۲٠۲۲/٠۵/۲۲ ۱۹:۱۱:۵۱
خطبة صلاة الجمعة 18شوال 1443 لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


                                   بسم الله الرحمن الرحيم

 

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 18 شوّال 1443ه.

الخطبة الأولى:

أيها المؤمنون أيتها المؤمنات، كما كنا في كل أسبوع في الخطبة الأولى نتحدث عن نمط الحياة وأسلوب الحياة وفق الرؤية الإسلامية. نتابع هذا البحث، وقد وصلنا الى أنّ من وجوه علاقة المؤمن بأخيه المؤمن الدعم المعنوي والعاطفي والمادي لأخيه المؤمن.

 كنا نتحدث عن الدعم العاطفي وذكرنا  بعض المصاديق، وفي هذه الخطبة نذكر بعضاً آخر منها، مثل أن المؤمن إذا مرض  عليه أن يخبر إخوانه بمرضه حتى يأتوه ويعودوه.

وهذا كلام الامام الصادق (عليه السلام): " يَنْبَغِي لِلْمَرِيضِ مِنْكُمْ أَنْ يُؤْذِنَ إِخْوَانَهُ بِمَرَضِهِ فَيَعُودُونَهُ فَيُؤْجَرُ فِيهِمْ وَيُؤْجَرُونَ فِيهِ. قَالَ فَقِيلَ لَهُ: نَعَمْ هُمْ يُؤْجَرُونَ بِمَمْشَاهُمْ إِلَيْهِ، فَكَيْفَ يُؤْجَرُ هُوَ فِيهِمْ؟ قَالَ فَقَالَ بِاكْتِسَابِهِ لَهُمُ الْحَسَنَاتِ فَيُؤْجَرُ فِيهِمْ فَيُكْتَبُ لَهُ بِذَلِكَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَيُرْفَعُ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ وَيُمْحَى بِهَا عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ" (الكافي، ج3، ص117)

وهناك حديث آخر عن ولده الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه الصلاة والسلام، قال: "إذا مرضَ أحدُكُم  فليأذَنْ للناسِ يدخلونَ عليهِ فإنهُ ليسَ مِنَ أحدٍ إلا ولهُ دعوةٌ مستجابةٌ" (الكافي، ج3، ص117)، يذكر الإمام سراً آخر لهذه العيادة فيقول: افتح باب بيتك للذين يأتون ويعودونك، لماذا؟ لأنهم سيدعون لك، ودعوتهم مستجابة، دعوة المؤمن بحق أخيه من الدعوات المستجابة، وبذلك تفتح باب الدعوات لنفسك.

ولعيادة المريض آداب خاصة نتحدث عنها، من قبيل ما ورد في بعض الأحاديث عن الأئمة عليهم السلام بألّا نطيل المكوث عند المريض لأنه يزعجه، فالمريض  يملّ من الآخرين.

ومثال آخر من التعاطف مع أخيك المؤمن هو المكاتبة، كما كان الأئمة يعظون مواليهم بأن يتزاوروا كذلك وجّهوا من لا يستطيع التزاور أن يتخذ المكاتبة بدل التزاور؛ فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: "التَّوَاصُلُ بَيْنَ الإخْوَانِ فِي الْحَضَرِ التَّزَاوُرُ وَفِي السَّفَرِ التَّكَاتُبُ" (الكافي، ج2، ص492)، وهذا السفر لا حاجة أن يكون بين بلد وآخر، بل قد يكون بين بيتك وبيت صديقك، وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي وما هو متوفر لنا منها يمكن أن تكتب في جوالك لصديقك "السلام عليكم كيف حالكم؟ طمئنونا عنكم" فيحلُّ هذا محل التزاور، كما أن التزاور فيه معنى  التواصل فهذا معناه معنى الوصل، وما أمر الله به من وصل الإخوان يمكن أن يتم عبر التزاور أو المكاتبة.

وفي رواية أخرى عن الامام الصادق عليه السلام: " رَدُّ جَوَابِ اَلْكِتَابِ وَاجِبٌ كَوُجُوبِ رَدِّ اَلسَّلاَمِ وَاَلْبَادِئُ بِالسَّلاَمِ أَوْلَى بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ" (وسائل الشيعة ، ج12، ص57) ماذا نفهم من هذا الحديث؟ يقول الإمام إنّ من كتب إليك "السلام عليكم كيف حالك يا صديقي" عليك أن ترد عليه من قبيل: عليكم السلام أنت كيف حالك؟ ومن يبدأ بهذه المكاتبة هو بمنزلة من بدأ بالسلام وهو أولى بالله ورسوله ويكون أفضل درجة ممن يرد السلام؛ لأن البدء بالسلام مستحب والجواب واجب، وما يترتب على هذا السلام تسع حسنات وعلى الإجابة على السلام حسنة واحدة، فالذي يسلّم له أجر أكبر والذي يبادر بالكتابة لأخيه وصديقه له أجر أكبر، كمن يبدأ بالسلام.

