۲٠۲۲/٠۹/۱۹ ۱۱:۱۵:۵۹
خطبة صلاة الجمعة بتاريخ 19 صفر 1444 هـ لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


بسم الله الرحمن الرحيم                                                        

 

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ الجمعة 19 صفر 1444هـ.                                                                                     

الخطبة الأولى:

 كنا نتحدث عن نمط الحياة وفقا للرؤية الإسلامية ووصلنا إلى بيان ضوابط علاقتنا بالمواطنين، وأول شيء يوصي به القرآن العظيم والشريعة المقدسة والنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومون هو حسن الخلق، وكما تعرفون أن حسن الخلق يختلف عن الابتسامة الظاهرية والبشاشة المصطنعة التي يهدف صاحبها من ورائها إلى تحقيق مكاسب مادية، فهذا موجود في الثقافة الغربية؛ عندما تدخل في محل يستقبلك ببشر، فهذا يكون لجلب المنافع المادية وليس وراءه شيء آخر. ليس المقصود من حسن الخلق هذا الأمر، لأن الغاية من الأخلاق في الإسلام - كما يقول فلاسفة الأخلاق - ليس جلب اللذات والمكاسب المادية، بل هو جلب رضا الله تعالى.

إذاً حسن الخلق في الثقافة الاسلامية متجذر في عقيدتنا بالله تعالى وبتدبيره وبحكمه على العالم بأجمعه، ويقول الله تعالى مدحاً لنبيّه (صلى الله عليه وآله) Pوَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظَيمٍO (سورة القلم، 4) فيصف خُلُقَهُ بالعظمة، كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إنّما بُعثتُ لأتمِّمَ مَكارِمَ الأخلاق" (بحار الأنوار، ج16، ص210)، والله تعالى يرى هذا الخلق العظيم الحسن في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نابعاً عن رحمة الله تعالى، فهو سبحانه قد أتمَّ بخُلُق نبيه الرحمة على عباده فقال سبحانه: Pفَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَO (سورة آل عمران، 159).

فلنعرف ما هو حد حسن الخلق في رأي أئمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، حيث يروى عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه أفضل صلوات المصلين) أن أحد أصحابه سألهُ: " قُلتُ لَهُ: ما حَدُّ حُسنِ الخُلُقِ؟ قالَ: تُلينُ جَناحَكَ، وتُطيبُ كَلامَكَ، وتَلقى أخاكَ بِبِشرٍ حَسَنٍ" (الكافي، ج2، ص103).

وأما في فضل حسن الخلق فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "ما مِنْ شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق" (مشكاة الأنوار، ج1، ص223)، وهذا ليس مبالغة، بل هذا كلام الرسول (صلى الله عليه وآله)، وتعرفون قصة الصحابي سعد بن معاذ عندما دفنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت أمه: يا سعد هنيئاً لك الجنة، ولكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لقد أصابته ضمة، هل حدث شيء؟  نعم، فمعاملته في بيته لم تكن معاملة طيبة، لهذا قضى الله تعالى أن يضغط عليه القبر.

وعن عنبسة العابد قال: قال لي أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): "ما يقدُمُ المؤمن على الله عز وجل بعمل بعد الفرائض أحب إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخُلُقِه" (ج68، ص375) هذه الباء في قوله "بعملٍ" هي باء الملابسة أو باء المصاحبة، يعني: ما يرد عبدٌ على الله تعالى ومعه عمل بعد الفرائض أحب الى الله من حسن الخلق. 

ماذا يتبع حسن الخلق من الآثار؟ عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): "...وحسن الخلق مجلبة للمودة" (تحف العقول، ص356) هذا أثر مادي ومعنوي أيضاً، إذا حسنتَ خلقك يأتي الناس إليك، فهذا يوجب محبتهم لك ويوجب الود، والعاقل يختار هذا الطريق، وكذلك عن الإمام الصادق (عليه السلام): "البِرُّ وحُسنُ الخُلُقِ يعمُرانِ الديار وَيَزيدانِ في الأعمار" (الكافي، ج2، ص100).

وأريد من الجميع أن يعدّوا في أنفسهم تفسيراً لهذا الحديث، فإن له مصاديق كثيرة، كيف ستكون دياركم عامرة بحسن الخلق؟ إذا كان فلان يحسن خلقه والآخر يحسن خلقه ماذا سيجري في المجتمع؟ أكيد أن هذا المجتمع سيكون مجتمعاً عامراً، والكلام الحكيم عندما يُسمع يُقبل ويُطبّق، هكذا يصبح المجتمع الذي يكون أهله أهل حُسنِ الخُلُق، مجتمعاً عامراً.

