۲٠۲۲/٠۸/۲۲ ۱٣:٠۵:٠۸
خطبة صلاة الجمعة 21 شهر محرم الحرام 1444 لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


                                              بسم الله الرحمن الرحيم

 

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 21محرم 1444ه.

 الخطبة الأولى:

وعدتكم أن أتحدث عن جانب آخر من التعاطي مع أعداء الله والدين والكرامة، لا أعدائنا الشخصيين.

والأمر الرابع من الأشياء التي يجب أن نعرفها في المعاملة مع أعداء الله هو الجهوزية الدفاعية الشاملة تجاه الأعداء، فعلى المؤمن أن يجهز نفسه. كما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما هاجر من مكة لم يكن يملك شيئاً يُعتدُّ به من العتاد والأسلحة المعروفة المتطورة آنذاك على ساحة الجزيرة العربية.

وفي غزوة بدر كان قسم من جيش رسول الله لا يملكون السيف والرمح، بل كانوا يقاتلون بالعِصِيّ وبعضهم ما كانوا يملكون مالاً حتى يشتروا سيفاً لقتال الأعداء هؤلاء، وعندما حصلوا على غنائم في غزوة بدر امتلكوا السيوف من أعدائهم.

نعم، كان بعض جنود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة بدر فرساناً وبعضهم كانوا راجلين، وبعضهم لم يكونوا يملكون السيف ولا الرمح ولا السهم، ولكن بفضل الله تعالى وبمدد غيبي منه  من خلال الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى ليعينوا المؤمنين استطاعوا أن ينتصروا على مشركي قريش وقتلوا - على حد قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أفلاذ كبد قريش، مثل أبي جهل وعتبة وأخيه شيبة بن ربيعة، هؤلاء من صناديد العرب، وآنذاك استطاع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الجماعة اليسيرة ومع هذه الأجهزة القليلة - بإذن تعالى وبما كانوا يملكون من معنويات عالية - أن يفوزوا في هذه الحرب، ولكن بحكم الله تعالى كان (صلى الله عليه وآله وسلم) مأموراً بأن يعدَّ عتاد القتال، حيث قال الله تعالى في محكم كتابه P وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَO (سورة الأنفال، 60).

لقد أمر الله تعالى المؤمنين بأن يعدوا ما استطاعوا من قوة ليرهبوا عدوهم ويجعلوه يخاف من المؤمنين، وهذا التخويف كان سبباً لنصرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما قال بأن النبي ومن كان معه كانوا منصورين بالرعب حيث جعل الله تعالى الرعب قلوب أعدائهم، أولاً بمدد إلهي وثانياً بفضل ما كانوا يعدون من أشياء تجعلهم أقوياء.

فعلينا أن نكون أقوياء في مجال القوة الدفاعية، وتسمعون الآن عن هذه المفاوضات التي تدعى بالمفاوضات النووية، وهي في الحقيقة ليست مفاوضات نووية فقط، فهؤلاء الأعداء يضغطون على إيران لتفقد ما عندها من القوة، وبالطبع فإن إيران لن تستسلم، وهي إن امتلكتْ قوة صاروخية فقد حصل هذا بفضل جهود أبنائها وشبابها، فأصبح هذا سر قوتها وبهذه القوة يخشاها الأعداء ويعجزون عن استهدافها.

عندما كنا ضعافاً كانوا يهجمون علينا ويضربون المناطق السكنية والمستشفيات، ولكنهم الآن لا يتجرؤون على فعل هذا لأننا - والحمد لله - امتلكنا هذه القوة. وعليكم أيها الإخوة - والخطاب موجه لكل المسلمين - أن تعدوا لهم ما استطعتم من قوة.

عندما كان الشعب الفلسطيني لا يملك شيئاً إلا بندقية بسيطة كانوا يضربونه ويضغطون عليه وكانوا يقتلون مئات الآلاف ولم يكن أحد يقدر أن يفعل شيئاً إلا أن يتأوه أو يتحسر من هذه الجرائم، ولكن كما ترون في الآونة الأخيرة أن العدو هاجم غزة وخلال يوم أو يومين استسلم، وقد استهدف الناس الأبرياء ولكن عندما طالتهُ الصواريخ بدأ بتحريك الوسائط ليجبروا الجهاد الإسلامي أو يطلبوا إعلان الهدنة. لماذا؟ هل كانوا سابقاً يفعلون كذا؟ أم كانوا يضغطون بأقصى ما يريدون ويستطيعون؟

فالإخوة الفلسطينيون الآن يملكون شيئاً من القوة وعليهم أن يزيدوا في هذه القوة حتى لا يتجرأ العدو أن يهاجم. هذا هو قرآننا يعلمنا بأنه يجب علينا أن نعد أي قوة.

نعم، في عصرنا الحالي لا يوجد خيل ولكن هناك شيء مكان الخيل ويعمل العمل نفسه كانت تعمله الخيل في الحروب، وهذه الكلمات تدل على ما كان عليه الحال في ذلك العصر، وفي عصرنا هذا تستبدل دلالة هذه الكلمة بكلمة أخرى.

وقال أمير علي (عليه الصلاة والسلام): "ألا وإنّي قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً وسراً وإعلاناً، وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذُلُّوا" (نهج البلاغة، الخطبة 27)، فإذا شعرت بأن هؤلاء يتهيؤون للهجوم عليكَ أن تكون جاهزاً، حتى لا تستيقظ من نومك وترى العدو على فراشك يريد أن يذبحك ويذلّك ويأسر قومك.

 طبعا في إطار الجهوزية الدفاعية يمكن اللجوء إلى أسلوب تغيير ملامح الوجه من أجل إرهاب العدو. نعم، هناك عناصر للقوة بعضها عناصر نفسية تتمثل في الحرب النفسية والإعلامية، وفي هذه أيضاً يجب أن نكون أقوياء، وكما ترون فإن لحرب الاعلام الآن دور أساس في الحروب في العالم، فعندما قامت روسيا بالعمل العسكري في أوكرانيا نرى أن إعلام عالم الاستكبار كله حشد قواه على روسيا وبدأ باختلاق أشياء عجيبة وغريبة، وإثارة عواطف الناس تجاه هذا الأمر، كما رأيتم في أيام الحرب في سوريا - هذه الحرب الكونية المدمرة - وتتذكرون كيف كانوا يغيرون الحقائق ويدلسون على الناس، ويقولون مثلاً أن الحكومة السورية تستخدم الأسلحة الكيماوية مع أن المسلحين هم من كانوا يستخدمونها في الغوطة، فعملَ هؤلاء بهذا الإعلام على تغيير الحقيقة.

فإذاً: الإعلام فيه قوة، فيجب أن نكون أقوياء في الإعلام، أيضا الحرب في هذا العصر تغير وجهها كثيراً، وأدواتها الناعمة كما هو التعبير الحالي في أيامنا يسمونها بالحرب الناعمة، ولها دور أساس ويستطيعون من خلالها أن يسيطروا من خلال هذه الانقلابات التي كانت في الظاهر ديمقراطية ولكن لم تكن كذلك.

كيف وصلت الأحوال في جورجيا وأوكرانيا إلى الوضع الحالي؟ تغير حكم أوكرانيا بسبب هذه الحروب الناعمة؟ وكانوا يريدون أن يفعلوا نفس هذه الخطط في سوريا ولكن بحمد الله تعالى لم يستطيعوا لا في الحرب الصلبة ولا الناعمة أن ينجحوا بإذن الله تعالى. 

وعلى كل حال ففي الحرب النفسية يمكن حتى للون أن يدل على القوة، كما أن هناك بعض الروايات تدل على هذا الأمر، فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "الخضابِ بالسَّواد مَهَابةٌ للعدوّ، وأنسٌ للنساء" (مكارم الأخلاق، ص80)، فكما أن الذي يخضب لحيته أو شعر رأسه يكتسب شيئاً تحبه النساء فإنه علاوة على ذلك يعطي مهابة للرجل، كما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لبس عمامة سوداء في فتح مكة ولم يلبس عمامة بيضاء، هذه علامة على المهابة والعظمة، فهذه كلها أدلة على أن استخدام هذه الأشياء له دور في إرهاب العدو.

وهناك رواية عن الصادق (عليه السلام) قال: "جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فنظر إلى الشيب في لحيته فقال النبي (صلى الله عليه وآله): نورٌ، ثم قال: من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة، قال: فخضب الرجل بالحنّاء، ثم جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فلما رأى الخضاب قال: نور وإسلام، فخضب الرجل بالسواد، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): نور وإسلام وإيمان، ومحبة إلى نسائكم، ورهبة في قلوب عدوّكم" (الكافي، ج6، ص480)

 وأذكر مثالاً آخر لأساليب اكتساب القوة وإبرازها في الحرب؛ لما أعطى الإمام علي (عليه السلام) راية الحرب لابنه محمد بن الحنفية في حرب الجمل قال له: "تزول الجبال ولا تزول، عضَّ على ناجذك، أعرِ الله جمجمتك، تِدْ في الأرض قدمك [اجعلها مثل الوتد] ارم ببصرك أقصى القوم وغض بصرك، واعلم أن النصر من عند الله سبحانه" (نهج البلاغة، الخطبة 11).

وكما في بعض الرياضات من الفنون القتالية مثل الكاراتيه وما شابه ذلك، ترون أن اللاعب يصرخ بصوت عالٍ وهو يصارع خصمه، هذه تعينهُ على أن يرهب الخصم.

