۲٠۲۲/۱۱/٠۷ ۱۱:۲۹:٣۹
خطبة صلاة الجمعة 9 ربيع الآخر 1444هـ لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 9 ربيع الآخر 1444ه.

الخطبة الأولى

ضمن سلسلة حديثنا عن نمط الحياة وفقاً للرؤية الإسلامية تحدثنا عن مكانة العلم والعلماء وعن تكليفنا نحوهم ووجوب الإحسان إليهم كما قال الله تبارك وتعالى في كتابه بشأن العلم Pيَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍO (سورة المجادلة، 11)، أي أن الله تعالى يرفع المؤمنين غير العلماء درجة ويرفع العلماء درجات.

وحول ثواب تكريم العلماء ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "وَمَنْ أَكْرَمَ عَالِماً فَقَدْ أَكْرَمَنِي وَمَنْ أَكْرَمَنِي فَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهَ وَمَنْ أَكْرَمَ اللَّهَ فَمَصِيرُهُ إِلَى الْجَنَّةِ" (جامع الأخبار، ج1، ص38)، وعن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما صلوات الله): "مَنْ أكْرَمَ فَقِيهاً مُسْلِماً لَقِىَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ" (بحار الأنوار، ج47، ص44).

وأما بالنسبة لحق العلماء على الآخرين فكما قلت في الأسبوع الماضي: إنّ هذه التوصيات والأوامر هي بشأن العلماء العاملين وليس كل من ادعى العلم عالماً وأهلاً للإكرام، وإنما الكلام عن علمائنا العاملين الذين يذكرنا النظر إلى وجوههم بالله تعالى حسب قول المعصوم (عليه الصلاة والسلام).

وفي حديث عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السَّلام) يَقُولُ : "إِنَّ مِنْ حَقِّ الْعَالِمِ أَنْ لَا تُكْثِرَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ، وَلَا تَأْخُذَ بِثَوْبِهِ، وَإِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً، وَخُصَّهُ بِالتَّحِيَّةِ دُونَهُمْ، وَاجْلِسْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا تَجْلِسْ خَلْفَهُ، وَلَا تَغْمِزْ بِعَيْنِكَ، وَلَا تُشِرْ بِيَدِكَ، وَلَا تُكْثِرْ مِنَ الْقَوْلِ: قَالَ فُلَانٌ وَقَالَ فُلَانٌ خِلَافاً لِقَوْلِهِ، وَلَا تَضْجَرْ بِطُولِ صُحْبَتِهِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ الْعَالِمِ مَثَلُ النَّخْلَةِ تَنْتَظِرُهَا حَتَّى يَسْقُطَ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْ‏ءٌ، وَالْعَالِمُ أَعْظَمُ أَجْراً مِنَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ " (الكافي، ج1، ص37).

إذاً: إنّ من حق العالم عليك ألا تكثر عليه السؤال؛ ففي بعض الأحيان قد لا تسألُ للتفقه بل ربما تسأل للتعنت، فهذا يؤخرك من الفهم، فلا تنهاك الرواية عن السؤال بل تقول إن عليك أن تنتهز الفرصة لأن تسمع منه لا أن تتحدث، وفي بعض الأحيان كثرة السؤال دليل على عدم الفهم أو دليل على أنك تريد أن تقول أنا أيضاً أعرف شيئاً وأنا عالم، فهذا الإكثار هو الذي يزعج ويردع العالم من أن يتحدث ويعلمك العلم فيعرقل طريق التعليم.

ومعنى "ولا تأخذ بثوبه" يعني يجب أن تكون كيفية إلقاء السؤال بشكل محترم، "وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلم عليهم جميعاً وخصه بالتحية دونهم" وسلم عليه خاصة، نعم؛ بعض الأحيان هذا يسبب الإخلال بهذا المجلس فالأفضل هنا أن تسلم على نفسك بدلاً من أن تخص ذاك العالم بالسلام.

"ولا تكثر من القول قال فلان وقال فلان خلافاً لقوله" نرى بعض الناس عندما يحضر درس الأستاذ العالم دائماً ما يقول: قال الشيخ فلان هكذا وقال الشيخ فلان هكذا وقال فلان في كتابه هكذا...خلافاً لقول هذا العالم الذي يحضر أمامه، وهذا خلاف للأدب، والمناقشة العلمية شيء آخر.

"ولا تضجر بطول صحبته" أتذكر أن بعض طلاب الجامعة عندما كانوا يتعبون من الدرس يطبقون الكتاب بقوة حتى يُصدِرَ صوتاً والأستاذ يفهم أنهم تعبوا ويريدون أن يخرجوا من الصف، وهذه إهانة للمعلم.

"فإنما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها حتى يسقط عليك منها شيء" فإذا جلست تحت النخلة فإنك تتوقع أن تنزل شيئاً من الرطب أو التمر حتى تستفيد منه، وهذا العالم مثل النخلة يجب أن تنتظر حتى تجد علماً نافعاً منه.

وأما أدب مجالسة العالم حسب قول الإمام محمد الباقر (عليه الصلاة والسلام): "إِذَا جَلَسْتَ إِلَى عَالِمٍ فَكُنْ عَلَى أَنْ تَسْمَعَ أَحْرَصَ مِنْكَ عَلَى أَنْ تَقُولَ وَتَعَلَّمْ حُسْنَ الِاسْتِمَاعِ كَمَا تَتَعَلَّمُ حُسْنَ الْقَوْلِ وَلَا تَقْطَعْ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ" (بحار الأنوار، ج1، ص68). أنت إنما جلست أمامه حتى تتعلم فلماذا تتحدث؟ فعندما تتحدث ينقِصُ هذا من نصيبك من التعلم، وما يفيدك هو أن تكون أذناً واعية تستمع إلى ما يقوله هذا العالم، وتعلم كيف تستمع حتى تستفيد أكثر. عوِّدْ نفسك على حسن الاستماع.

وأما ثواب مجالسة العالم فقد روي حديث عن أنس بن مالك من صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن نقل هذا الحديث الصدوق (رضوان الله تعالى عليه) في كتابه الأمالي يقول: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَقْعُدُ سَاعَةً عِنْدَ اَلْعَالِمِ إِلاَّ نَادَاهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ: جَلَسْتَ إِلَى حَبِيبِي، وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي لَأَسْكَنْتُكَ اَلْجَنَّةَ مَعَهُ وَلاَ أُبَالِي" (أمالي الصدوق، ج1، ص37) فانظر كيف يعبر الله تعالى عن هذا العالم بأنه حبيب الله!

وأما ثواب المشاركة في حلقات العلم فأقرأ حوله عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل صلوات المصلين) قال: "بينما أنا جالس في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) إذ دخل أبو ذر فقال: يا رسول الله، جنازة العابد أحب إليك أم مجلس العلم؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا ذر، الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلى الله من ألف جنازة من جنائز الشهداء، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلى الله من قيام ألف ليلة يصلي في كل ليلة ألف ركعة، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلى الله من ألف غزوة وقراءة القرآن كله. قال: يا رسول الله، مذاكرة العلم خير من قراءة القرآن كله؟! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا ذر، الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلى الله من قراءة القرآن كله اثني عشر ألف مرة، عليكم بمذاكرة العلم فإن بالعلم تعرفون الحلال من الحرام، يا أبا ذر، الجلوسُ ساعة عند مذاكرة العلم خير لك من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها" (جامع الأخبار، ص109).

ليس معنى الحديث أن تهمل تشييع جثمان الشهيد أو المؤمن من الناس بل لو وُجدَ من يحمل هذه الجنازة ويكرمها فأنت الأفضل لك أن لا تشارك بل تشارك مجلس العلم، ففضله أكبر من تشييع الجنائز، وقد يكون تشييع جنازة فيه رفع لراية الإسلام فطبعاً هذا مفضل على مجلس العلم. وقد بيّنَ الرسول جوابه حول فضل مذاكرة العلم وعلّلَ فقال: فإنّ بالعلم تعرفون الحلال من الحرام.

