۲٠۲۲/۱۲/٠٣ ۱٤:۱۲:٣۵
مدرسة السيدة زينب( عليها السلام) في رعاية أسر الشهداء


مدرسة السيدة زينب( عليها السلام) في رعاية أسر الشهداء

إنّ الجانب المشرق الآخر في حياة العقيلة زينب هو رعايتها لأسر الشهداء، ولا تنحصر ذلك بشهداء كربلاء فقط، بل تمتد مواساتها ورعايتها لهم إلى كلّ شهداء الإسلام في حياتها، وهذا ليس بعزيز عليها حيث عاشت في أسرة أدّت واجبها تجاه الشهيد والشهادة خير تأدية؛ من إعداد المجاهدين ثمّ رعاية أسرهم واحتوائهم بأبهى الصور.

أن تكون أم الشهيد وأخت الشهيد كالسيدة زينب (عليها السلام) هي راعية لكل أسر شهداء الطف فهذا يدل على رمزية هذا العمل ومحوريته وأهميته في مرحلة مواجهة العدو وكذلك لزوم حفظ أثمن الأمانات وهي دماء الشهداء وذويهم.

إنّ تكريم السيدة زينب للشهداء من خلال رعاية أسرهم هو شكل آخر لنضالها ومقاومتها لمشاريع العدوّ، وإنّه منهج إسلامي له أصوله المستمدة في القرآن والسيرة المحمّدية؛ وما قامت به العقيلة زينب لا يعتبر عمل هامشي بل وظيفة رساليّة ووسيلة مهمة في سياق محاربة العدو.

كرّمت السيدة زينب (عليها السلام) أسر الشهداء بأشكال مختلفة ومتنوعة يمكن الإشارة إلى أهمّها في الآتي:

1-      المواساة العاطفية؛ شهدت زينب كلّ الفصول الدامية في كربلاء، وما جرت على أصحاب الحسين وأهل بيته؛ فكانت ترعى تلكم المشاعر والعواطف الجياشة والإيمانية الصادقة بحضورها اللافت مع أخيها الحسين عند الشهداء والمشاركة الفعلية في الندبة عليهم ممّا كانت تساعد على تخفيف آلام الفراق وفقدان الأحبّة؛ وعلى سبيل المثال لما سمعت العقيلة بشهادة علي الأكبر هرعت من خدرها، وأكبّت بنفسها على ابن أخيها وكأنّه الأعز عندها من أبنائها؛ فجعلت تندبه وتذرف له الدموع إلى أن انهارت قواها، وانبرى إليها الإمام الحسين (عليه السلام) وجعل يعزيها بمصابها الأليم؛ إن هذا الموقف يكشف بوضوح عن رعايتها لأب شهيد يحتاج في اللحظات الأولى من الاحتواء العاطفي؛ ومن مثل زينب التي ملؤها الإيمان والمشاعر الصادقة وقد خبرت الكثير من هذه الأحداث منذ شهادة أمها الزهراء إلى مصارع الشهداء في كربلاء.

2-      المواساة بالتفاني؛ لا نقصد بالمواساة بالتفاني المعنى الضيق والمحدود لها، بل المراد هو إيثار عوائل الشهداء بما هو متوفر من مال ونفس ولو كان بها خصاصة وعلى حساب الحياة؛ وهذا أمر طبيعي لأسرة نزلت فيها الآيات الأولى من سورة "الإنسان" تكريماً لأفرادها بعد أن أطعموا الطعام على حبّ الله مسكيناً ويتيما وأسيراً؛ كلّ ذلك من منطلق أداء المهام الرساليّة لذلك لا يريدون جزاءً وشكوراً.

والمتأمّل في مجريات ما بعد مجزرة كربلاء يلامس بوضوح اهتمام العقيلة زينب بأسر الشهداء ورعايتهم بشتى الطرق، من محاولة الدفاع عن بنات الرسالة واليتامى عندما أوعزت القيادة العامّة إلى الجند بحرق الخيام، وكذلك لمّا سارعت العقيلةB نحو الإمام زين العابدين وتعلقت به كيلا يقتل الإمام مهددة الفجرة بقولها: "لا يقتل حتّى أقتل دونه.." وقد تكرّر الموقف نفسه مرّة أخرى في مجلس ابن زياد لما همّ اللعين إلى قتل البقية من نسل الحسين فاختضنت ابن أخيها، وقالت لابن مرجانة: "حسبك يابن زياد من دمائنا ما سفكت، وهل أبقيت أحداً غير هذا؟ فإن أردت قتله فاقتلني معه"؛ فببركة العقيلة نجى الإمام (عليهم السلام) من الموت المحتم؛ وهذا لون آخر من ألوان رعاية أسر الشهداء.

3-      بناء الذات: كثيرة هي المواقف البطولية للعقيلة زينب  على كافة الصعد خصوصاً عند احتواءها لأسر الشهداء عبر بناء ذاتهم الإيمانية المتوازنة؛ بدءاً من مسح الأيدي على رؤوس الأيتام، ومشاركتهم في الطعام واللباس، ومواساتهم بالحزن والبكاء، وانتهاء بتقديم أسر الشهداء على مستوى التعزية قولاً وعملاً، وذلك عندما التقت بأم البنين في المدينة، فقدّمت العقيلة  أولادَ أم البنين على أولادها بمواساتها! مع أن زينب أيضا أم الشهداء.

والموقف الآخر المهم أيضاً ما نراه في فصول خطابها ومعانيها؛ فلم تتطلق في مقارعتها للعدو من خلال أسرتها فقط أو أخاها الحسين ، بل كانت تحمل في قلبها وخطاباتها كلّ الشهداء؛ فكأنهم أولادها أو أخوتها، وهي المتحدّثة عنهم جميعاً والمحامية عنهم على حدّ سواء، في الوقت الذي برعت في بناء كلماتها بنسج عقدي ومعرفي وقيمي؛ كي تبقى مواقفها ثابتة في نفوس المؤمنين وتعزز في ذاتهم معاني الإيمان والصبر والفداء.

بمعنى آخر؛ اهتمت السيدة زينب بعوائل الشهداء من الناحية المعرفيّة والقيمية والنفسيّة فعززت فيهم كل هذه المعاني الصادقة بمرتكزات إيمانية، ولا يتأتى ذلك إلّا السمو من مستوى الذات الفردية إلى مستوى الأمة والشعور بالمسؤولية تجاهها، واعتبرت العقيلة قضايا ذوي الشهداء قضيتها المركزية؛ وبالتالي عززت فيهم روح الصمود والمقاومة والإخاء.

وبالتالي لم يكن تكريمها للشهداء من منطلق زائل بل من مبدأ الإسلام والقرآن؛ وتلزم الإشارة أيضا أن رعايتها كانت رعاية شاملة لكل ما يخص ذوي الشهداء وجميع شؤونهم فاستوعبت البعد النفسي والمعرفي والعاطفي والمادي.

حقا إنها مدرسة الكرامة، والوفاء

                                                                                                        والحمد لله رب العالمين

                                                                                                                  قسم البحوث