ومصداق آخر للدعم العاطفي لأخيك المؤمن تركُ سؤاله، وهنا أمرٌ مهِمٌّ يجب أن ندقق فيه؛ وهو أن المؤمن لو كانت له حاجة يأتي إلى صديقه ويطلب منه، فهل هذا عيب وأمر مرفوض من قبل أهل البيت (عليهم السلام)؟ كلا؛ هذا  الحديث الذي سأقرأه لكم يدل على الإكثار من السؤال، حيث تخفف قيمة نفسك عند أخيك، وهذا الذي ينصحنا الأئمة (عليهم السلام) بألا نُكثِر منه، ولو كان المسؤول صديقاً.

 يقول الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه الصلاة والسلام): "لا تسألوا إخوانكم الحوائج فيمنعوكم فتغضبون فتكفرون" (وسائل الشيعة، ج9، 422) يجب ألا تكثروا عليهم فتغضبون لأنهم رفضوا، فينبغي أن تحتفظ بعزتك وكرامتك ولا تسأل هذا الأخ .

وفي رواية أخرى عن الامام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه الصلاة والسلام) يقول: "طلب الحوائج الى الناس استسلام للعزة، ومذهبةٌ للحياء، واليأس مما في أيدي الناس عزٌّ للمؤمنين والطمع هو الفقر الحاضر" (بحار الأنوار، ج96، ص158)، هذا الحديث يبين نوع السؤال المرفوض والممنوع والمحظور، حين ترى أن عند أخيك شيئاً أنت في غير حاجة ملحّة إليه فتطلب منه، فإذا رفضَ تغضبُ وتكفر بنعم الله تعالى، وخصوصاً بنعمة صداقتك لهذا الأخ،  فهذا الأمر مما يفسد صداقتكما وأخوّتكما، هذا الطمع الذي جرّك إلى أن تسأل صديقك شيئاً لست في حاجة ملحة إليه، فالأفضل أن تترك السؤال.

 

 وأما من مواصفات المؤمن من الناحية العاطفية تجاه أخيه المؤمن أن يطلب منه حاجته، ولكن قد يبدو هذا مخالفاً للرواية التي قرأتها لكم آنفاً، فما معنى هذا؟ مرةً يقول الإمام: لا تسأل، ومرة يقول: اسأل، هذا معناه أنك في جانب الاعتدال يجوز لك الطلب، بل يجب أن تطلب، فهو صديقك وأنت بحاجة الى شيء، فإلى من تمد يد الالتماس والطلب غير الصديق والأخ؟ هذا أفضل من أن تأخذ من الأجانب.

 وقد قرأت لكم سابقاً قول الإمام الصادق عليه السلام: "حق المسلم على المسلم أن لا يشبع  ويجوع أخوه، ولا يروى ويعطش أخوه..."  فما أعظم حق المسلم على أخيه المسلم! وقد قال عليه السلام: "أحبَّ لأخيك المسلم ما تحب لنفسك، وإذا احتجتَ فاسأله، وإن سألك  فأعطه، لا تمله خيراً ولا يمله لك".

هذا بعضٌ مما ورد  عن أهل البيت (عليهم السلام) حول دعم الإخوان من الناحية العاطفية، وهكذا يعلمنا القرآن وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام كيف نعيش فيما بيننا؛ إذ هذه الأمة مجموعة من الإخوة والأخوات، يجب أن تجرى بينهم العلاقات الأخوية، بحيث يحسب أحدهم وجعَ أخيه وجعاً لنفسه، وسرورَ أخيه سروراً لنفسه، ولسنا نحن ممن يقول: هذا شأنه وذاك شأنه، بل نقول: شأنك شأني وشأني شأنك، هكذا هي الأمة الاسلامية، وهكذا هم المسلمون بعضهم مع بعض، وهذه هي العلاقة التي رسمها أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) للأمة الإسلامية.

الخطبة الثانية:

من الأمور التي يوصينا بها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله أن نذكّر بأيام الله Pوذكرهم بأيام اللهO (سورة إبراهيم، 5)، ومن أيام الله المصيرية في التاريخ الاسلامي أيام غزوه الأحزاب أو الخندق .ونعيش في هذه الايام ذكرى تلك الغزوة، وأقرأ لكم من الآيات الكريمة في سورة الأحزاب حول هذه الغزوة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم Pيَٰٓا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًاO (سورة الأحزاب، 9)، وتسمى غزوه الخندق غزوة الاحزاب لأن أحزاب قريش والعرب في الجزيرة العربية حشدوا قواتهم ضد النبي (صلى الله عليه وآله) في السنة الخامسة من الهجرة، وكانوا يعلنون هدفهم بالقضاء على محمد وعلى "أحدوثة محمد" كما يزعمون.

