۲٠۲٤/٠۷/۲۲ ۲۲:٣۱:٤۲
خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 13محرم 1446 ه.


                                         بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 13 محرم الحرام 1446 ه.

 

الخطبة الأولى:

كعادتنا في الخطبة الاولى نتحدث عن نمط الحياة وفقا للرؤية الاسلامية. مما أكد عليه أهل البيت الصلاة والسلام هو رفع حوائج الناس، قضاء حاجة أخيك المؤمن على حدّ تعبير الروايات والأحاديث...

 أذكر ما ورد في الأحاديث من الثواب على من قضى حاجة أخيه المؤمن.

رُوِيَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ‌: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ‌ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اللَّهِ‌ إِنَّ فُلاَناً لَهُ عَلَيَّ مَالٌ وَ يُرِيدُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَقَالَ: «وَ اللَّهِ مَا عِنْدِي مَالٌ فَأَقْضِيَ عَنْكَ‌» قَالَ: فَكَلِّمْهُ قَالَ: فَلَبِسَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ نَعْلَهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اللَّهِ‌ أَنَسِيتَ اعْتِكَافَكَ فَقَالَ لَهُ: «لَمْ أَنْسَ وَلَكِنِّي سَمِعْتُ أَبِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ‌ يُحَدِّثُ عَنْ جَدِّي رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ‌ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ سَعَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ‌ فَكَأَنَّمَا عَبَدَ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ تِسْعَةَ آلاَفِ سَنَةٍ صَائِماً نَهَارَهُ قَائِماً لَيْلَهُ‌»». الفقيه، ج2، ص190.

 يقول روي عن ابن مهران قال كنت جالسا عند الحسن بن علي عليهما السلام فأتاه رجل فقال له يا ابن رسول الله إن فلانا له عليَّ مال ويريد أن يحبس فقال عليه السلام والله ما عندي مال فأقضي عنك، قال فكلّمهُ حتى يرضى ولا يحبسني، يعطيني فرصة، يمهلني حتى أقضي الدين، قال ابن مهران فلبس عليه السلام نعلَه، فقلت له يا ابن رسول الله أنسيت اعتكافك؟ كان الإمام في المسجد وكان معتكفا والمعتكف لا يجوز له أن يخرج من المسجد إلا لحاجة ضرورية، فقال عليه السلام له لم أنسى ولكني سمعت أبي عليه السلام أمير المؤمنين عليه السلام يحدث عن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله عزّ وجل تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ‌ عَنْ أَبِيهِ‌ عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اَلْحَكَمِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ‌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ‌ يَقُولُ‌: مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ‌ أُسْبُوعاً كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ سِتَّةَ آلاَفِ حَسَنَةٍ وَمَحَا عَنْهُ سِتَّةَ آلاَفِ سَيِّئَةٍ وَ رَفَعَ لَهُ سِتَّةَ آلاَفِ دَرَجَةٍ قَالَ وَزَادَ فِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ عَمَّارٍ وَقَضَى لَهُ سِتَّةَ آلاَفِ حَاجَةٍ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: وَقَضَاءُ حَاجَةِ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ طَوَافٍ وَطَوَافٍ حَتَّى عَدَّ عَشْراً. الكافي، ج2، ص194

أبا عبد الله عليه السلام يقول من طاف بالبيت أسبوعا كتب الله عز وجل له ستة آلاف حسنة، أسبوع بمعنى سبعة أشواط ليس بمعنى الأسبوع الذي نحن نتحدث عنه في أعرافنا حاليا، ليس بمعنى أيام الأسبوع، أسبوعا يعني سبعة أشواط. الإمام قال من طاف بالبيت أسبوعا يعني سبعة أشواط، ماذا يكتب الله له من الثواب؟ كتب الله عز وجل له ستة آلاف حسنة، هذا أولا ومحى عنه ستة آلاف سيئة ورفع له ستة آلاف درجة، قال وزاد فيه ابن عمار صحابي آخر من أصحاب الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه الصلاة والسلام هو يزيد في هذا الحديث كأنه كان حاضراً في ذاك المجلس وسمع عن الإمام عليه السلام يقول وقضى له ستة آلاف حاجة،  هذا أيضا مما يترتب على هذا الذي قد قلناه سبعة أشواط من الطواف، قال ثم قال عليه السلام وقضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف حتى عدَّ عشر طواف يعني سبعة أشواط من الطواف، إذا تضرب عشرة في ستة آلاف يكون ستين ألف، فإذاً من قضى حاجة أخيه له ستين ألف حسنة، محى الله تعالى عنه ستين ألف سيئة، الله تعالى يرفع درجاته ستين ألف درجة، وكذلك يقضي له ستين ألف حاجة.

 

حَدَّثَنَا اَلشَّيْخُ اَلْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ اَلْقُمِّيُّ‌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ‌ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ اَلْوَاسِطِيِّ‌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعٍ‌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ‌ عَنْ أَبِي الْأَعَزِّ النَّحَّاسِ‌ قَالَ سَمِعْتُ الصَّادِقَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ‌ يَقُولُ‌: قَضَاءُ حَاجَةِ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ حِجَّةٍ مُتَقَبَّلَةٍ بِمَنَاسِكِهَا وَ عِتْقِ أَلْفِ رَقَبَةٍ لِوَجْهِ اللَّهِ وَ حُمْلاَنِ أَلْفِ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ بِسُرُجِهَا وَ لُجُمِهَا. الأمالي للصدوق، ص237.

قضاء حاجة المؤمن أفضل من ألف حجة متقبلة بمناسكها وعتق ألف رقبة لوجه الله وحملان ألف فرس في سبيل الله بسرجها ولجمها، حملا بمعنى الذي يحمل عليه تحمل عليه هدايا للهدية إذا تحمل على هذا الفرس الذي جهزته لأن تضع عليها الهدايا وتعطي لشخص ما، يقول عليه السلام وحملان ألف فرس يعني ألف فرس أنت بسرجها ولجمها وكل ما عليها تعطي لشخص تعطي في سبيل الله هذا هو قيمة عملك يعني قضاء حاجة أخيك المؤمن.

عَنْهُ‌ عَنْ أَبِيهِ‌ عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ‌: مَنْ سَعَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ‌ فَاجْتَهَدَ فِيهَا فَأَجْرَى اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ قَضَاءَهَا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ حَجَّةً وَعُمْرَةً وَاعْتِكَافَ شَهْرَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ‌ وَصِيَامَهُمَا وَإِنِ اِجْتَهَدَ فِيهَا وَلَمْ يُجْرِ اللَّهُ قَضَاءَهَا عَلَى يَدَيْهِ كَتَبَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ حَجَّةً وَعُمْرَةً‌. الكافي، ج2، ص198.

من سعى في حاجة أخيه المسلم اجتهد فيها، فأجرى الله على يديه قضاءها، بعض الأحيان الله يوفقك أن تقضي حاجة أخيك، ولكن بعض الأحيان أنت تجتهد ولا توفق، الإمام يقول لكليهما ثواب، من سعى في حاجة أخيه المسلم فاجتهد فيها فأجزى الله على يديه قضاءها كتب الله عز وجل له حجة وعمرة واعتكاف شهر في المسجد الحرام وصيامهما. هذا بالنسبة للذي وفق أن يقضي حاجة أخيه المؤمن باجتهاده، ولكن وإن اجتهد فيها ولم يجري الله قضاءها على يديه، لم يوفق لقضاء حاجة أخيه ولكن اجتهد، هل هو مأجور؟ نعم، كتب الله عز وجل له حجة وعمرة. فإذاً هو أيضا مثاب.

عَلِيٌّ‌ عَنْ أَبِيهِ‌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ صَنْدَلٍ‌ عَنْ أَبِي اَلصَّبَّاحِ اَلْكِنَانِيِّ‌ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: لَقَضَاءُ حَاجَةِ امْرِئٍ مُؤْمِنٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ عِشْرِينَ حَجَّةً كُلُّ حَجَّةٍ يُنْفِقُ فِيهَا صَاحِبُهَا مِائَةَ أَلْفٍ‌. الكافي، ج2، ص193.

أبو عبد الله الصادق عليه الصلاة والسلام يقول لقضاء حاجة امرئ أحب إلى الله من عشرين حجة كل حجة ينفق فيها صاحبها مئة ألف، هذا شيء غريب ممكن تستغرب ويمكن يتساءل البعض عن هذه المجموعة من الروايات، فيها يذكر ثوابٌ كل يختلف عن الآخر. فما هو الامر؟ فطبعا قضاء حاجة المؤمن أي حاجة كانت، بسبب أهميته الحاجة ربما يكون الثواب أكثر، بسبب إخلاص القاضي لحاجة الناس، بسبب درجة إخلاصه له درجة أكثر وله ثواب أكثر، فإذا اختلاف هذه الأحاديث في ذكر الثواب الذي لم يكن متحدا كلها مع بعض بسبب أمور شتى منها كيفية قضاء الحاجة وإخلاصه في هذا الأمر وما إلى ذلك من الأسباب والعوامل.

 

الخطبة الثانية

أريد أن أذكر بشكل خاطف أن نهضة كربلاء لم تكن خائبة في أهدافها، ظن يزيد ومن معه أنهم قضوا على الحسين ومدرسة الحسين عليه الصلاة والسلام. ولكن من اليوم العاشر بدأت الحركات المخالفة والمواجهات ضد الطغيان عصر عاشوراء عندما هجموا لسلب نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم و أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كربلاء، روى حميد بن مسلم قال: رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد، فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين فسطاطهنّ وهم يسلبونهنّ أخذت سيفا و أقبلت نحو الفسطاط و قالت: يا آل بكر بن وائل أتُسلب‏ بنات‏ رسول‏ اللّه‏ لا حكم إلّا للّه يا لثارات رسول اللّه، فأخَذَها زوجُها و ردّها إلى رحله ثمّ أخرجوا النساء من الخيمة و أشعلوا فيها النار.

