۲٠۲۲/۱۱/۲۱ ۱٣:٣۱:۵۵
خطبة صلاة الجمعة 23 ربيع الآخر 1444هـ لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


                                                                  بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 23 ربيع الآخر 1444ه.

الخطبة الأولى:

في سياق بحثنا المستمر حول نمط الحياة في الرؤية الإسلامية وصلنا إلى مكانة العلماء وتكليفنا تجاههم وتكليفهم تجاه الناس، ومن أهم المسائل التي يجب أن نتحدث عنها هنا هي مواصفات الفقيه، وخصوصاً الفقيه الذي يحتل مكانة الولاية حسب أمر الله تعالى.

كما تعرفون أن الولاية والحكم لله تعالى وهو الولي أولاً، فلذلك دعا القرآن المؤمنين إلى إطاعة أمر الله تعالى. وبعد ذلك عندما يريد الله أن ينفذ أحكامه بين الناس فإنه يرسل لهم الأنبياء، فالأنبياء هم الأولياء بتنصيب من الله تعالى لذلك يأمرنا بأن نطيع رسوله فيقول Pأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْO  (سورة النساء، 59)، وبعد الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يهمل الله تعالى المجتمع بل جعل فيهم أوصياء للنبي الخاتم وجعل أمر الدين بيدهم وولاية الناس بيدهم، وهم أولياء الله وهم يحكمون على الناس، ويُجرون حكم الله على وجه الأرض، أعني الأئمة الاثني عشر (سلام الله تعالى عليهم).

وقد قدر الله تعالى للإمام الثاني عشر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الغيبة، وفي أيام غيبته عن أنظار الأمة أوصانا بأن نأتمر بأمر الفقهاء فقال: "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا..." (الاحتجاج، ج2، ص383)، أي الفقهاء، ولكن أي فقيه؟ هل كل فقيه؟

هناك رواية عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) نقلاً عن جده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حين سئل: لماذا نذمُّ اليهود بأنهم يقلدون أحبارهم ونحن مأمورون بأن نقلد علماءنا، أليس هذا مثل ذاك؟ فأجاب الإمام (عليه السلام) "... وكذلك عوامُ أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة، والتكالب على حطام الدنيا وحرامها، وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقاً، والترفرف بالبر والإحسان على من تعصبوا له وإن كان للإذلال والإهانة مستحقاً، فمن قلَّدَ من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفَسَقَة فُقهائهم" (بحار الأنوار، ج2، ص88). فمن يستحق أن يصلح أمره يهلكه هذا الفقيه المذموم، وتراه في المقابل يعمل بالبر والإحسان مع من لا يصلحون للبر والإحسان ويخالفون الحق، وهم للإذلال والإهانة مستحقون.

والحمد لله ففي أوساط أتباع أهل البيت (عليهم السلام) قليل ونادر أن يوجد أمثال هؤلاء الفقهاء الفسقة، ولكن قد وجدنا في تاريخنا أمثال هؤلاء الذين يلعنهم الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) قبل الغيبة وبعد الغيبة.

في إيران الإسلامية عرف الناس فقيهاً له يد مع المتآمرين على الجمهورية الإسلامية، حتى أنه كان يريد أن يقود انقلاباً عسكرياً على الإمام الخميني (قدس سره) وهذا فسق، ونعرف آخرَ كان يدعي أنه فقيه ولكنه أفتى بإعدام عالم دين شجاع مؤمن ورع هو آية الله الشيخ فضل الله النوري (رضوان الله تعالى عليه)، وبفتوى من هذا الفقيه الفاسق أعدموا عالماً فقيهاً ورعاً. هذا هو شأن فسقة العلماء، وإذا فَسَدَ العالِم فسد العالَم، هذا أمر واضح.

 ويقول الإمام عليه السلام: "فأمّا مَن كان مِن الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فلِلعوامّ أن يقلّدوه، وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم".

يذكر الإمام هنا معايير الفقيه الذي يجب أن تقلده، ذلك الذي يصون نفسه الأمارة ويخالفها، وإذا رأى الدين يتعرض لخطر فإنه يعرض نفسه للخطر ويكون مستعداً لأن يراق دمه في طريق حفظ الإسلام، وإذا رأى هواه يميل إلى شيء والله يريد شيئاً آخر فإنه يفضل ما يريده الله على حساب هوى نفسه، حتى أن بعض علمائنا - وقد كان له بئرٌ - عندما كان يريد أن يفتي في مسألة بخصوص البئر الذي سقطت فيه ميتة وكان في الفتوى أمرٌ لصالحه سدّ بئر بيته حتى لا يفتي لصالح نفسه.  

