۲٠۲٣/٠۲/۲٠ ۲۲:۱۱:٤۲
خطبة الجمعة ٢٦ رجب لسماحة الشيخ حميد صفار الهرندي


 بسم لله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حميد الصفار الهرندي (زيد عزه) ممثل الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله) في سورية ن بتاريخ 26 رجب 1444ه.
الخطبة الأولى 
في عرضنا لنمط الحياة وفقاً للرؤية الإسلامية بدأنا الحديث حول أحكام التعامل مع الموتى، واليوم نتحدث عن تكاليفنا بالنسبة لما بعد دفن الميت، وأهم شيء في هذا الخصوص هو زيارة القبور.
قد حثنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومون (عليهم الصلاة والسلام) على زيارة القبور، ففي رواية عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتب الفريقين السنة والشيعة أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "زُورُوا مَوْتَاكُمْ‏ وَصَلُّوا عَلَيْهِمْ وَسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ فَإِنَّ لَكُمْ فِيهِمْ عِبْرَة" (مجموعة ورام، ج‏1، ص288)، هذا جانب من جوانب حكمة زيارة القبور، ففيها مصلحة للأحياء إلى جانب وجود مصلحة الأموات الذين تصلهم مثوبة قراءة القرآن والزيارة؛ إذ يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) زوروا موتاكم أي زوروا قبورهم، وصلوا عليهم أي أرسلوا إليهم الرحمة لأن الصلاة بمعنى الرحمة، "وسلموا عليهم" ومن هذا يمكن أن نستفيد استحباب أن نسلم على الميت عندما نصل إلى قبره ونقول السلام عليك يا فلان، كما وردت رواية عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أمرنا فيها بهذه السُنّة، والأئمة عليهم السلام قالوا أنهم يسمعون كلامنا ويفهمون ويتلقون ويجيبون.
وفي تتمة حديث النبي (صلى الله عليه وآله) قوله "فإن لكم فيهم عبرة" أي إذا دخلت المقبرة لتزور الموتى فإن هذه عبرة لك؛ لأنك تحسب نفسك بين الموتى، وتقول: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون"  كما ورد في زيارة أهل القبور، فهذا أثر معنوي تربوي على من يزور القبور، فعلينا أن لا ننسى أهل القبور لأجل مصلحتنا قبل مصلحتهم، حتى لا ننسى الموت،  لأن العبد إن نسي الموت سيذنب، والمخالفة لأحكام الله تعالى تنشأ بالأساس من نسيان الموت، حيث قال الله تعالى: (إنَّ الَّذينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبيلِ اللّٰهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَديدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ۟( (سورة ص، 26).
وعن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) قال: "قال أمير المؤمنين (عليه السلام): زُورُوا مَوْتَاكُمْ‏ فَإِنَّهُمْ يَفْرَحُونَ بِزِيَارَتِكُمْ وَلْيَطْلُبْ أَحَدُكُمْ حَاجَتَهُ عِنْدَ قَبْرِ أَبِيهِ وَعِنْدَ قَبْرِ أُمِّهِ بِمَا يَدْعُو لَهُمَا" (الكافي، ج‏3، ص229)، إن هذه الزيارة تدخل الفرح على روح الميت، وإذا ذهبت عند قبر أمك المرحومة أو أبيك المرحوم ودعوت لهما الله تعالى وسألتَ حاجةً فإنهما يدعوان لك، ومن أكثر حناناً على الولد من الأم ومن الأب؟ هما حتى في عالم البرزخ أيضاً يفكران بأولادهما، وعندما يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن هذه دعوات مستجابة وعندما يقول: وليطلب أحدكم حاجته...فهو لا يأمرنا بشيء لا يستجاب أو بأمر من اللغو، بل الأمر مضمون، كما أنك في الدنيا أيضاً إذا واجهتَ شدة تأتي إلى أمك وإلى أبيك وتطلب منها أن يدعوا لك، لأن دعاء الوالدين مستجاب إن شاء الله، إذا لم يوجد أمامه شيء مانع من الاستجابة.