"ويزيد في العمر" هذا ما لا نقدر أن نحسبه، لأن العمر وكيفية تقديره ليس بيدنا ولكن هذا خبر من المعصوم (عليه السلام) أن حسن الخلق يسبب زيادة في عمر الإنسان، وقد نجد تفسيراً مادياً لهذا أيضاً: أن الإنسان ذا الخلق الحسن لا يعاني من مشاكل نفسية، أو يعاني بأقل من معاناة سيء الخلق، مما يؤدي - بطبيعة الحال – إلى أن تخفف المشاكل من أيام عمره بما يسببه سوء الخلق من ضرر بجسده، وهذا تفسير مادي ولكن حقيقة العمر بيد الله تعالى، ولا نعرف كيف يقدر الله تعالى عمراً لشخص ما، وعلى كل حال هذا الذي نفهمه بالحسابات المادية.

ولنذكر شيئاً من ثواب حسن الخلق، إذ المؤمن دائماً يبحث عن ثواب الله تعالى لأنه يعرف أن كل أجر باطل إلا أجر يأتي من الله تعالى، لأنه مستمر ولا يفنى ولا ينقص كما نقرأ في دعاء أيام شهر رجب عقب كل صلاة: "فإنه غير منقوص ما أعطيت" نعم نريد هذا الذي يكون غير منقوص، فما هو ثواب حسن الخلق؟

أولاً: القرب الإلهي، وهذا ما وعده أمير المؤمنين (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال عليٌّ (عليه السلام): "سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أكثر ما يدخل به الجنة، قال: تقوى الله وحسن الخلق" (عيون أخبار الرضا، ج1، ص41)، وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "ولا قربى كحسن الخلق" (مشكاة الأنوار، ص394)، والقربى هنا بمعنى القرب إلى الله تعالى.

ومن ثوابه أيضاً القرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: "أقربكم مني غداً وأوجبكم عليَّ شفاعة أصدقكم لساناً وآداكم للأمانة وأحسنكم خلقاً وأقربكم من الناس" (أمالي الصدوق، ص411).

ومن ثوابه أن حسن الخلق يستر الذنب، فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَمَلَ إِيمَانُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ ذُنُوباً لَمْ يَنْقُصْهُ ذَلِكَ، قَالَ وَهُوَ اَلصِّدْقُ وَأَدَاءُ اَلْأَمَانَةِ وَاَلْحَيَاءُ وَحُسْنُ اَلْخُلُقِ "(الكافي، ج2، ص99) افرض أن شخصاً مسلما قد يذنب بيده وبرجله وبلسانه ولكن لا يكون مدمناً للذنوب أو لا يكون مذنباً محترفاً - على حد تعبيري أنا - فإذا كانت فيه الخصال المذكورة فإن هذه الذنوب ستمحى بفضل هذه الشيم الصالحة، وسيترك هذه الذنوب فلا تجرُّهُ الذنوب إلى الهلاك لأنه حسن الخلق حيي يؤدي الأمانات وصادق لا يكذب.

وكذلك فإن حَسَنَ الخلق ينال ثواب الصلاة والصوم، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن العبد لينال بحسن خلقه درجة الصائم القائم" (عيون أخبار الرضا، ج2، ص137)، وفي حديث آخر يُذكر ثوابٌ آخر على حسن الخلق هو الحصول على ثواب الجهاد، فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): "إن الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح" (الكافي، ج2، ص101)، جعلنا الله من الملتزمين بمثل هذه التعليمات النيرة من أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام).

الخطبة الثانية:

مناسبة أربعينية استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عظيم على أهل البيت (عليهم السلام)، ونحن نعظم هذا اليوم وكأنه أصبح رمزاً لمن ينتظر ظهور الحجة، وهذه المسيرة "المشاية" التي تقوم بين النجف وكربلاء أصبحت رمزاً للمنتظرين لظهور الحجة، وترى في هذا المجتمع وفي هذه المسيرة خُلُقَ أهل الإسلام في عهد الظهور؛ فترى تكافلهم وتعاضدهم ومؤاخاتهم بعضهم بعضاً، وهذا يذكّركَ بالأحاديث الواردة حول عصر الظهور وكيف تكون معاملة المؤمنين مع بعضهم، فهؤلاء ممهدون للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.

