۲٠۲۲/٠٦/۱۹ ۱٣:۲۲:٠٤
خطبة صلاة الجمعة17 ذي القعدة 1443 لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


                                            بسم الله الرحمن الرحيم

 

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 17 ذي القعدة 1443ه:

الخطبة الأولى:

قلنا في الأسبوع الماضي أن موقفنا بالنسبة للفاسقين من المسلمين هو القول بأنّ الفسق أعمُّ من الكفر؛ فقد يكون الفاسق كافراً وقد يكون مسلماً، أي قد يجتمع الفسق مع الإسلام. ولكن دوام  الفسق يؤدي إلى الكفر؛ كما يقول الله تعالى: P ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ O (سورة الروم، 10).

إنّ المدمن على الذنب الذي لا يتوب إلى الله، مآلهُ إلى أن ينكر الله تعالى مع أنه شهد بتوحيد الله وبرسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن طبيعة الذنب هكذا؛ أن يجرّ الإنسان إلى الكفر بالله تعالى، فإذاً هذا ليس مبرراً لمن يرتكب الذنوب لأن يقول: إنّ الفسق قد يجتمع مع الدين، إذ إنّ روح الدين لا تقبل الفسق، فأصل الفسق أنه صفة للكافر، والمسلم حينما يرتكب الذنب ويخالف الله تعالى لا دين له وهو على تلك الحال، ولا يعتقد أن الله يراه، أي أن شيئاً من الشرك والكفر موجود في هذه الحالة، وهذا كفر عمليٌ وليس كفراً اعتقادياً، حيث يعتقد الإنسان بأن الله موجود ولكن في عمله يعمل عملاً لا يرضي الله تعالى.

ونقرأ في آية الحج: Pوَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ O(سورة آل عمران، 97)، أي: ومن لم يحجَّ بعد أن وجب عليه الحج، وخالف أمر الله فهو كافر، وليس معناه أنه أصبح كافراً في العقيدة وهو نجسٌ، بل هو كافر في مخالفة ما يقول الله تعالى، وهذا في المصطلح في "علم الكلام" يسمونه بالكفر العملي وليس الكفر الاعتقادي، فالفاسق كافر في العمل وليس في العقيدة، ولكن وقد يؤدي هذا الكفر في العمل إلى الكفر في العقيدة، كما أنّ بعضاّ في حياتنا كان مسلماً يصلي ويصوم، وكان يرتكب الحرام، واستمر في هذا الحرام حتى أصبح متعوداً عليه، فتراه بدأ يتكاسل عن صلاته وصومه، وشيئاً فشيئاً تراه ينكر الله جلّ وعلا، فإذاً يجب أن ننتبه لهذا الأمر.

وقد وصّانا أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) أن نراقب أنفسنا ونتوب في كل يوم من ذنوبنا، ولا نترك الذنوب تتراكم فوق بعض حتى تؤدي إلى الكفر بالله تعالى.

 إذاً: الفاسق الذي يرتكب الحرام هذا هو المقصود في هذه الكلمات، والأمر كان أن نجتنب الفاسق، هذا هو الأمر المبدئي الأصلي، ولكن قد ترى أنك إن اجتنبتَ الفاسق تماماً وأظهرت هذه الكراهية له قد يضرك هذا الشخص، لذلك يأمر أئمتنا (عليهم السلام) ويأمر الدين الإسلامي بمداراة الفاسق على الظاهر لأنه يرتكب الحرام ويخالف ربّه.

عن جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) قال: "قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): مُداراةُ الناس نِصفُ الإيمان، والرّفقُ بهم نصفُ العيش، ثم قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): خالطوا الأبرار سرّاً وخالطوا الفجار جهاراً، ولا تميلوا عليهم فيظلموكم، فإنه سيأتي عليكم زمانٌ لا ينجو فيه من ذوي الدين إلا من ظنّوا أنهُ أبله، وصبرَ نفسَهُ على أن يقال: إنّهُ أبلهُ لا عقل له" (الكافي، ج2، ص117). 

 معنى الحديث أنك إذا خالطتَ الأبرار ووجدتَ أن ذلك يضرك إنْ أبديتَهُ في أجواءٍ غيرِ إسلامية، فخالطهم سرّاً، وخالط الفجّار جهراً ولكنك تحافظ في قلبك على أن تكرههم، فقد تصل إلى زمانٍ لا يكون فيه الإيمان أمراً مرغوباً في مجتمعٍ ما، فعليك أن تداري الفجار والفساق مع الحرص على أن تكرههم في قلبك.

