۲٠۲۲/٠٤/۲۸ ۱۲:٤۱:۱٠
القضية الفلسطينية بين إنجازات محور المقاومة و أوهام المطبّعين


????كلمة حجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي ممثل الإمام الخامنئي (دام ظله) في سورية في افتتاح الندوة الفكرية تحت عنوان :
القضية الفلسطينية بين إنجازات محور المقاومة و أوهام المطبّعين

رؤى وآليات المواجهة المطلوبة في وجه العدوان والتطبيع

بسم الله الرحمن الرحيم
 وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (سورة الأنفال، 60)

????لا تزالُ ساحات المواجهة بين الحق والباطل تشهد جولةً بعد جولة، وتطوي حَدَثاً على أَثَرِ حدثٍ، ولا يزالُ معسكر الشيطان يحشُدُ في وجه الحق وأهله أعتى أسلحته الخفية والظاهرة، إلى أن تمخّضَ سعيهُ عن إنشاء منظومة عالمية استكبارية، أقامتْ عناصر قوّتها المادية على جماجم وكرامات وأماني الأبرياء والمستضعفين في أنحاء العالم.
وإمعاناً في تمزيق ما بقي من أوصال الشعوب المستهدَفَة، ومنعاً لها من النهوض مجدداً لاستعادة كرامتها الـمُستَلَبة، عمدَ شياطين هذا النظام العالمي الفاجر إلى غرس كتلة سرطانية مسمومة في جسد العالم الإسلامي، هي الكيان الصهيوني اللقيط، في بقعةٍ تتمتعُ - إلى جانب بُعدها المعنوي الديني والحضاري - بأبعادٍ إستراتيجية لا تخفى على أحد، وهي فلسطينُ الحبيبة، وعمل رعاة وحلفاء هذا الكيان اللقيط الظاهرون والمستترون، على تمهيد الأرضية لعملية ابتلاع الأرض وتشويه التاريخ، وتحطيم آمال الحاضر والمستقبل، ووفّروا له الغطاء القانوني المطلوب من خلال اعتراف الأمم المتحدة به جزءاً من المنظومة الدولية، وإشراكه في مؤسساتها الفرعية.  

????فتوالتْ على شعوبِ هذه المنطقة فصولُ العدوان العسكري الصهيوني، الذي يرمي إلى فرض واقعٍ "جيوسياسيٍّ" يكون كالشوكة في الحلْق، إزاءَ أية محاولة للنهوض أو استعادة الحق المغتصب.
وتحوّلَ الكيان اللقيط إلى خزّانٍ لحشد وتجميع أعتى أسلحة الفتك والعدوان، المصنّعة في أوكار الشيطان الأكبر وأذنابه ونظائره، تلك الأوكارُ التي لم تُخفِ وقاحتَها في التلاعب بالشعارات الرنانة المتعلقة بالسلم الدولي، وحقوق الإنسان، ونزع أسلحة الدمار الشامل، بل وقامت - تحت ذريعة هذه الشعارات الفضفاضة-  بتدمير دولٍ وتمزيق مجتمعاتٍ بأكملها.

????وبعد بروز خطِّ المقاومة الشاملة في المنطقة، ولا سيما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، والمقاومة الإسلامية في لبنان، عمدت القوى الاستكبارية الغربية عبر ربيبتها الخبيثة المسماة "إسرائيل"، وبمباركة صامتةٍ - ثُم جَليّةٍ – من أذنابها الإقليميين، إلى الاتجاه نحو ألوانٍ مبتكرة من العدوان السياسي والاقتصادي والثقافي، لتستكمل مشروعَها الإجراميَ، وتلتفّ على محاولات الوعي، أو بَوَادِرِ الصحوة والمقاومة لدى الشعوب.

????فعملَ العدو - ولا يزال - على اختراق البُنية السياسيّة والمجتمعية والفكرية لشعوبنا، فلعبَ بمقاييس الإخاء والعداء، وحاول قلبَهَا بخلاف حقائق التاريخ والمنطق، واخترع سيناريوهات لعداواتٍ لا وجودَ لها بين المسلمين، أو بين أبناء المنطقة الواحدة، واستثمر سياسياً في أجواء الترهّل والانحلال الخُلُقيِّ التي أصابتْ جملةً من أنظمة المنطقة، وأدّتْ بها إلى الارتماء الكامل في أحضان العدو، انطلاقاً من أوهام التخويف من الجمهورية الإسلامية، أو غيرها من قوى الخير والأخوّة الإسلامية.
وسعى العدو جاهداً لتخريب المرتكزات العقائدية والثقافية التي تحول بينه وبين المقبولية لدى شعوبنا، وساعده على ذلك - للأسف الشديد- النزوعُ نحو الانبطاح والعمالة لدى الكثير من الأنظمة كما أسلفنا، كما ساعده على ذلك الضخّ الإعلامي الكثيف الممهِّدِ له.