وأما الخامس من كيفية التعامل مع الأعداء، ففي بعض الأحيان يكون العدو قوياً وأنت ضعيف، ولا تستطيع أن تعمل عملك جهراً، فعليك أن تخفي عملك، وهذا ما يسمى بالتقية، لحفظ النفس ولحفظ العرض، إلا إذا شعرت بأن الخطر يهدد كيان الإسلام، هنا التقية محرمة ولا تجوز، كما أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يعمل بالتقية في مواجهة يزيد  لأن الاسلام كان معرضاً للتهديد بالقضاء عليه فواجههُ الإمام (عليه السلام) مع عدد قليل من صحابته، ولم يقل قبلنا أن نكون مع يزيد ولكن في قلوبنا لسنا معه، فقد كان الإمام يعرف أن الاعتراف بيزيد اعتراف بالكفر لأن يزيد يخطط للقضاء على دين رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم)، فهنا لا يجوز التقية، حين ترى أن دماً محترماً مؤمناً صالحاً  يمكن أن يباح.

ونقرأ في القرآن الكريم هذه الآية التي يقال إنها نزلت بشأن عمار بن ياسر رضوان الله تعالى عليه في مكة المكرمة عندما كانوا يعذبونه، وقد ضغطوا عليه ليتبرأ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاضطر أن يقول هكذا، وعندما جاء إلى الرسول قال ما كنت أريد قول هذا فكان جواب النبي له هو ما أشارت إليه الآية Pلَّا يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِى شَىْءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَىٰةً O (سورة آل عمران، 28).

فهذا أيضا كان في طريق حفظ الإسلام، فكم هي عظيمة مكانة صحابي مثل عمار بن ياسر الذي عاش يترقب الشهادة ويحزن ويخاف أن يموت على فراشه وكان موعوداً بما وعده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): تقتلك الفئة الباغية، وقد كان ينتظر ذاك اليوم، وحان وقته عندما كان عمره أكثر من تسعين سنة واستشهد هناك بيد الطغاة، هذا عمار بن ياسر كان في خدمة الإسلام، ولو لم يمارس التقية ما كنا نملك عمار بن ياسر في التاريخ الإسلامي، وكم له بصمات خير في تاريخ الإسلام وفي مساعدة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان عوناً للنبي وللإسلام ولأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

وبعضهم يقولون التقية تعني النفاق، والحال أن هناك فرقاً بينهما؛ فالتقية تعني حفظ النفس من الأذى وهي تختلف عن النفاق لأن التقية إظهار الكفر وإخفاء الإيمان بينما النفاق هو إظهار الإيمان وإخفاء الكفر، هذا هو الفرق بينهما.

وأما ثواب صد اعتداء العدو فأقرأ رواية أبو البختري عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن علي عليه السلام قال: "من رد عن المسلمين عادية ماء أو عادية نار أو عادية عدو مكابر للمسلمين غفر الله له ذنبه " (وسائل الشيعة، ج11، ص109) والعادية بمعنى الشر والظلم، يعني من رد على المسلمين شر ماء كالسيل مثلاً أو الفيضانات وما شابه ذلك مما يمكن أن يهدد بيته.

 الخطبة الثانية:

لدفع شر العدو علينا أن نحصل على قوى مادية معنوية، ولا يمكن أن نحصل على قوة إلا أن نتصل ونرتبط بمنبع القوة، وهو الله تعالى، فإن القوة لله جميعاً والعزة لله جميعاً، لذلك علينا أن نتمسك بالله تعالى في أيام الشدة كما في أيام الرخاء، وندعو ربنا، وأنا أدعو هنا بدعاء الإمام سيد الساجدين (عليه السلام) الذي دعاء به في هجوم مسرف (مسلم) بن عقبة، مبعوث يزيد بن معاوية لعنه الله إلى المدينة المنورة في وقعة الحرة، حيث قرأ الإمام زين العابدين (عليه السلام) قرأ هذا الدعاء وبعض فقراته مأثورة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول الإمام:

اللهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركنك الذي لا يرام واغفر لي بقدرتك عليَّ، فلا أهلك وأنت رجائي، فكم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري، وكم من بلية ابتليتني بها قل لك عندها صبري، وكم من معصية أتيتها فسترتها ولم تفضحني، فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بلاءه صبري فلم يخذلني، ويامن رآني على المعاصي فلم يفضحني، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبداً، يا ذا النعماء التي لا تحصى عدداً، صل على محمد وآل محمد، وادفع عني شره، بك أدفع في نحره وأستعيذ من شره وأستعين عليه، فاكفني شره بحولك وقوتك يا أرحم الراحمين .