۲٠۲۲/٠۸/٠۱ ۱٣:۱۲:۵۹
خطبة صلاة الجمعة29 ذي الحجة1443 لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


                                    بسم الله االرّحمن الرّحيم

 

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 29 ذي الحجة 1443هـ.

الخطبة الأولى

في حديثنا عن نمط الحياة وفق الرؤية الإسلامية وصلنا إلى كيفية معاملتنا لبني البشر من غير المسلمين، وأما كيفية معاملة الأعداء فنقول فيها إن أسباب العداوة تارة تتطلب أن نتحلى باليقظة والثبات في مواجهة العدو، والقرآن يأمرنا بالثبات في مواجهة عداوة الشيطان وعداوة المنافقين وعداوة الملحدين، وهناك آيات ترشدنا لوجوب الحيطة  من الشيطان الذي هو عدو لنا P إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ O (سورة فاطر، 6) وكذلك بالنسبة للمنافقين يقول الله تعالى Pوَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَO (سورة المنافقون، 4).

وفي الجانب الآخر في سورة الممتحنة يمدح الله تعالى إبراهيم عليه السلام والذين معه ويوصينا بالتأسي بهم بأنهم كانوا أهل البراءة من أعدائهم Pقَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُO (سورة الممتحنة، 4) فعلينا أن نعرف من كان عدواً لله تعالى فنتبرأ منه، كما وقد يأمرنا الله تعالى بقتال أعداء الله حسب الظروف.

وقد نتحدث أحياناً عن عداوة ليست فيما بيننا وبين أعداء الله والدين، بل عداوة شخصية مع أحد من المسلمين، فهذا مما يجدر الاحتراز عنه؛ أي أن ننصب العداء لأخينا المؤمن ولأخينا المسلم، حيث يقول الله تعالى P إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ O (سورة المائدة، 91) هذا نهي من الله تعالى عن العداء للمؤمنين وللمسلمين، وهناك روايات بهذا الشأن منها ما جاء عن الوليد بن صبيح قال: "سمعت أبا عبدالله الصادق (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما عهد إلي جبرائيل في شيء ما عهده إلي في معاداة الرجال" (وسائل الشيعة، ج8، ص569).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "ما نهيت عن شيء بعد عبادة الأوثان ما نهيت عن ملاحاة الرجال" (بحار الأنوار، ج74، ص145)، أي معاداة الرجال.

وهناك حديث آخر عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "ما أتاني جبرائيل قط إلا وعظني، فآخر قوله لي إياك ومشارّة الناس فإنّها تكشف العورة وتذهب بالعزّ" (وسائل الشيعة، ج8، ص569) إن معاداة الناس وطلب الشر لهم تكشف عيوبك وتُذهب عزك.

وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن لقمان قال لابنه: "يا بني اتخذ ألف صديق وألفٌ قليل، ولا تتخذ عدواً واحداً والواحد كثير" (وسائل الشيعة، ج12، ص14) أي حاول ألا تعادي ولو شخصاً واحداً، فقال أمير المؤمنين عليه السلام - كما يقول الصدوق في الأمالي - بنفس هذا المضمون شعراً:

تكثّر من الإخوان ما استطعت إنهم               عمادٌ إذا ما استنجدوا وظهورُ

وليس كثيرا ألف خِلٍّ وصاحبٍ               وإنّ عدواً واحداً لَكَثيرُ

الخطبة الثانية

سندخل هذه الليلة في شهر محرم الحرام، شهر إقامة العزاء على أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، عزاء الحسين (عليه السلام) والذين استشهدوا دونه من آله وأصحابه الأوفياء الأبرار، وأرى أن أقرأ الحديث المشهور عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام من كلامه الذي وجهه الإمام إلى شيعته عن طريق الريان بن شبيب.

