۲٠۲۲/٠۸/۲۷ ۱٤:۱۸:٣۸
خطبة صلاة الجمعة 28 محرم الحرام 1444 لحجة الإسلام والمسلمين سماحة السيد عبدالله نظام


                                      بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد عبد الله نظام، بتاريخ 28 محرم 1444ه.

الخطبة الأولى

مازلنا نعيش أيام استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، وبعد انقضاء الحادثة التاريخية انتقلت الأمانة إلى أعناق المؤمنين ليبلغوا رسالة ومنهج الحسين (عليه السلام)؛ وقد روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنه قال للفضيل بن يسار: "يا فضيل، أتجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم، جعلت فداك. قال الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ تلك المجالس أحبها. فأحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا" (بحار الأنوار، ج44، ص282)، فالمطلوب منا بعد عاشوراء هو الحفاظ على منهج ودرس الإمام الحسين (عليه السلام).

أيها الأعزة، لمَ أصرَّ يزيد على استئصال البيت النبوي؟ ما أهمية هذا البيت حتى ترتَّبَ كل تلك الهجمة البشعة الظالمة على عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقتلون رجالهم ويسبون نساءهم؟ المسألة في الواقع ترجع إلى قضية مهمة لها صلة في أيام حياتنا هذه أيضاً؛ وهي أنه عندما تكون هنالك حرب حضارية فكرية فإنها لا تنتهي من خلال معركة عسكرية، والتاريخ مليء بالعبر والأمثلة التي لها علاقة بذلك، لذا لما فتح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة وجد أهلها أنفسهم بين أمرين: إما أن يعلنوا إسلامهم ويعصموا دماءهم، وإما أن يبقوا على شركهم ويعامَلوا كمشركين يسترقون وتؤخذ أموالهم ويتعرضون للعقوبات الشديدة، لذلك وجدوا أن مصلحتهم هي في إعلان الإسلام، فأذعنوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهذه المسألة هي باعتراف الكثير من الباحثين والمؤرخين المسلمين؛ بأن بني أمية قوم استسلموا ولم يسلموا، والشاهد على ذلك هو رئيسهم وزعيمهم أبو سفيان، فعندما أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدخل مكة أمر عمه العباس أن يأخذ أبا سفيان وأن يعرض أمامه الجيش، فالتفت أبو سفيان إلى العباس وقال له: يا عباس، لقد صار ملك ابن أخيك عظيماً، فقال له العباس: ويحك يا أبا سفيان إنها النبوة، فقال له أبو سفيان: أما والله إنّ من هذه في النفس شيئاً. أي إنه إلى تلك اللحظة - حتى بعد أن أعلن إسلامه - لا يزال في نفسه شيء.

وبطبيعة الحال كانت الأسرة السفيانية تحمل تلك الضغينة لرسول الله ولآله الطيبين الطاهرين، وعندما أمرت هند غلامها وحشياً أن يقتل محمداً أو علياً أو الحمزة، إنما هو من هذا المنطلق، فقد كانت تتأسف على قتل أبيها وأخيها وعمها، لذلك حمل هؤلاء في نفوسهم هذه الضغينة، إلى أن أمكنتهم الأيام أن يتولوا أمور المسلمين بالقهر والغلبة، وعندئذ حان لهم أن يقتصوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن آل بيته الطيبين الطاهرين.

من هنا أيها الأعزاء فإن هذه المعركة في الواقع معركة سياسية عقائدية بامتياز، يراد منها استئصال آل البيت النبوي ليرجع الناس بعد ذلك إلى ما كانوا عليه من الجاهلية، والشاهد على ذلك حديث الثقلين الذي قال فيه نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض" (فضائل الصحابة: ۱۵وهذه الرواية متفق على صحتها بين جميع المسلمين.

وقوله "ما إن تمسكتم به" يعني وجود شرط وهو التمسك بما خلفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من القرآن الكريم ومن آل البيت النبوي الشريف، فإذا حصل هذا التمسك لن يكون هنالك ضلال أما إذا لم يحصل فمعناه أن هنالك ضلالاً سيحل في هذه الأمة، وعندما نقول أنّ هنالك ضلالاً سيحل في هذه الأمة هذا معناه أن الضلال ممكن.

والحديث نفسه يقول إنّ آل البيت أمان وحصن من الضلال والقرآن الكريم أمان وحصن من الضلال ولن يفترقا، والقرآن الكريم هو النص وآل البيت هم تراجمة النص ومفسروه، ولا يمكن لأي نص أن يكون له تأثير وفائدة كبيرة إذا لم يكن مضمونه معلوماً للذين يريدون الاستفادة منه، لذلك فإن مهمة آل البيت هي توضيح مسائل الدين وحفظ هذا الدين وبيان الحلال والحرام. هذه هي سيرتهم وهذه هي وظيفتهم، من أول إمام إلى آخر إمام. لذلك فإن الذي يريد أن يثأر من الإسلام ويتخلص منه عليه أن يزيح هذه العقبة من أمامه؛ أن يزيح آل البيت من طريقه، لأنه بعد ذلك يستطيع أن يتلاعب بتفسير النص كما يشاء، وعندئذ إذا تمكن من تحريف النص أمكنه أن يحرف الأمة الإسلامية عن دينها وأن يوجهها التوجه الذي يريد. وكذلك إذا أراد أن يزيح الأمة الإسلامية عن إسلامها فعليه أن يبعدها عن القرآن الكريم.

إذا أردنا أن ننظر إلى هذه القضية في حياتنا أيها الأعزاء، كم هي صلتنا بالقرآن الكريم تلاوة وحفظاً ومعرفة بالمضمون واهتماماً به؟ سنجد أننا في الواقع من المضيعين للقرآن؛ اسألوا أبنائكم بل اسألوا أنفسكم، لنكن صرحاء: ما مقدار إتقاننا لتلاوة القرآن الكريم؟ ترى إذا أعطينا هذا القرآن لأحدنا وقلنا له تفضل واقرأ، هل يستطيع أن يقرأه قراءة صحيحة؟ في اللغة العربية فهم النص هو ابن لقراءته بنحو صحيح، لأنه عندما تقرأ وتضبط الكلمة وتضبط حركة الإعراب بشكل صحيح يعني أنت جعلت المبتدأ في موضعه والفاعل في موضعه والمفعول في موضعه، أما إذا أخطأت وجعلت المرفوع منصوباً فهذا معناه أنك جعلت الفاعل مكان المفعول والمفعول مكان الفاعل، فتغير كل شيء نتيجة عدم صحة التلاوة.

هنالك من أبنائنا من هو بحاجة حتى يقرأ آيات القرآن الكريم إلى التهجئة، وكأنه طالبٌ في الصف الأول الابتدائي لا يستطيع أن يقرأ إلا وأن يهجئ الكلمة حرفاً حرفاً، لم؟ لأن كلام القرآن الكريم هو من اللغة العربية القديمة التي لا يألفها الكثير من أبنائنا في هذه الأيام، فإذا كنا لا نقرأ القرآن فنحن لا نفهم القرآن، وإذا كنا لا نتعلق بآل البيت تعلقاً صحيحاً يؤدي إلى فهم مقاصدهم ودروسهم ومنهجهم عندئذ سيكون تعلقنا بهم صُورياً لا يفيد شيئاً على الإطلاق.

ماذا ينفع الإنسان أن يقول عليٌّ إمامي والحسن إمامي والحسين إمامي إلى آخر الأئمة الاثني عشر، ولكن هو يزيديٌّ معاويٌّ في عيشته ومنهجه وطريقة تفكيره؟ لا يمكن للإنسان أن يقول أنا علوي وبعد ذلك يعيش كمعاوية ويزيد، فالذي يكون علوياً في انتمائه لابد أن يعيش على منهج وطريقة عليٍّ (عليه السلام)، والذي يكون حسينياً في انتمائه لا بد أن يعيش على طريقة ومنهج الإمام الحسين (عليه السلام). لذلك نحن في الواقع نجد أن هنالك مشكلة كبيرة في أسلوب حياتنا أيها الأعزاء.

لقد أعرب يزيد عن منهجه وبيّنَ هدفه لما استقبل رأس الإمام الحسين عليه السلام وكشف بالتصريح عما يريد، عندما قال:

ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا طرباً ... ثم قالوا يا يزيد لا تُشَل

لعبت هاشمُ بالملك فلا ... خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل.

