۲٠۲۲/٠٦/٠٦ ۱۱:۱۲:۱۱
خطبة صلاة الجمعة 3 ذي القعدة 1443 لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


                                       بسم الله الرحمن الرحيم

 

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية ، بتاريخ 3 ذي القعدة 1443ه

الخطبة الأولى:

كنا نتحدث عن نمط الحياة وفقاً للرؤية الإسلامية، ووصلنا إلى أنّه يجب على المؤمن أن يُحسن إلى أخيه المؤمن مادياً ومعنوياً وعاطفياً. ولو لم يكن من أتباع أهل البيت ومن شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأولاده المعصومين (عليهم السلام)، وهناك أحاديث عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) حول ذلك، وسيرتهم تدل على هذا الأمر وتؤيد ما روي عنهم، من كونهم قد وصُّونا بالإحسان إلى إخوتنا المسلمين من أبناء السنّة.

عن عمر بن أبان قال سمعت أبا عبدالله الصادق (عليه السلام) يقول: " يا معشر الشيعة، إنكم قد نسبتم إلينا، كونوا لنا زيناً ولا تكونوا شيناً، كونوا مثل أصحاب علي عليه السلام في الناس، إن كان الرجل منهم ليكون في القبيلة فيكون إمامهم ومؤذنهم، وصاحب أماناتهم وودايعهم، عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وصلوا في مساجدهم، ولا يسبقوكم إلى خير..." (بحار الأنوار، ج85، ص119).

هكذا كانت منزلة شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) في قبائلهم، ولو كانوا من غير أتباع أمير المؤمنين كانت تصرفاتهم لِتجعل الناس كلهم يثقون بهم، فقد كانوا مَرجعاً للناس. فيوصي الإمام الصادق (عليه السلام) بأن نكون هكذا.

ينصحنا الإمام بالكلام نفسه الذي وجّهه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أولاده. حينما كان يوصيهم بالوصايا الأخيرة حين قال: "الله الله في القرآن فلا يسبقنكم بالعمل به غيركم" لأنّكم أجدر بأن تكونوا من أتباع القرآن. أجدر بأن تكونوا من أهل الخير. ويقول الامام الصادق عليه السلام لا يسبقكم هؤلاء الإخوة إلى خير.

عن معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): "كيف نصنع فيما بيننا وبين قومنا، وفيما بيننا وبين خلطائنا ممن ليس هو على إثرنا؟ قال: تنظرون أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون كمثل ما يصنعون، فوالله إنهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدون الأمانة إليهم" (مشكاة الانوار، ص134).

يمكن للمسلم أن يشهد لشخص أو يشهد على شخص، وهذا يعني أنه يعترف بأنه مسلم مثله، فيقول الإمام عليه السلام: هكذا يتصرف أهل البيت أئمتكم؛ يعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم ويصلّون في مساجدهم ويشهدون لهم وعليهم، ويؤدّون الأمانة إليهم.

علمنا أئمة أهل البيت أن نكون هكذا، وهذه سيرة علمائنا منذ القديم، انظروا كيف كان الشيخ المفيد (رضوان الله تعالى عليه) يلقي درساً لأتباع أهل البيت ويُلقي درساً لأهل السنّة، ويتلقّى درساً من بعض علماء السنة. والشهيد الأول والشهيد الثاني كانا هكذا؛ يعلمان الناس في هذه المدينة دمشق، كان الناس يأتون إلى الشهيد مع أنهم يعرفون أنه على مذهب أهل البيت، ولكنْ لكونه عالماً بمذهبهم كانوا يأتون ويستفتون حسب مذهب أبي حنيفة، مثلاً أنا أريد أن أفعل كذا فما فتوى أبي حنيفة؟ وكان الشهيد يُفتي وفقاً لمذهب أبي حنيفة.