وأما بالنسبة لزيارة القبور فإن بعض الناس كأنهم يتعودون زيارة القبور فتصبح لهم عادة صباحاً مساء، فيجلس أحدهم ساعات يعطل عمله ويشعر بطمأنينة وسكون في المقبرة لأنه ابتعد عن ضوضاء المجتمع، ويظن أن هذا لصالحه، ولكن لا رهبانية في الإسلام، فالإسلام لا يدعونا إلى مثل هذه التصرفات، فلذلك منَعَنَا من الإفراط والإكثار في زيارة المقابر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "زُرِ القُبورَ تَذكُرْ بِهَا الآخِرَةَ بِالنَّهارِ أحْيَانًا وَلا تُكثِرْ" (الجامع الصغير، ج1، ص468) فالإفراط في هذا المجال يضر نفسياً إذ يدعو الإنسان إلى التوقف عن العمل والنشاط في المجتمع، لأنه دائماً يذكر الموت ويشعر بشيء من الاكتئاب النفسي، والإسلام لا يدعونا إلى مثل هذه الأمور بل إلى الاعتدال بأن نزور  كل جمعة أو ليلة الجمعة أو يوم الاثنين أو يوم السبت كما جاء في الروايات، وكل يوم يجوز أن تزور المقابر ولكن وردت في الروايات هذه الأيام  مع التأكيد على يوم الجمعة وليلة الجمعة.
وأما ثواب زيارة القبور فقد قال فيه الرضا (عليه الصلاة والسلام): "مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ زَارَ قَبْرَ مُؤْمِنٍ‏ فَقَرَأَ عِنْدَهُ‏ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِصَاحِبِ الْقَبْرِ. (من لا يحضره الفقيه؛ ج‏1؛ ص181) فإذاً وفقاً لرواية الإمام الرضا (عليه السلام) إن من أفضل الأعمال المجربة عند قبور الأموات قراءة سورة القدر سبع مرات وإهداء هذه القراءة إلى روح صاحب القبر، فتجد ثمرة من هذا الثواب، والثواب هو غفران الله تعالى الذي يشمل صاحب هذه القراءة، ولصاحب القبر أيضاً حصة من غفران الله تعالى.
وأما ثواب الدعاء للأموات فعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: "مَنْ دَعَا لِعَشَرَةٍ مِنْ إِخْوَانِهِ الْمَوْتَى‏ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ الْجَنَّةَ" (مستدرك الوسائل، ج‏6، ص73) وليس معناه أنه إذا دعا لاثني عشر من إخوانه لا يجوز؛ بل يذكر هذا العدد نموذجاً، فإذا ذكرت إخوتك وأصدقائك الذين توفاهم الله عليك أن تهدي لهم الثواب بأن تستغفر لهم، وهذه سنة ممدوحة عندما يقال لشخص رحم الله والديك - ولو كانوا على قيد الحياة - وهذا أمرٌ مشمول بهذا الحديث، وطبعاً فإن شيئاً من الأجر يصل إلى هذا الميت أيضاً لأنك دعوت لهم والله يستجيب دعوتك، وكذلك يعطيك ثواب الاهتمام بأمر أخيك المؤمن. 
ترون هنا كيف هي نظرة الإسلام بأن الصديق صديقٌ إلى يوم القيامة، وعلى عاتقك حق نحو هذا الصديق، وهو حق باقٍ، وأقل شيء أن تستغفر لأخيك في حياته وبعد مماته، وهذه هي قيمة الإنسان في الرؤية الإسلامية، بينما نجد عدم اهتمام بالميت في الثقافات الأخرى - خصوصاً الثقافات المادية - إذ يقولون مات وأصبح رفاتاً وتراباً، وهو لا شيءَ الآن، ويهتمون فقط بالذي يرونه لأنهم يرون المادة ولا يرون شيئاً وراءها.