"عن الريان بن شبيب قال دخلت على الرضا عليه السلام في أول يوم من المحرّم فقال لي يا ابن شبيب أصائم أنت؟ فقلت لا، فقال عليه السلام : إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا عليه السلام ربّه عزّ وجل فقال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء فاستجاب الله له وأمر وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله عز وجل استجاب الله كما استجاب لزكريا عليه السلام، ثم قال: يا ابن شبيب، إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته فما عرفت هذه الأمة شهرها ولا حرمة نبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لقد قتلوا في هذا الشهر ذرّيته و سبوا نساءه وانتهبوا ثقله، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً.

يا ابن شبيب إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإنه ذبح كما يذبح الكبش وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيهون ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعثٌ غبرٌ إلى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره وشعارهم يا لثارات الحسين.

يا ابن شبيب لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده (عليه السلام) أنه لما قُتل الحسين جدي عليه السلام مطرت السماء دما وتراباً أحمر.

يا ابن شبيب، إنْ بكيت على الحسين (عليه السلام) حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً قليلاً كان أو كثيراً. يا ابن شبيب، إن سرك أن تلقى الله عز وجل ولا ذنب عليك فَزُر الحسين (عليه السلام). يا ابن شبيب، إنْ سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي (صلى الله عليه وآله) ومع آله (عليهم السلام) فالعن قتلة الحسين. يا ابن شبيب، إن سرّك أن تكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السلام فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً.

يا ابن شبيب، إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلا من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا فلو أن رجلاً تولّى حجراً لحشره الله معه يوم القيامة" (عيون أخبار الرضا، ج2، ص269).

 تبركت بهذا الحديث لأستلهم منه لهذا الشهر ولجميع الأشهر، فيجب أن نكون مستمعين مصغين إلى كلام الإمام عليه السلام عندما يقول: "افرح لفرحنا واحزن لحزننا" علينا أن نكون ممن يتبع أئمته. فإذا كان موعد فرحهم فلنقم مراسم لفرحهم في مواسم الأعياد، ولنحزن عند حزنهم ونتعزى بعزائهم.

 أيها الإخوة، يجب أن أذكر بعض التنبيهات بالنسبة لإقامة العزاء في هذين الشهرين المقبلين، فكما تعرفون أن الأئمة (عليهم السلام) علمونا كيف نقيم العزاء، وهناك روايات كثيرة شددوا فيها على هذا الجانب العاطفي؛ بأن نحزن عند ذكر الحسين (عليه السلام) وأن نبكي، وإن لم نبكِ نفرض على أنفسنا أن نبكي بأن نتباكى لهم، فهناك أجر وثواب لمن يتباكى للحسين (عليه الصلاة والسلام) ولأصحابه وأولاده الشهداء. ولكن هناك بعض التقاليد دخلت في أوساط الأمة لم تكن في الصدر الأول في عهد الأئمة.

طبعاً إن كل أمة تقيم العزاء حسب تقاليدها، وهذا ليس شيئا ممنوعاً من قبل الشارع، ولكن إذا كان مخالفاً لبعض تعليمات أهل البيت (عليهم السلام) يجب أن نحذر منه.

 إن الناس في إيران يقيمون العزاء بشكل خاص، وفي العراق يقيمون بشكل آخر، وفي سوريا بشكل آخر، ولكن الجميع يتفقون على أنهم يبكون في عزاء الإمام (عليه السلام)، وهذا أمر قد وجهنا الأئمة إليه، فقال الإمام الرضا (عليه السلام): إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين (عليه الصلاة والسلام).

هذا أمر واضح، ولكن بعض الظواهر الموجودة مثل التطبير والتطيين والعواء - كرّمكم الله - مما يفعل بعض الجهلة هذا نهى عنه علماؤنا مراجعنا، ونحن مقلدون لهؤلاء المراجع، ومعظمهم يفتون إما بحرمة التطبير وإما أنهم يقيّدونه بشرطين: أنه إذا كان يؤدي إلى ضرر جسيم في جسد الإنسان فهذا حرام؛ لأنه إيذاء النفس وهذا ليس مشروعاً، وثانياً لو فرض أنه لا يضر بالجسم ضرراً بالغاً فادحاً يشترط ألا يكون سبباً لتشويه سمعة أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وشيناً للمذهب.