فإذاً لا نخففْ قيمة هذه المسيرة بل نحافظ عليها بالمفاهيم العالية التي رسمتها الشريعة المقدسة، فمن يمشي في هذا الطريق يهتم بكل أمر من أمور المسلمين، سواء كان من أتباع أهل البيت أو لم يكن منهم أو كان من المستضعفين وغيرهم، وذلك بأن لا يكون محايداً حيال القضية الفلسطينية وقضية إخوانه في اليمن ومعاناة شعب سورية تحت اضطهاد العقوبات من قبل قوات شيطانية وعلى رأسها الإمبريالية العالمية الولايات المتحدة الخبيثة.

إن زوار الأربعين يهتمون بكل العالم الإسلامي، والمؤمن أخو المؤمن، فلا يمكن أن ينسى معاناته أبداً، وأنا هنا أذكر وأذكّركم بهذا الحديث عن الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام): "عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ: صَلَاةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَزِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ، وَالتَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ، وَتَعْفِيرُ الْجَبِينِ، وَالْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم" (التهذيب، ج6، ص52)، فصلاة إحدى وخمسين تعني الصلوات من فرائض ونوافل، وزيارة الأربعين هي هذه الزيارة المتمثلة في هذه المسيرة بين النجف وكربلاء، وجاءت الإشارة إلى التختم باليمين بما أن أعداء أهل البيت كانوا يصرون على أن يتختموا باليسار لأن علياً (عليه السلام) كان يتختم باليمين، فكأنه أصبح شعاراً لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) أنهم يتختمون باليمين، وتعفير الجبين معناه أننا نسجد على التراب لا على غيره، وقوله: الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم إشارة إلى أن فلاناً قال: لأن علياً يجهر ببسم الله أنا لا أجهر بها، من هنا فإن شيعة علي يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ولو في الصلوات الإخفاتية، كما هو ديدن العلماء، إذ يفتون باستحباب الجهر بالبسملة في الصلوات الإخفاتية كالظهر والعصر.

وأما ما جرى بالنسبة لأول زائر في أربعين شهادة الحسين (عليه الصلاة والسلام)، فلا شك أنه جابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي الجليل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان يحسب من شيعة عليّ (عليه السلام)، وهناك خلاف بين علمائنا أن زيارة جابر كانت متزامنة مع زيارة أهل البيت (عليهم السلام) عائدين من الشام أي في السنة الأولى من الأربعين الأول؟ أو جاء أهل البيت في السنة التالية؟ هذا حدث تاريخي، والمهم أن الزيارة قد وقعت.

يستدل بعض العلماء بأنه كان من الممكن أن تصل قافلة الإمام السجاد (عليه السلام) وزينب الكبرى (سلام الله عليها) وبقية الأسرى من أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) في الأربعين الأول متزامنين مع حضور جابر.

كان جابر بن عبد الله يشهد أيام طفولة الحسين (عليه السلام) وكانت عواطفه جياشة نحوه عليه السلام، ولما زار قبره تذكر تلك الأيام التي كان يرى فيها الحسين في حضن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث كان الرسول يقبل حسيناً، فأغمي على جابر فوق قبر الحسين (عليه السلام)، ولا غرابة في ذلك وهو يذكر كل تاريخ حياته مع الحسين (عليه السلام)، وتعرفون أن جابراً قد وفقه الله أن يرى الإمام الباقر (عليه السلام) ويبلغه سلام النبي (صلى الله عليه وآله)، وحين زيارته للحسين (عليه السلام) كان قد فقد بصره، فلا يقولنّ قائل لماذا لم يأتِ مع الحسين؟ فهو لم يكن قادراً على الجهاد.

ويروي عطية العوفي خبر الزيارة فيقول: خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري زائرين قبر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم اتّزر بإزار وارتدى بآخر ثم فتح صرة فيها سعدٌ (اسم عطر) فنثرها على بدنه ثم لم يخطُ خطوة إلا ذكر الله تعالى، حتى إذا دنا من القبر قال: يا عطية ألمسنيهِ، فألمسته فخرَّ على القبر مغشياً عليه فرششت عليه شيئاً من الماء، فلما أفاق قال: يا حسين يا حسين يا حسين، ثلاثاً ثم قال حبيب لا يجيب حبيبه. ثُمَّ قَالَ: وَأَنَّى لَكَ بِالْجَوَابِ وَ قَدْ شُحِطَتْ أَوْدَاجُكَ عَلَى أَثْبَاجِكَ ، وَ فُرِّقَ بَيْنَ بَدَنِكَ وَ رَأْسِكَ ، فَأَشْهَدُ أَنَّكَ ابْنُ النَّبِيِّينَ ، وَابْنُ سَيِّدِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ ابْنُ حَلِيفِ التَّقْوَى وَ سَلِيلِ الْهُدَى ، وَ خَامِسُ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ ، وَ ابْنُ سَيِّدِ النُّقَبَاءِ ، وَ ابْنُ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ ، وَ مَا لَكَ لَا تَكُونُ هَكَذَا وَ قَدْ غَذَّتْكَ كَفُّ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ، وَ رُبِّيتَ فِي حَجْرِ الْمُتَّقِينَ ، وَ رَضَعْتَ مِنْ ثَدْيِ الْإِيمَانِ ، وَ فُطِمْتَ بِالْإِسْلَامِ ، فَطِبْتَ حَيّاً وَ طِبْتَ مَيِّتاً ، غَيْرَ أَنَّ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ طَيِّبَةٍ لِفِرَاقِكَ ، وَ لَا شَاكَّةٍ فِي الْخِيَرَةِ لَكَ ، فَعَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ وَ رِضْوَانُهُ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ مَضَيْتَ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَخُوكَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا .

ثُمَّ جَالَ بِبَصَرِهِ حَوْلَ الْقَبْرِ، وَقَال: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْأَرْوَاحُ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَاءِ الْحُسَيْنِ وَ أَنَاخَتْ بِرَحْلِهِ ، أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ ، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ ، وَ أَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَ نَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَ جَاهَدْتُمُ الْمُلْحِدِينَ ، وَ عَبَدْتُمُ اللَّهَ حَتَّى أَتَاكُمُ الْيَقِينُ ، وَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَقَدْ شَارَكْنَاكُمْ فِيمَا دَخَلْتُمْ فِيهِ .

قَالَ عَطِيَّةُ: فَقُلْتُ لِجَابِرٍ ، وَ كَيْفَ وَ لَمْ نَهْبِطْ وَادِياً ، وَ لَمْ نَعْلُ جَبَلًا ، وَ لَمْ نَضْرِبْ بِسَيْفٍ ، وَالْقَوْمُ قَدْ فُرِّقَ بَيْنَ رُءُوسِهِمْ وَ أَبْدَانِهِمْ ، وَ أُوتِمَتْ أَوْلَادُهُمْ ، وَ أَرْمَلَتِ الْأَزْوَاجُ ؟! فَقَالَ لِي : يَا عَطِيَّةُ ، سَمِعْتُ حَبِيبِي رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) يَقُولُ: "مَنْ أَحَبَّ قَوْماً حُشِرَ مَعَهُمْ ، وَ مَنْ أَحَبَّ عَمَلَ قَوْمٍ أُشْرِكَ فِي عَمَلِهِمْ". وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً إِنَّ نِيَّتِي وَ نِيَّةَ أَصْحَابِي عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ وَ أَصْحَابُهُ.

وفي هذا الكلام تسلية لكم لتكونوا آملين بأن تنالوا ثواب من كان مع الحسين (عليه الصلاة والسلام)، ولنتساءل: هل نحب حسيناً هل نكون ممن يريد أن يجاهد مع الحسين؟ هل نكون ممن يتجرأ أن يقول يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزاً عظيماً؟ هذا الشعب السوري الذي أعرف كثيراً منهم، أعرف أنهم قد فقدوا أولادهم في طريق الحسين فقدوا أحبتهم فدافعوا عن طريق الحسين عليه السلام في هذا البلد، قاوموا أعداء الحسين وقاتلوهم هؤلاء يمكن أن يدّعوا أنهم لو كانوا في كربلاء لكانوا مع الحسين (عليه السلام) وكانوا يدافعون عن أهل بيت الحسين (عليه السلام) هؤلاء دافعوا عن زينب (سلام الله عليها) ولو كانوا معها كانوا يدافعون عنها وما كانوا ليسمحوا أن تؤسر زينب (سلام الله تعالى عليها).

ثم قال جابر: يَا عَطِيَّةُ، هَلْ أُوصِيكَ وَمَا أَظُنُّ أَنَّنِي بَعْدَ هَذِهِ السَّفَرَةِ مُلَاقِيكَ، أَحِبَّ مُحِبَّ آلِ مُحَمَّدٍ مَا أَحَبَّهُمْ، وَأَبْغِضْ مُبْغِضَ آلِ مُحَمَّدٍ مَا أَبْغَضَهُمْ وَإِنْ كَانَ صَوَّاماً قَوَّاماً، وَارْفُقْ بِمُحِبِّ آلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ إِنْ تَزِلَّ لَهُمْ قَدَمٌ بِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ ثَبَتَتْ لَهُمْ أُخْرَى بِمَحَبَّتِهِمْ، فَإِنَّ مُحِبَّهُمْ يَعُودُ إِلَى الْجَنَّةِ وَمُبْغِضَهُمْ يَعُودُ إِلَى النَّارِ.