بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفّار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 18 صفر 1446 ه.
الخطبة الأولى:
مما يذكر كنمط للحياة على أساس الرؤية الإسلامية هو إصلاح ذات البين أي محو آثار العداوة والبغضاء وتبديلها إلى صلح ومحبة وحميمية، لهُو من أهم الأعمال الإسلامية. قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (الأنفال:1) و َإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (النساء: 128). وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الحجرات: 9).
الله تعالى يريد من الأمّة الإسلامية أن تكون أمّة منسجمة بعضها مع بعض، ولا يوجد بين أجزاء هذه الأمة تشاحن وتباغض؛ بل هم يعيشون في سلم وسلام فيما بينهم. بما أن الإنسان بغريزته وطبيعته له شهوة وغضب، وبطبيعة الحال ربما تدعو هذه الشهوة وهذا الغضب إلى ما لا يناسب الأخوة، والعلاقة التي الله تعالى يعرف عنها بالأخوة: إنما المؤمنون إخوة، هذه الأخوة بعض الأحيان تتعرض لبعض الآفات منها آفات الغضب، والتطاول على الآخرين، والاعتداء على الآخرين. فهذا لا يريده الله تعالى. والدين الحنيف يدعونا إلى رفع هذه المشاحنات وهذه الآفات يقول الله تعالى في سورة الأنفال بعد الذي حدث بين المسلمين في غزوة بدر تشاحن وخلاف بسبب الغنائم لما اغتنموها من الكفار، بعد هذا الشجاب الله تعالى هكذا يفصل الخصومة، يقول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ليس لك وليس لهذا بل هذا لله وللرسول نعم الرسول هو يوزعها بينهم كما أمره الله تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ
ما هو المقصود من ذات بينكم يعني الحالة السيئة التي قامت بينكم أصلحوها، لا تسمحوا ولا تفتحوا المجال للشيطان أن يثير بينكم الخلاف يقول: أصلحوا ذات بينكم فإذاً هذا أمرٌ مهم، الله تعالى لا يحب ولا يريد أن يرى بين المؤمنين خلافاً.
بالنسبة للخلافات العائلية بين الزوج والزوجة: يقول الله و َإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا يعني الظالم هو الرجل وليست المرأة، المرأة رأت زوجها يريد أن يظلمها، هو لا يريد أن يؤدي حقه هو لا يراقب حقها، الله تعالى أول شيء يدعو المرأة والرجل به ما هو؟ هو الصلح يقول الله تعالى: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا المرأة لها حق أن تطالب بحقها من الرجل ولكن الله تعالى أولاً يفتح المجال للصلح يقول لا جناح، دائماً نسمع من البعض دوافع وأسباب تافهة يقول: أنا أريد أن أطلق زوجتي والزوجة تأتي تقول: أنا أريد الطلاق، لأي شيء أنتم عندما بدأتم؟ بدأتم لأن تبقيا مع بعض، وليس بأي ذريعة أو أي حادث في حياتكما تقولون طلاق، لا هذا هو آخر حل، ليس منذ البداية تحل هذه العقدة، هذه العقدة المباركة بينك وبين زوجكِ بينك أيها الرجل وبين زوجتك.
الله تعالى يقول والصلح خير ممكن أن يكون خير هنا أنا أرى أن خير هنا بمعنى أخيَر يعني بمعنى أفعل التفضيل، كما أنه يستخدم في اللغة العربية هذا بمعنى أفعل التفضيل يقال خيركم من تعلم القرآن، خير يعني أخير والصلح خير يعني والصلح أفضل، الأفضل أن تتصالحا، وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ. الشح والبخل هو ربما يكون سبباً لعدم الصلح، من أسباب عدم الصلح هو البخل، لا تبخل على صاحبتك ولا تبخلي على صاحبكِ في هذه الآية وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا. وفي سورة الحجرات الآية التاسعة الله تعالى يقول: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا. ليس فقط الخلاف بل أدّى إلى الاقتتال لا سمح الله إذا حدث اقتتال بين عشيرة وعشيرة أخرى لأي شيء، لأي سبب شاب ارتكب جريمة وأهله مثل أهل الجاهلية كأنهم، يقومون بالثأر كما كان أهل الجاهلية، هكذا كانوا يفعلون. نسوا أن الإسلام قد قضى على مثل هذه التصرفات، ممكن عمل هذا الشاب كان عملاً عليكم أن تعالجوه كما أنه قد يحدث في مجتمعنا بعض الأحيان خصوصاً الآن حيث يوجد السلاح عند الأطفال كالألعاب، أو عند الشباب، لا يعرف متى يطلق ومتى يمسك عن الإطلاق لا يفهم أن هذا يميت الآخرين، هذه آلة قتل، لا يراعون لا يبالون بعد ذلك، ترى أن العائلة هم يدافعون عن هذا التصرف الخاطئ، الأفضل أن تأتي وتعتذر وتقومون بما يجب أن تقوموا، مثل الافتداء بشيء. مثل الفدية والاعتذار وما شابه ذلك. لا يمكن للمؤمنين أن يتقاتلوا مع بعضهم، على نطاق أوسع ربما بين شعبين مسلمين يحدث قتال بسبب ملك أو رئيس جبار لأجل دنياه يفتح باب نيران الحرب على أحبته على أصدقائه على إخوته، نحن عانينا في الحرب التي فرضت علينا، عندما كنت تريد أن تتحدث بعد أسر الأسرى (أسرى الحرب المفروضة) تتحدث إليهم ترى أنهم من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، وهم يقولون أرغمونا على أن نقاتلكم هكذا كان الأمر. ما كان يحبه وما كان يرضى أن يقتل أخاه المؤمن، في هذا المجال ماذا نفعل؟ الله تعالى يقول: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا. أولاً أن تقوموا بالإصلاح بينهماةولكن؛ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ الذي يريد أن يطغى ولا يقبل الصلح، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله.
الإمام الخميني رضوان الله عليه قال: إذا هم هؤلاء إذا خرجوا من الأراضي الإيرانية وخضع صدام لشروطنا، وهي شروط عادلة، حان الوقت للصلح، ولكن عندما يكون هو محتل كيف نتصالح معه؟ أيها الإخوة قد يقول البعض لماذا ما تصالحتم مع المسلحين؟ هذا الباغي المسلح الذي يبغي عليكم ولا يرضى بأي شيء من الصلح العادل، هذا يجب أن تقاتله حتى يفيء إلى أمر الله يرجع إلى أمر الله وبهذا استطعتم أن تٌخمدوا نيران الفتنة في هذا البلد، بسبب أنكم عملتم بهذه الآية كما جيرانكم الذين كانوا يعيشون معكم ومرتاحين من ناحيتهم ولكن الأعداء استفزوهم شجعتهم الدول المرتزقة الولايات المتحدة هؤلاء موّلوهم، أنت الذي كنت تعيش معه بسلم وجدته بعد يوم يكتب على جدران بيتك يجب أن تطرد من هذه المنطقة.
هنا يأتي شخص ويقول عليكم أن تتصالحوا مع هؤلاء، ما معنى الصلح هنا؟ مع أنه يريد أن يبغي عليّ يريد أن يظلمني، إذا هو يتنازل ويأتي ويجلس على طاولة المفاوضات بشكل عادل متساوٍ، حان وقت المصالحة، حان وقت الصلح، فإذاً معنى الإصلاح، الله تعالى يقول: فقاتل التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فاءت يعني رجعت، رجعت هذه الطائفة هذه المجموعة إلى أمر الله فإن فائت فأصلحوا بينهما، على أيّ أساس؟ بالعدل وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ هذا قول الله تعالى حول إصلاح ذات البين، النبي صلى الله عليه وآله وسلم شدد على هذا الأمر المهم وهو إصلاح ذات البين، نبدأ بإصلاح ذات البين من داخل أسرتنا. وبعد ذلك على نطاق أوسع في حيِّنا في عشيرتنا، وأوسع من هذا في مدينتنا في بلدنا، هذا أمر مهم بحيث يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَیْنِ. کنز العمّال، ج3، ص58، هذا كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وجاء في التعاليم الإسلامية أنّ أهمية الإصلاح عظيمة لدرجة أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وهو على فراش الموت أوصى بنيه وجميع المؤمنين قائلا: أُوصِيكُمَا وَجَمِيعَ وُلْدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ . . . وَصَلاحِ ذَاتِ بَیْنِکُمْ، فَإِنِّی سَمِعْتُ جَدَّكُمَا صلی الله علیه وآله وسلم یَقُولُ: صَلاحُ ذَاتِ الْبَیْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ. نهج البلاغة، الكتاب 47، الصلاة والصيام المستحبين هل هم أفضل؟ أم أن تقوم بإصلاح ذات البين؟ إصلاح ذات البين أفضل من قيامك بالصلاة وصيامك بالصوم المستحب. هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام أمير المؤمنين عليه السلام يروي عن حبيبه وأخيه رسول الله صلى الله عليه وآله.
وعن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله قال في عظمة إصلاح ذات البين: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّیَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّلاةِ؟ قَالُوا: بَلَی، یَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: صَلاحُ ذَاتِ الْبَیْنِ. وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَیْنِ وَهِیَ الْحَالِقَةُ. تنبیه الخواطر ونزهة النواظر، ج1، ص39
المقصود هنا الصيام المستحب والصدقة المستحبة وليست الصدقة الواجبة، النبي يعلّل ويأتي بالدليل يستدل على هذا ويقول وفساد ذات البين وهي الحالقة حالقة يعني تحلق الدين كما أنك تحلق شعرك، هذا يعني فساد ذات البين، تحلق دينك لا يبقى شيئاً وأثراً من الدين يفسد دينك.
عن الإمام الصادق عليه السلام لتلميذه المفضّل بن عُمَر (وكان بالتعبير المعاصر مسؤول الشؤون المالية لدى الإمام عليه السلام): إِذَا رَأَیْتَ بَیْنَ اثْنَیْنِ مِنْ شِیعَتِنَا مُنَازَعَةً فَافْتَدِهَا مِنْ مَالِی. الکافی، ج2، ص209 يعني إذا كانت بحاجة إلى فدية، ادفع من مال الإمام الصادق لتفصل الخصومة وتصلح بينهما، إذا كان الأمر بحاجة إلى فدية قم بهذا... ونحن في بعض الأحيان فرض علينا أن نشارك في مثل هذه الفديات في بعض المشاكل التي حدثت في مكان أو آخر، والأخوة خصوصاً المبلّغون يعرفون والعلماء يعرفون أننا تأسياً بالإمام الصادق عليه الصلاة والسلام نرى أنه إذا كانت المشكلة لا تحل إلا بالفدية كنا نشارك بهذا العمل كما أن الإمام الصادق عليه السلام يأمر المفضّل بأنه إذا رأيت أن المشكلة بحاجة إلى فدية وهم لا يقدرون أن يدفعوا الفدية، أعطي من مالي الفدية حتى تصلح ذات بينهما.
الخطبة الثانية:
قَالَ السَّيِّدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْوِي عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيِّ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ صَلَاةُ إِحْدَى وَ خَمْسِينَ وَ زِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ وَ التَّخَتُّمُ بِالْيَمِينِ وَ تَعْفِيرُ الْجَبِينِ وَ الْجَهْرُ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَيَادِي قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الْمَلَكِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ زَائِرَيْنِ قَبْرَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَلَمَّا وَرَدْنَا كَرْبَلَاءَ دَنَا جَابِرٌ مِنْ شَاطِئِ الْفُرَاتِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ اتَّزَرَ بِإِزَارٍ وَ ارْتَدَى بِآخَرَ ثُمَّ فَتَحَ صُرَّةً فِيهَا سُعْدٌ فَنَثَرَهَا عَلَى بَدَنِهِ ثُمَّ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَّا ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الْقَبْرِ قَالَ: أَلْمِسْنِيهِ، فَأَلْمَسْتُهُ فَخَرَّ عَلَى الْقَبْرِ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ فَرَشَشْتُ عَلَيْهِ شَيْئاً مِنَ الْمَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: يَا حُسَيْنُ! ثَلَاثاً ثُمَّ قَالَ: حَبِيبٌ لَا يُجِيبُ حَبِيبَهُ! ثُمَّ قَالَ: وَأَنَّى لَكَ بِالْجَوَابِ وَقَدْ شُحِطَتْ أَوْدَاجُكَ عَلَى أَثْبَاجِكَدمائك سالت علی ظهرك وبدنك