????ولكنْ يأبى الله تعالى إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، فالبصيرة الجهادية في نضوجٍ مستمر، والأنفاس المقاوِمة تنشر أريجَها وتُحيي آمالَ المستضعفين بنصرٍ قريب، وها هو الشعب الفلسطيني الصامد ينزل إلى ساحات المواجهة، التي لم تعد مقتصرة على ما كان مألوفاً في إطار التنظيمات والحركات والأحزاب، بل تعدّاه إلى ثورة شعبية عارمة في وجه المحتل، فوصلت نيران هذه الثورة المباركة إلى قلب الكيان الغاصب في الداخل الفلسطيني المسماة أراضي عام 1948، وكانت الضربة القاصمة أنّ عاصمةَ هذا الكيان اللقيط "تل أبيب" باتت هي الأخرى ساحة لعملياتٍ بطوليةٍ كسرتْ كبرياء الكيان وفضحت هَشاشته، ودقّت مسماراً جديداً في نعشه.
 ولا يفوتنا هنا أنْ نُطمْئِنَ المنتظِرِين فجرَ الانتصار، ونؤكّدَ للحليفِ والصديقِ، ونقيمَ الحُجّةَ على المتخاذلِ أو الـمُخذِّل أو المشتَبِه، أنّ بوادر الانكسار وبدءَ العدّ العكسيّ لزوال سرطان الصهيونية حقيقةٌ ناصعةٌ، باتتْ تُطرَحُ صراحة على ألسُن الصهاينة أنفسِهِم، حيث يشير قادتهم ومحلِّلوهُم إلى أنّ الكيان دخل مرحلةَ الانهيار والأفول، وأنّ كل ما يقومون به الآن لا يعدو كونُه محاولاتٍ يائسةً لتأخير هذا السقوط الحتمي.

???? أيها الحضور الكرام:
لا أعتبرُ هذا العرض الموجز إخباراً لكم، فأنتم المطلعون وأرباب الفكر والثقافة، بل أراه جزءاً من واجب التذكير عملاً بقوله تعالى "وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"، وأراهُ أيضاً جزءاً يؤسس لما سأطرحه من تصوراتٍ حول منهجية المواجهة وخطواتها، التي تتناسب مع طبيعة المعركة، والآمال المعقودة عليها، وتُراعي مَوَاطن الضعف والقوة لدى العدو، ولدينا أيضاً.  

???? أيها الإخوة الأعزة:
ونحن نتكلم عن طبيعة الصراع الشرس مع هذا العدو الحاقد المتجبّر، ونحن نقف على أعتاب يوم القدس العالمي، علينا أن نتوقف مليّاً عند الإبداع الإيماني الذي جسّدتهُ خطوة الإمام الخميني العظيم (قدس سره)، وهو البصير الناظر بنور الله إلى طبيعة هذا الصراع؛ حيث كشفَ اللثام عن خلفيات الصراع ومآلاته، وعرّى مصطلحاتِ العدو الخادعةَ، ووضع النقاط على الحروف، وأكد على عمق واستمرارية هذه المواجهة المشروعة الدينية والأخلاقية مع العدو الوجودي اللدود، وانطلق من صميم الإسلام المحمدي الأصيل، ومن جامعية شهر الله تعالى، شهر رمضان المبارك، ومن قدسية آخر جمعة فيه، ليُرسِيَ للأمة جمعاء - بل للإنسانية جمعاء - طَودَ التلاقي على طريق رفع الظلم عن شعبٍ عبثَ عالمُ الاستكبار بماضيه وحاضره، وخنقَ آفاق مستقبله.  

