۲٠۲٤/۱٠/۲۹ ۲۱:٣٣:۱٠
كيف هي أخلاق المجاهدين في سبيل الله؟


الشجاعة
الشجاعة صفة تتكون في النفس الإنسانية من خلال تدريبها، على اقتحام ما تهاب النفس منه، وهي صفة لا بد أن يحملها المجاهد في سبيل الله تعالى، وهي من الخلفيات الأخلاقية.
 
إن الشجاعة فرع من فروع الصبر، ولا يكون غير الصبور شجاعاً، ولهذا ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الشجاعة صبر ساعة"([1]).
 
وفي رواية أخرى عن الإمام الحسن عليه السلام وقد سئل عن الشجاعة فقال: "موافقة الأقران والصبر عند الطعان"([2]).
 
كما أن الشجاعة أيضاً فرع من فروع علو الهمة، إذ أن عالي الهمّة لا يرضى بأن يكون من الخائفين، والباقين في الحفر تهيباً من صعود الجبال، بل تحمله همّته العالية لبلوغ أعلى الدرجات إلى اقتحام الصعاب بكل شجاعة، وإلى هذا المعنى أشارت الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "شجاعة الرجل على قدر همته، وغيرته على قدر حمّيته"([3]).
 
والشجاعة من الصفات التي يحبها الله تعالى في الإنسان المؤمن، وقد أكدت على ذلك العديد من الروايات الشريفة منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "واعلم أن الله يحب البصر النافذ عند مجيء الشهوات والعقل الكامل عند نزول الشّبهات، ويحب السماحة ولو على تمرات، ويحب الشجاعة ولو على قتل حيّة"([4]).
 
القوة
والقوة التي نتحدث عنها ليست قوة البدن، وحجم العضلات، وإنما نتحدث عن قوة أخرى، تجعل الإنسان قادراً على أداء عمله بكماله وتمامه.

وهذا ما وضّحه لنا الإمام الصادق عليه السلام حيث روي عنه أنه قال: "إنّ قوّة المؤمن في قلبه، ألا ترون أنكم تجدونه ضعيف البدن نحيف الجسم وهو يقوم الليل ويصوم النّهار؟!"([5]).
 
والقوة تنشأ من العمل المستمر والدؤوب، وأما الكسل والتراخي والتملص من أداء المهام، فإن كل هذا يسبب الخمول والضعف لدى الإنسان المجاهد، ولهذا المعنى أشار الإمام علي عليه السلام: "من يعمل يزدد قوّة، من يقصر في العمل يزدد فترة"([6]).
 
وعلى من يشعر بالضعف في نفسه، والعجز فيها عن القيام بالواجب أن يتذكر دائما ان الله تعالى لا يحب المؤمن الضعيف، وأن المؤمن القوي أحب إلى الله تعالى من الضعفاء، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. واحرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: "لو أني فعلت كان كذا وكذا"، ولكن قل: "قدر الله، وما شاء فعل"، فإنّ" لو "تفتح عمل الشيطان"([7]).
 
وعليه أن يزرع في قلبه دائماً فكرة أن لا يكون عالة على الآخرين وعبئاً عليهم، فإن عدم قيام المرء بالواجب الملقى عليه هو مخالفة للحكم الشرعي، وهو أيضاً خطيئة أخلاقية بحق العمل والعاملين أيضاً.
 
الحزم والاستقامة
يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾([8]).
 
تشير الآية الشريفة إلى مفهومين في غاية الأهمية بالنسبة لكل من يؤدي دوراً إلهياً، والمفهومان هما الحزم، والاستقامة.
 
فلا يكفي أن يعمل الإنسان على أداء تكليفه بأي طريق كانت بل عليه أولاً ان يكون حازماً في أدائه لهذا التكليف، بمعنى أن لا يقبل بأي شكل من أشكال التباطؤ، أو التراخي في التطبيق، فالحزم في أداء الواجب أمر مطلوب بل أمر إلهي لكل من يقول بالعمل.
 
