بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد الدكتور عبد الله نظام (زيد عزه)، بتاريخ 16 ربيع الأول 1446 ه.
الخطبة الثانية
فيما يرجع إلى المولد النبوي الشريف، نحن في كل عام نستذكر المولد النبوي الشريف ونحتفل بمولد سيد الكونين "صلى الله عليه وآله وسلم"، تبركا بذكره وابتغاء لنيل الثواب بمولده وبذكره "صلى الله عليه وآله وسلم" وإن كان للمولد الشريف مجال آخر للكلام وهو الانتقال من صاحب المناسبة الذي هو سيدنا محمد "صلى الله عليه وآله وسلم"، إلى منهجه ودينه والغاية من بعثته، وهذا في الواقع الذي يفيد الأمة في حاضرها، أن ننتقل من ذكر الشخصية إلى المنهج تدعو إليه تلك الشخصية، فنحن نريد أن نسأل أنفسنا! سيدنا محمد "صلى الله عليه وآله وسلم" ماذا يعني مولده؟ مولده يعني سيد الكونين وخاتم الرسل أجمعين، ويعني أيضا ولادة أمة هي الأمة الإسلامية، وإذا أردنا التحدث عن سيدنا محمد "صلى الله عليه وآله وسلم" فيجب أن نتحدث عن كلتا النقطتين. لا شك ولا ريب أن حب رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" وحب آل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام هو من دعائم الإسلام بل هو شرط للإسلام، لأن الارتباط بشخص النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" ينطلق من الاعتراف بنبوّته. الشهادة له بالرسالة وحبه "صلى الله عليه وآله وسلم" (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فإذا الحب لله والحب لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم هو أساس في الإسلام. ولكن من الجانب الآخر لو رجعنا إلى ما قبل المبعث النبوي الشريف ما كانت هنالك أمة خصوصا على مستوى الجزيرة العربية هنالك مجموعة من القبائل والبدو الذين يجوبون صحراء ذلك المكان، لا يتقيدون بنظام ولا يشكلون مجتمعا، وليس لهم شيء يذكر. الذي سائدا بينهم هو الغزو والقتل والسرقة والاعتداء، كانت هنالك بعض مظاهر للأخلاق فرضتها طبيعة حياتهم وطبيعة النشأة التي نشؤوها ولكنهم بالمجمل ما كانوا يلتزمون بقانون ولا يشكلون حضارة، ولا يشكلون أمة ولا يوجد شيء يوحد صفوفهم ويوحد كلمتهم، جاء رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" وأشرقت نور الرسالة الإسلامية، فاتحدت هذه القبائل تحت راية رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" وشكلت بداية لأمة هذه الأمة هي الأمة الإسلامية. وفي الواقع إذا نظرنا إلى الإسلام فالإسلام يختلف عن غيره من الديانات السماوية والأرضية على حد سواء. غير الإسلام لا يوظف الإنسان في دور كوني، الإنسان بحسب أكثر الديانات مسؤوليته عن نفسه، أحد كبار القساوسة النصارى عرف المسيحي بأنه فرد في علاقته مع الله، فرد يعني هو شخص واحد، هذا الشخص الواحد يرتبط بالإله. فالدين هو علاقة بين الفرد وبين لا شأن لك بغيرك من الناس ولا شأن لك بمجتمع ولا دور كوني لك ولا شيء. الإسلام ليس هكذا، الإسلام يريد أن يشكل أمة يجتمع تحت رايتها جميع المسلمين والإسلام يوظف الإنسان في دور كوني يسأل فيه الإنسان عن أخيه الإنسان وعن البقاع وعن البهائم وعن كل مفردات هذا الكون مفردة مفردة. أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه لما تليت الآية المباركة وقفوهم أنهم مسؤولون عقّب عليها قائلاً والله لتسألن حتى عن البقاع واللب فالإنسان الذي يسأل عن البقاع وعن البهيمة يسأل عن أخيه الإنسان التالي أيضا.
تعاليم الإسلام كلها توظف الإنسان في هذا الإتجاه وتريد من أن يحقق مفهوم الأمة في نفسه وفي ارتباطه مع إخوانه والشعور بالمسؤولية تجاههم. وتريد أن توظف الإنسان بمسؤوليته تجاه الكون، وتريد أن توظف الإنسان المنهج الكامل الشامل للحياة الدنيا، كما أن هذا المنهج يفيد الإنسان في الوصول إلى الحياة الآخرة. فلذلك في الواقع الإسلام هو دين شامل جامع كامل لجميع أنشطة الحياة للإنسان عقائدياً وعباديا ومسلكياً وأخلاقيا واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وكل شيء هو موجود في الإسلام. لذلك من هذه الجهة أيها الأحبة نحن في ذكرى المولد النبوي الشريف يجب أن نلتفت إلى هذه الأبعاد. ربنا جل شأنه وصف الأمة الإسلامية كما هو يريدها، كما يريدها أن تكون متوحدة في الواقع، فقال عز من قائل ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ وفي الآية الثانية ﴿ وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ يعني اتقوني في وحدة كلمتكم في وحدة هذه الأمة يقول جلّ شأنه في كتابه الكريم ما يريده من المسلمين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ هذه الآيات أيها الأعزة فيها معان إذا نقيس حياتنا عليها فيها معان مرعبة مخيفة. لأننا في الواقع نحن مخالفون لها بالجملة. الله عز وجل يقول ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ هنالك حق الشيء وهنالك الشيء. حق الشيء يعني أن يكون الشيء صافياً لا شيئ فيه لا دخل فيه هو صاف تماما مئة بالمئة، يعني الله عز وجل يريد منا التقوى الكاملة التامة في كل جوانب حياتنا قد يتّقي الانسان فيصلي الانسان فيصوم ويحج قد يتّقي الإنسان فيدعو الله ويستغفر ويتوب إلى الله، أما التقوى الشاملة الكاملة فهي التقوى التي تشمل تقوى الإنسان في عقيدته أن تكون صحيحة تماماً وفي عبادته أن يؤديها كما يحبها ويريدها الله عز وجل في سلوكه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والمعيشي وكل شيء أن يكون أيضا بحسب منهج الله عز وجل، يعني تقوى شاملة كاملة عامة في كل اتجاهات الحياة. لذلك أنا أقول إذا نقيس حياتنا على هذه الآية المباركة سنجد معان مرعبة مخيفة لأننا مخالفون في الجملة، نحن عندنا تقوى في أحسن الحالات تقوى جزئية، أما حق التقوى هذا في الواقع لا يمتلكه إلا آحاد من الناس. بعد ذلك الله عز وجل يقول (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) يعني الله عز وجل عندما أرادنا أن نكون أمة واحدة جعل طريقا لوجود هذه الأمة في الواقع، الأمة الواحدة ليس وإن هذه أمتكم أمة واحدة يعني نجعلها راية يوم نعلقها بالشارع وفي المسجد وفي الحسينية وبكل مكان هذا لا قيمة له في الواقع. الأمة الواحدة هي أن تعيش الأمة الواحدة في حاضرك في مجتمعك مع إخوانك المؤمنين. لذلك نحن نجد في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يبين كيفية وجود هذه الأمة الواحدة. من بات ليلته مطاناً وجاره جائع فليس بمسلم، يعني هذا خارج من الأمة الإسلامية لأنه لا يتآخى مع أخيه، من غش منا يعني خارج من الأمة الإسلامية لأنه ليس بناصح لأخيه. المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. يعني أنت وأخوك بناء واحد هذا البناء كله بمجموعه مع بعضه البعض هذه هي الأمة الإسلامية في مظهرها وفي وجودها وفي طريقة وجودها فالله عز وجل أرادها أن تكون وبيّن كيف يمكن أن تكون وهذا هو الشيء المهم، لذلك نحن مطالبون أن نعيش بالطريقة التي توجد بها هذه الأمة والأمة الإسلامية ليست أمة شيعية وليست سنية وليست زيدية...الأمة الإسلامية هي الأمة التي تجمع جميع المسلمين كل من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله ولم ينكر ضرورة من ضرورات الدين تعنتاً فهو مسلم. لذلك الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه على سبيل المثال في تحرير الوسيلة في مقدمة كتاب الزكاة تحدّث عن منكر الزكاة، قال: ومنكرها كافر. إلا أن يكون ذلك اجتهاد.كلام بهذا المعنى، يعني لو أن مذهبه اجتهاد الفقيه الذي يقلده لم يقل له أن الزكاة واجبة وهو تصرف على هذا الأساس فهذا ليس بكافر الكافر هو الذي يؤدي انكاره للفريضة إلى تكذيب الله ورسوله، يعني الذي يقول أن الله تعالى شرع الزكاة، النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" أمر بالزكاة وأنا لا أعتقد بها هذا يصبح كافراً.
لذلك من هذه الجهة أيها الأعزة أنا أنبه إلى هذه القضية، لابد أن نلتفت إلى أن الأمة الإسلامية تضم جميع المسلمين كل من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هو مسلم أيها الأعزاء، إلا أن ينكر شيئا من ضرورات الدين يعني يعلم أنه واجب في القرآن وفي السنة ومع ذلك هو ينكره.
الخطبة الثانية
أريد الحديث عما يحصل في هذه الأيام، نحن في الواقع نعاني من غطرفة صهيونية ذات حماية أمريكية تامة، يعني الناطق الرسمي باسم البيت الابيض الأمريكي يقول: نحن لا نريد أي تصعيد في لبنان ونحن ملتزمون بالدفاع التام عن إسرائيل. يعني هذا الكلام مختصره أنه يحق لإسرائيل أن تفعل ما تشاء تقتل تدمر تحرق كما فعلت في غزة وكما فعلت في فلسطين وكما فعلت سابقا في الجولان وكما فعلت سابقا في سيناء وكل تاريخها هوتاريخ قتل وتشريد ولا يحق لأحد أن يدافع عن نفسه ولا أن يهاجمها. هل ترون العدالة الانسانية؟ والقانون الدولي والمنظمات الدولية؟ كل هذه الأكاذيب التي يراد بواسطتها تكبيل والتلاعب بعقول الناس، القانون الدولي لا تخالفه لكن القانون الدولي يذبحك لأن القانون الدولي الذي يسنه هم أعداءك أنت لا علاقة بين وجودك وبين القانون الدولي. القانون الدولي ضد وجودك، صندوق النقد الدولي هو للاستعماري لا لمعونتك، كل هؤلاء متفقون متألبون عليك لذلك في الواقع ما يحصل هو نتيجة تكاتف الأعداء وتكالب الأعداء على هذه الأمة، وما يحصل في الواقع هو نتيجة تفرق هذه الأمة. واشتغالها بأشياء لا نفع لها. هذه اسرائيل عملت بالتكنولوجيا الإلكترونية واستطاعت أن تدخل إلى بيتك إلى غرفتك إلى جيبك وأن تفجر الجهاز التي تتحدث به وأنت نائم أو جالس أو تحمله أو تتحدث به، حتى الذين ركنوه في سيارتهم وجدوا سيارتهم انفجرت في اليوم التالي! فهذا تقدم تكنولوجي كبير، اختراق جاسوسي كبير. اسرائيل استطاعت أن تقتل اسماعيل هنية في وسط طهران، صالح العاروري في الضاحية الجنوبية، سيد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، الكثير من قادة المقاومة لمجرد معهم ذلك الهاتف النقال. هذه تكنولوجيا هذا علم تستطيع أن تدخل القذيفة من النافذة إلى الغرفة التي أنت فيها. هذا نتيجة أي شيء؟ هذا نتيجة سعي وتعلم وبحث وتحقيق ودعم للحركة العلمية، بحيث هؤلاء استطاعوا أن ينتجوا هذه التكنولوجيا، هم لهم عقول ونحن لنا عقول، لكن الفرق فيما بيننا بأي شيء نملأ هذه العقول؟ واحد يملأ العقل بالبحث والرغبة بالاطلاع وبالعلم، آخر يملأ العقل بالأشياء التي فيها ملذات والتي فيها سفاسف وسفاهات وأشياء رذيلة وأشياء غير صحيحة، ويملؤه بما يفرق بين المرء وزوجه وبين الأخ وأخيه، وبينه وبين إخوانه ويفرق بين الأمة وإلى آخره، هذا يملأ عقله بالعلم، هذا يملأ عقله بما يبث والفرقة ويضيع الوقت والجهد. لذلك في الواقع نحن مسؤولون أيها الأعزاء ما حصل قد حصل نتيجة تقصيرنا، نتيجة عدم توجهنا الكافي للتكنولوجيا الحديثة، وأنا لا أوجه الحديث بطبيعة الحال إلى الذين أصابهم المصاب، لا الذين أصابهم المصاب وحصلت على أرضهم تلك الحوادث هم متقاربون مع إسرائيل تكنولوجياً عندهم من الخبرة والدراية والعلم والمعرفة، لكن هذا بنهاية المطاف يحتاج إلى إمكانيات مالية يحتاج إلى دعم يحتاج إلى أشياء على مستوى الأمة ككل.
نحن قادرون على أن نتفوق على أولئك، وأن يكون عندنا من التكنولوجيا ما يزيد على ما عندهم ويتفوق ما عندهم، وهذا ليس ببعيد، لكن لا بد بشيء من الصبر والعمل بجد حتى يتحقق ذلك وسيتحقق إن شاء الله في الوقت القريب. لكن هذا يحتاج إلى تغيير في البنية التي تقوم عليها هذه الأمة. لذلك أيها الأعزة ما حصل ينبغي ألا يجعلنا يائسين.
أسأل الله عز وجل أن يرحم الشهداء وأن يشفي الجرحى وأن يلطف بالأمة الإسلامية، والحمد لله رب العالمين.