۲٠۲۲/۱۲/٠۵ ۱۲:٤۷:۲۹
خطبة صلاة الجمعة 7 جمادى الأولى 1444هـ لحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


بسم الله الرحمن الرحيم

 خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية، بتاريخ 7 جمادى الأولى 1444ه.

الخطبة الأولى

 كعادتنا نخصص الخطبة الأولى لبيان أسلوب الحياة وفقاً للرؤية الإسلامية، وقد كنا نتحدث عن فضيلة العلم والعالم، وتكليفنا تجاه العلماء، وتكليف العلماء تجاه الناس.

في هذه الخطبة نتحدث عن المعلم، وهو ليس معلم الدين فحسب بل أي معلم يعلم الخير، ومصاديق الخير كثيرة، فالذي يعلم فنون ومهارات الحياة هذا أيضاً يعلم الخير؛ لأن الإنسان بحاجة إلى هذه الأشياء، فالذي يعلم الصناعة يعلم الخير لأن هذه الصناعة ستكون في خدمة الناس، والذي يعلم الطب عمله هذا من مصاديق تعليم الخير، فإذاً هذا البحث يشمل نطاقا واسعاً من العلوم المفيدة، وأفضل هذه العلوم ما كان للسعادة الأخروية لأن هذه العلوم البشرية العادية تخدمنا لحياتنا الدنيا المحدودة المعجلة قياساً للحياة الأبدية، والأبد لا نهاية له.

فيجب أن نهتم بما يخص مستقبلنا الذي لا نفاد له وهو آخرتنا، نعم؛ لا ننسى نصيبنا من الدنيا عملاً بقوله تعالى P وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ O (سورة القصص، 77). تعلمنا هذه الشريعة المقدسة كل ما نحتاج إليه في حياتنا الدنيا وكذلك لآخرتنا.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، إنّ الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في الماء لَيُصَلّون على معلمي الناس الخير" (بحار الأنوار، ج61، ص245) ويصلون عليه بمعنى أنهم يرسلون رحمة الله على هذا المعلم، ولم تقيد الرواية هذا التعليم بتعليم الدين مع أن تعليم الدين هو من أفضل مصاديق التعليم.

وعن الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه الصلاة والسلام) قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللهم ارحم خلفائي - ثلاث مرات - قيل يا رسول الله ومن خلفاؤك؟  قال الذين يأتون من بعدي ويروون أحاديثي وسنتي فيسلمونها الناس من بعدي" (بحار الأنوار، ج2، ص144)، وأغلب ما يشمله هذا الحديث هي الأحاديث حول حياتنا الأخروية أي تعاليم الدين لأجل سعادتنا الأخروية، وبالطبع فإن سعادة الآخرة مساوية لسعادة الدنيا أي إن من له حظ من سعادة الآخرة هو سعيد في الدنيا، كما أننا نعتقد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأنبياء وأوصياؤه (عليهم الصلاة والسلام) كانوا سعداء في هذه الدنيا، مع أنهم لم يتمتعوا من الدنيا كالجبابرة، ولكنهم عاشوا سعداء لأنهم ضمنوا سعادة الآخرة.

وهناك حقوق للمعلم يصفها الإمام سيد الساجدين علي بن الحسين زين العابدين (عليه أفضل صلوات المصلين) في كلامه المعهود برسالة الحقوق فيقول (عليه السلام):

" وحق سائسك بالعلم: التعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه، وألا ترفع صوتك عليه ولا تجيب أحداً يسأله عن شيءٍ حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدث في مجلسه أحداً، ولا تغتاب عنده أحداً، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدواً ولا تعادي له ولياً، فإذا فعلت ذلك شهدتْ لك ملائكة الله بأنك قصدتهُ وتعلمتَ علمهُ لله جلَّ اسمُهُ لا للناس" (مكارم الأخلاق، ص420). نذكر هذه الدروس من نمط الحياة وفقاً للرؤية الإسلامية، بينما ترون وفقاً للرؤية المادية أن الطالب يجلس في الصف أمام معلمه ولا يحترمه ولا يوقره ويمضغ العلكة ويضع رجله على الطاولة، هذا ما نعرفه من خلال بعض إخواننا الذين درسوا في الولايات المتحدة حيث يقولون إن الأستاذ لا يُحترم كما نحن نحترم الأساتذة، إذ يعلمنا الدين أن نوقر المعلم، ومنذ البداية نعلم أولادنا بأن يحترموا أستاذهم ومعلمهم، وقد علمنا الأئمة عليهم السلام هذا حيث كانوا يقومون بتكريم معلم أولادهم حتى يتعلم الناس أن هذا المعلم له شأن عظيم ومكانة مرموقة ويجب أن توقره.

عندما تجلس أمام معلمك وهو يدرسك عليك أن تستمع بشكل حسن وتُقبل عليه وألا ترفع عليه صوتك كما يقول القرآن في حق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): Pيا أيُّها الذينَ آمنوا لا تَرفعُوا أَصواتَكُمْ فَوقَ صَوتِ النَّبي..O (سورة الحجرات، 1) وشغل المعلم هو شغل الأنبياء لأنه يعلم الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور، فإذاً هو بمنزلة نبيك فلا ترفع صوتك على معلمك وكن موقراً له.

ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيبه هذه عادة سيئة في بعض الناس، والطالب عندما يكون صغيراً يجب أن يتأدب بهذا الأدب؛ بأنه عندما يسأل طالبٌ آخر المعلمَ لا يقوم ويجيب بل يترك المعلم يجيب احتراماً للمعلم، وإلا فكأنك تريد أن تقول اسألني ولا تسأل عن المعلم. إلا إذا كان المعلم هو الذي أمرك بأن تجيب، هذا شيء آخر، ولكن إذا لم يأمرك أستاذك فالأستاذ هو الذي يجب أن يرد على السؤال.

وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، بعض يقول: ذاك المعلم كذا...ويذكره بالسوء، فيجب أن تدفع هذه الغيبة وتكون حافظاً لأستاذك بالغيب، ولا تتحمل أن يسيء أحد إلى أستاذك.

وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه، لكل إنسان له عيوب ظاهرية، في مظهره وفي مشيه وفي سكونه وفي جلوسه، وله بعض العادات التي قد يعيره بها أحدٌ، فعلى الطالب أن يستر عيوب معلمه، وإذا عرف له مناقب ومحاسن فعليه أن يظهرها للآخرين، وهذا له أثر في الدنيا فضلاً عن الآخرة؛ فمن يكون في خدمة أستاذه يرى الخير في هذه الدنيا قبل أن يرى الخير في الآخرة.

ولا تجالس له عدواً ولا تعادي له ولياً، فإن كنت تعرف أن هذا عدو لمعلمك فلا تجالسه لأنك إذا جالسته وكنت رفيقاً له كأنك صرت عدواً للأستاذ، وفي المقابل إذا كنت تعرف أن هذا صديقه فلا تعاديه لأن عدو الصديق هو عدوك. فإذا فعلتَ ذلك شهدتْ لك ملائكة الله عز وجل بأنك قصدتَهُ وتعلمت علمه لله جل وعز اسمه لا للناس، لأن الله هو الذي يرشدك لأن تفعل هذا، فإذا فعلته فقد فعلت لله تعالى، وتعلمت لله تعالى، والملائكة تشهد بهذا.

وعن الإمام أبي جعفر محمد الباقر (عليه الصلاة والسلام) قال: معلم الخير يستغفر له دواب الأرض وحيتان البحور وكل صغيرة وكبيرة في أرض الله وسمائه" (ثواب الأعمال، ص131)، وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "أكرم ضيفك وإن كان حقيراً، وقمْ عن مجلسك لأبيك ومعلمك وإنْ كنتَ أميراً" (غرر الحكم، 3341)، لأن المعلم أيضاً أبٌ لك حسب الحديث الذي يقول إن الآباء ثلاثة: ... وأبٌ علمك.

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ثلاثَةٌ لا يَستَخِفُّ بِهِم إلاّ مُنافِقٌ بَيِّنٌ نِفاقُهُ: ذو شَيبَةٍ فِي الإِسلامِ، ومُعَلِّمُ الخَيرِ، وإمامٌ عادِلٌ" (تاريخ بغداد، ج8، ص27).

