۲٠۲۲/٠۵/۲۹ ۱۵:۲۷:٠۱
خطبة صلاة الجمعة 25شوال 1443 لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


 بسم الله الرحمن الرحيم

 خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي

ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 25 شوال 1443ه.

الخطبة الأولى:

نتابع حديثنا حول نمط الحياة وفقاً للرؤية الاسلامية، ووصلنا إلى أن للمؤمن على أخيه المؤمن حقوقاً، منها الدعم المادي  والمعنوي والعاطفي، وذكرنا مصاديق لهذه الأمور، ونذكر منها: قبول عذر المؤمنين، فإذا جاءك أخوك بعذرٍ - ولو أنك لا تتيقّن بأنه معذورٌ حقاً - عليك أن تقبل عذره واعتذاره.

 قال الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) لبعض  أصحابه، ونحن نعيش اليوم ذكرى استشهاده: "إِذَا سَأَلْتَ مُؤْمِناً حَاجَةً فَهَيِّئْ لَهُ اَلْمَعَاذِيرَ قَبْلَ أَنْ يَعْتَذِرَ فَإِنِ اِعْتَذَرَ فَاقْبَلْ عُذْرَهُ وَإِنْ ظَنَنْتَ أَنَّ اَلْأُمُورَ عَلَى خِلاَفِ مَا قَالَ" (مستدرك الوسائل، ج9، ص150).

 

 أي: كن مستعداً أن يعتذر ويقول لا أستطيع أن أفعل، ولو ظننتَ أن ما قال ليس أمراً واقعاً. ولكن عليك أن تقبل عذره، وتقول: نعم ربما يكون له عذر فيما أطلبه منه، فلا أتوقّع منه ولا أضغط عليه بأن أحرجه وأقول لست معذوراً. 

 

وفي رواية أُخرى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرِّ اَلنَّاسِ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اَللَّه، قَالَ ...اَلَّذِي لاَ يُقِيلُ عَثْرَةً وَلاَ يَقْبَلُ مَعْذِرَةً وَلاَ يَغْفِرُ ذَنْباً" (بحار الأنوار، ج72،ص53) فإنْ أخطأَ يجب أنْ تغفر له وتُقيله، وهذا الكلام حول الإخوة المؤمنين وأما غير المؤمنين فقد لا نقبل المعذرة ولا نقيلهم عثراتهم لأننا نعرف أن هذا كان متعمداً منهم وكانوا يريدون العناد ولم تكن نواياهم خيراً.

ومن مصاديق الدعم العاطفي شيء آخر قد يُظَنُّ أنه يتعارض مع ما قلنا في الحديث السابق، وهو الوثوق بكلام المؤمنين، فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال رسول  الله (صلى الله عليه وآله): " من شربَ الخمرَ بعد أن حرّمها الله على لساني فليس بأهلٍ أن يزوَّجَ إذا خطب، ولا يُشفّعَ إذا شفعَ، ولا يصدَّق إذا حدّثَ، ولا يؤتَمَنَ على أمانة، فمن ائتمنه بعد علمهِ فليس للذي ائتمنه على الله ضمانٌ، وليس له أجرٌ ولا خَلَفٌ" (الكافي، ج6، ص396)

"فمن ائتمنه على أمانة" أي من ائتمن شارب الخمر على أمانةٍ فأكلها هذا الشارب للخمر أو ضيّعها، فليس للذي ائتمنه على الله عز وجل أن يؤجره، فلا يلومنّ إلّا نفسه بما أنه ائتمن شارب خمر.

وقال أبو عبد الله (عليه السلام): " إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَبْضِعَ فُلاَناً بِضَاعَةً إِلَى اَلْيَمَنِ، فَأَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقُلْتُ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَبْضِعَ فُلاَناً، فَقَالَ لِي: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ يَشْرَبُ اَلْخَمْرَ؟ فَقُلْتُ: قَدْ بَلَغَنِي عَنِ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: صَدِّقْهُمْ؛ لِأَنَّ اَللَّهَ يَقُولُ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ" (الكافي، ج6، ص397).

