۲٠۲۲/۱۱/۲۹ ۱۷:٣۲:٣٤
السيدة زينب (عليها السلام) والعفاف


 باسمه تعالى
 عنوان اليوم الثاني: 
 سيدة العفاف زينب عليها السلام
 
إنّ آية جمال زينب وجلالها وعفافها في كلّ شؤونها ومواقفها، والمؤشر القوي في ذلك صيانة نفسها عن الدنايا مطلقا، وقد تجلى ذلك في كلامها وحجابها وحاجاتها، فازدانت العفة بزينب علیهاالسلام بعد أن تجمّلت زينب بها؛ فتسامت إلى مدارج الكمال وتسنّمت بالعفة ذروة العلياء؛ فأصبحت أميرة العفاف وسيدته.
 
إنّ العفة الزينبية مدرسة ينهل من معينها كل من أراد التحصن بالعفة من الرجال والنساء، خصوصا في الشدائد التي تتصارع فيها قوى الشر لتسقط الإنسان في أتون النفس الأمارة بالسوء وتجعله مهادنا أو مطبِّعا مع عدو الله وعدو رسوله والكتاب المبين.
 
ظهرت آثار العفاف في محطات مهمّة من حياة زينب الكبرى يمكن ذكر بعضها في الآتي: 
العفاف والمرجعيّة العلمية: وذلك لمّا كانت في الكوفة في أيّام ابيها وكان لها مجلس خاصّ تزدحم عليها السيدات وهي تفسّر القرآن الكريم فباتت المرجع الأعلى لهنّ بل لبعض كبار الصحابة يروون الأحاديث عنها؛ مثل ابن عباس حبر الأمّة، والكل يقول حدّثتنا "العقيلة"، وكذلك عندما كانت زينب سلام الله عليها  تنوب عن أخيها الإمام الحسين عليه السلام في حال غيابه، فيرجع المسلمون إليها في المسائل الشرعيّة؛ فنجد أنها في سياق نشر العلوم والمعارف تحافظ على شرفها وعزها في بيتها والمجتمع؛ وفي الوقت نفسه باتت رمز العفة يتعلّم الناس منها حقيتها في المنظومة الأخلاقية وكيفية تطبيقها سلوكاً.
العفاف وبناء الذات: فقد تربت زينب الكبرى سلام الله عليها في بيت صدر عنه الإيمان وكان مهبط الوحي وأنوار الرحمان، فما من صفة كريمة أو نزعة إيمانية إلا ومنبعها في ذلك البيت المحمدي العلوي، فأصبحت العناصر الذاتية لزينب سلام الله عليها وفضائلها الإيمانية تدور مدار التربية المحمدية والرعاية العلوية والفاطمية؛ فكان الرائد لمدرسة العفاف هو محمد وعلي وفاطمة، وبالتالي راحت زينب ترشف ما جاء في تعاليم الوحي من مشاهد العفة ليوسف وبنات شعيب إلى أن تحلّت بها وورثت خصائصها وآثارها، وحكت تفاصيلها بأروع صورها في المدينة والكوفة وكربلاء والشام. 
 
العفاف ومواجهة الطاغوت: إنّ المواقف الصعبة تكشف معادن الناس، ولا يوم كيوم الحسين من حيث المأساة من جهة وسمو الأهداف وثقل المسؤولية بعد شهادته بتلك المشاهد الفظيعة من جهة أخرى، في ذاك الحين كانت زينب سلام الله عليها وهي المحور للثورة الحسينية  بقاء ترتكز على مبادئ قيمية لا يمكن التنازل عنها؛ بل جاهد من أجلها أخوها؛ فكانت سفيرة مكارم الأخلاق وعلى رأسها العفاف، وها هو الحسين فقد ربط قساوة قلوب القوم المجتمعين على قتله بلقمة "الحرام" أي عدم رعاية بعض موارد العفاف مثل عفة البطن، كما أنّ الطاغية يزيد قد انتهك كل أشكال العفاف باستخدام القيان والقردة وشرب الخمر وأكل الحرام، عند ذلك تقف العقيلة زينب سلام الله عليها رائدة العفة مواقف الأبطال وتصدع بالحقيقة أمام الطاغية، ولما يستهزئ بها فتترفع عن مجاراته والرد عليه بقولها: "ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، واستكبر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حبرى".
 