كما أن على المعلم أن يؤدب نفسه ليكون مؤهلاً للتعليم؛ فنحن لا نحب أن نسلم أولادنا إلى أي شخص يسمى باسم المعلم بل نريد أن يكون مهذَّباً حتى يهذِّبَ أولادنا، فإن لم يملك شيئاً من تهذيب نفسه فلا يقدر أن يهذب نفوس أولادنا، ونستشهد لهذا بكلام للإمام أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام): "مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً ْ فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ" (نهج البلاغة، الحكمة70)، فالطالب يتعلم من عمل أستاذه أن هذا هو الخلق الحسن، فإن قلت للطالب لا تكذب ورأى في سيرتك - لا سمح الله - أنك تكذب فتأديبك هذا لا يفيد، فالمعلم يجب أن يؤدب ولكن  بسيرته ليكون أنفذ وأوقع في النفوس وأكثر تأثيراً في الطالب نفسه.

هذه روايات حول شأن المعلم، ومن يريد التفاصيل في هذا المجال فليراجع الكتب في هذا المجال ومنها كتاب منية المريد للشهيد الثاني، وهو كتاب جميل ويعتمَدُ للتدريس في بعض الحوزات العلمية حتى يتعلم الطالب كيف يتعامل مع أستاذه ويتعلم الأستاذ كيف يتعامل مع طلابه.

الخطبة الثانية

 علينا أن نستفيد من الأحداث حولنا، وربما تستغربون أن أتحدثْ عن مباريات المونديال، وأنطلق منها لأنصح هؤلاء المطبعين الذين يتشدقون بهذا الأمر ويظنون أنهم نجحوا فيما فعلوا وفيما يقولون، ويظنون أن الشعوب المسلمة قد تخضع لمثل هذا التخاذل والخنوع والركوع للمستعمرين.

لقد رأيتم أن بسطاء الناس - الذين ليسوا من النخب – من المشجعين في مباريات كرة القدم عندما كان يكشف لهم أن هذا المراسل هو مراسل قناة الكيان الصهيوني كانوا يرفضون أن يتحدثوا معه، هذا هو الواقع على الأرض، فليعتبرْ حكام الدول والدويلات التي تريد أن تطبّع مع العدو، وليعرفوا ماذا يفعلون، وإذا أرادوا أن يطبعوا لأنفسهم ولعائلاتهم فلا بأس، وهم منذ زمن بعيد كانوا عملاء للصهاينة، ولكن لا يظنوا أنهم يقدرون أن يقنعوا شعوبهم بأن يتخاذلوا لمحتل على وشك الانهيار، كما يقرّون هم أنفسهم بوقوع أكثر من ألفي هجوم في هذه السنة 2022 في الأراضي المحتلة، لا في غزة بل في رام الله وفي الخليل وفي جنين.

هذا هو واقعهم، هم دائماً يتحدثون عن هذا الأمر أنْ قد اقتربت نهاية هذا الكيان، ويحاول المطبّعون إحياء هذا الميت بهذه التصرفات، وشعوبهم لن يسمحوا بذلك، وقد رأيتم أنه حتى المشجّع السعودي عندما علم هوية المراسل التلفزيوني الصهيوني قال لا يوجد على وجه الأرض شيء باسم إسرائيل، والذي يوجد هو فلسطين، وهذا مواطنٌ من بلد دائماً يتحدث عن التطبيع ويهرول نحو الصهاينة.

وهذا هو الواقع الذي أنبأ به سماحة الإمام القائد آية الله العظمى الإمام الخامنئي حين قال أن هذه المؤامرة ستبوء الفشل ولن يقدروا أن يفعلوا شيئاً في مجال التطبيع، والحمد لله هذا البلد سورية مع هذه المعاناة والحياة القاسية لم يستسلم، لا الشعب استسلم ولا الحكومة، وهذا مما تفتخرون به، وإن شاء الله ستقاومون وستجدون ثمار هذه المقاومة، كما قال الله تعالى Pوَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًاO (سورة الجن، 16) وأنا أعتبر هذه الجملة "الموت لإسرائيل" جملة خبرية لا إنشائية فحسب، ليست دعاء على اسرائيل بل حقيقة اسرائيل أنها تموت إن شاء الله، وسنرى كما نرى ذل هذا النظام الصهيوني بعد أن كان مهيمناً على هذه المنطقة بينما هو الآن يخاف المقاومين، وهذه بداية الانهيار إن شاء الله تعالى.