يعني انصرفوا عن سلب اهل البيت عليهم الصلاة والسلام.

 

 هناك حادث آخر في الكوفة عندما قام عبيد الله ابن زياد لعنه الله خطيباً في مسجد الكوفة وقال الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين (يقصد يزيد). لعنه الله وحزبه وقتل الكذاب ابن الكذاب نستجير بالله هو كان يقصد الإمام الحسين عليه السلام والإمام أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته، فقام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي وكانت إحدى عينيه ذهبت يوم الجمل والأخرى في صفين مع علي عليه الصلاة والسلام وقال: يا ابن مرجانة إن الكذاب أنت وأبوك والذي ولّاك أتقتلون أولاد النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين. هنا ضج الناس في مسجد الكوفة، فهذه بدايات للثورة على الحكومة الأموية السفيانية. وكذلك دخول أهل البيت في الكوفة، وكلمة سيدتنا زينب الكبرى صاحبة هذه القبة الشريفة. التي أريقت دماء شبانكم في طريق الذبِّ عن حرم هذا السيدة العقيلة، فأنا لا أبخل أن اقرأ الخطبة التي ألقتها سيدتنا زينب سلام الله عليها.  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ حَذْلَمِ بْنِ سُتَيرٍ، قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَ سِتِّينَ، مُنْصَرَفَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِالنِّسْوَةِ مِنْ كَرْبَلَاءَ وَ مَعَهُمُ الْأَجْنَادُ يُحِيطُونَ بِهِمْ، وَ قَدْ خَرَجَ النَّاسُ لِلنَّظَرِ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَقْبَلَ بِهِمْ عَلَى الْجِمَالِ بِغَيْرِ وِطَاءٍ جَعَلَ نِسَاءُ الْكُوفَةِ يَبْكِينَ، وَ يَلْتَدِمْنَ‏(بناكردند به سروصورت خود بزنند)، فَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِعَلَيْهِ السَّلَامَ وَ هُوَ يَقُولُ بِصَوْتٍ ضَئِيلٍ، وَ قَدْ نَهَكَتْهُ الْعِلَّةُ، وَ فِي عُنُقِهِ الْجَامِعَةُ، وَ يَدُهُ مَغْلُولَةٌ إِلَى عُنُقِهِ: إِنَّ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ يَبْكِينَ، فَمَنْ قَتَلَنَا؟! قَالَ: وَ رَأَيْتُ زَيْنَبَ بِنْتَ عَلِيٍّعَلَيْهِ السَّلَامُ وَ لَمْ أَرَ خَفِرَةً با حیا قَطُّ أَنْطَقَ مِنْهَا، كَأَنَّهَا تَفْرُغُ عَنْ لِسَانِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ: وَ قَدْ أَوْمَأَتْ إِلَى النَّاسِ أَنِ اسْكُتُوا، فَارْتَدَّتِ الْأَنْفَاسُ، وَ سَكَنَتِ الْأَصْوَاتُ، فَقَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَ الصَّلَاةُ عَلَى أَبِي رَسُولِ اللَّهِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ. أَمَّا بَعْدُ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَ يَا أَهْلَ‏ الْخَتْلِ‏ وَ الْخَذْلِ، فَلَا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ وَ لَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ، فَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي‏ نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ‏، أَلَا وَ هَلْ فِيكُمْ إِلَّا الصَّلَفُ الظَّلَفُ وَ الضَّرَمُ الشرف [السَّرَفُ‏] خَوَّارُونَ فِي اللِّقَاءِ، عَاجِزُونَ عَنِ الْأَعْدَاءِ، نَاكِثُونَ لِلْبَيْعَةِ، مُضَيِّعُونَ لِلذِّمَّةِ، فَبِئْسَ مَا قَدِمْتَ لَكُمْ أَنْفُسَكُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ فِي الْعَذَابِ أَنْتُمْ خَالِدُونَ‏. أَ تَبْكُونَ! إِي وَاللَّهِ فَابْكُوا كَثِيراً وَ اضْحَكُوا قَلِيلًا، وَ لَقَدْ فُزْتُمْ بِعَارِهَا وَ شَنَارِهَا، وَ لَنْ تَغْسِلُوا دَنَسَهَا عَنْكُمْ أَبَداً. فَسَلِيلَ خَاتَمِ الرِّسَالَةِ، وَ سَيِّدَ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَ مَلَاذَ خِيَرَتِكُمْ، وَ مَفْزَعَ نَازِلَتِكُمْ، وَ أَمَارَةَ مَحَجَّتِكُمْ، وَ مَدْرَجَةَ حُجَّتِكُمْ خَذَلْتُمْ وَ لَهُ قَتَلْتُمْ! أَلَا سَاءَ مَا تَزِرُونَ‏ فَتَعْساً وَ نَكْساً، وَ لَقَدْ خَابَ السَّعْيُ، وَ تَبَّتِ الْأَيْدِي، وَ خَسِرَتِ الصَّفْقَةُ، وَ بُؤْتُمْ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ‏ «وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ».

وَيْلَكُمْ! أَتَدْرُونَ أَيَّ كَبِدِ لِمُحَمَّدٍ فَرَيْتُمْ، وَأَيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكْتُمْ، وَأَيَّ كَرِيمَةٍ لَهُ أَصَبْتُمْ‏ «لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا»...كَلَّا «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ».

قَالَ: ثُمَّ سَكَتَتْ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ حَيَارَى، قَدْ رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَرَأَيْتُ شَيْخاً قَدْ بَكَى حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: كُهُولُكُمْ خَيْرُ الْكُهُولِ وَ نَسْلُكُمْ‏/ إِذَا عُدَّ نَسْلٌ لَا يَخِيبُ وَلَا يَخْزَى

وَ قَالَ عبيد الله بن زياد لعنه الله: الْحَمْدُ اللَّهِ الَّذِي فَضَحَكُمْ وَ قَتَلَكُمْ وَ أَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ. فَقَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وَ طَهَّرَنَا تَطْهِيراً. إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ وَ يَكْذِبُ الْفَاجِرُ وَ هُوَ غَيْرُنَا. فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِأَهْلِ بَيْتِكِ؟ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا؛ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَ سَيَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَ تُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلْجُ هَبَلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ! فَغَضِبَ ابْنُ زِيَادٍ وَ قَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ: إِنَّهَا امْرَأَةٌ وَ لَا تُؤَاخَذُ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَنْطِقِهَا. فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: لَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ مِنْ طُغَاتِكِ وَ الْعُصَاةِ الْمَرَدَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكِ. فَبَكَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَقَدْ قَتَلْتَ كَهْلِي وَ أَبَرْتَ أَهْلِي‏ وَ قَطَعْتَ فَرْعِي وَ اجْتَثَثْتَ أَصْلِي فَإِنْ تَشَفَّيْتَ بِهَذَا فَقَدِ اشْتَفَيْتَ. فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: هَذِهِ سَجَّاعَةٌ وَ لَعَمْرِي كَانَ أَبُوكِ شَاعِراً سَجَّاعاً- قَالَتْ: إِنَّ لِي عَنِ السِّجَاعَةِ لَشُغُلًا. ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَلَيْسَ قَتَلَ اللَّهُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ؟ قَالَ: كَانَ لِي أَخٌ يُسَمَّى عَلِيّاً قَتَلَهُ النَّاسُ. قَالَ ابْنُ زِيَادٍ: بَلِ اللَّهُ قَتَلَهُ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ‏: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها. فَغَضِبَ ابْنُ زِيَادٍلعنه الله وَ قَالَ: وَ بِكَ حَرَاكٌ لِجَوَابِي، اذْهَبُوا بِهِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ!‏ فَتَعَلَّقَتْ بِهِ زَيْنَبُ عَمَّتُهُ وَ قَالَتْ: حَسْبُكَ مِنْ دِمَائِنَا، فَاعْتَنَقَتْهُ وَ قَالَتْ: إِنْ قَتَلْتَهُ فَاقْتُلْنِي مَعَهُ. فَنَظَرَ إِلَيْهَا ابْنُ زِيَادٍ وَ قَالَ: عَجَباً لِلرَّحِمِ لَأَظُنُّهَا وَدَّتْ أَنْ نَقْتُلَهَا مَعَهُ! دَعُوهُ.

وَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَ عُمَرَ بْنِ سَهْل‏ أَنَّهُمَا حَضَرَا عُبَيْدَ اللَّهِ يَضْرِبُ بِقَضِيبِهِ أَنْفَ الْحُسَيْنِ وَ عَيْنَيْهِ وَ يَطْعَنُ فِي فَمِهِ فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: ارْفَعْ قَضِيبَكَ، إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَاضِعاً شَفَتَيْهِ عَلَى مَوْضِعِ قَضِيبِكَ ثُمَّ انْتَحَبَ بَاكِياً. فَقَالَ لَهُ: أَبْكَى اللَّهُ عَيْنَيْكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ لَوْ لَا أَنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ وَ ذَهَبَ عَقْلُكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ. ... ‏.