هكذا كان علماؤنا يعيشون بين هؤلاء الإخوة، ونحن لا نضع عقيدتنا على طاولة المفاوضة وما شابه ذلك، ليس هذا معنى الكلام، بل معنى كلامنا أننا مع الاحتفاظ بمبادئنا، نعيش مع بعض كما علمنا الإمام الصادق عليه السلام، ومن يُحبّ أن يفرّق بين الأمة لا يعتقد بهذا ولا يعتقد بذاك، ولكنه لأغراض أُخرى يخاف من أن تكون صفوف الأمة مُتراصة موحدة ضد الأعداء. يخافون على أنفسهم فيأتون بالوِشاية عند الحكام، كما فعلوا بالنسبة للشهيد الأول والثاني. كانوا يأتون عند الحكام ويقولون بعض الأشياء بحقهم، بهدف تسوية حسابات فيما بينهم، ولم يكن ذلك لأجل الإسلام أو العقيدة، بل كان لهذه النوايا الخبيثة.

وأنتم في بلدكم هذا كان السنّة والشيعة يعيشون مع بعض، وفي بعض المدن أعرف أنهم كانوا يزوّجون بناتهم إلى هؤلاء الإخوة، كان الشيعي له صهر سنّي أو بالعكس. ولكن للأسف الشديد هؤلاء المنحرفون الوهابيون بصورة خاصة - وأنا أؤكّد على أنّ هذه الجرائم بدأت من فكرة  الوهابية التكفيرية - تغلغلوا  وغيّروا أفكار النّاس، واستفزّوا جماعةً على جماعةٍ أخرى .

ومن جانب آخر؛ في  الجانب الشيعي أيضاً يصنع الاستعمار مثلما يصنع في ذاك الجانب، يصنع ما لا يرضى به مراجعنا وعلماؤنا، ونحن نقتدي بمراجعنا.

إن سماحة الإمام روح الله الموسوي الخميني (رضوان الله تعالى عليه) الذي نعيش الذكرى السنوية لوفاته كان يقول: إن اختلافنا اليوم هو فقط لصالح أولئك الذين لا يعتقدون بالمذهب الشيعي ولا بالمذهب الحنفي ولا بسائر الفرق الأخرى.

هل يعتقد هؤلاء البريطانيون بالسنّة أو الشيعة؟ لا، ولكنهم يحتضنون من ينال من رموز السنة والشيعة، وفي حين أنهم لا يسمحون لأحد أن ينال من رموز الغرب، فإذا خالف أحدٌ مثلاً قضية الهولوكوست يسجنونه ويعاقبونه، نراهم إذا جاء من يوجّه كلاماً بذيئاً لجماعة من المسلمين لا يخالفون. وكذلك يفعلون بالنسبة للجبهة المقابلة المستهدفة بالكلام البذيء؛ يسمحون بالشتم المتبادل ويعطون المنابر للجماعتين من الأمة الاسلامية، فالمتطرّف السني يحصل على قناة فضائية في أرض بريطانيا، والمتطرف الشيعي أيضا يحصل على هذا، حتى يشتم كل منهما الآخر.

يقول الإمام الخميني إن هؤلاء الذين لا يعتقدون بالشيعة ولا بالسنة. يريدون أن لا يكون هذا ولا ذاك. ويعتقدون أنّ السبيل هو في زرع الفرقة بيننا وبينكم، ويجب أن ننتبه جميعاً إلى هذا المعنى وهو أننا جميعاً مسلمون وكلنا من أهل القرآن ومن أهل التوحيد وينبغي أن نبذل جهدنا من أجل القرآن والتوحيد وخدمتهما، هذا هو كلام الإمام الخميني رضوان الله عليه بشأن الوحدة، الوحدة لا تعني أن تتخلّى عن تشيعك وهو يتخلى عن تسنّنه؛ بل تعني أن نعيش على محور واحد وهو الله والقرآن ونبيُنا، هذا هو المشترك بيننا. وكثير من الأحكام الشرعية ليس بيننا أيّ خلاف حولها، وقلت في الأسبوع الماضي أن كثيراً من علماء السنّة قالوا أن الإمام جعفر الصّادق هو الذي علّمنا مناسك الحج، هكذا يُقال: هؤلاء أهل البيت كانوا المحور.

على كل حال هذا الذي نتحدث عنه أمر واضح، والإمام الخامنئي حفظه الله تعالى يقول في فتوى حول بعض الأحداث التي حدثت في تلك القنوات الفضائية من قبل المتطرفين الذين يسمّيهم سماحة الإمام القائد "التشيع الإنجليزي البريطاني" هناك تشيع بريطاني وهناك تسنّن أمريكي. هؤلاء مصطنعون من قبل الغرب، ولا يلتزمون بما يقوله المراجع، كما في الجانب السني داعش وأنصار فلان وجبهة فلان الذين أشعلوا النيران في هذا البلد وقتلوا ودمّروا، كذلك هناك جانبٌ آخر يستفز هؤلاء عبر النيل من رموزهم، وهذا يعني أنّ هناك عملة واحدة لها وجهان، هذان هما الوجهان كما ترون.

يقول الإمام القائد: "يحرم النيل من رموز إخواننا السنّة فضلاً عن اتّهام زوج النبي صلى الله عليه وآله بما يخلّ بشرفها، بل هذا الأمر ممتنع على نساء الأنبياء وخصوصاً سيدهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم" هذا أمر وما حدث في التاريخ بالنسبة لبعض أزواج النبي هذا أمر آخر، هذا ليس معناه أن تقول ما تشاء في حقّ زوج النبي، كما أنّ في روايات أهل البيت أن أزواج الأنبياء - مثل زوجة لوط وزوجة نوح - عندما يذكرهنّ القرآن فلا يعني رميهن بالدنس الفحشاء والمنكر، فهذا مستحيل بالنسبة للأنبياء ولا يجوز لأي أحد أن يتجرّأ وينال من زوجة النبي، ولكن نحن نناقش في تصرفات بعض أزواج النبي. وهذا أمر ليس هنا مكان البحث عنه.

وكذلك يقول سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني المرجع الكبير: "سبّ رموز إخواننا أهل السنّة مستنكرٌ جداً، ومُدان، وعلى خلاف ما أمر به أئمة أهل البيت عليهم السلام شيعتهم".

فإذا كنا نتّبع هؤلاء المراجع ونقلّدهم يجب أن نستمع لما يقولون، والأمر بيّنٌ وواضح، أنا شيعي وأنت سنّي، أنت لك بعض العقائد وبيننا بعض الخلافات، كما أنّه بينكم في مذاهبكم توجد خلافات بين الحنفي والحنبلي والشافعي والمالكي.

فإذاً ليس أمراً غريباً أن توجد اختلافات، ولكن إذا أردتَ أن تضع يدك على هذه النقاط السلبية. وتضخّم هذه الأشياء وتنسى أنّ بجوارك عدواً هو هذه الغدة السرطانية إسرائيل، فهذه جريمة بحق القرآن وأهل البيت وكل المبادئ.  علينا أن ننتبه أنّنا جماعة موحدة، كلّ الأمة الإسلامية لها صوت واحد ضد الكفار المتطاولين على خيراتنا، وضد الصهاينة اليهود المجرمين. نحن كلنا كلمة واحدة على هؤلاء المجرمين. هذا هو مبدؤنا ومبدأ مراجعنا ومبدأ الأمة الذي لا يتغير، وبالنسبة لكل الأمة هذا هو الميزان: أيّ شخص - سنياً كان أو شيعياً - يتجاوز هذا الخط فهو في خدمة الاستعمار. سواءٌ عرف ذلك أم لم يعرف، ومن كان عارفاً ملتفتاً فذنبه أكبر، فعلينا أن ندرك أن هذا هو خط أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) حيث علماؤنا ومراجعنا العظام يُشدّدون عليه، ويؤكّدون عليه.

الخطبة الثانية:

أتقدّم منكم ومن صاحبة هذا المقام الشريف سيدتنا زينب الكبرى (سلام الله عليها) بأحر التهاني بمناسبة مولد السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليه السلام الملقبة بالمعصومة، المدفونة بأرض قُم المقدّسة.