وأما ثواب النيابة عن الأموات كأنْ ينوبَ الابن بعض الأحيان عن والده بالصدقة أو يوزع الأطعمة بين الفقراء حتى يصل إلى أبيه ثواب هذا الإطعام، فهل يصل؟ نعم يصل لأنه ناب عن والده بعمل الخير، وقد قال الصادق (عليه الصلاة والسلام): "مَنْ عَمِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏ عَنْ‏ مَيِّتٍ‏ عَمَلًا صَالِحاً أُضْعِفَ لَهُ أَجْرُهُ وَنَفَعَ اللَّهُ بِهِ الْمَيِّتَ" (من لا يحضره الفقيه، ج‏1، ص185) فبالنسبة لهذا الحي الذي عمل الخير له ثواب مضاعف، والميت أيضاً يصل إليه ثواب عمل الخير.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "وَلَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ‏ فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ وَلَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ‏ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا" (جامع الأخبار، ص160) بعض الأحيان - للأسف الشديد – تحدث ضغينة بين شخصين وتستمر حتى بعد ممات أحدهما فيسبُّ الحي الميتَ، وهذا يختلف عمن كان عليه للناس أو ضيع أموال الناس أو قتلهم كما فعل الطواغيت، هذا لا إشكال في سبه، ولكن الأفضل أن لا يكون المؤمن سباباً بل الأفضل منه هو لعن الظالم، كما أن الله تعالى لم يسب الظالم بل لعنهُ أي أبعد رحمته عنه.
الخطبة الثانية:
أرفع أحر التهاني والتبريكات بمناسبة المبعث النبوي الشريف إلى خاتم الأوصياء صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وإلى صاحبة هذه القبة الشريفة سيدتنا ومولاتنا زينب الكبرى (عليها السلام) وإلى مراجعنا العظام لا سيما سماحة الإمام الخامنئي (حفظه الله) كما أبارك لكم وللمسلمين كافة. 
يقول الله تعالى في محكم كتابه (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( (سورة الأعراف، 157).
ربما يقال أن هذه الآية تتحدث عن أهل الكتاب الذين يميلون إلى دين الحق إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن هذا يطبق على كل من يتبع هذا النبي الأمي الذي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، هذه النقاط مهمة في دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو يحل لهم كل طيب ويحرم عليهم كل خبيثة ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، والأغلال ليست فقط الأغلال المادية بل تشمل الأغلال الثقافية التي كانت عليهم حيث  كانوا عبيداً لا تضر ولا تنفع، بل حتى القوى العظمى والبلاد الكبرى مثل إمبراطورية الفرس والرومان كانوا تحت الأغلال وجاء حتى يفك هذه الأغلال،  وبعضهم استسلموا  وبعضهم فرض عليهم أن يستسلموا.  
لقد كان المجتمع الذي بعث النبي فيه مجتمعاً منهاراً من جميع النواحي، خصوصاً من الناحية الأخلاقية والثقافية، يقول الإمام أمير المؤمنين في الخطبة السادسة والعشرين في نهج البلاغة:
إِنَّ اللَّهَ [تَعَالَى‏] بَعَثَ مُحَمَّداً ص نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَ أَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ وَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ وَ فِي شَرِّ دَارٍ مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ‏ وَ حَيَّاتٍ صُمٍ تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ وَ تَأْكُلُونَ الْجَشِبَ‏ وَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَ تَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ. الْأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ وَ الْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَة. (نهج البلاغة (صبحي صالح)، ص68، الخطبة 26).
هكذا يصور الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حالة العرب قبل نزول الوحي وقبل بعث الرسول الأمي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذه حقيقة ذلك المجتمع، فمن يفخر بالعروبة دون الإسلام فهو يفخر بما ليس سوى عار.  
نعم كانت هناك قيم في الجاهلية تقدس وتقدر، والنبي يقدر هذه القيم، مثل المروءة والشجاعة، فنراه يقدر حاتم الطائي ويقدر عمه حمزة ابن عبد المطلب لشجاعته وغيرته، ويقول إنه أسلم لحميته وغيرته، هذه من القيم المقبولة ولكن ليس كل شيء ننسبه للعروبة ففيه خير، نعم نأخذ الخير منها، أما بعد نزول الوحي فالمبدأ هو مبدأ الدين ومبدأ القرآن، وكذلك الفرس الذين يتشدقون بالإيرانية أيضاً يخطؤون؛ تفخرون بأي شيء؟ هل تفخرون بأنْ لم يكن للمرأة حق أو قيمة في المجتمع، وأنْ لم يكن يُسمح أن يدرس الناس في إيران الامبراطورية إلا إذا كانوا من الأشراف.