يشير الإمام الصادق (عليه السلام) إلى أن الناس يقولون ولكن لا أثق في هذا القول، فيجيب الإمام الباقر عليه السلام:  "صدّقهم، فإن الله عز وجل يقول يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين" فالإيمان للمؤمنين يعني التصديق لما يقولون، شرط أن يكونوا أمناء في كلامهم، فلا يقولون كل شيء دون تروٍّ وتأمّل ودقّةٍ، فإذا افتروا على شخصٍ هذا سيكون وزراً عليهم وسيعاقبون بسبب تهمة المسلم.

وليس المقصود أن يشيع بين الناس باطلٌ وأنت تتبعه وتقول: "يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين" فالمؤمنون الملتزمون لا يقولون شيئاً إلا إذا تيقنوا منه، فإن سمعت من مثل هؤلاء المؤمنين الملتزمين عليك أن تثق بكلامهم وتصدقه .

 

وأما المصداق الآخر من الدعم العاطفي - وهو مصداق مهم - هو إعلان المحبة للمؤمن، أي إذا أحببت أخاك عليك أن تقول له أنا أحبك يا أخي، أطلعْهُ على هذا الحب فهذا أمرٌ مهم، (وفي بعض الروايات ذُكِرَ هذا الأمر أيضاً  بين الزوج والزوجة) لا تُخفِ حبّك في قلبك بل عليك أن تبديهُ لأخيك. 

 

ففي الرواية: "مرَّ رجلٌ في المسجد وأبو جعفر عليه السلام جالسٌ وأبو عبد الله عليه السلام، فقال له بعض جلسائه والله إني لَأحبُّ هذا الرجل، قال له أبو جعفر: ألا فأَعلِمهُ؛ فإنه أبقى للمودة وخيرٌ في الألفة" (المحاسن، ص266).

فالإخبار بالمحبة يؤلّف القلوب أكثر من أن تُكنَّهُ في  قلبك ولا تبديهِ.

الخطبة الثانية:

في ذكرى استشهاد الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) نرفع أسمى آيات التعازي إلى الناحية المقدسة مولانا ولي الله الاعظم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، ونعزي صاحبة هذا المقام الشريف سيدتنا العقيلة زينب الكبرى (عليها والسلام) ونعزيكم أيها الإخوة المؤمنون، ونعزي مراجعنا العظام، ولا سيما ولي أمر المسلمين آية الله العظمى السيد علي الخامنئي.

ولد الإمام الصادق عليه السلام في سنة 83 ه واستشهد سنة ١٤٨ ه وعاش 65 سنة حافلة بالخير والبركة، وعلى بعض الروايات 68 سنة.

 كانت أجواء المجتمع الاسلامي في أيام الإمام الصادق وأبيه الإمام محمد الباقر عليهما السلام غريبة وعجيبة، حيث كان الناس بعيدين عن الإسلام الذي أسسه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا بسبب حكم بني أمية الذين ابتدعوا بدعاً كثيرة، وكانوا لا يهتمون إلا بعروشهم، وقد أسسوا أموراً بشعة، منها سب الإمام علي عليه السلام على المنابر، وكانوا يريدون أن يربّوا  الأجيال الجديدة للمسلمين ليس فقط بعدم حب أهل البيت بل بكراهيتهم لأهل بيت الوحي، وكان بلاطهم جامعاً لكل منكرٍ؛ فالأمير كان يلعب مع الإماء والمطربات والمغنيات والراقصات وما شابه ذلك، وعندما كان يُؤذّن المُؤذّن للفجر يأتي هذا الذي كان يمارس المحرمات ليؤمَّ المسلمين في  المحراب! وتعرفون قصة من تقيّأ في المحراب مِن شرب الخمر وصلى الفجر أربع ركعات وقال للناس أنا مرتاح وإن شئتم أزيد في الركعات.

