بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة لسماحة الشيخ خدايار الناصري "زيد عزه"، بتاريخ 9 ربيع الأول 1446 ه.
الحمد لله رب العالمين....
عن علي "عليه السلام" عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار، إن الورع وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار لا يمكن كسبه إلا بمراعاة التقوى، ولا يمكن ترجمته في الحياة إلا بالتقوى، لأن التقوى خير طريق والطريق الوحيد للحفاظ للنفس من الانزلاق والوقوع في المعاصي وبالنتيجة في الوقوع بغضب الله تبارك وتعالى. على هذا الأساس الإنسان المتقي لابد أن يتصف بصفة التقوى والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار لأن هذه الصفات هي من صفات المؤمنين وهذه الصفات هي التي أوصاها رسول الله صلوات الله عليه والأئمة الطاهرين عليهم السلام لعباده.
أيها الإخوة المؤمنون بالأمس كان يصادف ذكرى شهادة الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت عليهم، الإمام الحسن العسكري سلام الله عليه. بهذه المناسبة الأليمة وباسمكم جميعاً، نرفع إلى صاحب العصر والزمان والأمة الإسلامية ومراجعنا العظام وقائد الأمة وولي أمرها الإمام الخامنئي حفظه الله بأسمى آيات العزاء، وأسأل الله تبارك وتعالى النصر والفتح والغلبة لمحور المقاومة على أعدائه إن شاء الله.
الإمام العسكري عليه السلام هو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت، هو والد الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي سيغيب عن شيعته مدة ممتدة من الزمن ولكن كان أمامه تحديات كبيرة، أمام الإمام العسكري ومهمات عظيمة أيضا، كان لا بد أن يقوم بها خلال هذه الفترة القصيرة من عمره، وفي ظل المراقبة الشديدة لحكام الظلمة، وذلك من خلال التوصيات ومن خلال الروايات ومن خلال الألطاف الإلهية الغيبية. لا شك أن الأئمة عليهم السلام هناك ألطاف غيبية إلهية كانت تمدهم حتى أن يقوموا بواجباتهم:
المهمة الأولى: كان على الإمام أن يعلم الناس بوجود إمام من بعده، وكان من المعروف أنه هو الإمام الحادي عشر وكان من المعلوم أن بعده يأتي الإمام الثاني عشر، الإمام الثاني عشر سيكون هو خاتم الأئمة، خاتم الأوصياء، وعليه أن ينص بإمامة ما بعده، حتى أن يعرفه للشيعة والعالم، لذلك سأل محمد بن عبدالجبار أحد أصحابه الإمام العسكري عليه السلام وقال يا ابن رسول الله جعلني الله فداك أُحِبُّ أن أعلم من الإمام وحجة الله على عباده من بعدك؟ فقال عليه السلام: إن الإمام هو حجة الله من بعدي ابني سُميَ رسول الله ويكنى بأبو القاسم كذلك الإمام الحجة عليه السلام يكنّى بأبو القاسم، كما أن رسول الله اسمه محمد كذلك الإمام المهدي سلام الله اسمه محمد.
إن الإمام هو حجة الله من بعدي ابني سَميُّ رسول الله وكَنيَّه الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه.
المهمة الثانية: التأكيد على الصبر والانتظار، لأن ما يحصل بعد الإمام الحسن العسكري عليه السلام والإمام الحجة في حياته يحصل هناك غيبتان غيبة كبرى والغيبة الصغرى، فالإمام لا بد أن يعلم شيعته بالذات كيف عليهم أن يتحملوا هذه الغيبة وكيف يصبروا في هذه المسألة؟ إن انتظار الفرج فرج الإمام من العبادات إشارة من الإمام عليه السلام، بل من أفضل الأعمال كما في الأحاديث المباركة، فإن أول ما يتوجب على الإنسان هو الصبر عند طول الغيبة، وما يؤكد على ذلك الرسالة التي أرسلها الإمام العسكري إلى علي بن الحسين ابن باباي القمي المعروف التي جاء فيها ((عليك بالصبر! يخاطبه ويؤكد عليه؛ عليك بالصبر وانتظار الفرج كما قال النبي صلوات الله عليه أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج.
المهمة الثالثة: التحذير من الشك والضعف: قال سلام الله عليه لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسك فيها بدينه المتمسك في هذه الغيبة بدينه كالخارط شوك القطاط بيده، فلذلك لابد أن يصبر ولابد أن يعرف كيف يواجه الشكوك وما شابه ذلك.