إذا بحثتم في الإنترنت وكتبتم "عاشوراء" تظهر على الشاشة صور من التطبير وفيها تعيير الشيعة بأن هؤلاء يعملون هكذا أعمال، ويدمون رؤوس أطفالهم، وحين تجبر هذا الطفل البريء على هذا، فما الذي يثيره المنظر؟ لا شك في كونه يثير الاستياء من هذه الظاهرة، فمن الواضح أن هذا ينطوي على إهانة ووهن للمذهب. ولو سلمنا أن الضرر ليس ضرراً فادحاً فهذا أمر واضح، وقد ذكر سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (حفظه الله تعالى) بأن هذا إهانة للمذهب، إن هذا يضر بسمعتنا كأتباع لأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام).

ويقول هؤلاء المطبرون أن هذا مواساة لأهل البيت، فيا أيها الإخوة إذا أردتم أن تواسوا أهل البيت (عليهم السلام) يجب أن تكونوا ممن ينصر أهل البيت في أيام الشدة.

عندما كان حرم السيدة زينب (عليها السلام) في خطر هل دافعتم عن هذا الحرم؟ إن الذي واسى هذا الحرم هو مَن ذُبح لأجل السيدة زينب (عليها السلام) وليس الذي يضرب رأسه بالسيف والقامة حتى يدميه، والمسلم حين يرفع هذا السيف ويقول "حيدر" عليه أن يتذكر أن سيف حيدر يضرب عنق مرحب ولا يضرب رأس المؤمن، فكيف تنادي بهذا الشعار وتقول "حيدر" وتضرب رأسك؟ إذا أردت أن تضرب يجب أن تضرب أعداء أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام).

حين قامت الفتنة في العراق وكانوا يريدون أن يهاجموا حرم العسكريين (عليهما السلام) كان الذين دافعوا عن حرم العسكريين عليهما السلام هم المواسون لأهل البيت، لا الذي يبقى في حسينيته ويضرب بالقامة والسكين رأسه.

فلا تقلبوا المفاهيم، وانتبهوا إلى أن الاعداء يشجعونكم على هذا الأمر، وهناك بعضهم يحتضنهم أعداء الإسلام البريطانيون، لا يمنعونهم من المسيرة ومن التطبير في شوارع لندن، ولكن البرلمان البريطاني يقول إن إقامة المجلس باسم يوم الرضيع - علي الأصغر - هذا ترويج للعنف! كيف يكون هذا ترويجاً للعنف؟ أن تأخذ الأم رضيعها على يدها وتقرأ عزاء سيدنا علي الأصغر عبدالله الرضيع يرونَهُ عنفاً ولكن الضرب بالسيف على الرأس ليس عنفاً؟! فكيف يمهّد هؤلاء الشوارع بسهولة للمطبرين ولكن يقولون يمنع إقامة مراسم للرضع؟

أيها الإخوة يجب أن ننتبه: إذا احتضنك العدو في عملٍ عليك أن تعرف أنه عمل خاطئ، إن يشجعوك فمعناه أن هذا العمل عمل خاطئ.

لقد حددوا في كل العالم منذ بضع سنين مراسم احتفال للنساء مع أولادهن الرضّع، يأتين بأطفالهنّ الرضّع ويقيمنَ العزاء لسيدنا علي الأصغر أو عبد الله الرضيع، فهذه صرخة في وجه الأعداء وصرخة في وجه الظالمين وتعظيم لشعائر الله، وأنا أتمنى من الأخوات خصوصاً أن يقمن هذه المراسم في الأسبوع القادم إن شاء الله، في الجمعة الأولى لشهر محرم، ونحن سنقيم هذه المراسم في هذا المصلى.

وأنا أقول: لا تكتفوا بالمصلى عليكم أن تقيموا هذه المراسم مع الأولاد الرضع، احملوهم إلى هذا المجلس واقرؤوا عزاء مولانا علي الأصغر (سلام الله تعالى عليه) فهذا مصداق تعظيم شعائر الدين، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.