كان أولئك يظنون أن خططهم مدروسة صحيحة ولا شك في أنهم سينتصرون ويقتلعون الإسلام من جذوره في المدينة المنورة وترجع الجزيرة العربية إلى أحضان الشرك كما كان في حالها قبل الإسلام، هكذا كانوا يظنون، وكانت أجهزه إعلامهم - ولم تكن مثل أجهزة الإعلام حالياً - تنشر الشائعات، وكان المشركون يرجفون على أهل المدينة والمسلمين بأنه: سيقضى عليكم لأن هؤلاء أقوياء وقد بدؤوا يجتمعون لكم. وبدأ الخوف يراود المسلمين، والنبي (صلى الله عليه وآله) يعدهم بالنصر قبل أن تبدأ الحرب، وهو النبي صادق الوعد.

وفي القرآن الكريم يذكر الله تعالى المؤمنين بما حدث في نهاية هذه الحرب، وبأنه سبحانه كفى المؤمنين القتال بإرسال هذه الرياح  التي استأصلت الكفار وأخرجتهم من حول المدينة خائفين أذلاء هاربين؛ بحيث أنّ أبا سفيان ركبَ ناقته وكانت معقولة (مربوطة) أي لم يكن منتبهاً لذلك لشدة خوفه وهو يحاول أن يهرب، هؤلاء الذين كانوا يحاولون القضاء على الإسلام والنبي (صلى الله عليه وآله) قد هربوا بهذه الصورة .

وأنتم تذكرون ما حدث في هذا البلد من تحزّب أحزاب العرب عليكم كاجتماع أحزاب العرب في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ضد النبي والمسلمين وتحالفهم مع اليهود، وكذلك في الحرب الحالية تحالف هؤلاء مع اليهود للقضاء على المقاومة في هذا البلد، اذكروا هذه الأيام إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، كما جاؤوا من فوق المدينة ومن أسفل منها من جهات مختلفة متدفقين للهجوم على المسلمين، واذكروا إذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر من الخوف، وتظنون  بالله الظنون، أي أنكم شككتم في وعد الله؛ أنه قد وعدنا، فهل سَيَفي بوعده لنا أم لا، وهل ترجع قوة الجاهلية أم لا؟

في غزوة الأحزاب  ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، وأنتم الآن جربتم أن عدداً قليلاً من الصابرين قاوموا في هذه  البلدة، وبقوا فيها، وبعضٌ هربوا منها خوفاً مما سيجري، لأن الضخ الاعلامي كان يرهب الجميع، ولكن جاء بعضٌ ممن يتبع النبي وأهل البيت وهذا الخط المقاوم مثل مجاهدينا من أبطال سورية المقاومة وممن تحالف معهم من الإخوان من إيران والعراق ولبنان وأفغانستان واليمن، جاؤوا وقاوموا في تلك الأيام العصيبة، التي تمثل غزوة الأحزاب في هذا العصر .

وأذكر هنا لمحةً  من قصه غزوة  الخندق ففي هذا  تذكرةٌ  لمن يعرف ويعتبر،  وأنتم تعرفونها وأنا أكرر وأذكّر؛ فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين.

فلما كان اليوم الخامس من غزوة الخندق خرج عمرو بن عبد ودٍ العامري وكان يعد بألف فارس، وأربعة من  المشركين هم نوفل بن المغيرة المخزومي وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب الفهري وهبير بن أبي وهب المخزومي، واستطاع هؤلاء أن يقتحموا الخندق من مكان ضيّق، وركز عمروٌ رمحه في الارض وأخذ يجول ويدعو الى البِراز ويرتجز، فلم يجبه أحد من المسلمين، وزلزلوا زلزالاً شديداً، وفي كل مرة يكرر فيها نداءه كان يقوم له علي بن أبي طالب (عليه السلام) من بينهم ليبارزه، فيأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجلوس انتظاراً منه ليتحرك غيره، ولكن لم ينهض أحدٌ لمكانة عمر بن ودّ العامري ومن معه؛ حيث كانوا أقوياء.

ومضى عمرو يكرر النداء والتحدي للمسلمين، فقام علي (عليه السلام) مرة أخرى فأجلسه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له: إنه عمرو، فأجابه الإمام: وإنْ.

ونادى عمرو مرة أخرى فقام علي (عليه السلام) وأذن له النبي (صلى الله عليه وآله) وقال له: ادنُ منّي، فدنا، فنزع عمامته عن رأسه و عمّمه بها، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وقال له: امض لشأنك، ثم رفع يديه وقال: اللهم إنك  أخذت مني حمزة يوم أُحُد وعبيدة يوم بدر، فاحمِ لي علياً، رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين، ثمّ دعا لعلي (عليه السلام) فقال: اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته. ولما مضى عليٌّ قال نبي الله (صلى الله عليه وآله) هذا الحديث المشهور: "خرج الإسلام كله إلى الشرك كله" وفي بعض الروايات: برز الإسلام كله إلى الكفر كله.

برز عليٌّ (عليه السلام) مرتجزاً: "لا تعجلَنَّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز، ذو نيةٍ وبصيرة والصدق منجي كل فائز، إنّي لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز" فلما انتهى إليه دعاه إلى الإسلام - وهكذا كان دأب الأنبياء -  فلما أبى عمروٌ وامتنع دعاه الإمام إلى القتال قائلاً: فها هنا أخرى، فقال عمرو: ما هي؟ فقال: تنزل وتقاتلني، فضحك عمرو وقال: أنا لا أريد أن أقاتل ابن أبي طالب وقد كان أبوك لي صديقاً أيام الجاهلية، وأراد عمرو بذلك أن يستكبر  بلغة السلام، فقال علي (عليه السلام): "ولكني أحب أن أقتلك" يعني أنا أحب أن أقتل عدو الله، فلا يُظنَّ أن بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين عمروٍ ضغينة شخصية.

فغضب عمرو ونزل فضرب وجه فرسه حتى رجع، وحمل على علي عليه السلام وضربه على رأسه، فاتقاها بالدرع فقدّها السيف ونفذ منها إلى رأسه فشجّهُ وبقي محتفظاً بثباته وتوالت عليه الضربات، ثم ضرب عمرواً ضربة كالصاعقة فسقط يخور بدمه كالثور، وارتفعت غبرةٌ حالت بينهما وبين الجيشين، وعلت أصوات المسلمين بالتكبير بعدما أصابهم الخوف في بادئ الأمر.

ثم تحوّل الأمر واطمأنَّ الذين كانوا يرتجفون، ووصف النبي (صلى الله عليه وآله) هذه الضربة بأنها أفضل من عبادة الثقلين. وانهزم الذين كانوا مع العامري واقتحمت خيولهم الخندق. 

ثم يصور القرآن كلام المنافقين وضعاف الإيمان الذين في قلوبهم مرض P وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا O (سورة الأحزاب، 12)، يقصدون: قال النبي إنكم منتصرون، وهؤلاء المشركون يريدون أن يقضوا  علينا، فكيف قال بأننا منتصرون؟

وقد جاء في تاريخ حرب الخندق أنه وبينما كان المسلمون مشغولين بحفر الخندق اصطدموا بقطعة حجر كبيرة صلدة فأعلموا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فجاء وأخذ المِعوَل وضربها ضربة قوية، فكبّر النبي وكبّر المسلمون، ثم ضرب الحجر ضربة أخرى فتهشّم قسم آخر وظهر منها برق فكبّر النبي وكبّر المسلمون، وضربها ثالثة فتفتّتَ الحجر وأصبح كالرمل، فكبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورفع المسلمون أصواتهم بالتكبير فسأل سلمان النبي عن ذلك فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أضاءت الحيرة وقصور كسرى في البرقة الأولى، وأخبرني جبرائيل أن أُمّتي ظاهرةٌ  عليها، وأضاء لي في الثانية القصور الحمر من أرض الشام والروم وأخبرني أن أمتي ظاهرةٌ عليها، وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء وأخبرني أنّ أُمّتي ظاهرة عليها فأبشروا، فاستبشر المسلمون.

فماذا قال المنافقون حينها؟ قالوا: نحن لا نقدر أن نخرج حتى نبول، وهذا الرجل - يعنون به النبي صلى الله عليه وآله وسلم - يقول نحن منتصرون على كسرى وغيره من القوى العظمى؟!

وكذلك كان بعضٌ يسخرون من ابن النبي (صلى الله عليه وآله) الإمام الخميني (رضوان الله عليه) عندما أرسل كتاباً إلى غورباتشوف رئيس الاتحاد  السوفياتي، قال فيه: أنا أبشرك بأن العهد الشيوعي قد انتهى. وكانوا يقولون "هو الآن مشغول بالحرب ومحاصَر ومُقاطَع من قبل القوى العظمى، ويقول سيقضى عليكم؟!" والحقيقة أن ما كان يقوله كان إنباء بما كان قد أنبأَ به  جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة الأحزاب.

وثمة آيات أخرى علينا التأمل فيها، وعلينا أن نستأنس بالقران أكثر فأكثر، ونتابع في الآيات من سورة الأحزاب حيث جاء فيها: Pوَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا Q مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ  فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ  وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًاO (سورة الأحزاب، 22-23).