۲٠۲٣/٠٣/۲٠ ۱٣:٤۱:۱٠
خطبة الجمعة لسماحة السيد عبد الله نظام (أعزه المولى) بتاريخ 24 شعبان 1444هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة السيد عبد الله نظام (زيد عزه)، في مصلى مقام السيدة زينب (عليها السلام)، بتاريخ 24 شعبان 1444.

الخطبة الأولى:

أيها الأعزة نحن على أبواب شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الكريم الذي فيه إعادة صياغة لنفس الإنسان تربية وتعويداً لها على مقاومة شهواتها ونزواتها والوقوف في وجه نوازعها المختلفة، هذا الشهر المبارك فيه دعوة من الله عز وجل لأن يظهر الإنسان مكامن الجمال والكمال في شخصيته، فهو شهر عبادة وإخلاص وإصلاح للذات الإنسانية بما تقدمه مدرسة الصوم من دروس.

وفي هذا المجال خاطب نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) المؤمنين في بداية شهر رمضان محدداً لمعالم الإصلاح في ذواتهم ومحددا لأهمية هذا الشهر المبارك، وتلك المقالة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي في الواقع لتربيتنا وتنبيهنا إلى مواضع الأهمية في هذا الشهر المبارك.

ومن جملة ما قاله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صفة هذا الشهر:

هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللهِ. في هذا الشهر المبارك نحن ضيوف الرحمن أيها الأعزة، وشهر رمضان من أسمائه "شهر الله" فعندما ندخل في شهر رمضان ندخل في ضيافة الله، وبما أعده الله عز وجل لنا من الثواب ومغفرة الذنب والهداية فنحن فيه من أهل كرامة الله وهو يجيب دعائنا، لذلك يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) فَاسْأَلُوا اللهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ، وَتِلاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ.

ماذا نريد منك يا رب العالمين في هذا الشهر المبارك؟ أول شيء نريده هو أن توفقنا لصيام هذا الشهر لنحل في ضيافتك ولنكون من أهل كرامتك، ثم بعد ذلك لابد أن نسأل الله عز وجل غفران الذنب وقبول التوب، وهذا من الأمور الواجبة على كل إنسان في هذا الشهر المبارك؛ اللهم تقبل توبتنا تقبل صيامنا تقبل دعاءنا، اهدنا إلى مرضاتك ووفقنا لطاعتك يا رب العالمين.

لكن هذه الدعوات مشروطة بشرط؛ هو الإخلاص والنية الصادقة، يعني أن أكون متوجهاً إلى ربي وأنا على يقين من أن الله عز وجل سيجيب دعائي وسيقبلني في رحاب طاعته وسيوفقني إلى مرضاته، أن أكون على ثقة بأن الله عز وجل يجيب دعوتي وندائي، هذا من الأمور المهمة في هذا الشهر المبارك؛ شرط إجابة الدعاء هو الإخلاص وتطهير القلب بالاستغفار والتوبة والتوجه الى الله عز وجل بنية صادقة والثقة بالله عز وجل بأنه يجيب دعاءك.

هل يطلب الإنسان في حياته الدنيا أمراً من أحد وهو يعلم أنه لا يجيبه؟ بطبيعة الحال لا يفعل، إنما يتوجه في طلبه إلى من يثق بأنه يجيب، ونحن عندما نقول يا رب نحن على ثقة بأن الله عز وجل يسمع ندائنا ويجيب دعائنا، فإذا كنا كذلك فالله عز وجل هو خير مجيب.

أيها الأعزة، الإخلاص في العمل أن يكون كلُّ الهمِّ والتوجهِ هو نحو الله عز وجل في أي أمر من أمورك أيها الإنسان، هذا شرط في إجابة الله عز وجل لطلبك ودعائك، وفي الحديث قال رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله:" أخْلِصْ قَلبَكَ يَكْفِكَ القَليلُ مِن العَمَلِ" (بحار الأنوار، ج15، ص175) ومثل الإخلاص في العمل كمثل الملح في الطعام، لا يكون العمل طيباً إلا مع الإخلاص كما أن الطعام لا يكون طيباً إلا مع شيء من الملح، بعد ذلك أمرنا بالدعاء بالإخلاص وبدأ المنهج العملي في شهر رمضان المبارك.

الدين الإسلامي أيها الأعزة هو دين تطبيق وعمل وليس دين ألفاظ وشعارات، بإمكان كل إنسان أن يعطي دروساً في الأخلاق والموعظة ويتكلم الساعات الطوال، لكن كل هذا الأمر ليس له قيمة إذا لم يكن عمله يصدّق ما يقول، لذلك من هذه الجهة المهم هو المنهج العملي في الواقع.

ومن المنهج العملي في شهر رمضان هو الصدقة، وَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ، وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَغُضُّوا عَمَّا لا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ، وَعَمَّا لا يَحِلُّ الاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ هذا منهج شامل عملياً فيه سلوك أخلاقي وفيه سلوك إنساني، ومن السلوك الإنساني هو الصدقة على الفقراء والمساكين  ويقول أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) في تقسيم الناس "صِنْفانِ إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ" (نهج البلاغة، الرسالة 53)، فالذي هو أخ لك من العيب والحيف والظلم أن تبيت مبطاناً وهو جائع، أن تبيت متدفئاً وهو يعيش في برد قارس، لا بد أن يواسي الأخ أخاه في جميع شؤون حياته وإن قل هذا الأمر في زماننا - مع الأسف الشديد - حيث صرنا في زمان رديء، ربما الأخ لا يسأل عن أخيه ولا يهمه من أمره شيء، وكثير من الناس أغناهم الله عز وجل من فضله وأهليهم وإخوانهم في فقر شديد، لا يبرّونهم ولا يحسنون إليهم، وهذا في الواقع سيكون سبباً لسؤال عظيم ودقيق بين يدي الله عز وجل.

ويقول نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ" (الكافي، ج2، ص668)، لا يقول أخوه، بل جاره، فكيف بأخيه؟ عندما يقول "ما آمن بي" يعني ليس من المسلمين، هل هناك أعظم من هذا الموقع السيء؟ أن يخرج الإنسان من ربقة الإسلام ألا يعد من المسلمين؟ شرط إسلامك أن تبَرَّ إخوانك، شرط إسلامك أن تعاملهم كما تحب أن تُعامل، أن تعينهم في حياتهم على ما تحب أن تكون عليه.

في الواقع حاجات كثيرة، وهذا يوجهنا أيضاً إلى طريقة المعالجة بالنسبة لإخواننا الذين تحل بهم المصائب والبلاءات، ونحن كثيراً ما نستسهل أن أحدنا عنده شيء من الفائض (من الأرز من السكر من الطعام) شيء نقدمه لذلك الشخص ونعتقد أننا قد قمنا بواجبنا ووفيناه حقه، في الواقع المسألة ليست بهذا الحد والحجم الضئيل، لا بد أن تنظر إلى هذا الإنسان ماذا حصل له؟ أين معيشته؟ أين يؤوي عائلته؟ ما حاله؟ هذا الشيء الذي يجب أن نتوجه إليه وأن نعمل عليه، فلذلك من هذه الجهة واجب المؤمن على المؤمن واجب كبير ووسيع أيها الأعزة.

ثم بعد ذلك يتوجه النبي إلى المسألة الاجتماعية يقول ووقروا كباركم، ومن الأشياء التي فقدناها في هذه الأزمنة المعاصرة السيئة هو سلطة الكبار، فالولد الآن ينظر إلى أبيه على أنه من زمن ماضٍ، متخلف لا يفهم شؤون الحياة، وينظر إلى جده وكأنه تحفة أثرية في بيته ليس لها أثر وليس لها احترام، انظروا لمَ تتعقد القضايا الأسروية والمجتمعية في هذه الأيام؟ لأنه ليس لنا كبير، في المثل يقال: الذي ليس له كبير ليشترِ كبيراً، يعني لابد أن يكون عندنا كبير نرجع إليه على مستوى الأسرة والمدينة والقرية والعائلة والعشيرة، فهؤلاء يحلون الكثير من القضايا ويرتبون حياة الناس بحكمتهم وتجربتهم. نحن نفقد كل ذلك في هذه الأيام لذلك المطلوب هو احترام الكبير واللجوء إليه والاستماع لنصيحته والاستفادة من خبرته في حياته.

إن أبسط الأمور كتجربة صغيرة كل منا قادر على أن يدخلها وأن يمارسها، وعندما يكون عندنا مجموعة من الضعفاء - وكلنا من الضعفاء أمام مشكلات الحياة - إذا اجتمعت قواهم وهنالك من رتبها ونظمها لهم فتوجهوا جميعاً بقدراتهم البسيطة تجاه الأمر الذي يريدونه سيكونون من الناجحين، لأن اجتماع القوى الصغيرة ينتج قوة كبيرة، كالسيول العظيمة التي تذهب بالمدن أحياناً أساسُها قطرات المطر، هذه الحبات الصغيرة من المطر التي اجتمعت فصارت سيلاً عظيماً.

أنتم الآن في هذا المسجد المبارك في هذه الصلاة ربما يصل العدد بين الرجال بين النساء إلى أكثر من ألف إنسان، لو أن كل شخص منا تصدق عن أفراد عائلته بألف ليرة سورية، ألف ليرة سورية ماذا تشتري لك أيها الأخ؟ أنا أسألكم جميعاً وكلكم تذهبون إلى الأسواق تشترون حاجات لأنفسكم: إذا أعطيتها لولدك الصغير هل يقبلها منك؟ إذا أراد أن يذهب إلى المدرسة يعيدها إليك يقول لك يا أبي هذه لا تشتري شيئاً، هذا الذي لا يشتري شيئاً إذا اجتمع يساوي مليون ليرة سورية، في مسجدكم هذا ألف ليرة على مستوى الألف إنسان، لذلك نحن عملياً مقصرون جداً أيها الأعزة، ما عندنا لا ثقافة إسلامية ولا ثقافة مجتمعية، وبأي مقياس تشاؤون قيسوا الأمور على مستوى الحياة الاجتماعية، ما عندنا تفكير وثقافة مجتمعية صحيحة على مستوى الحياة والمشاعر الإسلامية، لذلك نجد أننا نتراجع يوماً بعد يوم ونتخلف يوم بعد يوم وتتعاظم مشكلاتنا يوما بعد يوم، لماذا؟ لأننا نفقد التوجه الصحيح في حل أمورنا، ومن التوجه الصحيح ثقافة الصدقة، واجتماع الصدقات لتشكل مبلغاً كبيراً يمكن أن تحل به مشكلات المجتمع.

كلكم تبحثون عن مدرسة لأبنائكم وتريدون لأبنائكم مدرسة، لكن لا أحد منكم يساهم في بناء ولو بحجر، هذا إذا دل على أي شيء يدل؟ على أننا نحن في الواقع لا نستطيع أن نخطط لمستقبلنا، فلو كنا نقدر على التخطيط الصحيح لمستقبلنا لتوجهنا إلى المساهمة في حل مشكلاتنا ولو بأبسط شيء.

وقال نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) للصائمين: أيها الناس! مَنْ فَطَّرَ مِنْكُمْ صَائِماً مُؤْمِناً فِي هَذَا الشَّهْرِ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الله عِتْقُ نَسَمَةٍ، وَمَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ الله! فَلَيْسَ كُلُّنَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وآله-: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ. فهل هناك من عنده عذر بهذه الحالة؟ وفي القرآن الكريم ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ ومَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلّا ما آتاهاO (سورة الطلاق، 7)،

بعد ذلك يقول وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم الرحم لها حق، فما معنى أن هذا عمي وهذا خالي وهذه المرأة خالتي أو ابنة عمي أو ابنة عمتي أو جدتي أو أختي أو أولاد إخوتي؟ ما معنى هذا الكلام؟ هذه كلها أرحام، أنت وهؤلاء تجتمع عند أب واحد عند أم واحدة، لحمك لحمهم ودمك دمهم، كيف لا تصلهم ولا تسأل عنهم؟

إننا نرى الآن قطيعة بين الأرحام، فيختلف الناس ويتخاصمون على فتات من هذه الحياة الدنيا؛ فالأخ في الميراث يفتش كيف يستأثر بالنصيب الأكبر والأفضل لنفسه ويؤثر نفسه على إخوته، والأشد والأشق ما يجري بالنسبة إلى البنات حيث يحرم أخواته من ميراثهن أو يعوضهن بفُتاتٍ، أو تظنون أن هذه المرأة التي قالت لك "أنا قبلت ورضيت" مكرهة، هذا القبول والرضا قبول حقيقي ورضا مبرئ للذمة؟ هي لا تريد أن تختصم معك لذلك قالت لك أنا قبلت ورضيت، لكنها في الواقع ليست راضية وليست قابلة، والمأخوذ خجلا ًكالمأخوذ غصباً بلا فرق.

بعد ذلك يقول وَغُضُّوا عَمَّا لا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ، وَعَمَّا لا يَحِلُّ الاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ. هذه كلمات قليلة، يعني عندما يقول غضوا عما لا يحل الاستماع اليه أسماعكم، يعني غضوا عن النميمة غضوا عن الغيبة لا تتكلموا ببهتان.

كم هم الذين تخلصوا من ذلك أيها الأعزة؟  كل إنسان يعلم حقيقة نفسه وأقواله وأفعاله وبصره وكل شيء من حاله، بينك وبين نفسك كم مرة في اليوم تغتاب غيرك من الناس؟ كم مرة في اليوم تلقي بنميمة على أخيك؟ كم مرة والعياذ بالله قد تتجرأ وتصف أخاك بما ليس فيه فيكون في ذلك بهتان عظيم؟ ما المسؤولية عن ذلك؟ كيف نواجه ربنا به وهو القائل Pوَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌO (سورة الحجرات، 12).

إن اجتماع الأخلاق والأمور الاجتماعية واجتماع المسيرة الإسلامية كلها هي في شهر رمضان، طبعاً ليس معناه أنه في بقية الشهور هذا ليس مطلوباً، لا؛ هذا مطلوب منك في شهر رمضان حتى تتعلمه وتعتاد عليه في بقية الشهور وفي بقية الأيام، فالذي يقدر على ذلك طيلة شهر كامل يقدر عليه في بقية الشهور.

ثم بعد ذلك وَتَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِكُمْ، وَتُوبُوا إِلَى اللهِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَارْفَعُوا إِلَيْهِ أَيْدِيَكُمْ بِالدُّعَاءِ فِي أَوْقَاتِ صَلاتِكُمْ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، يَنْظُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا بِالرَّحْمَةِ إِلَى عِبَادِهِ، يُجِيبُهُمْ إِذَا نَاجَوْهُ، وَيُلَبِّيهِمْ إِذَا نَادَوْهُ، وَيُعْطِيهِمْ إِذَا سَأَلُوهُ، وَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعَوْهُ ثم بعد ذلك يقول أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ، فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ، وَظُهُورَكُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِكُمْ، فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِكُمْ أقرب ما يكون المرء إلى ربه وهو ساجد فخففوا من الأثقال والأوزار التي تحملونها بأعمالكم الخيرة، إن الحسنات يذهبن السيئات، والسجود يخفف عن الإنسان ويضيء ويزيل الحمل الثقيل للذنوب وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ الْمُصَلِّينَ وَالسَّاجِدِينَ، وَأَنْ لا يُرَوِّعَهُمْ بِالنَّارِ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

هذا شهر رمضان أيها الأحبة، وهو ليس شهر امتناع عن الطعام والشراب، وليس شهر الولائم، وليس شهر النظر إلى التلفاز والفضائيات ومتابعة المسلسلات والى آخره، وهذا كله فيه مما يحرم النظر إليه، وفيه مما يحرم الاستماع إليه، وفيه إتلاف للوقت وذهاب للجهد، وفيه بعد عن العبادة المطلوبة في هذا الشهر الكريم.

إن هذه الخطبة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي مقياس، فقد رسم لك أيها المسلم حدود الشخصية المسلمة الصحيحة، قس نفسك على هذه الحدود التي رسمها لنرى كم تحقق منها؟ وإلى أي مقدار وفقك الله عز وجل أن تحقق.

الخطبة الثانية:

 رأيتم قبل أسابيع مأساة الزلزال المدمر في حلب واللاذقية، الذي شرد بعض العائلات وهدم بعض البيوت وحصلت بسببه مشكلة معيشية للكثير من العائلات سواء من كان معنا منتمياً إلى مدرسة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام أو من كان أخاً لنا في الدين أو من كان أخاً لنا في الإنسانية، ففي النتيجة الناس عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.

وأنا في هذا اليوم أشكر الجمهورية الإسلامية الإيرانية على ما بذلته وقدمته وسبقت إليه من أعمال الإنقاذ وأعمال الإغاثة والإيواء لجميع العائلات المنكوبة على اختلاف أطيافها في مدينة حلب وفي اللاذقية، وهذا - كما ذكرت - راجع إلى الأخوة في الدين وإلى التماثل في الخلق، كما أشكر الإخوة في العراق الشقيق في الحشد الشعبي أيضاً على ما بذلوه وما فعلوه في هذا البلد وما قدموه ولا زالوا يقدمونه أيضاً من الأعمال الإغاثية والمعونات الكثيرة، ولا بد أن نشكر أيضاً الكثير من الدول التي قدمت إعانات مخلصة بدواعي إنسانية (لأن البعض قدم بدواعي أخرى).

 كما أنه أريد أن ألفت النظر في هذا الشهر المبارك إلى أن هنالك العديد من المسلسلات المتلفزة السيئة السخيفة التي تعرض المفاسد الأخلاقية والمفاسد المجتمعية، فالتفتوا إليها أيها الأعزة، لا أحد منكم يعتقد أنه من المناسب أن يجلب التسلية والمسرة إلى نفسه إذا كان ذلك على حساب عائلته وأولاده وبناته

وأنا أريد أن أنبهكم إلى شيء ولاحظوه: تغير حوار زوجاتكم وبناتكم وأبنائكم معكم؛ ما الفرق بين عشر سنوات سابقة والآن؟ تلاحظون بروز الجرأة على لسان الزوجة والولد والبنت، هذا لم يكن موجوداً قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً، فمن أين جاء هذا؟ جاء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال مسلسلات التلفاز التي صارت تعرض الخيانة والشذوذ والأشياء السيئة وتقدمها للناس بصور مختلفة، حتى ولو أنها انتقدتها.

في يوم فتشت في مكتبة والدي رحمه الله فوجدت عنده كتاب قراءة يرجع إلى الصف الثالث الابتدائي في ذلك الزمان - في أيام الفرنسيين - كتبوا فيه دعوة إلى الألفة والوحدة، ومن خلالها ذكّروا بكل الفوارق الاجتماعية والطائفية، قالوا: اجتمع سني وشيعي وعلوي ودرزي ومسيحي وأرادوا أن يسيروا في شارع فوجدوا صخرة كبيرة، فتقدم كل واحد منهم حتى يزيلها فلم يستطع، فاجتمع الكل فاستطاعوا إزاحتها، نعم إن فكرة أن يجتمع الناس ليقوموا اعوجاجاً أو ليزيلوا عائقاً هذا جيد، لكن في باطن هذه الموعظة وهذه الدعوة تذكير بالفوارق بين هؤلاء الأفراد وهذه الطوائف، يعني: انتبه أنت تختلف عن هذا وهذا وذاك، قدموا لك دعوة في ظاهرها الرحمة والدعوة إلى الألفة، وفي باطنها الإشارة إلى الفوارق وإلى التفرقة.

لما دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس إلى الإسلام قبِلَ إسلامهم ولم يدعهم إلى مذاهب ولا إلى طوائف ولم يدعهم إلى مواقف خاصة من أشياء عقدية أو عبادية، كل ما دعاهم إليه هو الشهادتين، فمن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فهو مسلم صار له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، والإمام عليّ عليه السلام وسع دائرة الإنسانية إلى الأخوة في الدين، ولم يقل في المذهب، فقال: أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق هو إنسان كما أنت إنسان.

فمن هذه الجهة لابد أن ننظر إلى هذه القضايا بعين الوسعة من جهة، من جهة أخرى أن نستيقظ ونلتفت إلى دواعي الفساد والفرقة حتى وإن كان ظاهر الدعوة إلى شيء محق، لأن أسلوب الدعوة وطريقتها أمر مهم.

أرادوا مثلاً أن يعرضوا مسلسلاً عن معاوية بن أبي سفيان، لم هذا المسلسل؟ من أجل أي شيء تريدون أن تبرؤوا ذمته وأن تعرضوا له منجزات؟ وهو يتحمل أوزار كل الملوك الذين جاءوا إلى العالم الإسلامي من أيامه إلى هذا اليوم، وكل آثام الحكام الذين جاءوا بعده من أيامه إلى هذا اليوم، لأنه سن سنة للجميع سبق بها كل فلاسفة الغرب والشرق؛ أن الغاية تبرر الواسطة، فظلموا وقتلوا واحتالوا، ونحن الآن نريد أن نعرض له مسلسلاً! الواقع الاجتماعي لا يتحمل أن يذكر بسوء، نعرف هذا، لكن أيضاً لا يجب أن يذكر بخير، انسوه واتركوه.

والأسوأ من هذا أن شخصيات الصحابة كلها ظاهرة الوجوه قام ممثلون بتمثيلها، فالذي أسندوا إليه دور الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان له قبل أقل من سنة دور لإنسان شاذ يعرض في التلفاز، أليس هذا إهانة للإمام عليّ (عليه السلام) كيف يمكن للإنسان المسلم أن يرضى ذلك؟

مرة زارني في مرقد السيدة رقية عليها السلام أحد المخرجين للسينمائيين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقال لي إذا يسمح لنا علماء المسلمين والمراجع العظام بإظهار وجه الممثل الذي يمثل دور المعصوم هذا يؤدي الدور بشكل أفضل وأحسن، فقلت له هذا صحيح يؤدي الدور بشكل أفضل وأحسن، لكن لو أن هذا الشخص في هذا اليوم مثل دور واحد من المعصومين من الأنبياء أو الأئمة وفي مسلسل آخر مثل دور زعيم عصابة أو سارق أو قاتل أو مجرم، أين القداسة للشخصية التي أراد أن يقوم بتمثيلها؟ فقال لي: نحن نشترط على الذي يمثل دور معصوم ألا يمثل مرة أخرى في حياته، نحن ننتقيه انتقاء ليس له شائبة معيبة في السابق، ولا نأذن له أن يقوم بالتمثيل في بقية حياته، أو إذا مثل دور شخصية مقدسة محترمة - ولو عالمٍ كبير أو إنسان مصلح كبير - نمنعه مثلا خمس أو سبع سنوات من القيام بالتمثيل لأي دور آخر.

أما أن يُأتى بشخص مثّل دور إنسان شاذ قبل أشهر والآن يمثل دور الإمام علي بن أبي طالب! فلو تركتموه يمثل دور معاوية لكان أوفق بالشخصية وأحسن، فمثل هذه القضايا فيها إساءات.

أيها الأحبة، نحن الآن أمام تزوير للتاريخ، أمام إساءة إلى المقدسات، أمام إفساد للأخلاق والسلوك الاجتماعي، ومتى؟ في شهر رمضان، يعني أنت إلى السحر أو إلى الفجر إذا أردت أن تنتقل من مسلسل إلى مسلسل ومن فيلم إلى فيلم تستطيع، فتترك دعاء السحر وباقي الأدعية والمناجاة والصلوات، هذا الشيطان يريد أن يغويك، هو شيطان قائم في بيتك وهؤلاء يتقنون تحريكه، لذلك اتقوا الله في هذا الشهر المبارك في أنفسكم في عائلاتكم في نسائكم في أبنائكم في فتياتكم حتى نستفيد من مدرسة الصوم إن شاء الله.

وعلينا جميعاً أن نرفع صوتنا عالياً مستنكرين هذا العمل الشنيع الذي قامت به مؤسسة MBC ويمكن للإخوة على مواقع التواصل أن يذموا هذا العمل وينفروا الناس منه، ونشكل جيشاً إلكترونياً لمحاربة هذا العمل المسيء، هذا لابد أن نعمل عليه ولا ننساه، وأن نحاول دوماً أن نحفظ بيوتنا في طهارتها وعفّتها.