هناك قصة تحكى أن رجلاً حذّاءً أراد أن يرسل ابنه إلى المدرسة في عهد الساسانيين - العصر الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم - حتى يتعرف على الكتابة والقراءة، منعوه وقالوا هذا لا يسمح إلا لمن يكون من الأشراف، هذا ليس لك أيها الحذاء، كيف تتجرأ أن ترسل ابنك للدراسة؟
هكذا كان الحال، فلا نفتخر بجاهلية الفرس ولا يفتخر العربي المؤمن بجاهلية العرب، ولكن حتى في أيام جاهلية الفرس والرومان والعرب كانت توجد قيم أخلاقية، هذه نقدرها ونحتفظ بها، كما أن الإسلام احتفظ بها وقدرها. 
وأما بالنسبة لإيران الإسلامية بما أن هذه الأيام ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، أذكر شيئاً لهذه الأمة لهذا الشعب الذين كانوا دائماً خاضعين للحق، عندما سمعوا أنه هناك نبياً قد بعث في الجزيرة العربية كانوا ينتظرون حتى يأتوا ويسلموا، وهذا سلمان الفارسي الذي جاء حتى بحث عن النبي ووجد ضالته في هذا الرجل العظيم، واقترب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى صار من أهل البيت كما قال النبي (صلى الله عليه وآله): سلمان منا أهل البيت.
يقول الشهيد المطهري (رضوان الله تعالى عليه) في كتابه الخدمات المتبادلة بين الإسلام وإيران:
كانت حكومة اليمن عند ظهور الإسلام بِيَد باذان بن ساسان الفارسي، وقد بدأت بعض حروب الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم مع بعض القبائل العربية على عهد هذا الرجل، وكان باذان يحكم اليمن من قِبل خسرو برويز فكان حاكما على اليمن وحَضْرَمَوتَ ومراقبا على تِهامة والحجاز، ومن الطبيعي أن يكون قد أخبر برويز بما كان يقوم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كنا لا نجد فيما بأيدينا من المصادر التاريخية الإسلامية (دليلا على ذلك). وبعد أنْ توجّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة إلى مكة لأداء الحج وصدّه المشركون وصالحهم (صلح الحديبية) في السنة السادسة للهجرة، بدأ بإرسال الرسل والكتب إلى ملوك ورؤساء العالم آنذاك.
فبعث بكتاب إلى خسرو برويز مع عبد الله بن حُذافة السهمي، يقول فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم؛ من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس؛ سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاء الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فأسلِم تسلَمْ؛ فإن أبيت فإنّ إثم المجوس عليك). فما قرأه مزّقه، وقال: يكتب إليّ هذا وهو عبدي!