فعن الإمام علي عليه السلام: "لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع ولا يضارع، ولا يتبع المطامع"([9]).
 
بل إن عاقبة قلة الحزم المهانة في يوم القيامة كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "إياكم والتّهاون بأمر الله، فإن من تهاون بأمر الله أهانه الله يوم القيامة"([10]).
 
والأمر الآخر هو الاستقامة، والاستقامة هي الثبات على النهج، وعدم التزلزل بسبب الظروف الطارئة والتي قد تجعل بعض الناس تنحى منحىً آخر غير الذي تسير فيه، فبعض الناس يسير في نهج سياسي مادام النهج يصب في صلاحه، ولو ظاهراً، ولكن إذا طرأ عليه أمر ما يخالف هواه أو ما يتمناه ينحرف إلى خط آخر يظن أن مطامعه تتحقق فيه، وهذا الشخص هو ما يسميه لنا أهل البيت عليهم السلام بالمتلون، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "اعلموا أن الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلوّن، فلا تزولوا عن الحق، وولاية أهل الحقّ؛ فإن من استبدل به هلك"([11]).
 
فالاستقامة هي الثبات وهي من صفات المؤمن بالله تعالى، أي المؤمن حقاً بل الاستقامة هي النتيجة التي تتحصل من ثبات الإنسان على مبدئه في المحن والبليَّات، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن له قوة في دين ...، وبرّ في استقامة"([12]).
 
كما أن للاستقامة أثراً مهما وهو السلامة، وليس المقصود من السلامة سلامة الجسد، بل سلامة النفس من الجنوح لمحل غضب الله تعالى، وسلامتها من السقوط في مستنقع الانحراف، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من لزم الاستقامة لزمته السلامة"([13]).
 
الصدق والأمانة
يقول الله تعالى في وصف المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون﴾([14]).
 
صفتان ليستا من صفات المجاهد فحسب بل هما صفتان من صفات أي مؤمن، ولا بد من توفرهما في المجاهد بشكل آكد.
 
تحتل هاتان الصفتان في سلم الأخلاقيات الإسلامية أعلى المراتب، بل لا يكون المؤمن كاذباً كما في الأحاديث الشريفة.
 
لقد جعلت الأحاديث الصدق والأمانة ميزاناً من موازين قياس الإيمان، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحجّ والمعروف، وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة"([15]).

وفضلاً عن هذا كله فإن الصدق والأمانة، سبيلان إلى وصول أعلى درجات الإيمان والقرب من الله تعالى، فهذا الإمام الصادق عليه السلام يخبرنا عن حال جده أمير المؤمنين عليه السلام فيقول: "أنظر ما بلغ به عليّ عليه السلام عند رسول صلى الله عليه وآله وسلم فالزمه؛ فإنَّ عليّاً عليه السلام إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصدق الحديث وأداء الأمانة"([16]).
 
* خاصّة الأولياء، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


([1]) الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، الحديث 9157.
([2]) ابن شعبة الحراني، الوفاة: ق 4، تحف العقول، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ص 226.
([3]) غرر الحكم: 5763.
([4]) ابن سلامة، وفاة: 454، مسند الشهاب، مؤسسة الرسالة، بيروت: 2 - 152 - 1080.
([5]) الشيخ الصدوق ،من لا يحضره الفقيه (381هـ )، جامعة المدرسين ،الطبعة الثانية 1404 هـ: 3-560-4924.
([6]) غرر الحكم: 7990 و7991.
([7]) النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، دار الفكر، بيروت - لبنان: 4 - 2052 - 34.
([8]) الشورى: 15.
([9]) نهج البلاغة: الحكمة 110.
([10]) البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، دار الكتب الإسلامية، طهران: 1 - 181 - 286.
([11]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 10 - 105 - 1.
([12]) الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2 - 231 - 4.
([13]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 78 - 91 - 95.
([14]) المؤمنون: 8.
([15]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 75 - 114 - 5.
([16]) الشيخ الكليني، الكافي. دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2 - 104 - 5.