من ركائز القوة التي يستند إليه مذهب أهل البيت عليهم السلام ارتباط الأصل العقدي المتمثل في الإمامة الإلهية بمسألة المرجعية، وكانت هذه الركيزة محطّ انظار الأعداء لذا نراهم يجهدون في إثارة الشكوك والشبهات حول مفهوم المرجعية ومشروعيتها ودورها. ونحاول في هذا المقال عرض الأدلة العقلية والنقلية المتعلقة بمسألة المرجعية، والتي ينبغي توضيحُها للناس ببيانٍ سهلٍ يسير.
مرجعية التقليد:
هي رجوع المكلّف إلى الفقيه الجامع للشرائط لمعرفة حكمه الشرعيّ. والدليل على وجوب التقليد:
أولاً: النص القرآني:
أ - قوله تعالى: ﴿...فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ﴾(التوبة:122).
ب- قوله تعالى: (...فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(النحل| 43)
وهذا توجيه لسؤال الذين يعلمون عند عدم العلم، فمثل هذه النصوص تؤسّس مبدأ رجوع الجاهل إلى العالم، وهذا هو التقليد. على أنّ المنطلق القرآني لمبدأ التقليد عمدته هاتان الآيتان.
ثانيا: النص الحديثي:
الرواية عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام: "فأمَّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه " (وسائل الشيعة، ج27، ص131).
فذيل الخبر دالّ على مشروعيّة رجوع العوامّ للعالم، وخبر إسحاق بن يعقوب المتحدّث عن التوقيع الصادر من الإمام المهدي بحسب الرواية التي رواها لنا الشيخ الصدوق: «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم، ورواة الحديث هم الفقهاء الذين يعرفون الفتاوى والأحكام الشرعيّة، وكذلك النصوص التي يُرجِع فيها الأئمّة شيعتهم لأشخاص بأعيانهم ـ وهي المعروفة بنصوص الإرجاعات ـ كزرارة، ومحمّد بن مسلم، أو النصوص التي يأمرون فيها بعض العلماء من أصحابهم مثل أبان بن تغلب ومعاذ بن مسلم النحوي بالتصدّي للإفتاء في المسجد، وهذا يعني أنّ فكرة التقليد كانت موجودة وأنّ أهل البيت كرّسوها في الشريعة، أو النصوص التي تنهى عن الفتوى بغير علم، فإنّه يُفهم منها أنّ الفتوى بعلمٍ جائزة، ولا معنى لجواز الإفتاء بعلمٍ إذا لم تكن الفتوى حجّة. وبالجملة فالنص الحديثي يقف إلى جانب النص القرآني في تعزيز فكرة رجوع الجاهل إلى العالم بالصورة المأنوسة اليوم وفق هذا الاستنتاج.
ثالثاً: السيرة العقلانية
إن سيرة العقلاء قائمة على أساس قاعدة رجوع الجاهل إلى العالم المستندة إلى عدة من النصوص القرآنية والحديثية، وباعتبار أنَّنا مخاطبون بالتكاليف فقد حددت أحكام التقليد، فإذا كنَّا لا نملك القدرة على استنباط الأحكام من مصادرها، فلا بدَّ من الرجوع إلى الفقهاء لأخذ أحكام الشريعة،
وينبغي الالتفات هنا إلى جوانب أربعة تناط بمراجع التقليد الأول (حجية الفتوى) إذ قال الإمام العسكري(ع): "فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه"، والثاني (نفوذ قضائه)، فقد قال الإمام الصادق(ع) : " قل لهم: إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا، فإني جعلته عليكم قاضيا، وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر" (وسائل الشيعة، ج27،ص139). والثالث (ولاية التصرف في المجتمع الإسلامي)، فقد ورد عن الإمام الحسين(ع): "مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه"، كما ورد عن الإمام الصادق(ع): "الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك" (محمدي ريشهري، الحكمة في الكتاب والسنة، ص350). والرابع (لزوم التسليم له)، فقد ورد عن الإمام الصادق(ع): "يُنظر إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله" (الكافي، ج7، ص412).
رابعاً: الإجماع وسيرة المتشرعة:
وهذين الدليلين حاضرين ومستندين إلى الصحابة والتابعين لأهل البيت عليهم السلام ثم العلماء بعدهم، فالمتشرعة كانوا يرجعون إلى الإمام المعصوم في حياته ليتلقوا العلوم الشرعية وكذلك الفقهاء في القرون الخمسة الأولى كان كلامهم واتفاقهم على أن التقليد أحد الطرق الثلاث التي يلزم المكلف سلوكها.
خامساً: دليل الانسداد:
هو القائل بعدم وجود علم لكل مكلف بكل الأحكام الشرعية إلا أحد الطرق الثلاث وهي الاجتهاد والاحتياط والتقليد؛ فمن لم يجتهد أو يحتَطْ يلزمه التقليد وإلا فما جوابه يوم القيامة، فالعقل يحكم بانحصار الطرق الثلاث لأنه يحكم بوجوب تفريغ الذمة عن التكاليف الشرعية الموجهة وهو وجوب عقلي لتفريغ الذمة كما اعتبر صاحب الكفاية أنه حكم فطري جبلّي.
شروط مرجعية التقليد
الشروط المطلوبة في مرجعية التقليد ثلاثة
1-الاجتهاد، وبعبارة أخرى الفقاهة، وهي القدرة على استنباط الحكم الشرعي من مصادره.
2-العدالة والورع ليُطَمأَنَّ إلى فتاواه أنَّه يخبر عن حقيقة ما توصل إليه اجتهاده.
3-الضبط ومعناه أن لا يكون الفقيه مبتلى بكثرة النسيان والسهو والاشتباه.