هكذا كان أمر المسلمين بيد هؤلاء الذين يحكمون الناس، وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني مليء بالأغاني التي كانت تُغَنّى في بلاط الحكام الذين كان واحدهم يدعوا نفسه "أمير المؤمنين" ويزعمون أنهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولم يكن الإمام السجاد عليه السلام يقدر أن يُبلّغ الدين إلا من خلال أدعية، ولم يصل إلينا شيءٌ كثيرٌ  من الروايات  عن الإمام سيد الساجدين حول الفقه وتعليم الشريعة الاسلامية لأن الظروف لم تكن متاحه له.

أما الامام الباقر ففي فترة من حياته الشريفة حَدثَ حَدثٌ مهمٌ وهو بداية الصراع بين الأمويين وبني العباس، فانتهز الإمام هذه الفرصة وأسّس مدرسةً وكرسيَّ درسٍ في المسجد النبوي الشريف للأمة، دون تخصيص في العناوين الطائفية والمذهبية، فكلّ الأمة كانت بحاجة إلى أهل البيت وتريد الحصول على علم دين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانوا يأتون عند الإمام الباقر عليه السلام ويدرسون.

بدأت هذه النهضة من عمره الشريف، واستمر هذا الصراع بين الأمويين والعباسيين فواصل الإمام الصادق عليه السلام ما أسسه الإمام الباقر عليه السلام. وكان الإمام الصادق يرى جهل المجتمع بالدين الإسلامي، لأنَّ من كان يحكمهم لم تكن له أي صلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبدينه القويم، وهم أولئك الذين آمنوا ليحقنوا به دمائهم على - حدّ قول الإمام سيد الساجدين في دعاء أبي حمزه الثمالي - فكيف كانوا خلفاء لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فبدأ الإمام بتعليم الناس بحيث نقل في التاريخ أن عدد تلامذة الإمام عليه السلام بلغ أربعة آلاف.

فلنتعلّم من الإمام الصادق عليه السلام هذه المنهجية، ما كان يفكر في أنّ هذا يتبعُّ فُلاناً أو فلاناً، بل كان يقول  قال جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد علّمنا الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام كيف نتحدث مع إخوتنا في العالم الاسلامي، علّمنا أنهم: "لو علموا محاسنَ كلامنا لاتّبعونا" فعلينا أن نذكر محاسن كلام أهل البيت، فمن يهوى دين الله تعالى ومن يعرف القرآن يتبع هذه الكلمات النيرة.

كان يجلس في مجلس درس الإمام الصادق عليه السلام كثير من غير التابعين لمذهب أهل البيت، لذلك نرى في بعض الروايات أن السائل يسأل شيئاً فيجيب الإمام جواباً غير منسجم مع مبادئ الشيعة، فقد كان يجيب السائل وفق مذهبه .وبذلك أكمل الإمام الصادق مشروع أبيه الإمام الباقر عليه السلام، وتربّى في مدرسته مئات من العلماء والمحدثين والفقهاء .

يقول الحسن بن علي الوشّاء أحد صحابة الإمام عليه السلام:  أدركت في هذا  المسجد - يقصد به مسجد الكوفة؛ حيث نُفيَ الإمام عليه السلام أو سافر من المدينة إلى الكوفة - تسعمئة شيخ كلٌ يقول: حدّثني جعفر بن محمد  عليه السلام.

ويقول إمام من أئمة أهل السنّة وهو النعمان بن ثابت (أبو حنيفة): ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد، وفي كلمة مشهورة يقول: لولا السنتان لهلك النعمان، ويقصد بالسّنتين – كما يقول الآلوسي العالم السني الشهير - أنه يفتخر ويقول بأفصح لسان لولا السنتان لهلك النعمان، يعني السنتين اللتين جلس فيهما لأخذ العلم عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، وأُثِرَ عن أبي حنيفة قوله: لولا جعفر بن محمد ما علم الناس مناسك حجهم، وكأنها كانت منسيّة في تلك الأيام، ويقول أن أعلم الناس في عصره هو الإمام جعفر الصادق عليه السلام.

ويقول مالك بن أنس إمام المالكية - وهو أيضا قد تعلم الكلام وتتلمذ على يد الإمام عليه السلام - اختلفتُ إليه زماناً فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال إما مصلياً وإما صائماً وإما يقرأ القرآن، وما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادةً وورعاً، وقال في وصفه: وكان من عظماء العُبّاد وأكابر الزُهّاد الذين يخشون الله عز وجل، وكان كثير الحديث طيّب المُجالسة كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اخضرّ مرةً واصفرَّ أخرى (أي عندما يذكر النبي تتغير حاله) حتى ينكره من يعرفه ويقول: لقد حججت معه سنةً فلّما استوت معه راحلته عند الإحرام كلّما كان همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد أن يخرَّ من راحلته، فقلتُ قُل يا ابن رسول الله ولا بد لك من أن تقول، فقال عليه السلام: يا ابن أبي عامر - يقصد به مالك بن أنس - كيف يمكنني أن أقول لبيك اللهم لبيك وأخشى أن يقول تعالى: لا لبيك ولا سعديك. هكذا كان إمامنا على حد من يصفه من غير أتباع أهل البيت عليهم السلام.

ومع أنّ نشاطاته عليه السلام على الظاهر لم تكن إلا نشاطات علمية لترويج الدين وتعليم الناس دينهم، ولكن ملوك بني العباس خافوا على أنفسهم وعروشهم، ولقد ضيق أبو جعفر منصور الدوانيقي على الإمام عليه السلام، حتى يُقال أن الصادق عليه السلام قد أُحضِر سبع مرات عند المنصور الدوانيقي.

وفي إحداها يقول محمد الربيع ممّن كان يعمل مع المنصور:: دعاني أبي - وكنت أقسى أولاده قلباً - وقال انطلق إلى دار جعفر بن محمد وأحضره على الحال التي وجدته عليها وائتِ به إلى بلاط المنصور فأقبلت نحو داره ووضعتُ السلّم وتسلّقتُ الجدار فدخلت وإذا بجعفر بن محمد في مصلّاه متوجه نحو القبلة، فلما فرغ من صلاته قلت أجب امير المؤمنين، فقال دعني ألبس ثيابي، قلت ليس إلى ذلك من سبيل. وهكذا أخرجته حافياً حاسراً  وكان قد قارب السبعين،  فمشينا بعض الطريق فضعف جعفر بن محمد عن المشي فأركبته على بغلٍ شاكري وجئتُ وإذا بالربيع - يعني والده- واقف ينتظر والمنصور ينادي: يا ربيع أين جعفر بن محمد؟؟ فلمّا رآه الربيع استقبله وقال: يعز عليَّ يا بن رسول الله أن أراك على هذه الحال، ولكنّي مأمور. فقال الإمام الصادق عليه السلام: يا ربيع دعني أصلي ركعتين، فقال: صلّ يا ابن رسول الله، فصلّى الإمام الصادق  ركعتين ودعا بدعائه ثم أخذه الربيع  بيده وأدخله على المنصور والطاغية جالس على سريره والإمام الصادق عليه السلام واقف بين يديه حافياً حاسراً مكشوف الرأس، فقال له المنصور فيما قال: أما تستحي يا جعفر من هذه الشّيبة أن تنطق بالباطل وتشقّ عصا المسلمين؟ فقال الإمام الصادق عليه السلام: ما فعلت ذلك،  فقال المنصور: هذه كتبك الى أهل خراسان تدعوهم إلى بيعتك ونقض بيعتي.

