۲٠۲۲/۱٠/٣٠ ۲٠:٤٠:۲۲
خطبة صلاة الجمعة 2 ربيع الآخر 1444هـ لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 2 ربيع الآخر 1444ه:

الخطبة الأولى

في سياق حديثنا المتواصل عن نمط الحياة وفقاً للرؤية الإسلامية نتحدث اليوم عن العلم والعلماء، إذ علينا أن نكرمهم سواء كانوا علماء دين أو علماء علوم بشرية ومادية في خدمة الإنسان، ولكن الأحاديث التي سأقرؤها عليكم لا يمكن أن تكون بشأن جميع العلماء؛ بل خاصة لعلماء الدين الذين يخلفون النبي وآله والذين عليهم هداية الناس، فتسمعون بعض الأوصاف والخصائص والتوصيات الخاصة بهم، وربما يظنُ بعضٌ أن هذا تمييز للعلماء، فما هي خصوصياتهم التي فضلهم الله بها على الآخرين؟

قال الله تعالى Pقل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألبابO (سورة الزُمَر، 9)، ويروي الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد  كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منهم أخذ بحظ وافر" (بحار الأنوار، ج1، ص164)  هذه الكلمات تكريم لمقام العالم الذي يطلب العلم ويحصّلهُ، وبالطبع فإن الذي يكرم إلى هذه الدرجة يكون التكليف عليه أثقل من الآخرين وأكثر، كما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بوصفه نبياً لله تعالى جُعِلتْ نوافل الليل واجبة عليه ولم تجب علينا؛ لأن الله تعالى يقول في سورة المزمل Pيا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا Q نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا Q أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاO لماذا؟ لأنه Pإِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاO لك شغل عظيم في النهار، وهذا الشغل بحاجة إلى علاقة وثيقة وطيدة مع الله تعالى، وإنك إن لم تكتشف الفيض والنور والقوة من الله تعالى لا تستطيع أن ترشد الناس إلى الهداية، ولا تقدر أن تميز في المشاكل والفتن بين الحق والباطل، ولكنك بهذه الصلاة - صلاة الليل - بما أنك تخلو مع ربك في جوف الليل فإن الله يعطيك هذه القوة. 

قلنا إذاً أن عالم الدين في مقابل تكريمه يجب عليه أن يبذل أكثر من الآخرين، وفي ساحة المصاعب والمشاكل والشدائد يجب أن يكون هو في الخط المقدم أمام الناس، لا أن يختبئ في بيته ويستريح، هكذا جعل الله المسؤولية على عاتق العالم وجعل على عاتق الناس أن يكرموه لأنه يحمل الأعباء على كاهله، فلا يكون الأمر بلا مقابل؛ بل عليه أن يعرف قيمته ومنزلته ومكانته ويعمل وفق مكانته إذا أصيب الإسلام بمشكلة أو هاجمه أعداؤه يكون العالم في الخط الأول، كما يصف أمير المؤمنين (عليه السلام) النبيَّ (صلى الله عليه وآله) فيقول: "كنا إذا احمرَّ البأسُ ولقيَ القومُ القومَ اتّقينا برسول الله، فما يكون أحدٌ أقربَ إلى العدو منه" (مكارم الأخلاق، ص18) فقد كان النبي أشد الناس وأقواهم، وهذا المطلوب من العالم، وعالِمٌ  كهذا يُمدَح في هذه الأحاديث، فإذا وجدتَ عالِماً مخالفاً لهذه الأمور ولا يعمل بتكليفه فطبعاً هذه الأحاديث لا تشمله، فليس العلم فقط ادخار المعلومات في الذهن بل هو عمل يجري على جوارحه بما تعلم.

وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "سألت جبرائيل (عليه السلام) فقلت: العلماء أكرم عند الله أم الشهداء؟
فقال: العالم الواحد أكرم على الله من ألف شهيد، فإن اقتداء العلماء بالأنبياء واقتداء الشهداء بالعلماء" (إرشاد القلوب، ص164) فالعالم يربي الشهداء بكتابه بقوله بكلامه بسيرته بنشاطه، يعلم الشهيد أن يدخل في ساحة الوغى ويضحي بنفسه في سبيل الإسلام، فطوبى لعالم يدرك فيض الشهادة، ونعرف كثيراً من علمائنا (رضوان الله تعالى عليهم) قد استشهدوا في طريق الإسلام وفي طريق تطبيق حكم الله على وجه الأرض. 

وتكريم العلماء على كل حال عبادة ذات فضل عظيم، ونحن نذكر بعض الروايات في ثلاثة محاور؛ المحور الأول فضل العالم والثاني فضل طلب العلم والثالث تعليم العلم، ففي فضل العالم روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "النظر إلى العالم عبادة، والنظر إلى الإمام المقسط عبادة، والنظر إلى الوالدين برأفة ورحمة عبادة، والنظر إلى الأخ توده في الله عز وجل عبادة" (أمالي الطوسي، ج2، ص69) طبعاً النظر يكون إلى وجه عالم يذكرك الله، أما العالم الذي لا يعمل بعلمه فالنظر إليه لا يكون عبادة وهذا أمر واضح. 

وفي وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر الغفاري (رض) يقول: "يا أبا ذَرٍّ، الجُلوسُ ساعَةً عِندَ مُذاكَرَةِ العِلمِ خَيرٌ لَكَ مِن عِبادَةِ سَنَةٍ صِيامِ نَهارِها وقِيامِ لَيلِها، وَالنَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْعَالِمِ خَيْرٌ لَك مِنْ عِتْقٍ أَلْف رَقَبَة" (جامع الأخبار، ص109).

وفي حديث آخر يذكر فضل زيارة العالم فيقول (صلى الله عليه وآله وسلم): " من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلمين، فوالذي نفسي بيده ما من متعلم يختلف إلى باب العالم إلا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة، وبنى الله بكل قدم مدينة في الجنة، ويمشي على الأرض وهي تستغفر له، ويمسي ويصبح مغفوراً له، وشهدت الملائكة أنهم عتقاء الله من النار" (بحار الأنوار، ج1، ص184)، فليقدر الإخوة الطلبة في العلوم الدينية منزلتهم مكانتهم، وكل هذا شريطة أن يكون متعلماً على سبيل النجاة، لا يكون متعلماً على سبيل شيء آخر كالجاه أو المال أو أن يمدحه الناس.

الخطبة الثانية

 في الأسبوع المنصرم ارتكب عملاء الاستكبار العالمي - وتحديداً تنظيم داعش المجرم - جريمة نكراء أوجعت قلوب المؤمنين الموالين، وقلب كل ذي ضمير حر، في مشهد سيدنا أحمد بن موسى بن جعفر (عليهم السلام) في مدينة شيراز في إيران الإسلامية، وقتل خمسة عشر إنساناً بريئاً بجوار هذا الضريح المطهر، وفيهم الأطفال والنساء، كانوا يزورون المقام ويصلون ويدعون، فهجم عليهم هذا المجرم. 

وللإعلام الغربي والعبري والسعودي دور في إشعال نيران الفتنة في شتى ساحات المنطقة من سورية والعراق في الفترات السابقة، وفي إيران الإسلامية منذ أربعين يوماً وإلى الآن، وبما أنهم فشلوا في تعميم أعمال الشغب في الشوارع، والشعب الإيراني بوعيه لم يلبِّ رغبات هؤلاء المشاغبين، لجؤوا للقتل والإرهاب من خلال مجرمي داعش الذين تحملوا أجسم الأضرار من الجمهورية الإسلامية. وهذا أيضا سيمضي، وستنقضي هذه الأيام المؤلمة، وستبقى الجمهورية الإسلامية رافعة الرأس وستتقدم بقوة في جميع المجالات.

إن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يقضون أسوأ أيامهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بفعل أزمة الطاقة والوقود في أوروبا، وقد ورطتهم أزمة أوكرانيا في مشاكل ليست لها سابقة ودوختهم وأرغمتهم أن يفعلوا هذه الجرائم البشعة.

وتعرفون أن سكان ألمانيا والنرويج وبعض البلدان الأخرى من البلاد الغربية بدؤوا يجمعون الحطب، هؤلاء المدعون للتحضر الآن يقطعون الكراسي الخشبية في الحدائق بالمناشير ويحملونها إلى بيوتهم لأجل التدفئة في فصل الشتاء، وتحاول حكوماتهم إخفاء معالم الأزمة عن أعين الناس، فلا تسمعون في وكالات الأنباء التابعة للغرب هذه الأخبار، ولكن تسربت الأخبار من خلال المواطنين الغربيين أنهم يعانون من هذه المشاكل. حتى أن بعض المخابز في فرنسا قد عطلت لأنه لا يوجد وقود ليشعلوا النار لإعداد الخبز.  

ومن جانب آخر يعاني الكيان الغاشم الصهيوني من نهوض مسلح من قبل الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية وجنين البطلة، يقاوم الصهاينة بشراسة، بحيث فرض على بعض كبار الصهاينة أن يعترفوا أن مصير الاحتلال ليس إلا الزوال والهلاك.

أضف إلى ذلك إنجازات حزب الله المقاوم في إرغام العدو على الخضوع لما يطلبه حزب الله من حق الشعب اللبناني في حقول الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط، وهذا إنجاز كبير. وكذلك نرى انتصار الشعب اليمني على المحتلين السعوديين وغيرهم. 

فمن الطبيعي بعد كل هذا ألا يتحمل الأعداء تقدم محور المقاومة والجمهورية الإسلامية في كل يوم على جميع الأصعدة التقنية والسياسية والعسكرية، وهذه الأعمال وهذه الجرائم لا مبرر لها إلا هذه الأحداث التي هي شوكة في عيون المستكبرين. 

وثمة مناسبة أخرى هي تجديد شباك مقام سيدتنا ومولاتنا العقيلة زينب (سلام الله تعالى عليها) على أيدي إخوتنا المؤمنين من العتبة العباسية، هذا التجديد أعطى نضارة وطراوة لهذا الحرم المبارك الذي أريقت للذب عنه دماء طاهرة من المجاهدين المخلصين من إخواننا الأبطال في حزب الله والفاطميين الغيارى من أفغانستان والزينبيين الشجعان من الباكستان وأسودنا الحيدريين من العراق الحبيبة، وخيار المجاهدين من إيران الإسلام قادة الانتصارات.

فسلام الله عليهم، سلام الله على ذي الفقار السيد مصطفى بدر الدين وأبي وهب الهمداني والحاج قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس (رضوان الله تعالى عليهم) ولا ينسى الزائر ولا ينسى أي ضمير حر بطولاتهم وحقهم علينا.

كما نقدر جهود آل مرتضى الذين شيدوا هذا المقام وسندوه طيلة سنين وعقود، وكذلك قدمت إدارة هذا المقام شهيداً أذكره وهو المهندس أنس الروماني الذي كان مديراً لهذا المقام قد استشهد هنا خلف هذا المصلى للدفاع عن المقام، كما نقدر الأيادي البيضاء التي ساهمت في الإعمار، ولكن لا تقاس هذه الجهود بتلك النفوس التي ضحت والدماء التي أريقت للدفاع عن هذا المقام، فعلينا ألا نقصر في تعظيم شهدائنا الأبرار.

هذه الدماء لا ننساها، وهذه النفوس الطاهرة لا ننساها، وعلينا أيها الإخوة ألا نقصر في تعظيم شهدائنا الأبرار الذين لولا تضحياتهم لما بقي أثر من هذه الروضة الطاهرة، رضوان الله تعالى، عليهم وطيب الله ثراهم، وأسكنهم الله في أعلى عليين مع محمد وآل محمد.