هل هناك كفر صريح أكثر من هذا؟ إذا معركة كربلاء بنظرهِ هي لأجل أنه لا خبر جاء ولا وحي نزل، وحتى يصل إلى هذه النتيجة لابد أن يزيل من الوجود أولئك الذين يعلنون مضامين القرآن الكريم، ويعلمون الناس أحكام الدين.

لقد كانت هذه المعركة استئصالية، ولكن بكرامة ومعجزة من الله عز وجل - ويأبى الله إلا أن يتم نوره - بقي منها ثمالة من آل البيت هو الإمام زين العابدين السجاد (عليه السلام) وعبد الله بن الحسن، والبقية كلهم قتلوا على صعيد كربلاء.

ومن هنا أيها الاعزاء فإن قضية التعلم والتربية والحفاظ على المنهج هي المسألة الأساسية بعد كربلاء الإمام الحسين (عليه السلام)، ولا يصح أن نكتفي بمظاهر الحزن والتعبير العاطفي الساذج عن حزننا وعن ألمنا لمصرع الإمام الحسين (عليه السلام) هذا لا يؤدي إلى إحياء رسالة، ولا يؤدي إلى الحفاظ على هدف، ولا يؤدي إلى شيء، بل هو مجرد عاطفة فائرة خرجت في لحظتها وانقضت بعدها بدقائق.

لذلك هناك كثير من العاطفيين نحن نعلم أنهم لا يصلون ولا يصومون ويرتكبون المحرمات، وبعضهم يتعاطى حتى المخدرات، لكن إذا جاءت عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام) قالوا لا بد أن نقيم مراسم العزاء وأن نعبر عن حزننا بأعلى درجة من الحزن، لكن حتى بطريقة عاطفية لا تستطيع أن توصل هدفاً ولا رسالة، لذلك من هذه الجهة نحن مدعوون إلى التركيز على أهداف ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) فهذه صارت أمانة في أعناقنا.

 أيها الأعزة، لاحظوا في قضية التربية كيف أن ربنا جل شأنه يتوجه إلى نبيه (صلى الله وآله وسلم) في كتابه الكريم في البداية يريد أن يرسم له في أوائل التنزيل الحد الفاصل بين الشرك وبين الإيمان، أول سورة نزلت على نبينا  الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هي قوله تعالى Pاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)  خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2)  اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3)  الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4)  عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) O (سورة العلق، 1-5) القراءة معناها جمع الكلمات والحروف لإنتاج معنى مفيد، والله عز وجل يقول لمحمد (صلى الله عليه وآله) يجب عليك أن تتكلم كلاماً مفيداً، و"اقرأ" صيغة أمر، فمن الآن فصاعداً أنت مكلف بأن تقرأ كلاماً مفيداً، وهذا الكلام المفيد ينبغي أن يكون بسم الله، وليس معناه أن تقول بسم الله الرحمن الرحيم بل معناه أن تقرأ باسم ربك، يعني أن تتحدث بما يرضيه وأن تبين منهجه ومعالم دينه،  وأنت مكلف بدعوةٍ ودين يا محمد، وعليك أن تتحدث بحديث ذلك الدين.

ولم يقل له اقرأ باسم الله، بل قال له اقرأ باسم ربك الذي خلق، فربط بين بين الأمر بالقراءة وبين أن الذي أمرنا بالقراءة باسمه هو الذي خلقنا وأوجدنا، وهذا معناه أن الذي خلقك يعلم في أي صورة ركبك ويعلم طبيعة حاجاتك وما يلزمك في هذه الحياة، فهو الخالق وهو المدبر والمنمّي والمربي، وهذه كلها معنى كلمة الرب، وبما هو خالق ومربٍّ ومنمٍّ ومدبرٌ فهو الذي له الحق بتشريع الحكم لك أيها الانسان، وأنت لا يصح أن تشرع ما يخالف إرادته وتشريعه، بل يجب أن تحتكم دوماً إلى دينه.