فقال عليه السلام: ليست كتبي ولا خطّي  ولا خاتمي، وإني ما فعلت ذلك في زمن بني أمية الذين هم أعدى  الناس لنا، فكيف أفعله في زمانكم وأنتم أمسُّ الناس رحماً بنا؟ وكان المنصور يخرجُ مقداراً من سيفه بين الحين والآخر ثم يعيده إلى الغمد وفي المرة الأخيرة جرد السيف كله ثم أعاده إلى غمده وأطرق برأسه مليّاً وقال: يا جعفر أظنك صادقاً. ثمّ أدناه وأجلسهُ إلى جنبه وكرّمه وودّعه، فسُئِلَ  المنصور بعد ذلك لم كنتَ تُخرج السّيف وتعيده إلى غمده؟ قال: كلّما هممت بقتله أرى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشمّراً عن ذراعيه يحول بيني وبين جعفر بن محمد، وفي  المرة الأخيرة لما جردت السّيف كله رأيت النبي مغضباً محمَرّ الوجه وقد قرب مني وكاد أن يمسك بي فخفت من قتل ولده جعفر .

وروي عن محمد الاسكندري: دخلت على المنصور الدوانيقي ذات ليلة، فوجدتهُ جالساً على فراشه والشموع معلقة من بين يديه وهو يتنفس تنفساً بارداً كهيئة المهموم والمغموم، فقلت له: يا أمير المؤمنين ما هذه الفكرة؟ فقال: يا محمد إني قتلت من ذرية علي وفاطمة ألفاً أو يزيدون، وقد بقيَ سيّدهم وإنني عازمٌ على قتله، فقلت له يا أمير إن جعفر بن محمد رجل قد اشتغل بالعبادة عن طلب المُلك، فقال المنصور أنا أعلم يا محمد أنك تقول بإمامته وأنه إمام هذه الأمة ولكن الملك عقيم (يقصد أن الملك لا ينفع فيه نسب بل تقطع به الأرحام بالقتل).

 

وقد عمد المنصور لعنه الله إلى وسيلة دنيئةٍ لقتل الإمام جعفر الصادق عليه السلام، فقد بعث إلى والي المدينة المنورة أن يدسَّ السمّ للإمام جعفر الصادق، فدَسّ له السمّ في طعامه، وبقي إمامنا يوماً أو يومين يعاني آلام السم وكان يتململ تململ السليم، إلى أن حضرته الوفاة في الخامس والعشرين من شهر شوال من سنه 148 وحضره ولده الإمام موسى بن جعفر عليه السلام فأوصاه أبوه الإمام جعفر الصادق وقال: يا بُنيّ أسرج ضياءً بمكان جسدي بعد أن تدفنني  فإنّ الروح إذا فارقت الجسد عادت إلى مكانه فإذا رأته مُظلماً استوحشت.  

 

ثم قضى الإمام جعفر الصادق عليه السلام نحبَه مسموما مظلوماً ودُفِنَ إلى جنب أبيه الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام  في بقيع الغرقد وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً في المدينة حيث ضجَّ الناس بالبكاء والنحيب.

عن أبي بصير قال: دخلتُ على أم حميدة أُعزّيها بأبي عبد الله الصادق عليه السلام، فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عليه السلام عند الموت لرأيت عجباً؛ فتح الإمام عينيه ثم قال: اجمعوا إليَّ كل من كان بيني وبينه قرابة، قالت: فلم نترك أحداً إلا جمعناه، قالت فنظر اليهم، ثم قال: إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة.

 

وقام الإمام الكاظم عليه السلام وهو مكلوم القلب وأخذ في تجهيز جثمانه وغسل جسده الطاهر وكفنه بثوبين شتويين كان اشتراهما الإمام موسى عليه السلام بأربعين ديناراً، وبعد الفراغ من تجهيزه صلّى عليه مع مئات المسلمين.

قائمة الضمائم: