تحمیل PDF هویة الکتاب الفهرست
«« الصفحة الأولی    « الصفحة السابقة    الجزء:    الصفحة التالیة »    الصفحة الأخیرة»»
اسم الکتاب: التفسیر الجامع - المجلد ۱    المؤلف: الشیخ الدکتور محمد عبد الستار سید    الجزء: ۱    الصفحة: ٣٠   

لماذا اختار الله سبحانه وتعالى: ﴿الرَّحْمَٰنِ الرَّحِیمِ﴾ للبدء بالقرآن الکریم وللبدء بفاتحة الکتاب، ولبدء کلّ أمرٍ یقوم به المسلم؟ والجواب: هو أنّ هذا عنوان رسالة الإسلام الّتی أُرسل بها محمّد رسول الله صلَّى الله علیه وسلَّم وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ کَتَبْنَا فِی الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِی هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِینَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِینَ ﴾ [الأنبیاء]وفی اللّغة العربیّة (إلّا) أداة حصر وقصر، فقصر الرّسالة على الرّحمة، وقال النّبیّ صلَّى الله علیه وسلَّم: «إنّما أنا رحمةٌ مهداة»([1])، وعندما کانوا یقولون له: ألا تدعو على قومک؟! یقول صلَّى الله علیه وسلَّم: «اللّهمّ اهدِ قومی فإنّهم لا یعلمون»([2])، فهو : جاء رحمة للنّاس ولم یأت لتکفیرهم أو إرهابهم أو قتلهم، لم یأت للحقد والکراهیة والبغضاء والطّائفیّة، بل جاء رحمة واسعة للعالمین، یسع الطّائع والعاصی، والمؤمن والمنافق والفاسق، یسع الجمیع على کافَّة انتماءاتهم. بینما نجد الیوم من یقول لمن أراد أن یقرأ القرآن أو یصلّی: أنت کنت ترتکب المعاصی وترید أن تقرأ القرآن الآن؟ أو یقول له: کنت تسرق وتزنی فکیف تجرؤ على الصّلاة؟!.. والله عزَّوجل یقول: نعم؛ قل: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِیمِ﴾ وتذکّر الرّحمن والرّحیم، وهو رحمن الدّنیا والآخرة، والرّحیم رحیم الآخرة، یعفو عن السیّئات وینادی عبده ویعده بالمغفرة، ویقول: أَقبِل عبدی، وانسَ ما


([1]) سنن الدّارمیّ: المقدّمة، باب کیف کان أوّل شأن النّبیّ صلَّى الله علیه وسلَّم، الحدیث رقم (15).
([2]) شعب الإیمان للبیهقیّ: 164/2، الحدیث رقم (1447).

#31
ارتکبت من ذنوب؛ فإنّ رحمتی وسعت کلّ شیء.. قال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ یَا عِبَادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ﴾ [الزمر] فهذا دین الرّحمة الّذی یبدأ کتابه فی کلّ سورة منه بـــــــ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِیمِ﴾ ولا تبدأ بأیّ اسم آخر من أسماء الله الحسنى على الإطلاق؛ لأنّ هذا الاسم یشدّ الإنسان إلى واسع رحمة الله ومغفرته وتوبته علیه.
والرّحمن مشتقّة من الرّحم، وهو المکان الّذی یأتی منه الغذاء والماء وکلّ مقدّرات الحیاة من دون أسباب، فالجنین فی بطن أمّه تأتیه مقدّرات الحیاة دون بذل أیّ جهد، واعتماده على المسبّب ولیس على السّبب، ومن الرّحم اشتقّت ﴿الرَّحْمَٰنِ الرَّحِیمِ﴾؛ ولذلک قال رسول الله صلَّى الله علیه وسلَّم: «ما منکم مِنْ أحدٍ یدخله عملُه الجنَّة»، قالوا: ولا أنت یا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلّا أن یتغَمَّدنی الله منه برحمة»([1])، فلولا رحمة الله سبحانه وتعالى ما دخل أحد الجنّة بعمله.
أمّا الفرق بین الرّحمن والرّحیم، فالرّحمن أشمل وأوسع. وقد یقول قائل: هل فی صفات الله ما هو أشمل وأوسع من بعضها الآخر؟ والجواب: أنّ الّذی یخضع للزّیادة والنّقصان لیس صفات الله وإنّما المتعلّق بصفات الله. یقول النّبیّ صلَّى الله علیه وسلَّم «جعل الله الرّحمة فی مئة جزء، فأمسک عنده تسعة وتسعین جزءاً، وأنزل فی الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلک الجزء یتراحم
__________
([1]) المعجم الکبیر للطّبرانیّ: باب الشّین، شریک بن طارق بن سفیان، الحدیث رقم (7221).


«« الصفحة الأولی    « الصفحة السابقة    الجزء:    الصفحة التالیة »    الصفحة الأخیرة»»
 تحمیل PDF هویة الکتاب الفهرست