وأنتم أيها الإخوة والأخوات تعيشون في بيئة العلم والحوزة العلمية المقدسة في سورية في مدينة السيدة زينب (عليه السلام)، وأنا هنا لا أشتكي منكم، بل أشتكي من العلماء الحاضرين في هذه المدينة، بما أن بعضهم - لا سمح الله - يتقاعس أحياناً عن تكليفه. 

لا حاجة أن يكون لك أيها العالِم موقعٌ مثل المسجد أو الحسينية، بل يمكن أن تجلس في بيت ويأتي أهلك ويتعلمون منك واجبهم من معارف الدين والأخلاق وما يوجد في كتب الأحاديث والقرآن العظيم إلى ما شاء الله من التعليمات، فهذا على عاتق العلماء، وأنا أعرف أن أكثر من خمسمئة رجل يدرس في الحوزات العلمية، فأين هؤلاء؟ هل يقومون بواجبهم في هذا المجال؟ نعم، بعضهم ينصح الناس بأن يجلسوا مجالس العلم، ولكن هل رتبوا مجلس علم يعلمونهم فيه معالم دينهم؟

عليكم أيها العلماء أن تعلموهم القرآن، فلا يقبل أن إنساناً عربياً - لا سمح الله - يقرأ القرآن ويخطئ في قراءته مع أنه عربي! هذه لغتكم فكيف يمكن أن يبرر المؤمن لنفسه عند الله تعالى بأنه لا يجيد قراءة القرآن؟ فهذا التكليف موجه أولاً إلى العلماء أن يقوموا بواجبهم، أن يجمعوا جيرانهم في مكانٍ ما، ويجلسوا ولو في كل أسبوع على الأقل ربع ساعة أو عشرين دقيقة، يتحدثون عن الدين ويقرؤون لهم أقال المعصومين (عليهم السلام) ...إلخ، فهذا تكليف موجه إلى جميعنا.

وأذكر هنا حديثاً قد يبيّن معنى الحديث السابق، فقد رَوَى بَعْضُ الصَّحَابَةِ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا حَضَرَتْ جَنَازَةٌ أَوْ حَضَرَ مَجْلِسُ عَالِمٍ أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ أَشْهَدَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): إِنْ كَانَ لِلْجَنَازَةِ مَنْ يَتْبَعُهُا وَيَدْفِنُهَا فَإِنَّ حُضُورَ مَجْلِسِ الْعَالِمِ أَفْضَلُ مِنْ حُضُورِ أَلْفِ جَنَازَةٍ وَمِنْ عِيَادَةِ أَلْفِ مَرِيضٍ وَمِنْ قِيَامِ أَلْفِ لَيْلَةٍ وَمِنْ صِيَامِ أَلْفِ يَوْمٍ وَمِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ يُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ وَمِنْ أَلْفِ حِجَّةٍ سِوَى الْفَرِيضَةِ وَمِنْ أَلْفِ غَزْوَةٍ سِوَى الْوَاجِبِ تَغْزُوهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَالِكَ وَنَفْسِكَ، وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ الْمَشَاهِدُ مِنْ مَشْهَدِ عَالِمٍ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ يُطَاعُ بِالْعِلْمِ وَيُعْبَدُ بِالْعِلْمِ؟ وَخَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَعَ الْعِلْمِ وَشَرُّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَعَ الْجَهْلِ" (روضة الواعظين، ج1، ص12).

تشير الرواية إن أن تشييع جثمان الميت ودفنه وتجهيزه وما شابه ذلك واجب كفائي على المسلمين، فلو بقي ميت على الأرض فعلى الجميع أن يجهزوه فإذا عمل بعض بهذا كفى عن الآخرين وسقط عنهم الواجب.

الخطبة الثانية

 في الأسبوع الماضي تحدثت عن شيء وأريد أن أكمل الكلام حوله؛ بما أن بعض الإخوة قد فهم شيئاً خطأً لقصور كلامي، بخصوص ما قلته بالنسبة لتجديد شباك ضريح مولاتنا زينب (عليه السلام).

ولا يهمني هنا أن أتحدث عن آراء بعض الناس المنتقدين لهذا التجديد حيث قالوا إن الشباك السابق كان صالحاً وكان المفروض أن يبقى، فلماذا هذا التجديد؟ هذه تساؤلات وانتقادات لستُ في مقام الإجابة عنها، إذ هناك متبرعون أرادوا أن ينفقوا مالهم في هذا الشيء بنية طيبةٍ فبذلوا وعملوا جزاهم الله خير الجزاء، ويتوقع لهم من الله تعالى ومن أهل البيت المثوبة إن شاء الله.

قلتُ سابقاً: لا يظن أحد أنّ من ينفق في إعمار مكان وأمثال ذلك أن قيمة عمله تقارن الدماء الطاهرة التي أريقت للدفاع عن الدين وعن المقامات، هذا ما كنت بصدد بيانه، وللأسف الشديد نسيتُ أن أذكر أصحاب الحق أولاً وهم أهل هذه المدينة وأهل سورية الذين بذلوا أنفسهم وأريقت دماؤهم في سبيل حفظ هذا المقام، الشباب في الدفاع المحلي وفي الدفاع الوطني، الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل حفظ هذا البلد وحفظ بلدة السيدة زينب سلام الله تعالى عليها.

وأنتم تعرفون موقفي من هذا الأمر، وأنا أرى في هذه الوجوه أمامي كثيرين من عوائل الشهداء أو ممن لهم علاقة بالشهداء، إما رفاقهم من الشهداء أو أهلهم من الشهداء، هؤلاء بذلوا دماءهم لهذا الحرم المطهر، والمفروض في أية مراسم وأية مناسبة تقام لهذا الحرم الشريف أن تذكر أسماء الشهداء، فإن لم تذكر أسمائهم لا أقل من أن يكونوا في قلوبنا فلا ننساهم ولا نسمح لأن ينسى أي شهيد من الذين بذلوا دماءهم لأجل كرامتنا ولأجل الحفاظ على قيمنا، رضوان الله تعالى عليهم. 

كما أرفع أسمى آيات التهاني إلى مقام سيدنا ومولانا وصاحب عصرنا الإمام الحجة المهدي المنتظر (صلوات الله تعالى عليه وعجل الله تعالى فرجه) بمناسبة مولد والده الإمام أبي محمد الحسن بن علي الزكي العسكري، كما نعزي سيدتنا زينب (سلام الله عليها) ونعزي رسول الله وأهل بيت النبوة ونعزي إمامنا موسى بن جعفر والأئمة المعصومين، ونعزي سيدنا وإمامنا الحجة بمناسبة وفاة السيدة الفقيهة العالمة السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر (سلام الله تعالى عليها وعليه) ونعزيكم بوفاة هذه السيدة الكريمة التي أكرمنا الله بأن ندرس بجوارها، وقد قضينا شطراً مهماً من عمرنا في طلب علم الدين بجوار السيدة فاطمة المعصومة في قم المقدسة، رزقكم الله وإيانا زيارة مرقدها الشريف ان شاء الله تعالى.

وهناك مناسبة في إيران أذكرها بما أنها أمر مهم بالنسبة لمنطقتنا وللعالم الإسلامي تصادف في الرابع من تشرين الثاني ونحن نسميه في إيران "اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي" لأجل ثلاثة أحداث حدثت في هذا اليوم.