وفي رواية أخرى عن الإمام الحسن بن علي المجتبى (عليهما صلوات الله) عن الفجيع العقيلي قال حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) قال: "لما حضرت أبي الوفاة أقبل يوصي فقال ...ودارِ الفاسق عن دينك، وأبغضْهُ بقلبكَ، وزايِلهُ بأعمالك..." (أمالي الطوسي، ص8).

أي عليك أن تتعامل معه بالمداراة وليس المداهنة، والمداراة تعني ألا تستفزه؛ يُسلّم عليك فتردُّ السلام، يصافحك فتصافحهُ، هكذا تداري الفاسقين، والله تعالى يمقت الذنب والمذنب فكيف تحب أنت هذا المذنب؟

ولكن هناك من يفسق وأنت تقدرُ أن تأمره بالمعروف فعليك أن تأمره بالمعروف، وهناك من يرتكب الحرام وأنت تقدر أن تردعه عن الحرام فعليك أن تردعه ولا تشجعه بالمداراة، إنما المداراة بالنسبة للمعاند الذي أنت آيسٌ من هدايته.

وأما عن عواقب تكريم الفاسدين فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): "إذا سادَ القومَ فاسِقُهم، وكان زعيمُ القوم أذلّهم، وأُكرِمَ الرجلُ الفاسق فليُنتظر البلاء" (بحار الأنوار، ج74، ص139)، فلينتظر هذا المجتمع البلاء.

وهناك حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) مروي عند كلٍّ من السنّة و الشيعة حيث قال: "إذا مُدِح الفاسق اهتزّ لذلك العرشُ وغَضِبَ الربُّ" (ج74، ص152)، وهذا لحنٌ قاسٍ في النهي عن مدح الفاجر والفاسق.

الخطبة الثانية:

حان وقت الصيف وبدأت العطلة الصيفية للتلاميذ، وعلينا أن ننتهز هذه الفرصة ونملأ هذه الفراغات من أوقات أولادنا، وعلى المؤسسات الثقافية والإسلامية أن تقوم بهذا الواجب، من خلال تدريس بعض المواد الدراسية مثل القرآن، وأيضاً دروس التقوية المدرسيّة.

وهذا المصلى في المقام يقوم ببعض البرامج تحت عنوان "نجوم السماء" وهي برامج صباحية ومسائية، فعلى الأولاد أن يستفيدوا من هذه الدروس، وأعرف أنّ هناك أيضاً بعض المجموعات الثقافية الإسلامية لها اهتمام بهذا الشأن.

 يقول الله تعالى في سوره التحريم: Pيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ O(سورة التحريم، 6).

هذا الخطاب موجهٌ إلى كل مؤمن ليقوم بواجبه لنفسه ولأهله، كما أن نفقة أولادكم واجبة عليكم كذلك نفقتهم الروحية والمعنوية واجبة عليكم، وفي الآخرة سيسألنا الله تعالى عن أولادنا ماذا عملنا لهم؟ فعليكم أن تهتموا بأولادكم؛ بتعليمهم وتربيتهم.

أما بالنسبة لبعض الأمور التي تجري في حياتنا، فقد جعلتنا نهتم بالأشياء البسيطة ونترك الأشياء المهمة، نحن بفضل الله تعالى نعيش في أمنٍ وأمانٍ مع أنه هناك ظروف قاسية في المعيشة، ولكن بالنسبة للأمان قياساً بالسنوات الماضية فنحن نعيش بأمانٍ والحمد لله.

وأنتم المضحون، الذين بذلتم جهدكم لأن تهيؤوا الأمان لبلدكم، فعلينا أن لا ننسى تلك الأيام العصيبة، ولا ننسى وجود حقٍ علينا نحو مَن تخلّى عن كثير مما كان عنده من النعم، فبذل من أمواله وحياته ونفسه، والآن هو جريحٌ ومعاقٌ، ومَن ضحّى بولده في سبيل الإسلام وفي سبيل أن نعيش نحن في حياة كريمة في بلادنا، فلا ننسى عوائل الشهداء، يجب أن نكرمهم ونحترمهم.