تجسيد العفاف سلوكا؛ لم تكن زينب سلام الله عليها من اللواتي يرفعن شعار العفاف ويجعلنه دثاراً أيام الرخاء، بل حوّلت العفة وهي صفة نفسانية إلى سلوك عملي جعلتها في موقف القوة يهابها العدو، ويلوذ بها الموالي، وقد زعم البعض أن زينب سلام الله عليها امرأة منكسرة هدتها الخطوب بعد شهادة أخيها الحسين سلام الله عليه لكنه زعم باطل ووهم فاسد، والأمثلة على بسالتها بعفتها كثيرة؛ فخير مثال على ذلك عندما التفت ابن مرجانة إلى عائلة الإمام، فرأى سيدة منحازة في ناحية من مجلسه، وعليها أرذل الثياب وقد حفّت بها المهابة والجلال فانبرى ابن مرجانة سائلاً عنها، ففال: "من هذه التي انحازت ناحية ومعها نساؤها.."؟
 
فأعرضت عنه احتقاراً واستهانة به، وبعد أن كرّر السؤال ولم تجبه زينب سلام الله عليها؛ انبرت إحدى السيدات فأجابته: "هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله.."؛ حينئذٍ التاع الخبيث من احتقارها له؛ لأنه أمام لبوة أسد الله الغالب علي بن أبي طالب زينب الكبرى سلام الله عليها تعلم الناس أن العفاف أقوى وسيلة في التأثير على الخصوم، ونقرأ في موقف آخر أنّ العقيلة زينب( طلبت من حاملي الرؤوس الطاهرة أن يسير في المقدّمة لينشغل الناس بها عن تصفّح وجوه بنات رسول الله صلي الله عليه و آله وأهل بيت الحسين سلام الله عليهم.
 
 تحصين المجتمع من خلال العفة؛ تلبدت الأجواء بعد أن فضحت زينب سلام الله عليها بخطاباتها النارية أفعال ابن زياد وكذلك الطاغية يزيد؛ خصوصاً لمّا ركزت على فعل شنيع قام به جنود العدو، وقد أشارت العقيلة إلى هذا المعنى عندما خاطبت يزيد بقولها: "أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك ونساءك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوهن، تحدو بهن وجوههن القريب والبعيد.."! فكانت تريد زينب أن تشير إلى جرائم الطاغية في مجال هتك الحرمات باستهداف عفاف النساء المؤمنات، والمفروض ممن يدعي خلافة الرسول( أن يكون أكثر حرصا على الصفات الخلقية خصوصا العفة؛ وبالتالي لا يمكن الحديث عن العفة إلا أن تكون سلوكا فرديا واجتماعيا ومسؤولية عامة تقع على عاتق الجميع.
 
وأيا يكن؛ فزينب التي هي بنت الطهر والطهارة والنبوة والعصمة، قد أبلت بلاءً حسنا في الدفاع عن العفّة قولاً وفعلاً، وجعلتها سلاحاً فعّالاً في سبيل دفاعها عن الإسلام، والمجتمع الإسلامي بعد أن وجدت بأنّ الطغاة استهدفوا القيم الإنسانيّة والإسلامية ومنها "العفة"، فالتزمت بها أوّلا، ثم عزّزت معانيها وآثارها ومراتبها في الفرد والمجتمع؛ لم لا وزينب وريثة الزهراء السيدة الأولى في مدرسة العفاف.
 
معاونیة البحوث والتعلیم فی مکتب الامام الخامنئی دامت برکاته