تحمیل PDF هویة الکتاب الفهرست
«« الصفحة الأولی    « الصفحة السابقة    الجزء:    الصفحة التالیة »    الصفحة الأخیرة»»
اسم الکتاب: المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء - المجلد ۱    المؤلف: الفیض الکاشانی    الجزء: ۱    الصفحة: ٤٠   

السیاسة بالتألیف و الاستصلاح و لذلک تستدعی هذه الصناعة من الکمال فیمن یتکفّل بها ما لا یستدعیه سائر الصناعات، و لذلک یستخدم لا محالة صاحب هذه الصناعة سائر الصنّاع، و السیاسة فی استصلاح الخلق و إرشادهم إلى الطریق المستقیم المنجی فی الدّنیا و الآخرة على أربع مراتب: الأولى- و هی العلیا- سیاسة الأنبیاء و حکمهم على الخاصّة و العامّة فی ظاهرهم و باطنهم، الثانیة الخلفاء و الملوک و السلاطین و حکمهم على الخاصّة و العامّة جمیعا، و لکن على ظاهرهم لا على باطنهم، الثالثة سیاسة العلماء باللّه سبحانه و تعالى و بدینه الّذین هم ورثة الأنبیاء علیهم السّلام و حکمهم على باطن الخاصّة فقط، و لا یرتفع فهم العامّة إلى الاستفادة منهم و لا ینتهی قوّتهم إلى التصرّف فی ظواهرهم بالإلزام و المنع، الرّابعة سیاسة الوعّاظ و حکمهم على بواطن العوام فقط. و أشرف هذه السیاسات الأربع بعد النبوّة إفادة العلم و تهذیب نفوس الناس عن الأخلاق المذمومة المهلکة، و إرشادهم إلى الأخلاق المحمودة المسعدة و هو المراد بالتعلیم، و إنّما قلنا: إنّ هذا أفضل من سائر الحرف و الصناعات لأنّ شرف الصناعة یعرف بثلاثة أمور: إمّا بالالتفات إلى الغریزة الّتی بها یتوسّل إلى معرفتها کفضل العلوم العقلیّة على اللّغویّة إذ تدرک الحکمة بالعقل، و اللّغة بالسمع، و العقل أشرف من السمع، و إمّا بالنظر إلى عموم النفع کفضل الزراعة على الصیاغة، و إمّا بملاحظة المحلّ الّذی فیه التصرّف کفضل الصّیاغة على الدباغة إذ محلّ أحدهما الذّهب و الآخر جلد المیتة و لیس یخفى أنّ العلوم الدینیّة و هی فقه طریق الآخرة إنّما تدرک بکمال العقل و صفاء الذکاء، و العقل أشرف صفات الإنسان کما سیأتی بیانه إذ به قبل الإنسان أمانة اللّه عزّ و جلّ و به یصل إلى جوار اللّه سبحانه، و أمّا عموم النفع فلا یستریب فیه أحد فإنّ نفعه و ثمرته سعادة الآخرة، و أمّا شرف المحلّ فکیف یخفى و المعلّم متصرّف فی قلوب البشر و نفوسهم، و أشرف موجود على الأرض جنس الإنسان، و أشرف جزء من جوهر الإنسان قلبه، و المعلّم مشتغل بتکمیله و تحلیته و تطهیره و سیاقته إلى القرب من اللّه عزّ و جلّ، فتعلیم العلم من وجه عبادة للَّه عزّ و جلّ و من وجه خلافة للَّه عزّ و جلّ، و هو أجلّ خلافة، إذ بالمقاصد تفترق الأحکام، فإنّ اللّه تعالى قد فتح على قلب العالم العلم الّذی هو أخصّ‌


«« الصفحة الأولی    « الصفحة السابقة    الجزء:    الصفحة التالیة »    الصفحة الأخیرة»»
 تحمیل PDF هویة الکتاب الفهرست