ثم كتب برويز إلى باذان: (ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رَجلين من عندك جَلدَينِ؛ فليأتياني به ...). فبعث باذان بابويه؛ وكان كاتبا حاسبا بكتاب الفرس، وبعث معه رجلا من الفرس يقال له: خسرو، وكتب معهما إلى رسول الله يأمره أن ينصرف معهما إلى برويز، وقال لبابويه: ائت بلد هذا الرجل وكلّمه وآتني بخبره.    فخرجا حتى قدما الطائف، فوجدا رجالا من قريش فسألاهم عنه فقالوا: هو بالمدينة، واستبشروا بهما وفرحوا، وقال بعضهم لبعض، ابشروا فقد نَصَب له كسرى ملك الملوك! فخرجا حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فكلّمه بابويه فقال: إنّ ملك الملوك خُسرو قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد بعثني إليك لتنطلق معي، فإن فعلت كتب فيك إلى ملك الملوك ما ينفعك ويكفّه عنك، وإن أبيت فهو من قد علمت! فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرّب بلادك! فأقبل عليهما رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: ويلكما! من أمركما بهذا؟! قالا: أمرنا بهذا ربنا (يعنيان خسرو برويز) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لهما: ارجعا حتى تأتياني غدا. وأتى رسولَ الله صلى الله عليه وآله الخبرُ من السماء: أنّ الله قد سلّط على خسرو برويز ابنه شيرويه (قباد) فقتله وبقر بطنه. فدعاهما فأخبرهما: أنّ الله سلّط عليه ابنه شيرويه فقتله ليلة الثلاثاء لعشر ليالٍ مضَين من جمادى الأولى من سنة سبعٍ لِستِّ ساعات مضت منها. فقالا: هل تدري ما تقول؟! أفنكتب هذا عنك ونخبر الملك؟ قال: نعم، أخبراه ذلك عني وقولا له: إنّ ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ مُلكَ كسرى، ...، وقولا له: إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملَكتك على قومك من أبناء الفرس. ثم أعطى خور خسرو مِنطقة (أي حزاما) فيها ذهب وفضة كان قد أهداها له بعض الملوك. فخرجا من عنده حتى قدما على باذان فأخبراه الخبر، فقال: والله ما هذا بكلام ملك، وإني لأرى الرجل نبيا كما يقول: ولننظرنّ ما قد قال، فلئن كان هذا حقا ليس فيه كلام، إنه لنبي مرسل، وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا. فلم يلبث باذان أن قدِم عليه كتاب شيرويه (قباد): (أما بعد؛ فإني قد قتلت خسرو.... فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي بالطاعة ممن قِبلك، وانظر الرجل الذي كان خسرو كتب فيه إليك فلا تُهِجه حتى يأتيك أمري فيه). فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذان، قال: (إنّ هذا الرجل لرسول) فأسلَمَ وأسلمتِ الأبناءُ من فارس من كان منهم باليمن وبعث إلى النبي بإسلامه وإسلامهم. فجمع له الرسول صلى الله عليه وآله عملَ اليمن كلها وأمره على جميع مخالفيها فلم يزل عاملَ رسول الله صلى الله عليه وآله أيام حياته، فلم يعزله عنها ولا عن شيء منها ولا أشرك معه فيها شريكا حتى مات باذان رحمه الله على عهده صلى الله عليه وآله.
 هذا أول فارسي وإيراني أسلم قبل أن يغزو المسلمون إيران، أسلم عندما كان في اليمن وأصبح ممن يعمل للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في اليمن.
إذا أردنا أن نقول للإيرانيين فخر، فهو بأنهم خضعوا لأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفتحوا أبواب هذه الإمبراطورية بالسلم واستسلموا أمام قوات المسلمين، ولو لم يخضعوا لما كانت الحرب لتتم بسهولة مع هذه القوة الإمبراطورية، وأصبحت القلوب مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وليست السيوف هي التي أرغمتهم على الإسلام، وما زلنا بحمد الله هكذا، ونريد أن نبقى هكذا. 
وإذا أمرنا هذا الرسول وهذا الدين بأن نكون مع الحق لن نكون من أهل المنّ، وإنْ نفعل شيئاً نفعلهُ لرضا الله تعالى، كما رأيتمونا وجربتمونا في الشدة حيث امتحنتم الشعب الإيراني أنه بجانبكم، وهم حقاً أشقاؤكم في الشدة والرخاء.
وأشكر الإخوة والاخوات المجاورين للسيدة (عليها السلام) لتكاتفهم وتضامنهم وتعاطفهم مع إخوانهم وأخواتهم المنكوبين في المناطق التي تضررت بسبب الزلزال، شكر الله سعيكم هذا الذي لا يرى، ولستم مهتمين بأن يرى على صفحات الإعلام وما شابه ذلك، فالمؤمن ليس مرائياً وإذا فعل شيئا لله تعالى ولم يُرَ إلا عند الله تعالى يبقى مرتاحاً بأنه عمل بتكليفه.  
وأشكر الزوار الكرام للسيدة زينب (سلام الله عليها) بأنهم دعموا، ونحن استلمنا المساعدات من الإخوة والأخوات وأرسلناها إلى المناطق التي هي بحاجة ملحة إلى هذه المساعدات، والجمهورية الإسلامية وسفارة الجمهورية الإسلامية ومن يقوم على هذا المجال أرسلوا من اليوم الأول ومن الساعات الأولى مساعداتهم.