????لقد كان فكر الإمام الخميني (قدس سره) نابعاً من عمق الرسالة، مستنداً على واضحات بيانها، متجافياً عن لوثةِ تحريفِها إرضاءً لهوى النفسِ أو مَصَالحِ الأنظمة أو ضغوطِ الأعداء، فتركها كلمةً باقيةً في عقبِهِ من أهل خطهِ الأصيل، وترددتْ أصداؤها نقيةً مسموعةً لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد.

ونحن الناهلون من هذا الـمَعين الرساليّ العذب، إذ نُعايش حساسية المرحلة ومتطلباتِها، وندرك دورنا النخبويَّ المسؤول، ونراقب ببصيرة وثباتٍ وصبرٍ تحركاتِ العدو، ونواجهُها بما أوتينا من قوةِ الروح والعتادِ والتدبير، نجدُ لزاماً علينا أن نعيدَ رصفَ مفرداتِ المواجهة، لتكون مستوعبةً لعناصرِ النصر المنشود إن شاء الله تعالى، ولعلّ في مقدوري هنا أن أشير بإيجاز - بحسب ما يسمح الوقت والمقام - إلى أبرز رؤى وآليات المواجهة المطلوبة:
   
????    أولاً: رد الشبهات العَقَدية والفكرية المتعلقة بمحورية القدس في الفكر الإسلامي، فلا شك في أن هذا هو الباب الأخطر الذي عمل العدو - ولا يزال - على التسلل منه لِفصلِ القضية عن أبعادها المعنوية الباعثة على المواجهة، ويبدو واضحاً هنا أنّ المسؤولية الكبرى تقعُ على عاتق النخب الفكرية والثقافية، والقائمين بمسؤوليات البناء الرساليّ للأجيال، عبرَ تحديدِ معالم العدو الحقيقي، وتكسيرِ أصنام العداوات المزيفةِ التي يرادُ إشغالُ الأمة الواحدة بها.

????ثانياً: بيان الواجب الشرعي الفقهي تجاه القضية الفلسطينية، وهذا من شأنه أن يُقيم الحُجة على الأمة أنظمةً وأفراداً من جهة، وأن يحسم - من جهة أخرى - مادّة الجدلِ التي قد يستثمرها بعضٌ للإلهاء والتشتيت، مستفيدين من غياب النظر الفقهي الواضح لدى عامة الناس.
ولا يفوتنا هنا أن نشيرَ إلى كثافة النصوص الفقهية الإسلامية التي تُعرّي محاولات المهادنة والتطبيع، وهي نصوصٌ تزخرُ بها المدارس الفقهية المختلفة، وتعمل الأنظمة العميلة على تغييبها عن أنظار الشعوب، لإخفاء معالم جريمة الركون للعدو.

