليه السلام العقل ما عبد به الرحمن واكتسبت به الجنان. العقل الذي افتتحت به أبواب الكافي عن آل الرسول باب العقل والجهل وليس باب الجهل والعلم باب العقل والجهل المهم يقول من لم يكن عقله من أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر ما فيه يا زهري التفتوا إلى أدب التعامل مع المسلمين جميعا.  أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك كل كبير في المسلمين نعتبره والدا لنا بتوجيهات إمامنا زين العابدين عليه السلام فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك وتجعل صغيرهم بمنزلك ولدك وتجعل تربك منهم يعني من يساويك في السن وتجعل تربك منهم بمنزلة أخيك  فأي هؤلاء تحب أن تظلم هل تحب أن تظلم أباك والدك ولدك  أخاك لا أحد يحب أن يظلمه  فالمسلمون هم كذلك بالنسبة لك و أي هؤلاء تحب أن تدعو إليه لا يجب أن تحب أن تدعو له لا أن تدعو عليه  وأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره أن تتكلم عليه كلاما لا يليق  ينتقل إلى فقرة لطيفة  وإن عرض لك ابليس لعنه الله  أن لك فضلا على أحد من أهل القبلة وإلى أي أفق  من أهل القبلة كل من يتجه إلى قبلة المسلمين فيأتي إبليس ويوسوس لك أنك أفضل من واحد من هؤلاء فانظر طيب ما الميزان ؟  قال إن كان أكبر منك فقل قد سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير مني وأكبر مني سبقني إلى الإيمان والعمل الصالح وإن كان أصغر منك فقل قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني  وإن كان تربك قلت مساويا لك في السن فقل أنا على يقين من ذنبي ومن شك في أمره فمالي أدع يقيني لشكي أنا متيقن أن لي ذنوبا وأما هو فلا أعلم أنا أشك في أن له ذنوبا لا أعرف ماذا له وماذا عليه فإذا علي ألا أترك يقيني إلى الشكل  وإن رأيت المسلمين أفق ثالث  وان رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل هذا فضل أخذوا به فضل من الله أخذوا به  وإن رأيت منهم جفاء وانقضاضا فماذا تفعل فقل هذا لذنب أحدثته  لعلّي أحدثت ذنبا الله يعاقبني عليه فإنك إن فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك وكثر أصدقاؤك وقل أعدائك وفرحت بما يكون من برهم ولم تأسف على ما يكون من جفائهم.

 

 

 

الخطبة الثانية

 

لابد لنا في مطلع خطبتنا الثانية من أن نقف بكل الحب وبكل التقدير وبكل التنويه أمام ذكرى انتصار الثورة الإسلامية الكبرى في إيران هذه الثورة التي قادها عارف حقيقي عالم فقيه أستاذ أخلاق  إنسان من أندر و أبرز وأكرم من ربته مدرسة أهل البيت عليهم السلام والذين ظهرت كراماتهم في هذا القرن هذا العبد الصالح الإمام الخميني رضوان الله عليه الذي فجر ثورة هي ثورة شعبية سلمية قادها على منهج أبي عبدالله الحسين واستلهاما من ثورة الحسين عليه السلام أطاحت بعرش الطاووس ورمت بذلك الشاه شاه وعرشه وكل من معه إلى جهنم وبئس المصير. هذه الثورة التي لم تبقى في حدود أنها ثورة قوضت نظاما وإنما انطلقت لتبني دولة  أول دولة إسلامية بعد دولة علي عليه السلام  دولة رسول الله دولة علي،  هذه أول دولة بعد دولة علي عليه السلام،  نعم في بعض برهات التاريخ حكم بعض الشيعة في أمكنة ولكن لم يقيموا دولة إسلامية كانوا كسائر الآخرين هناك بعض من الحمدانيين بعض البويهيين بعض الصفويين لكن لم يقيموا دولة إسلامية عنوانها الجمهورية الإسلامية دستورها دستور إسلامي مئة بالمئة هيكلها تركيبها يقوم على أن يكون على رأس الأمة ولي فقيه متصدٍ لائق شجاع ورع تقي يفهم في السياسة ويقرأ السياسة العالمية و يلهم كل من حوله ويقودهم ولا يقادوا بهم وهذا ما كان عليه الإمام الخميني،  الذي غير مجرى التاريخ في الواقع وغير الخارطة العالمية وإلى اليوم لا زالت آثار وستبقى آثار ما قام به هذا الإمام العظيم نعم بمعونة هذا الشعب الكبير الشعب العظيم الشعب المضحي  الذي قل نظيره بين الشعوب  فقامت الثورة وقامت الدولة وانطلقت الصحوة و لا زلنا ننعم ببركات هذه الثورة العظيمة.  وما طوفان الاقصى الذي زلزل أسس الكيان الصهيوني ويهدد بنقضها وتهديمها عن قريب عاجل أو في قريب غير بعيد إلا واحدة من ثمار تلك الثورة العظيمة للإمام التي خلفه على القيادة فيها الخلف الصالح الإمام الخامنئي حفظه الله بكل ما له من علم وورع وفهم وتحليل وبراعة وأدب وذوق وقدرة قيادية استثنائية  هذه طوفان الأقصى كما قلت هو ثمرة من ثمار تلك الثورة العظيمة التي اختطت لنفسها خطا جديدا وهو الدفاع عن قضايا المسلمين ولا سيما قضيتهم الكبرى العادلة الإسلامية الإنسانية التي هي قضية فلسطين قبل ثورة الإمام كانت الأمور تذهب باتجاهات أخرى.  الإمام أعاد البوصلة إلى مكانها واتجاهها الصحيح وهو الذي مهد لقيام محور المقاومة الذي هو أشرف ما كرمت به هذه الأمة هذا المحور الذي نجد فيه شيئا جديدا من أروع ما يكون وهو أنه يأتلق ويأتلف تحت لوائه كل أتباع أهل البيت عليهم السلام وعشاقهم في لبنان وفي العراق وفي اليمن فضلا عن إيران أم القرى وفي سوريا الذين يحيطون بفلسطين ويناصرون شعب غزة ويناصرون شعب فلسطين ويقدمون الأرواح بكل فداء وبكل حب وبكل تضحية لتسترجع القدس إلى أهلها  وليعود أهل فلسطين إلى ديارهم  وما ذلك على الله بعزيز.