كما أرفع التّهاني إلى مولانا بقيّة اللّه الأعظم بمناسبة مولد عمّته فاطمة المعصومة عليها الصّلاة والسلام. ونحن نكرّم هذه الأيام التي تتخلل بين مولدين؛ مولد الأخت والأخ. مولد الكريمين؛ كريم أهل البيت وكريمة أهل البيت. مولد فاطمة المعصومة ومولد سيدنا علي بن موسى الرضا المرتضى الإمام الرؤوف عليه آلاف التحية والثناء،  ونسمّي هذه العشرة "عشرة الكرامة"، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا أن نكتسب من كرم هؤلاء المعصومين عليهم صلوات الله.

أذكر لمحةً من سفر السيّدة المعصومة من المدينة إلى إيران، حيث روى صاحب "تاريخ قم" عن مشايخ قم أنه لمّا أخرج المأمون العبّاسي علي بن موسى الرّضا عليهما السلام من المدينة إلى مرو في سنة مئتين، خرجت فاطمة أخته في سنة إحدى ومئتين تطلبه، فلما وصلت إلى ساوة (اسم مدينة بقرب من قم) مرضت، فسألت كم بيني وبين قم؟ قالوا عشرة فراسخ، فأمرت خادمها فذهب بها إلى قم. وأنزلها في بيت موسى بن خزرج بن سعد الذي كان من الأشعريين الكوفيين، المهاجرين إلى إيران هرباً من شر أعداء أهل البيت.

والأصح أنّه لمّا وصل الخبر إلى آل سعد اتّفقوا وخرجوا إليها يطلبون منها النزول في بلدتهم، فخرج من بينهم موسى بن خزرج فلمّا وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى قم، وأنزلها في داره فمكثت فيها ستة عشر يوماً، وهذه الدار اليوم مزارٌ للناس، يذهبون هناك ويصلّون، واسمه بيت النور، ثم مضت إلى رحمة الله ورضوانه، فدفنها موسى في أرضٍ له وهي الآن مدفنها، وبنى على قبرها سقفاً من البواري، إلى أنّ بَنَتْ زينب بنت الجواد عليها الصلاة والسلام قُبّة، وتطوّر البنيان حتى صار الآن مقاماً واسعاً وجميلاً، وفيه تشعر بالروح والريحان.

وببركة هذا المقام الطيب أصبحت مدينة قُم عُشّاً لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصبحت معقلاً للمؤمنين  أتباع أهل البيت طيلة قرون. حيث ضمّت محدثين ومشاهير. وفي الفترة الأخيرة - قبل أكثر من مئة سنة - هاجر علماء إلى قم وبنوا حوزة علمية، وهذه الحوزة الآن تخرِّجُ علماء ومراجع وفقهاء وخطباء .

ومن خريجي هذه الحوزة الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، الذي فجّر ثورة لم تكن بركاتها مقتصرة على إيران، بل فجّر ثورة على مستوى العالم وفتح لأتباع أهل البيت ما ترونه.

كان للإمام الخميني دور عظيم لنشر مذهب أهل البيت في العالم كله. ففي القارة الافريقية أنا أقول بكل تأكيد ويقين بأن نشر مذهب أهل البيت لم يكن إلا بفضل ثورة الإمام الخميني رضوان الله عليه. ولا شك أنكم تسمعون اليوم من نيجيريا عن رجل مؤمن هو الشيخ إبراهيم زكزاكي حفظه الله، هذا كان بفضل الثورة الإسلامية وبفضل هذا الرجل العظيم، الذي ترك أثراً على الإسلام بشكل عام ومذهب أهل البيت بشكل خاص، وله حق عظيم. وأنتم طبعاً تعرفون ما تحقق على يد هذا الرجل العظيم رضوان الله تعالى عليه، وقدس الله نفسه الزكية ان شاء الله.

وختاماً أقرأ روايتين في فضل فاطمة المعصومة (سلام الله عليها) وثواب زيارة قبرها؛ فعن سعد بن سعد قال: "سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن فاطمة بنت موسى بن جعفر. فقال عليه السلام: من زارها فله الجنّة" (عيون أخبار الرضا، ج1،ص299).

وعن الإمام محمد بن علي التقي الجواد ابن الرضا عليه السلام أنه قال: "من زار قبر عمتي بقُمٍّ فله الجنّة" (كامل الزيارات، ص324).