المهمة الرابعة: الذي كان على عاتق الإمام العسكري عليه السلام حينما كان يعيش في الإقامة الجبرية ولم يكن ميسوراً له اللقاء مع الشيعة والمسلمين عيَّن وكلاءه وسفراء، من خاصة أصحابه لتبليغ تعليماته وأحكامه إلى شيعته وذلك بأسلوب التوقيعات "بطريقة التوقيعات وبطريقة المكاتبات" وهذا يعتبر تمهيدا عمليا لما سيحصل زمن غيبة الصغرى. لذلك من زمن الإمام الهادي عليه السلام إلى الغيبة الكبرى للإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، تم تعيين الوكلاء والسفراء تقريبا وعددهم أربعة أشخاص: أولهم السفير الأول عثمان بن سعيد المكنى بأبي عمرو المكنّى بسمان أو المكنى بالعسكر، السفير الثاني محمد بن عثمان بن سعيد العمري الأسدي، السفير الثالث الحسين ابن الروح النوبختي ويكنّى بأبي القاسم ويلقب أيضا البغدادي، السفير الرابع علي بن محمد السمري المكنّى بأبي الحسن والملقب بالبغدادي، وهو آخر السفراء الأربعة، وكان هؤلاء السفراء والنواب من كبار علماء الشيعة وزهادهم ومن أصحاب الأئمة السابقين عليهم السلام، وقد تم اختيارهم وتعيينهم من قبل الإمام الهادي والإمام العسكري والإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، كان هؤلاء السفراء يشكلون حلقة الاتصال بين الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وبين شيعته ومختلف الأقطار. فكانوا يحملون إليه رسائل شيعته ومحبيه وأسئلتهم ثم يأتون إليه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أو يتصرفون بها حسب ما تقتضيه المصلحة. وقد استمرت سفارة السفراء الأربعة قرابة سبعون عام أي من سنة مئتا وستون حتى سنة مئة وتسعة وعشرون هجرية وهي الفترة التي تعرف بفترة الغيبة الصغرى.
المهمة الخامسة: ربط المسلمين بمدرسة الفقهاء وهذه المسألة هي ما يهمنا نحن وهي ما يعالج مشاكلنا نحن.
اتّسم عصر الإمام العسكري ومن قبله عصر الإمامين الهادي والرضا عليهم السلام باتساع رقعة التشيع معالم المدرسة الشيعية وانطلاقا من حديث الثقلين إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ...كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وأن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يرد عليَّ الحوض فانظروني بما تخلفوني فيهم. هذا خطاب لنا جميعا للشيعة ولكل المسلمين، كيف نتعامل مع الأئمة عليهم السلام? وأيضا انطلاقا من حديث الإمام العسكري، فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه، لذلك الإمام عليه السلام دعوا الناس إلى اتباع مدرسة الخلفاء، إلى مدرسة الفقهاء التي تميزت هذه المدرسة عما سواها بعدة أمور:
أولا: الاعتماد بالكتاب والسنة مصدراً لتشريع الإسلام.
ثانياً: الرجوع في تعلم الأحكام إلى المعصوم إن أمكن.
ثالثاً: الرجوع إلى الفقهاء الثقاة، حيث لا يمكن أن يتأثر الرجوع إلى الإمام المعصوم عليه السلام.
رابعاً: الإفتاء بنفس الرواية أو بتطبيق القاعدة المستخلصة من الرواية، وقد أيَّد الإمام العسكري جملة من الكتب الفقهية والأصول في عصره أو قبل عصره وقد أحصيت أسماء أصحاب الإمام والرواة وحديثه فبلغوا مئتا وثلاثة عشر شخصا منهم أحمد بن اسحاق الأشعري القمي وهو من الأصحاب المقربين للإمام عليه السلام، ويعد كبير القميين وكان يحمل مسائل أهالي قم عليهم السلام إلى الإمام الحجة، أبو هاشم داوود بن القاسم الجعفري وهو من أحفاد جعفر الطيار ومن أعظم رجال أهل بيته وأهل بغداد وكانت له منزلة رفيعة ومقام محمود عند الأئمة عليهم السلام، أبو عمر وعثمان بن سعيد العمري وهو النائب الأول للإمام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف وكان من كبار وكلاء الإمام عليه السلام واليوم مراجعنا العظام اليوم ممن نرجع إليهم في أمور ديننا هم مراجعنا العظام وعلى رأسهم ولي أمر المسلمين آية الله العظمى الإمام الخامنئي هو الذي قد تجسدت الولاية والخلافة بوجوده وتستمر الدولة الإسلامية المباركة برعايته المتصدية لمهمة الأئمة وترجمة اتصالاتهم حتى ظهور القائم المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
والحمد لله رب العالمين.