لذلك من هذه اللحظة بدأ كبار قريش محاربة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من تلك اللحظة التي نزلت فيها "اقرأ باسم ربك" تحرك أبو سفيان وأبو جهل وأبو لهب وعتبة، فالقراءة في الجاهلية كانت بأسمائهم والناس ملزمون أن يتحدثوا بما يأمر به أبو سفيان وأبو جهل وبما يأمر به أمية وقد ألغي هذا الآن على لسان (محمد صلى الله عليه وآله).

وبما أنه صار ملغى بدأ هؤلاء الحرب ضده، ولربما فهم هؤلاء المقصود من هذا الكلام أكثر مما فهمه عوام المسلمين، لأن هؤلاء عرفوا أن هذا الكلام هو إلغاء لامتيازاتهم وأعرافهم وكلماتهم ووجودهم، لذلك بدؤوا الحرب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثم بعد ذلك في السورة سورة المزمل: Pيَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ(1)  قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا(2)  نصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا(3)  أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا(4)  إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا O (5) كل هذا الأمر هذه التعبئة المعنوية لأجل أي شيء؟  "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا" أي هنالك دور يجب أن تعد نفسك لأجله، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مع ما هو عليه من اصطفاء رباني وكونه مبعوثاً ربانياً ومسدداً من الله عز وجل، مع ذلك الله قال له: يا محمد، يجب أن تربي نفسك وتعدها لذلك الدور الكبير الذي عليك القيام به.

فإذا كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكلفاً بإعداد نفسه للقيام بمهمات حياته، نحن أيها الأعزاء بأي شيء مكلفون؟ لقد قال الله عز وجل لنبيه موسى (عليه السلام): Pولتصنع على عيني O (سورة طه، 39) فالذي هو صناعة ربانية يصنع على عين الله ويسدد من الله مع ذلك يأمره أن يعد نفسه، فالذي هو من أمثالنا ضعيف عاصٍ مقصر ليس بمعصوم كيف يجب أن يعد نفسه؟ الذي سخر الشيطان كل قدراته لإضلاله حيث قال إبليس لرب العالمين Pلأقعدن لهم صراطك المستقيم O (سورة الأعراف، 16)، إذاً في هذه الحالة نحن الذين نتأثر بغواية الشيطان ونعاني من ضعف النفس وانهيارها أمام الشهوات والنزوات أحياناً كيف يجب أن نعد أنفسنا؟

لا أقل لا تستطيع أن تنكر أنك مسؤول عن أبنائك وتربيتهم وإعدادهم، هل تعلمت كيف؟ هل ربيت نفسك وتعهدتها؟  هل زودتها بالمعلومات الضرورية التي أنت بحاجة إليها للإجابة على أسئلة أبنائك؟ نحن نعاني مشكلة الآن هي وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات التي تلقي الكثير من الشبهات والتساؤلات حول القضايا العقائدية والقضايا الفقهية والدينية والتاريخية، ماذا نعرف من جهة الإجابة على هذه الشبهات أيها الأعزاء؟ يأتي إليك ابنك أو ابنتك تقول لك المسألة الفلانية كيف؟  تقول لك البنت لم الحجاب؟ والولد يقول لك لم الصلاة؟ وكيف أتيقن أن الله موجود؟ وأن هنالك آخرة ...إلخ. بماذا تستطيع أن تجيب؟

لذلك من هذه الجهة نحن في الواقع نفرط في تعليم أنفسنا وتربيتها وبالتالي نفرط في تربية أبنائنا وتهذيبهم وتعليمهم، وما حصل في كربلاء كان نتيجة هذا التقصير، وإلا كيف يستطيع الإنسان أن يصدق أن أمة تقيم الصلاة تقتل أبناء نبيها وأن أمة تصلي على آله وهي تذبحهم وتسبيهم؟ أي معنى لتلك الصلاة؟ وأي نظر إلى أولئك الآل؟ لمَ لمْ يتحرك أحد في العالم الإسلامي؟ هذا التاريخ أمامكم، بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ما الذي حصل في العالم الإسلامي الذي يضم الملايين من المسلمين؟