الحدث الأول هو القبض على الإمام الخميني (رضوان الله عليه) في الرابع من تشرين الثاني عام ١٩٦٤ لاستنكاره الحصانة القضائية للأمريكيين في إيران، حيث كشف الإمام في خطابه آنذاك قانون الحصانة القضائية للأمريكيين في إيران، وبيَّنَ بلغة سهلة يسيرة واضحة للجميع قائلاً: "أتعرفون ما هو "كابيتولاسيون"؟ (أي الحصانة القضائية) أي لو دهس ملِكُ إيران كلباً للمواطن الأمريكي يعاقب الملك ولكن لو دهس طباخ السفارة الامريكية الجنرال الإيراني فلا يحق للجيش الإيراني ولا يحق للمحكمة الإيرانية محاكمته ومعاقبته"  لقد صرخ الإمام في وجه الطاغوت في ذاك الزمان ولذا قاموا بنفيهِ من إيران إلى تركيا ومن هناك إلى العراق، وقال الإمام في خطبته حينها: يا علماء البلاد عليكم بالقيام في وجه الطاغوت وإرغام النظام العميل على الانسحاب والتراجع عن هذا القانون، يا علماء الإسلام اصرخوا في وجه الطغاة وانصروا الدين، والله إنّ من لا يصرخ في وجه الطاغوت مذنب، والله إنّ من لا يصرخ في وجه العدو قد اقترف الكبيرة الموبقة. 

هكذا يكون الولي الفقيه، ونحن عندما نتحدث عن الولي الفقيه فهو حصن الإسلام كما في الحديث الشريف عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): "...لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْفُقَهَاءَ حُصُونُ الْإِسْلَامِ" (الكافي، ج1، ص38)، كيف يكونون حصون الإسلام؟ عندما يواجه الإسلام خطراً فالفقهاء يواجهون ولا يخافون ولا يخشون إلا الله تعالى، فالولي الفقيه هو الذي يواجه التحديات ويتصدى للأعداء.

والحدث الثاني استشهاد ثلة من تلاميذ المدارس على أيدي جلاوزة الشاه المقبور الملك الإيراني المجرم في النظام البائد أمام جامعة طهران قبل أربعة وأربعين عاماً في الرابع من تشرين الثاني سنة ١٩٤٨، ولهذا سمي اليوم الرابع من تشرين الثاني يوم التلميذ الإيراني.

والحدث الثالث هو اقتحام طلاب الجامعة السفارةَ الأمريكية التي يجدر أن نسميها وكر التجسس الأمريكي في الرابع من تشرين الثاني عام ١٩٧٩، وقد عبر الإمام الخميني عن هذا الحدث بالثورة الثانية فقال إن الثورة الأولى ثورة شهر بهمن والثانية هذه الثورة التي حدثت بعد سنة من تلك الثورة. 

لقد كسر هؤلاء الطلاب هيبة الولايات المتحدة وأخذوا رهائن من هؤلاء الجواسيس الذين كانوا يسمون أنفسهم بالدبلوماسيين ولم يكونوا دبلوماسيين، بل كانوا يحيكون المؤامرات ضد الشعب الإيراني وشعوب المنطقة، وفي الوقت نفسه كانت هناك وثائق كثيرة تُثبتُ ذلك حصلنا عليها عند الاقتحام وقد نشرت تلك الوثائق.

واليوم بعد أكثر من أربعين سنة نفهم قيمة هذا العمل بأن الأمريكان لا يمكن أن نثق بهم لأنهم دائماً يحيكون المؤامرات ضدنا، فعلينا أن نكون واعين.

كنا نرى في تلك الفترة كيف كانوا يقومون باستطلاع آراء الناس في المنطقة هل يكرهون أمريكا أم يحبونها؟ ولم تكن النتائج مشابهة للنسبة الحالية، والآن عندما يستطلعون في منطقتنا نجد معظم الناس يقولون: نحن نكره أمريكا، وشعار "الموت لأمريكا" أصبح شعاراً عادياً يقبله كل واحد، وشعوب المنطقة تهتف من أعماق ضمائرها: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل".