تحمیل PDF هویة الکتاب الفهرست
«« الصفحة الأولی    « الصفحة السابقة    الجزء:    الصفحة التالیة »    الصفحة الأخیرة»»
اسم الکتاب: التفسیر الجامع - المجلد ۱    المؤلف: الشیخ الدکتور محمد عبد الستار سید    الجزء: ۱    الصفحة: ۱٠۹   

فهذا عظیم بمقیاس الله جلَّ جلاله وعندما یقول: ﴿عَذَابٌ مُهِینٌ﴾ أی أنّ هذا الإنسان الّذی کان على رفعةٍ فی الحیاة الدّنیا أهانه الله عزَّوجل فی الآخرة على رؤوس الأشهاد.
ونأتی إلى آیات النّفاق الّتی استغرقت ثلاث عشرة آیة؛ لأنّه لیس هناک ما یُسبّب خراب المجتمع مثل المنافقین، وقد قلنا: إنّ النّفاق ظهر فی المدینة المنوّرة، ولم یکن هناک نفاق فی مکّة بسبب ضعف المسلمین الّذین کانوا مضطهدین، أمّا فی المدینة المنوّرة وقد ساد الإسلام فأصبح بعضهم یتظاهر بالإسلام ویُبطن الکفر، هؤلاء هم المنافقون. ففی المدینة ظهرت قضیّة ثالثة غیر الإیمان والکفر، وهی قضیّة النّفاق. والمنافق مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وإنّما إلى مصلحته.
وقد تحدّث القرآن الکریم عن المؤمنین فی ثلاث آیات، وعن الکافرین فی آیتین، وأفرد ثلاث عشرة آیة للحدیث عن المنافقین، کما أسلفنا.

الآیة رقم (8) - وَمِنَ النَّاسِ مَن یَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْیَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِینَ


هذه أولى صفاتهم، وهناک نفاق اعتقادیّ ونفاق سلوکیّ، والنّفاق الاعتقادیّ هو أن یُبطن الإنسان الکفر ویُظهر أمام النّاس الإیمان. أمّا النّفاق السّلوکیّ فیتمثّل فی ذی الوجهین: (وذو الوجهین لا یکون عند الله وجیهاً). وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِینَ فِی الدَّرْکِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِیرًا﴾ [النّساء]، وقال صلَّى الله علیه وسلَّم «أربعٌ من کنّ فیه کان منافقاً خالصاً،

#110
ومن کانت فیه خصلةٌ منهنّ کانت فیه خَصلةٌ من النّفاق حتّى یدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث کذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»([1])، فهذا نفاق سلوکیّ.
وقول الله عزَّوجل ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن یَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْیَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِینَ﴾ من الّذی یکشف بأنّهم غیر مؤمنین؟
علم الله سبحانه وتعالى القدیم هو الّذی یکشفهم، فهو یعرف من أبطن الکفر وأظهر الإیمان. وفی مجتمع المدینة کان رأس المنافقین عبد الله بن أبیّ بن سلول. وقد أفرد القرآن الکریم سورة کاملة عن المنافقین وهی سورة: (المنافقون)، ممّا یدلّ على خطر النّفاق فی المجتمعات. وفی بدایة سورة (المنافقون) یقول سبحانه وتعالى: ﴿إِذَا جَاءَکَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّکَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ یَعْلَمُ إِنَّکَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِینَ لَکَاذِبُونَ﴾ فهم یشهدون أنّه رسول الله، والله یشهد أنّهم کاذبون.
وحین یقرأ المستشرقون مثل هذه الآیات تلتبس علیهم الضّمائر فیها فلا یدرکون عائدیّتها، وتختلط علیهم الأمور، فالمنافقون، یقولون ما لا یؤمنون به. والصّدق هو أن یطابق القول الاعتقاد الموجود فی القلب، فمن خالف قوله اعتقاده فهو کاذب، والّذی یکشف الکذب هو الله سبحانه وتعالى، وهو الّذی یتحدّث بعلمه القدیم، وهو یقول: إنّهم لکاذبون، لیس فی قولهم، بل فی اعتقادهم، فهم کاذبون؛ لأنّهم یقولون غیر ما یعتقدون.


([1]) صحیح البخاریّ: کتاب الإیمان، باب علامة المنافق، الحدیث رقم (34).


«« الصفحة الأولی    « الصفحة السابقة    الجزء:    الصفحة التالیة »    الصفحة الأخیرة»»
 تحمیل PDF هویة الکتاب الفهرست