العالم الإسلامي في ذلك الوقت هو شبيه بالعالم الإسلامي تقريباً في هذه الأيام، يمتد من الحدود الشرقية لإيران - يعني من أفغانستان - إلى إيران إلى مصر إلى بلاد الشام إلى المغرب، كل هذا له علاقة بالعالم الإسلامي، هل كان هنالك اعتراض على مستوى العالم الإسلامي أو تحرك من المسلمين للاعتراض على قتل الحسين (عليه السلام)؟ لم يحصل هذا، الذي حصل هو ردة فعل للذين قصروا في نصرته فقاموا بحركة التوابين في الكوفة، والذي حصل أن المختار بن عبيدة الثقفي كان مسجوناً رضوان الله تعالى عليه عندما خرج الإمام الحسين (عليه السلام) فأقسم أن يثأر من قاتليه، فقام وقتلهم، لكن غير هذا ماذا حصل في العالم الإسلامي؟ هذا كله كانت حدوده الكوفة أما خارج الكوفة فلم يكن هنالك أثر أبداً.

 كيف يحصل هذا أيها الأعزاء؟ أين صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان كثير منهم لا يزال حياً، أين التابعون؟ هم موجودون وأحياء لكن أين هم؟ لم يقم أحد ولم يستنكر أحد، كانوا يخافون يرهبون وما كانوا يجرؤون حتى على الكلام.

كان الحسن البصري يروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة ولم يلتق به، فيسأله أحدهم: يا أبا سعيد تروي عن رسول الله مباشرة ولم تلقه، قال له: يا ولدي ما سألني هذا السؤال أحد قبلك، كل ما رويته عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما هو عن ذلك الرجل - يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام) - والزمان كما ترى (يعني لا أستطيع أن أذكر اسمه) لذلك أنا أقول قال رسول الله، لا أقول حدثني عليّ.

إلى هذا الحد كانت الأمور، وهذا يعني أن الناس سلب دينهم وعقيدتهم وعقلهم وتفكيرهم وتصميمهم وإرادتهم، وصاروا مسلوبين من كل شيء، هم خشب مسنّدة ليس لهم أثر، لذلك لم يكن هنالك ردة فعل على مستوى العالم الإسلامي.

وفي هذه الأيام ماذا يراد بالأمة الإسلامية؟ يراد أن تتحول إلى خشب مسندة، وقد تحولت واقعاً، وكل التجاوزات على البلاد الاسلامية والعدوان على المسلمين ليس له أثر في عالمنا الإسلامي وليس ثمة ردة فعل في قباله في عالمنا الإسلامي لماذا؟ لأنهم في الواقع حولونا إلى أشباح لأشخاص، فإذا بقي هذا الاستلاب مستمراً فنحن مقبلون على عاشوراء جديدة إنما بدون الإمام الحسين (عليه السلام)، لذلك علينا أن نلتفت إلى هذا أيها الأعزاء، أن نلتفت إلى أبنائنا وأن نربيهم التربية الصحيحة وهذه هي مسؤوليتنا في هذه الأيام.

الخطبة الثانية

 أيها الأعزاء، نعيش هذه الأيام العصيبة التي تمر على بلدنا بسبب المؤامرات التي تحيط به والغلاء الذي يعاني منه الناس، وقد جاء فصل الدراسة في المدارس وفصل المؤونة معاً، وفي هذا عبء كبير على محدودي الدخل وعلى العائلات الفقيرة، والمطلوب منا أن نكون جميعا ًيداً واحدةً في هذه الأيام؛ أن يعين القوي الضعيف، أن يأخذ بعضُنا بيد بعض، وربُّنا جلَّ شأنه ذكر في كتابه الكريم قوله Pوَيُؤثِرونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةO (سورة الحشر، 9).

وقد تحدث نبينا (صلى الله عليه وآله) عن ثقافة الصدقة التي لا بد لكل أحد أن يمارسها، لذلك قال: تصدقوا ولو بشق تمرة، وهذا الكلام خطاب للفقراء وليس للأغنياء، "تصدقوا ولو بشق تمرة" يريد أن يقول لنا لا يوجد أحد لا يقدر على الصدقة ولو بالقليل بشق التمرة أو اللقمة أو شربة الماء، لذلك نحن مدعوون جميعاً أن نجعل أيدينا بأيدي بعضنا وأن يأخذ بعضنا بيد الآخر حتى نستطيع أن نمر من هذه الأزمة ونتخطى الصعوبات الماثلة في حياتنا، والتي تتعاظم في مثل هذه الأيام.