وَفُرِّقَ بَيْنَ بَدَنِكَ وَرَأْسِكَ، فَأَشْهَدُ أَنَّكَ ابْنُ خَاتِمِ النَّبِيِّينَ وَابْنُ سَيِّدِ الْمُؤْمِنِينَ وَابْنُ حَلِيفِ التَّقْوَى وَسَلِيلُ الْهُدَى وَخَامِسُ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ وَابْنُ سَيِّدِ النُّقَبَاءِ وَابْنُ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ وَمَا لَكَ لَا تَكُونُ هَكَذَا وَقَدْ غَذَّتْكَ كَفُّ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَرُبِّيتَ فِي حَجْرِ الْمُتَّقِينَ وَرَضَعْتَ مِنْ ثَدْيِ الْإِيمَانِ وَفُطِمْتَ بِالْإِسْلَامِ؛ فَطِبْتَ حَيّاً وَطِبْتَ مَيِّتاً غَيْرَ أَنَّ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ طَيِّبَةٍ لِفِرَاقِكَ وَلَا شَاكَّةٍ فِي الْخِيَرَةِ لَكَ. فَعَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ وَرِضْوَانُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مَضَيْتَ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَخُوكَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا. ثُمَّ جَالَ بَصَرَهُ حَوْلَ الْقَبْرِ وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيَّتُهَا الْأَرْوَاحُ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَاءِ الْحُسَيْنِ وَأَنَاخَتْ بِرَحْلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَأَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَجَاهَدْتُمُ الْمُلْحِدِينَ وَعَبَدْتُمُ اللَّهَ حَتَّى أَتَاكُمُ الْيَقِينُ وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً لَقَدْ شَارَكْنَاكُمْ فِيمَا دَخَلْتُمْ فِيهِ. قَالَ عَطِيَّةُ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا جَابِرُ! كَيْفَ وَلَمْ نَهْبِطْ وَادِياً وَلَمْ نَعْلُ جَبَلًا وَلَمْ نَضْرِبْ بِسَيْفٍ وَالْقَوْمُ قَدْ فُرِّقَ بَيْنَ رُءُوسِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَأُوتِمَتْ أَوْلَادُهُمْ وَأَرْمَلَتْ أَزْوَاجُهُمْ؟ فَقَالَ: يَا عَطِيَّةُ! سَمِعْتُ حَبِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صلی الله عليه و آله يَقُولُ: مَنْ أَحَبَّ قَوْماً حُشِرَ مَعَهُمْ وَمَنْ أَحَبَّ عَمَلَ قَوْمٍ أُشْرِكَ فِي عَمَلِهِمْ وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً أَنَّ نِيَّتِي وَنِيَّةَ أَصْحَابِي عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ عليه السلام وَأَصْحَابُهُ. خُذْنِي نحوَ أَبْيَاتِ كُوفَانَ فَلَمَّا صِرْنَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ: يَا عَطِيَّةَ! هَلْ أُوصِيكَ وَمَا أَظُنُّ أَنَّنِي بَعْدَ هَذِهِ السَّفْرَةِ مُلَاقِيكَ؟ أَحْبِبْ مُحِبَّ آلِ مُحَمَّدٍ صلی الله عليه و آله مَا أَحَبَّهُمْ، وَأَبْغِضْ مُبْغِضَ آلِ مُحَمَّدٍ مَا أَبْغَضَهُمْ وَإِنْ كَانَ صَوَّاماً قَوَّاماً وَارْفُقْ بِمُحِبِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ؛ فَإِنَّهُ إِنْ تَزِلَّ لَهُ قَدَمٌ بِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ ثَبَتَتْ لَهُ أُخْرَى بِمَحَبَّتِهِمْ فَإِنَّ مُحِبَّهُمْ يَعُودُ إِلَى الْجَنَّةِ وَمُبْغِضَهُمْ يَعُودُ إِلَى النَّارِ. بشارة المصطفى لشيعة المرتضى (ط - القديمة) ؛ النص ؛ ص74