ويضيف الإمام العسكري (عليه السلام) "وذلكَ لا يكونُ إلا بعضَ فقهاءِ الشيعةِ لا جميعَهُم" فالفقه علم، ويقدر كل شخص أن يدرس وينشط ويسهر الليالي في الدراسة ويحصل على هذا العلم، ولكن هذا العلم لا يكفي إلا أن يكون مع التقوى ومع هذه المواصفات، وإلا كان سيفاً في يد مجنون يفعل ما يفعل، أو مصباحاً في يد سارق يقدر أن يقتطف الأشياء الثمينة سرقةً، فهذا النمط من العلماء يعرف كيف يسيطر على الناس، وما لم يكن صائناً لنفسه سيستخدم كل ما عنده من المواهب ومن العلم لخدمة مصالحه، لذا يقول الإمام عليه السلام أنه لا توجد في كل الفقهاء مثل هذه المواصفات، ولذلك فإن عدد المراجع العظام عدد قليل، وليس بكثرة  العلماء الذين يعترف المجتمع العلمي بهم بوصفهم مراجع.

نعم عندنا فقهاء كثيرون، وهم في سلوكهم الشخصي يتبعون ما يفتون، ولكن ليسوا صالحين لإدارة المجتمع وأن يقلدهم الناس، لأن مواصفات القيادة مواصفات صعبة صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فإذا كانت هذه المواصفات متوفرة في المرجع فلِلعوامّ أن يقلّدوه، وذلكَ لا يكونُ إلا بعضَ فقهاءِ الشيعةِ لا جميعَهُم وهذا ما يدعى حالياً في أوساطنا بولاية الفقيه.

إذاً إنّ للمراجع ولايتهم لأنهم فقهاء وصائنون لأنفسهم وحافظون لدينهم لهذا أصبحوا ولاة أمرنا، فحين نعطيهم حقوق الله فهذه الأموال إنما تسلم إلى المرجع لأنه أمين وهو نائب للإمام صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه) الذي حددهم نواباً له، فعلينا أن نقدر هؤلاء العلماء ونحافظ على هذه المكانة العظيمة.

وأقرأ هنا بعض الروايات حول جزاء إهانة العلماء، حيث لم نشهد من قبل هكذا جرأة في أوساط أبنائنا بأن يهينوا العلماء، وهذا شيء مدسوس مدروس من قبل أعدائنا، وقنوات التواصل الاجتماعية مع كونها شيئاً جميلاً ويوفر لك كثيراً من الأشياء التي تعجبك - مثل تمكينك من أن تتحدث مع أخيك ومع ابنك وأختك في آن واحد بسهولة - ولكن مَنْ صمموا هذه المواقع لم يوفروا ذلك بلا مقابل؛ بل يريدون أن يستلبوا كرامتنا.

أنتم تعرفون أن هؤلاء الذين كانوا سابقاً يدمرون أعدائهم بالصواريخ وبالمدفعية باتوا الآن يدسون هذه السموم ويدمرون الأجيال، فأصبحتَ ترى طفلاً أو شاباً أو يافعاً يتقوَّل على الله تعالى ويقول أشياء غريبة وعجيبة، هذا نتاج ما يبثه هؤلاء، فعندما تصرف مالاً في سبيل الله يقولون: بدلاً من أن تذهبوا وتهدروا أموالكم في الحج أعطوا هذا للفقراء، ولكن هل يلتزم هؤلاء أنفسهم بإعطاء أموالهم للفقراء؟ هذا الذي يوصيك ببذل مالك للفقراء يصرفه هو في الملاهي وما شابه ذلك، ولا يمنعك أن تصرف أموالك في الملاهي - لا سمح الله - بل يعمد إلى كل شيء أمر به الدين ويريد أن يزعزع أركان عقيدتك فيه عبر هذه القنوات التي تبث أن: هؤلاء العلماء ماذا يريدون؟ ماذا يشتغلون؟ هؤلاء عاطلون عن كل عمل ولو كانوا غير موجودين لكان وضعنا أفضل ... وما شابه ذلك من الشبهات التي يثيرونها في لباس جميل وكلام منمق خصوصا بين الشباب، وقد وصل الأمر الآن إلى اليافعين ولم يعد متوقفاً عند الشباب للأسف الشديد.

أُكمِلُ حديثاً قرأت الجزء الأول منه على مسامعكم في الأسابيع الماضية، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "فإني أفتخر يوم القيامة بعلماء أمتي على سائر الأنبياء قبلي، ألا لا تكذبوا عالماً ولا تردوا عليه، ولا تبغضوه وأحبوه، فإن حبهم إخلاص وبغضهم نفاقٌ، ألا ومن أهان عالماً فقد أهانني ومن أهانني فقد أهان الله فمصيره إلى النار" (جامع الأخبار للسبزواري، ص111)، هذا أمر رهيب وكلام خطير وليس كلام شخص عادي، بل هو نبيٌّ ما ينطق عن الهوى إنْ هو إلا وحي يوحى.

وقد قلتُ أنّ المقصود هو العالم الرباني وليس العالم الذي يتّجر بعلمه، وليس العالمَ الذي لا يخالف هواه وليس العالم الذي يستخدم العلم لمصالحه الشخصية، فإذا وجدتم علماء مؤمنين صالحين خادمين للأمة خادمين للدين فعليكم أن تكرموهم، وأنا أقبِّلُ أيادي هؤلاء العلماء وأقبل أقدامهم وأفتخر بهذا.

كما أنني يجب أن أذكر مثالاً من هؤلاء العلماء، فقد تلقيتُ بألمٍ خبر وفاة سماحة الحجة السيد ابراهيم موسى الساير (رحمه الله) الذي كان مجدّاً في تلقي العلوم الدينية، وكان مجاهداً في سبيل نشر الدين وتربية الناس على أساس تعليمات أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، وهو الذي ضحى بأعزته خلال هذه الفتنة والحرب الكونية على سورية، عندما هاجم التكفيريون بلدة حطلة فاستشهدت زوجته وابناه أمام عينيه، واستشهد أخوه كذلك، وخطفه الأعداء وعذبوه بشدة، ونجم عن هذا التعذيب جملة من الإصابات والأمراض، وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى في صباح هذا اليوم، رضوان الله تعالى عليه وعلى العلماء الذين يبذلون أنفسهم في مرضاة الله تعالى. هذا نموذج من النماذج التي كم لها من نظير في هذا البلد الطيب.

وقال الصادق (عليه السلام): "من أكرم فقيهاً مسلماً لقي الله يوم القيامة وهو عنه راض ومن أهان فقيهاً مسلماً لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان" (بحار الأنوار، ج2، ص44).

أما آثار إهانة العالم فقد قال فيها الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه الصلاة والسلام): "إياك أن تستخف بالعلماء فإنَ ذلك يزري بك ويسيء الظن بك والمخيلةَ فيك" (غرر الحكم، 2733) أي يولد فيك التكبر، وقال (عليه السلام) في حديث آخر: "ومن احتقر صاحب العلم فقد احتقرني، ومن احتقرني فهو كافر" (إرشاد القلوب، ص165)..

الخطبة الثانية:

لقد بدأ الأعداء ضد إيران بتدبير الخطة نفسها التي درسوها ودبروها لسورية، من خلال قنوات التواصل الاجتماعي، وقد سافر بعض الإخوة إلى إيران في هذه الأيام وقالوا: ما وجدنا شيئاً في الشوارع، ولكن في قنوات السعودية الملعونة الخبيثة نراهم يصورون الأمر وكأنه قد حدثت ثورة في إيران على حد قولهم، فعلى سبيل المثال في شارع فيه عدد من الأشخاص الذين يثيرون الشغب ولا يتجاوز عددهم خمسين، ولكن يكسرون المحلات ويحرقون، والناس يظنون أن كل الشوارع هكذا حالها، وبعضٌ كان يستغرب ويقول: عندما كنتُ أشاهد قناة العربية الحدث – مثلاً-  كنت أظن أن الجمهورية الإسلامية على وشك السقوط.

وما يراه المؤمنون في إيران ليس كما يتصورون، وليس إلا أن بعض اليافعين يريدون أن يلعبوا بالنار في الشوارع ولا يفهمون ماذا يفعلون، وهم تحت وطأة التحريك من قبل هؤلاء الجبارين الذين يظنون أنهم يقدرون على أن يحرقوا هذا البلد الذي هو مركز وأم المقاومة الإسلامية، وهذا سيبوء بالفشل كما أنهم فشلوا خلال هذه الأيام، حيث أعلنوا حداداً عاماً واعتصاماً وما شابه ذلك، ولم يبادر أحد لتلبية دعوتهم، وقد كانوا يأتون إلى بعض المحلات ويضربون صاحب المحل ويجبرونه على أن يقفل باب محله، هكذا هي ثورتهم المزيفة، وإن شاء الله سنقضي عليهم كما قضينا على أكبر من هذه المؤامرات قبل أربعين سنة، وهؤلاء فلول أولئك الذين كانوا في قبل أربعين سنة يقومون بالشغب في شوارع طهران وبقية البلدان، فكونوا مطمئنين على هذا الأمر، ونحن مطمئنون ونحن متأكدون وواثقون بالانتصار بإذن الله تعالى.