بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة لسماحة السيد الدكتور عبد الله نظام (زيد عزه) بتاريخ 2 ربيع الأول 1446 ه.
أيها الأعزة كيان الأمم وكيان الشخصية الإنسانية لا فرق على المستوى الفردي أو المستوى الاجتماعي يرتبط بعنصرين أساسيين: الأول كيانه المعنوي والثاني كيانه المادي، والذين يريدون تقييد الإنسان أو تقييد الأمم على السواء لابد أن يضغطوا عليه بكلا الكيانين. لذلك نحن نلاحظ أن هنالك في السياسة الدولية حصارا لبعض البلدان كما هو المفروض على سوريا وعلى الجمهورية الإسلامية وعلى اليمن وعلى العراق وعلى لبنان، لأن هذه الدول تعاني من ضغط من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الدول الغربية ومن الأعراب أيضا، ومن ناحية أخرى هنالك أيضا تأثير على النواحي المعنوية وهذا ما نريد أن نتحدث عنه، فإن التأثير على المعنويات له مراحل أيها الأعزة...
الشيء الأول هو الفصل بين الإنسان وبين خصوصياته الدينية والأخلاقية والعرفية، بحيث إنما تعيشه عقيدة وخلقاً وديناً وعبادة وارتباطا بالله عز وجل وما تمتلكه من عادات ومن تقاليد، هذا كله يمثل القاعدة التي تنطلق منها أفعالك وأقوالك أيها الإنسان. كل إنسان عندما يتصرف تصرفا معينا وعندما يريد أن يعبر عن فكرة معينة فإنما يتصرف ويعبر بحسب عقيدته بحسب عرفه بحسب أخلاقه بحسب ما يتكون في داخل شخصيته، لذلك إذا فصلنا بين الشخصية الإنسانية بين الإنسان وبين عقيدته عزلناه وأبعدناه عن العقيدة، عزلنا وأبعدناه عن القيم الأخلاقية، عزلناه وأبعدناه عن العادات والأعراف التي هو يتمسك بها، والتي هي سائدة في مجتمعه. عندئذ هذا الإنسان سيعيش حالة من الفراغ العقائدي والسلوكي والمنهجي والعبادي في كل جهات حياته، بعد ذلك الذي يحصل أنه تأتي تلك القوى المعادية التي تريد إبعاد هذا الإنسان عن عقيدته وعن خلقه وتملأ نفسه بأفكار بعقائد بأخلاق بقيم جديدة غريبة عنه.
بعد ذلك اذا امتلأت نفسه بتلك القيم وبتلك العقائد التي هي غريبة صار سلوكه وعمله مطابق لما يريده أولئك الأعداء، لأنه قد اتخذ قيمهم وأخلاقهم وأعرافهم كعادات له. هذا الأمر نحن نلاحظه في حياتنا ايها الأعزة فنحن من الناحية العملية نعاني من فصل عقائدي وعبادي وديني خصوصا في نفوس شبابنا وفتياتنا بين شخصياتهم بين عقيدتهم ودينهم وخلقهم. هذا الأمر تجدونه عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال ما يُلقى في تلك الوسائل من شبهات عقائدية وتودي بالإنسان إلى الإلحاد، تشكك الإنسان ببعض مبادئه العقدية، تشكك الإنسان بضرورة عبادته، تشكك الإنسان في الكثير من أحكامه الفقهية والأخلاقية والمسلك بحيث ما يكون حراما من جهة العقيدة من جهة الدين والشريعة هذا يسوق على أنه أمر مباح لا إشكال فيه يمكن للإنسان أن يرتكبه وأن يفعله لا أقل إن إشاعة الألفاظ والأفكار التي تدل على الأمور والمفاسد الأخلاقية والإباحية تقلل من استهجان الإنسان ومقاومة الإنسان لتلك الأمور، نحن إذا رجعنا إلى ما قبل عشرين أو ثلاثين عاماً الذي يتحدث عن مفسدة أخلاقية كالشذوذ هو حديث مستقبح مستهجن، الإنسان الذي ينادي به هو إنسان منبوذ ومحارب بل أكثر من ذلك هو يقاضى ويحاكم ويعاقب على ما يدعو إليه أو ما يقوم به وهنالك حدود شرعية في هذا المقام. بعد مدة عندما بدأ هذا الأمر يروّج له بعنوان الحرية الشخصية بدأ الاعتراض يتضائل شيئا فشيئا، هذا أمر منبوذ هذا أمر حرام هذا أمر قبيح. لكن لم يعد هنالك عقاب عليه. خفّت القضية بعد ذلك هذا صار جزء من الحرية الشخصية للإنسان. حتى أنه أمر منبوذ بدأ يتضائل واستهجانه بدأ يتضائل، شيوعه في الأوساط الاجتماعية بدأ يزداد، فإذا ما كان مخالفاً ما كان قبيحاً ما كان منبوذاً ما كان سيّئاً نتيجة التسويق له والترويج له شيئا فشيئا صار أمرا عاديا لا يعاقب عليه القانون ولا يعاقب عليه الشرع، في نظر الناس هذا جزء من الشخصية للإنسان، إذاً لاحِظوا كيف تمكن أعداء الدين من نقل قضية قبيحة في أشد القباحة مدمرة للحياة الإنسانية من أنها منبوذة ومن أنها حرام إلى أن تصبح جزءاً من حرية الإنسان الشخصية.
في الأمور العقدية من الذي كان يتجرأ على الإساءة إلى الذات المقدسة أو الى ذات المعصوم؟ والعياذ بالله من ذلك.
الآن أنت تسير في الشارع تسمع الإساءة إلى ذات الله وتسمع الإساءة إلى المعصوم وتسمع الإساءة إلى كل المقدسات، وهذا الأمر هو أمر شائع على الألسنة وصار أمراً لا يعترض عليه أحد ولا يعاقب عليه قانون ولا يعاقب عليه شرع. لذلك نحن في الواقع نتدرج شيئا فشيئا في طريق ممنهج ووفق مراحل هذه المراحل تشتد شيئا فشيئا وتتوسع شيئا فشيئا إلى أن تبعد الإنسان عن دينه وعن خلقه وعن عقيدته وعن كل مقتنياته. نتيجة ذلك ما هو؟ إنه ذلك الشيء الذي أنت كنت تستقبحه وكنت تبتعد عنه صار الكثير من أبنائك من إخوانك مرتمون فيه، ما يريده أعدائك هو أن تنشغل بملذاتك هو أن تنشغل بشؤون دنياك هو أن تنشغل بأمور تمنعك من جهادهم وتمنعك من الوقوف في وجههم، تحبب إليك دنياك وتبعدك عن آخرتك هذا الذي يريده هؤلاء وقد نجحوا به نسبياً أيها الأعزاء.
الآن كثير من الأسر تعاني لديها شباب كانوا يصلون تركوا الصلاة، لديها فتيات كنّ يتحجبن خلعنَ الحجاب، إذا معنى ذلك هذه الدعوات السيئة لها أثر في الحياة لها أثر في الحياة الدينية، هذا الأمر الذي دعا إليه أعداؤنا لم يذهب جزافا دون تأثير، وهذه وسائل التواصل الاجتماعي التي تبذل بين يديك بالمجان لا تبذل على أنها مؤسسة اجتماعية خيرية، هي تبذل لهدف حرفك وحرف أبنائك عن جادة الصواب والأخذ بهم إلى جادة الباطل، بعد ذلك هذا الأمر لا بد أن نلتفت إلى أنه لا يقتصر على الجانب والأخلاق إنما يتعداه إلى سائر شؤون الحياة الثقافية والسياسية للأمة. نحن في حياتنا السياسية عاشت أمتنا الإسلامية وبالأخص أمتنا العربية قضية فلسطين قضية مركزية لها.