????ثالثاً: وضع القضية الفلسطينية في سياقها الصحيح ضمن مناهج وبرامج التعليم والتثقيف الإسلامي والوطني، لتفويت الفرصة على العدو الذي يحلمُ بنشوء جيلٍ مُنسلِخٍ فكرياً وتعليمياً عن قضيته الأم، وفي هذا المقام ندعو كل ذوي الشأن والفاعلية في المجتمعات الإسلامية، للضغط باتجاه منحِ مساحةٍ كافية لتقريب القضية الفلسطينية من المنظومة التعليمية والتثقيفية للأجيال الناشئة، لئلا نصل - لا سمح الله - إلى يومٍ يَشعر فيه النشءُ الجديد أن هذه القضية أجنبية عنه تماماً، أو قضيةٌ سُدَّ دونها بابُ التاريخ وانقضى فيها القولُ أو الفعل.
????رابعاً: تفعيل دور النخب العلمية الشابة في تحقيق الاكتفاء الاقتصادي والعسكري، إسهاماً في تطبيق الأمر الإلهي "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم"، فالعدو حاقدٌ متربص، والمعركة مفتوحةٌ على مختلف الاحتمالات والنماذج والأساليب، والقوةُ الواقعيةُ ترادف القوةَ الفكريةَ والروحية في تحقيق النصر المنشود، لا سيما عندما ينهض بها الشبابُ المؤمنُ الرساليُّ، الذي وعى طبيعة المعركة وانطلقَ في ميادينِ الاستعداد الأمثلِ لها.
????خامساً: مراقبةُ أنشطةِ الحرب الإعلامية النفسية للعدو، بكافة وجوهها الظاهرة والخفية، والانتقالُ في المواجهة الإعلامية معه من الانفعالِ إلى الفعل، ومن التلقّي والتأثُّرِ إلى المبادرةِ والإبداع؛ ففي مقابل سعيِ العدو للنفوذ إلى مجتمعاتنا علينا أن نواجهه بالمثل، ونُبرزَ وهنَ كيانه وتهافُتَ أركانه، ونهزَّ قلوبَ مستوطنيهِ، ونُشعِرَهُم بعبثية أحلامهم بالأمن والطمأنينة، ونخوِّفهُم من البقاء على أرضنا.
????سادساً: التواصل والتعارف، ورصد الطاقات والكفايات الإسلامية والوطنية، العاملة والمهتمة بالملف الفلسطيني، وتنسيق الجهود وتبادل الرؤى والخبرات والإنتاج الفكري بينها؛ فَساحاتُ المواجهة واسعةٌ وأسلحتها متنوعةٌ، ونحن في حاجةٍ ماسّةٍ لكل ضمير حرٍ، وصوتٍ شريفٍ، وجهد نافعٍ، في طريق مقارعة العدو.
????سابعاً: سدُّ منافذ الضعف التي يستثمرها العدو لتوهين موقف الأمة، ولا تخفى على أحد خطورةُ النار التي قد تشتعل في داخل البيت، بوقودِ العصبيات وشرارةِ الفتن، التي ينطلق أصحابها مِن جَهلهم وقِصَرِ أنظارهم، أو مِن عَمَالتهم.  
وعلينا هنا أن ننظر بشموليةٍ ودقة وحذرٍ إلى كل الأصواتِ النشازِ التي تتعالى من هنا أو هناك، وقد ابتليتْ بها مختلف المدارس والمذاهب الإسلامية، يغذّيها بكل جلاءٍ سعيُ العدو لتفريق الإخوة وتضييع الجهود وقتل الأمل بالوحدة والانتصار.  
????ثامناً: الحضور الفاعل والمدروس في وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها ساحةً مهمة من ساحات التأثير على الرأي العام الإسلامي، الذي يحاول العدو تشويههُ والتلاعب به وإعادة توجيهه، وقد رأينا في أكثر من موقع وساحةٍ ومعركةٍ كيف انزلقت بعضُ المجتمعات إلى الوقوع في فخ الأعداء نتيجة التأثُّر بالدعاية المضادة والسموم الفكرية، التي يتلقّفها البسطاء ويتفاعلون معها ويساهمون في ترويجها من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

????هذه خلاصة ما ارتأيتُ أنْ ألفتَ الأنظار إليه من خطواتَ العمل، عسى أن ننطلق منها نحو تصميمِ برامجَ تنفيذيةٍ واقعيةٍ، نستكملُ بها ما بناهُ المجاهدون والمقاومون والمرابطون في ربوع الأمة - ولا سيما في فلسطين الحبيبة - من صُرُوح المجد، وما رفعوه من رايات البشائر بالنصر القريب.
????سلامٌ على المرابطين في بيت المقدس وفي أكنافهِ، سلامٌ على كل يدٍ قابضةٍ على زناد الصبر والبصيرة، سلامٌ على ليوث الأقصى، الذين رأيناهم في هذه الأيام وقد زلزلوا أركان العدو الغاصب وكسروا هيبته المصطنعة، في الضفة والقطاع والداخل المحتل، سلامٌ على كل عينٍ ساهرةٍ على ثغور المواجهة مع العدو الحاقد، سلامٌ على كلِّ حرٍ أبيٍّ تغلي في صدره غَيرةُ الشرفاءِ على فلسطينَ والأقصى.
سلامٌ على إمام المجاهدين والمقاومين الإمام الخميني العظيم، الذي جعل من فلسطين بوصلةَ الجهاد، ومحورَ الكرامة، وملتقى الأمة بمختلف أطيافها.
وسلامٌ على قائد المقاومة وقطبِ رحاها الأبرز، الإمام الخامنئي (دام ظله)، الذي يقود سفينتَها في قلبِ غَمرِ المواجهة بكل حكمةٍ واقتدار، صانعاً للمقاومين في كل مكانٍ أنموذجَ القائدِ الإلهيّ الحكيم الشجاع، الراسخ  كالجبال، الناظرِ بعين الثقة إلى رايات الحق ترفرف في ربوع الأقصى الشريف، ومنه يستمد منه المجاهدون الأمل، ويستلهمون بصيرة العمل.    
وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته