تحمیل PDF هویة الکتاب الفهرست
«« الصفحة الأولی    « الصفحة السابقة    الجزء:    الصفحة التالیة »    الصفحة الأخیرة»»
اسم الکتاب: المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء - المجلد ۱    المؤلف: الفیض الکاشانی    الجزء: ۱    الصفحة: ٤۲   

و الضوء القویّ یفسدها، و کذا الصوت القویّ یفسد السمع و یمنعه من إدراک الخفیّ بعده و أیضا فإنّ الأمر کما قیل: [إنّ‌] ألذّ اللّذات الحسّیّة هو المنکوحات و المطعومات و أمور تجری مجراها و المتمکّن من غلبة ما و لو فی أمر خسیس کالشطرنج و النرد قد یعرض له مطعوم و منکوح فیرفضه لما یعتاضه من لذّة الغلبة الوهمیّة و قد یعرض مطعوم و منکوح فی صحبة حشمة فینفضّ الید منهما مراعاة للحشمة فیکون مراعاة الحشمة آثر و ألذّ لا محالة هناک من المطعوم و المشروب و إذا عرض الکرام من الناس الالتذاذ بإنعام یصیبون موضعه آثروه على الالتذاذ بمشتهى حیوانیّ متنافس فیه و آثروا فیه غیرهم على أنفسهم مسرعین إلى الإنعام به و کذلک، فإنّ کبیر النفس یستصغر الجوع و العطش عند المحافظة على ماء الوجه و یستحقر هول الموت و مفاجاة العطب عند مناجزة الأقران و المبارزین و ربّما اقتحم الواحد منهم على عدد دهم ممتطیا[1]ظهر الخطر لما یتوقّعه من لذّة الحمد و لو بعد الموت کأنّ تلک تصل إلیه و هو میّت، فقد بان أنّ اللّذات الباطنة مستعلیة على اللّذات الحسّیّة و لیس ذلک فی العاقل فقط بل و فی العجم من الحیوانات، فإنّ من کلاب الصید ما تقتص على الجوع ثمّ یمسکه على صاحبه و ربّما حمله إلیه، و الراضعة من الحیوانات تؤثر ما ولدته على نفسها و ربّما خاطرت محامیة علیه أعظم من مخاطرتها فی ذات حمایتها نفسها فإذا کانت اللّذات الباطنة أعظم من الظاهرة و إن لم تکن عقلیّة فما قولک فی العقلیّة فطوبى لعقول شریفة تمثّلت فیها جلیّة الحقّ الأوّل قدر ما یمکنها أن تنال منه ببهائه الّذی یخصّه ثمّ یتمثّل فیها الوجود کلّه على ما هو علیه مجرّدا عن الشوائب مبتدئا فیه بعد الحقّ سبحانه بالجواهر العقلیّة الجبروتیّة، ثمّ الروحانیّة الملکوتیّة و الأجرام السماویّة، ثمّ ما بعد ذلک تمثّلا لا یمایز الذات، قال بعض العلماء: لو علم الملوک ما نحن فیه من لذّة العلم لحاربونا بالسیوف، و للآخرة أکبر درجات و أکبر تفضیلا.

و عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق علیهما السّلام أنّه قال: «لو یعلم الناس ما فی فضل معرفة اللّه تعالى ما مدّوا أعینهم إلى ما متّع اللّه به الأعداء من زهرة الحیاة الدنیا و نعیمها و کانت دنیاهم أقلّ عندهم ممّا یطئونه بأرجلهم و لنعّموا بمعرفة اللّه تعالى و تلذّذوا بها تلذّذ من لم یزل فی روضات الجنان مع أولیاء اللّه، إنّ معرفة اللّه تعالى آنس من کلّ وحشة،


[1] الدهم: العدد الکثیر، و امتطى الدابة: رکبها.


«« الصفحة الأولی    « الصفحة السابقة    الجزء:    الصفحة التالیة »    الصفحة الأخیرة»»
 تحمیل PDF هویة الکتاب الفهرست