كلّنا يعرف أنه في هذا البلد في سوريا وفي غيرها من البلدان العربية كمصر وغيرها من البلدان كانت تنفق أكثر من نصف ميزانيتها، أكثر من نصف ميزانيتها كانت تنفقها على تسليح جيشها وعلى الاستعداد لمقاومة عدوها وخضنا لأجل ذلك عدة حروب، في مصر حرب السويس في عام ستة وخمسين بعدها حرب حزيران في عام سبعة وستين بعدها حرب تشرين في عام ثلاثة وسبعين. سوريا وقفت إلى جانب مصر وحاربت في كل هذه الحروب ستة وخمسين وسبعة وستين وثلاثة وسبعين. العراق أيضا شارك في حرب سبعة وستين وفي حرب ثلاثة وسبعين، كل الدول العربية ساهمت بقليل او كثير في وجه إسرائيل. نتيجة المطاف أنه يجب أولا في الشأن السياسي تفتيت هذه الوحدة والتوافق بين هذه الدول فأثاروا الكثير من الخلافات والعداوات وكلكم يذكرون الكثير من الاختلافات ولا يزال الأمر إلى الآن بين الدول العربية والدول الإسلامية قالوا لهم إن قضية فلسطين قضية عربية يعني أنتم أيها المسلمون لا علاقة لكم باسم الإسلام بقضية فلسطين! إذا نحن حذفنا أكثر من مليار مسلم أن يدعموا هذه القضية وأن يشعروا بأنهم جزء منها. هذا كله في ميدان التأثير السياسي، بعد هذا التفتيت بدأنا بمرحلة أخرى بمرحلة المساومة بين بعض هذه الدول والكيان الإسرائيلي والمصالح الأمريكية في المنطقة، أخذوا مصر إلى كامب ديفيد واخذوا الأردن إلى اتفاقيات وادي عربة على سوريا واعتدوا واستباحوا لبنان، إذاً صار هنالك عملية غزو من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من خلفها بل أكثر من ذلك لما ظهرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية قال رئيس الوزراء الإسرائيلي أنذاك: لقد بدأ عصر الظلمات لإسرائيل لأنه في الواقع عرف أن هذا البلد ستكون له بحسب مبادئه مواقف من القضية الفلسطينية وهذا ظهر من اليوم الأول عندما طرد السفير الإسرائيلي وحلَّ محلَّه بسفير فلسطين.
إذا هنالك أمر يجب نحاربه هو هذا الظهور الإسلامي، فبدأت الدعوة إلى الفرقة سنة وشيعة، مذاهب إسلامية، هذا يكفر ذاك وذاك يكفر هذا وبدأت الدعوة إلى حرب الجمهورية الإسلامية وحرب سوريا وحرب كل طرف المقاومة الإسلامية باسم المذهبية وباسم الدعاوى الطائفية. وكما تعرفون بدأت الإحداث في المنطقة حرب مفروضة على إيران من كل الدول العربية يتزعمها صدام وبدأت بعد ذلك الأحداث في سوريا وساهمت فيها كل الدول العربية لا سيما الخليجية ودفعت الكثير من الأموال مليارات من الدولارات لتخريب هذا البلد وعلى أساس الفتنة الطائفية.
المشكلة أن هنالك أشخاصاً انساقوا وراء هذه الدعوات وهذا الانسياق في الواقع هو من جميع الفئات من السنة هنالك من انساق وراء التكفير وعمل على أعمال القتل في الشيعة وهنالك من الشيعة من استفز أهل السنة بالاعتداء على مقدساتهم ولا يزال، وهنالك من الشيعة من يعبر عن مقدساته بطرق متخلفة لا علاقة لها بالدين ولا يقبلها عقل، صار عندنا تطيين كنا نعاني من التطبير صرنا نعاني من التطيين، وبعد ذلك من أمور أخرى كثيرة ثم عزاء الامام الحسين الذي هو في أصله عزاء وبكاء صار يعمل على طرق الموسيقى الأجنبية وبطريقة القفز والرقص وما شابه بما يسيء إلى العزاء وإلى الإمام الحسين عليه وإلى هذه المناسبة، بحيث لا يستطيع أحد من شيعة آل البيت إذا قيل له كيف هو هذا العزاء؟ كيف تعملونه؟ ما معناه؟ لا يستطيع أن يعبر عن معناه ولا أن يدافع عنه وبالتالي كيف أستطيع أن اشرح لأولادي أهمية هذا العزاء ومكانته في عقيدتنا نحن في مدرسة أهل البيت بل وفي صناعة تاريخ مدرسة أهل البيت في جهادها وتضحياتها وما قدمته خدمة للإسلام وللمسلمين.
الآن من يحمل قضية فلسطين على عاتقه؟ أهل فلسطين لا إشكال ولا ريب يقدمون تضحيات عظيمة وكبيرة تشبه كربلاء. ولكن من ورائهم قدرات وقوى كبيرة، مهما صنفناها وعددنا اتجاهاتها كلها تجتمع عند نقطة واحدة مدرسة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام ولا أحد غير هذه المدرسة. ليسمع كل العالم.
إذاً إذا كانت القضية هكذا، الحرب الطائفية هي تفيد الكيان الأمريكي والكيان الإسرائيلي لأنها تفتت الحالة الإسلامية وتبعد المسلمين بعضهم عن بعض. إذا نحن نعاني أيها الأعزاء من حرب ومن تبديل في القيم على المستوى الثقافي وعلى المستوى السياسي.
لذلك في الواقع هذا الفصل بين الإنسان وبين عقيدته بين الإنسان وبين أخلاقه بين الإنسان وبين قيمه وعاداته وأعرافه أن يحلّوا بدلاً عنها قيما حديثة لا علم بها ونستقبحها ولا نريدها وتفسد حياتنا هي في نهاية المطاف كل هذا العمل في خدمة أمريكا وخدمة إسرائيل وتفتيت للأمة الإسلامية، والذي ينتظر بعد ذلك من الأمة أن وفق ما تريده أمريكا ووفق ما تريده إسرائيل.
نحن الآن نسمع في بعض القنوات الفضائية إنكارا لوجود فلسطين، وانكاراً لوجود شعب هو الشعب الفلسطيني يقول أين جاءوا به؟ هذا لا وجود له في التاريخ، الذي يقول هذا هم المسلمون، هم عرب هم مسلمون، لكن الإسلام منهم براء. وأصلهم منهم براء.
الشيء العجيب، الإمام الحسين عليه السلام كأنه هو رأى في الجيوش التي قابلته والأمم التي قابلته ما نراه نحن اليوم في الذين يقفون مع أمريكا ومع إسرائيل، قال لهم كلمات إن لم يكن لكم دين.... ونحن لهؤلاء الاعراض المطبعين وللدول الإسلامية الساكتة إن لم يكن لكم دين في دنياكم هذه فكونوا أحرارا في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرب ارجعوا إلى قيمكم إلى عاداتكم إلى أعرافكم إن كنتم عربا وارجعوا إلى عاداتكم وإلى أعرافكم إن كنتم مسلمين. ولكن لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي. المشكلة أن هذه الأمة وصلت إلى حد الموت، الموت ليس على المستوى المادي إنما الموت على المستوى المعنوي، والذي يكون ميتا على المستوى المعنوي لا يفيد معه نداء ربنا شأنه يصور هذه الحالة يصور هؤلاء يقول صم بكم عمي فهم لا يعقلون، أولئك كالأنعام بل هم أضل.
لذلك في الواقع نحن أيها الأعزاء علينا أن نلتفت إلى أبنائنا أن نلتفت إلى بناتنا أن ننظر ماذا يسمعون؟ ماذا يرون؟ من يصادقون؟ من يعاشرون؟ مع من يذهبون؟ مع من يجيئون؟ من يزورون؟ من يأتي إليهم؟ إلى من يذهبون؟ الدنيا مليئة بالأخطار المحدقة حول هؤلاء والرهان كل الرهان هو حول إفساد الجيل الجديد ليبتعد عن قيمه ومبادئه ليصبح لا دين له ولا خلق له ولا مبادئ.
أيها الأعزة ربنا في كتابه قال: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا...) وأقرب الأهل إليك هم أبناؤك، أيها الإنسان ذكورا واناثا.. فأنت مسؤول عنهم بين يدي ربك، هل سعيت في دنياك إلى تربيتهم تربية حسنة، هل راقبتهم المراقبة المطلوبة؟ هل لاحظت سلوكهم؟ هل اعتنيت بأخلاقهم ودينهم وتربيتهم؟ كما اعتنيت بكسائهم وطعامهم وشؤونهم الدنيوية؟ ماذا فعلت أيها الإنسان؟ الله عز وجل يقول في كتابه الكريم وقفوهم إنهم مسؤولون.
أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه كان يقول والله لتسألون حتى عن البقاع والبهائم! والذي يسأل عن البقاع والبهائم بالأولى أن يسأل عن الإنسان وعن أهله من بني الإنسان.