لا تبحثوا عن هذه المساعدات من خلال الإذاعات وما شابه ذلك، فهذا يعرفه من كان على الأرض، ولا ندخل في مناورات الرياء والتزوير حتى نعلن بأننا فعلنا هذا أو فعلنا ذاك، فالله تعالى يعلم بأن إخواننا في حلب وفي اللاذقية مشغولون في إخراج الناس من تحت الأنقاض، وعندما وصلت هذه المساعدات إلى المطارات بحمد الله والمنة ولأن الدولة السورية مسيطرة على الأوضاع وتقوم بواجبها فقد سلمناها للدولة، والدولة تقوم بتوزيع هذه المساعدات المقدمة من قبل المؤمنين وأولي الضمائر الحية. 
بينما رأيتم هؤلاء الوحوش الذين لم يرفعوا الحصار لحد الآن، يقولون نحن فككنا الحصار، ففضحهم الواقع وكشف عن وجوههم الوحشية، وعن الوجه الإجرامي للغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، والجميع يعرفون أين هؤلاء الذين كانوا يتحدثون عن حقوق الإنسان حيث يتعاطفوا مع المظلومين في سورية، ولم يحركوا ساكناً.  
على كل حال الشكر والتقدير لكل من قام بعمل في هذا المجال ووفقهم الله تعالى، والحمد لله إن الذين أخطؤوا سابقاً وآذوا الشعب السوري جاؤوا الآن ليقدموا خدماتهم، فأهلاً وسهلاً بهم، ونرجو أن يكون وراء هذه الخدمات إخلاصٌ بإذن الله، ولا يجددون ما فعلوه سابقاً بهذا الشعب.
كان أحد العلماء في إيران يقول: عندما تصافحون من لا تثقون به يجب أن تعدوا أصابعكم هل نقص شيء منها بعد المصافحة أو لا؟ هذا الذي يأتي ويمد يده للعون يجب أن يكون عملهُ مع نية خالصة لخدمة هذا الشعب. 
نحن في الجمعة الأخيرة من شهر رجب، فسأقرأ دعاء بهذه المناسبة، حيث يقول محمد بن الحسين الزاهري عن أبي معشر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام‏، أنّه كان إذا دخل رجب يدعو بهذا الدعاء في كلّ يوم من أيامه: خابَ‏ الْوافِدُونَ‏ عَلى‏ غَيْرِكَ، وَخَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إِلَّا لَكَ، وَضاعَ الْمُلِمُّون ‏(النازلة الشديدة من نوازل الدنيا.) إِلَّا بِكَ، وَ أَجْدَبَ‏( القحط وهو خلاف الخصب وهو النمو والبركة.) الْمُنْتَجِعُونَ‏(النجع والانتجاع: طلب الكلاء ومساقط النبت.) إِلَّا مَنِ انْتَجَعَ فَضْلَكَ، بابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرَّاغِبِينَ، وَخَيْرُكَ مَبْذُولٌ لِلطَّالِبِينَ، وَفَضْلُكَ مُباحٌ لِلسّائِلِينَ، وَنَيْلُكَ مُتاحٌ‏ (أتاحه: هيّأه وقدّره.) لِلآمِلِينَ، وَرِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصاكَ، وَحِلْمُكَ مُتَعَرِّضٌ لِمَنْ ناواكَ، عادَتُكَ الإِحْسانُ إِلَى‏ الْمُسِيئِينَ، وَسَبِيلُكَ الْإبْقاءُ عَلَى الْمُعْتَدِينَ. اللّهُمَّ فَاهْدِنِي هُدَى الْمُهْتَدِينَ، وَارْزُقْنِي اجْتِهادَ الْمُجْتَهِدينَ، وَلا تَجْعَلْنِي مِنَ الْغافِلِينَ الْمُبْعَدِينَ، وَاغْفِرْ لِي يَوْمَ الدِّينِ‏. (الإقبال بالأعمال الحسنة، ج‏3، ص: 210-209)